شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"أيقونة تقدمية نسوية"... رحيل القاضية الأمريكية غينسبورغ مُلهمة النساء في الشرق والغرب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

السبت 19 سبتمبر 202002:18 م

"قالت لي أمي أن أكون سيّدة. بالنسبة إليها، كان هذا يعني أن أكون حرّة ومستقلة"، قد تكون هذه الكلمات التي وردت على لسان القاضية روث بادر غينسبورغ، أبرز قضاة المحكمة الأمريكية العليا، كافيةً للتعريف عنها "أيقونة تقدمية" و"مناضلة نسوية".

رحلت غينسبورغ (87 عاماً) في 18 أيلول/ سبتمبر، بعد صراع مضنٍ مع سرطان البنكرياس، مخلفةً حزناً عميقاً داخل الولايات المتحدة وخارجها، وقلقاً شديداً بشأن الصراع المؤكد على تعيين بديل لها، وتوقعات بأن وفاتها التي تتزامن مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقررة في 3 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل ستلعب دوراً مهماً، ربما تقلب الأمور رأساً على عقب.

فور إعلان وفاتها، اتجه آلاف الأمريكيين صوب المحكمة العليا -أعلى هيئة قضائية أمريكية- لوداعها وإضاءة الشموع، وتركوا الورود ورسائل كُتب فيها: "شكراً لكِ" و"استريحي استراحة تامة"، فيما أعلنت متحدثة باسم البيض أن العلم الأمريكي سينكس تكريماً للقاضية الراحلة.

ولدى إعلامه بالخبر أثناء مهرجان انتخابي في مينيسوتا، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب: "لم أكن أعلم. لقد عاشت حياة رائعة. سواء أردت أم لا كانت رائعة". وكان قد حدث خلاف بين ترامب وغينسبورغ أثناء حملته الانتخابية عام 2016، إذ وصفته بـ"المزيف"، وردّ هو بأنها "فقدت عقلها"، ثم اعتذرت عن إبدائها تعليقاً في قضية سياسية.

من هي غينسبورغ؟

خدمت الليبرالية غينسبورغ المولودة في نيويورك عام 1933 في المحكمة العليا 27 عاماً. وبعدما حاربت التحيز الجنسي الراسخ في مهنة المحاماة وانتصرت عليه، كرّست سنواتها في المحكمة العليا للدفاع عن المساواة بين الجنسين وقضايا ليبرالية أخرى، منها تعزيز حقوق الأقليات العرقية وحريات مجتمع الميم بعدما عيّنها الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون عام 1993 في هذا المنصب.

وهي المرأة الثانية التي تشغل هذا المنصب الرفيع، ولحقت بها قاضيتان أخريان. وعندما سُئلت عن عدد القاضيات اللواتي ينبغي أن يُعيّن في المحكمة العليا المكونة من تسعة قضاة، قالت بابتسامة ماكرة: "تسع قاضيات". 

"قالت لي أمي أن أكون سيّدة. كان هذا يعني أن أكون حرّة ومستقلة"... القاضية الأمريكية روث بادر غينسبورغ، المناضلة النسوية وأبرز قضاة المحكمة الأمريكية العليا، ترحل بسرطان البنكرياس. كيف يمكن أن تقلب وفاتُها الانتخابات الأمريكية رأساً على عقب؟

وقد أُطلق عليها لقب "آر بي جي" بعد اضطلاعها بدور مؤثر في الدفاع عن حقوق حقوق المرأة بمطلع حياتها المهنية. كما ظلت قوة تقدمية فاعلة داخل المحكمة العليا لكونها زعيمة تحالف يميل إلى اليسار وسط غالبية محافظة من القضاة.

لا يعلم الكثيرون أن الفيلم الشهير "On the Basis of Sex"، أي "على أساس الجنس" الذي أنتج عام 2018، استلهم قصته من سيرة حياتها المهنية ونضالها النسوي. وكذلك الفيلم الوثائقي الذي رُشّح للأوسكار "RBG". "أنا لا أطلب معروفاً لبنات جنسي. كل ما أنشده من أبناء جنسنا (الذكور) هو أن يرفعوا أقدامهم عن أعناقنا"، قالت في هذا الفيلم عن نضالها النسوي.

في رثائها، قال رئيس المحكمة العليا جون روبرتس: "خسرت أمتنا عالمة حقوقية ذات قامة تاريخية".

وتابع: "فقدنا في المحكمة العليا زميلة نعتز بها. اليوم نحزن، ولكننا على ثقة بأن الأجيال المقبلة ستتذكر روث بادر غينسبورغ كما عرفناها (...) مدافعة حازمة عن العدالة بلا كلل".

ونعت هيئة الأمم المتحدة للمرأة "بطلة العدالة التي مهدت الطريق للمساواة بين الجنسين"، مضيفةً "لن ننساها" و"سيظل إرثها".

وفي بيان، قال الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر إن غينسبورغ "امرأة عظيمة حقاً" و"عقل قانوني قوي ومدافع قوي عن المساواة بين الجنسين" و"منارة للعدالة خلال حياتها المهنية الطويلة والرائعة".

وامتدح الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش "سعيها إلى تحقيق العدالة والمساواة"، لافتاً إلى أنها "ألهمت أكثر من جيل من النساء والفتيات".

عندما سُئلت عن دافعها للنضال النسوي في الفيلم الوثائقي RBG، قالت القاضية غينسبورغ: "أنا لا أطلب معروفاً لبنات جنسي. كل ما أنشده من أبناء جنسنا (الذكور) هو أن يرفعوا أقدامهم عن أعناقنا"

أما المرشحة الرئاسية السابقة هيلاري كلينتون فقالت إن غينسبورغ كانت مصدر إلهام لها.

هل تحيّن ترامب وفاتها؟

يرجح أن وفاة زعيم الجناح الليبرالي في المحكمة العليا، التي تسبق الانتخابات الرئاسية الأمريكية بشهرين، ستدفع ترامب إلى الإسراع في تعيين خليفة لها بغية بسط سيطرة الجمهوريين على المحكمة العليا. ويُتوقع أن تفضي تلك الجهود في النهاية إلى خروج المزيد من الجمهوريين إلى التصويت من أجل تعزيز حظوظه في الانتخابات الرئاسية.

وقد تُسهّل وفاتها الفرصة لترامب، الذي تمتد ولايته الرئاسية حتى 20 كانون الثاني/ يناير عام 2021، تعزيز الأغلبية المحافظة (اليمينية) في المحكمة بتعيين شخصية ثالثة بعدما عيّن قاضييْن محافظين.

تتطلب الموافقة على تعيين قضاة المحكمة العليا موافقة مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون (53-47)، وهو ما قد يمكّن ترامب من تسمية بديل تتم المصادقة عليه بسرعة قياسية.  

يُذكر أن وفاة القاضية الليبرالية قد تخل بالتوازن الأيديولوجي داخل المحكمة في ظل وجود خمسة من القضاة المحافظين فيها مقابل أربعة.

"وفاتها تخلّ بالتوازن الأيديولوجي في أعلى هيئة قضائية أمريكية"... ترامب يسرع إلى انتهاز فرصة وفاة القاضية غينسبورغ لتعيين قاض محافظ آخر يعزز معسكر اليمين في المحكمة الأمريكية العليا بستة قضاة مقابل ثلاثة ليبراليين فقط

ويهدف الرئيس الأمريكي من ذلك إلى تأمين غالبية مريحة للمحافظين في المحكمة التي لها الكلمة الفصل في عدد من القضايا الحساسة مثل الإجهاض واقتناء السلاح وعقوبة الإعدام، وهي القضايا التي ينقسم الأمريكيون بشأنها.

وفيما انتبه الديمقراطيون إلى خطورة التحرك المحتمل لترامب، الذي بدأت تصريحات الجمهوريين بشأنه، قال منافس ترامب في الانتخابات الرئاسية جو بايدن أن تعيين خليفة لغينسبورغ يجب أن ينتظر إلى ما بعد انتخاب رئيس جديد.

وأضاف بايدن في لقاء مع بضعة صحافيين: "يجب على الناخبين اختيار الرئيس، وعلى الرئيس اختيار قاض لينظر فيه مجلس الشيوخ". 

وبدأت بوادر الصراع في الكونغرس على خليفة غينسبورغ بعدما أعلن زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل أن المجلس سيصوّت على مرشح ترامب لملء المنصب الشاغر، ولن ينتظر انتخاب رئيس جديد، متجاهلاً مناشدات الديمقراطيين، برغم أن الجمهوريين كانوا قد تسببوا بشغور منصب في المحكمة عام 2016 لإصرارهم على انتظار انتخاب رئيس جديد وحرمان الرئيس السابق باراك أوباما من طرح مرشحين.

علماً أن غينسبورغ كانت قد تمنّت قبل وفاتها بعدة أيام تأخير اختيار بديل لها حتى انتخاب رئيس جديد. ونقلت مواقع أمريكية عنها: "أمنيتي الأكثر حرارةً هي ألا يحصل استبدالي إلا بعد تنصيب رئيس جديد".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard