قُتلت شابة مصرية اسمها مريم محمد (24 عاماً) بعد تعرّضها لاعتداء عنيف في شارع 9 بالمعادي جنوب القاهرة أدّى إلى وفاتها.
الحكاية الأولى التي تداولتها وسائل إعلام مصرية في 14 تشرين الأول/أكتوبر عن الجريمة هي أنها جريمة تحرّش أدّت في نهاية المطاف إلى سحل مريم في الشارع ودهسها، فقتلها. حاول ثلاثة شباب في سيارة (ميكروباص)، التحرّش بها وحينما حاولت التهرّب، أُمسك بحقيبتها، وهو ما أفضى إلى سحلها نحو 15 متراً، ثم دهسها. وفارقت الحياة بسبب إصابتها بكسور وجروح في مختلف أنحاء جسمها.
وقيل إنها قد تكون حادثة "سرقة" أدت إلى القتل، وليست تحرشاً، وهو ما أشارت إليه الرواية الثانية، التي أصدرتها النيابة العامة في الساعات الأولى من صباح 15 تشرين الأول/أكتوبر إذ قالت إن "شاهداً أبلغ الشرطة برؤيته سيارة (ميكروباص بيضاء اللون) يستقلُّها اثنان، انتزع مُرافِق سائقِها حقيبةَ المجنى عليها منها، ممَّا أدى إلى اصطدامها بسيارة متوقفة ومن ثم وفاتها".
ولفتت النيابة إلى أن مريم أُصيبت بأنحاء متفرقة من جسدها وتبيّنت آثار دماء ملطخة بالرمال على مقربة من إحدى السيارات، فأُخذت عينات منها.
وتمكنت النيابة من الحصول على خمسة مقاطع مرئية من آلات المراقبة المُطلَّة على موقع الحادث، والتي تبيَّن منها مرورُ السيارة التي استقلها المتهمان بسرعة فائقة.
أضافت النيابة أن مريم كانت رفقة فتاة أخرى عند وقوع الجريمة، موضحة أن شاهداً قال إن خلال توقفهما اقتربت سيارة ميكروباص، يستقلها اثنان، وقد انتزع مرافق سائقها حقيبة مريم التي كانت على ظهرها، وتشبث بها ممَّا أخلَّ بتوازن مريم، فارتطم رأسها بمقدمة سيارة متوقفة بجوارها، وفرَّ الجانيان بالحقيبة، بينما ابتعدت الفتاة التي كانت بصحبة مريم خوفاً.
وأضاف الشاهد: "مكثت مريم قرابة نصف ساعة في مكان الحادث حتى قدوم سيارة الإسعاف، ثم فارقت الحياة".
وأُعلن أنه أُلقي القبض على المُجرميْن وهما "نسيبان، من أصحاب السوابق، كوّنا عصابة لسرقة الحقائب. يقتربا من الضحية وهما داخل سيارة ويجذب أحدهما حقيبتها".
"قتل مريم جرس إنذار لنا كلّنا إذ سنلاقي المصير نفسه إن استمرت الشوارع مساحات غير آمنه للنساء"... غضب شعبي ولّده مقتل شابة مصرية بعد سحلها في الشارع
واحد من كوابيسي
الرواية الأولى الخاصة بالتحرّش دفعت الكثير من النساء المصريات إلى الحديث عن الخوف من الموت في حوادث مُشابهة وعن الرُعب المُصاحب لعيش هذه التُجربة.
كتبت شابة تُدعى بسنت ماكسيموس: "واحد من كوابيسي أني أموت بسبب عربية بتعاكس. ربنا يرحمها أكيد كانت تستاهل حياة أكرم ومجتمع أفضل ونهاية وسط حبايبها بعد العمر المديد".
وروت أخرى: "وأنا في آخر سنة في الجامعة واحدة صاحبتي توفت بسبب شوية عرر قعدوا يزنقوا عليهم لحد ما البنت معرفتش تسيطر عالعربية، واتقلبوا من عالدائري. العربية كان فيها 3 بنات، اتنين ماتوا وواحدة عايشة مشلولة، وأنا حاولت اتخطى الموضوع لحد ما بطلت أسوق خالص".
ومما قيل أيضاً أن كل فتاة في مصر قد تكون مريم وكأن الحياة "ينقصها قلق وخوف وتوتر".
وكتبت الصحافية في "مدى مصر" هدير المهداوي أن "طريقة الاعتداء الجنسي الإجرامية بأن موتوسيكل/عربية/ميكروباص/الخ يكسر على بنت واقفة أو في عربيتها أو يحاول يخبطها عشان بيستظرف دم أهله، واللي هي منتشرة جداً وكلنا كستات تعرضنا ليها في مصر، هي شروع في قتل بالقصد وبالنية + ترويع مواطنين".
ضحية "اعتداء"
تعقيباً على الرواية الثانية، قالت الناشطة الحقوقية صباح خضير: "بغض النظر عن الغرض (التحرّش أو السرقة)، فمن المهم التأكيد على أن هذا لا يُغيّر حقيقة أن النساء غالباً ما يتم استهدافهنّ في الشوارع. يعتمد بعض المتحرشين إستراتيجية التظاهر بالسرقة من أجل لمسها أو لمسها من أجل سرقتها. هذه ظاهرة شائعة. يجب ألا ننسى أن مريم ضحية اعتداء. سواء أكان اعتداءاً جنسياً أم لا. هي ضحية جريمة لا ينبغي أن تمرّ بدون عقاب. وأعتقد أنها لن تمر من دون عقاب".
ويتداول روّاد التواصل الاجتماعي قصة مريم والمطالبة بحقّها عبر هاشتاغات عديدة، من بينها "#العدالة_لمريم"، "#حق_مريم_فين"، #حق_فتاة_المعادي.
"حين نطبّع مع العنف، فهذا يؤدي إلى التمادي وارتكاب ما هو أبشع... موت مريم يحكي أن جميع أنواع العنف التي تواجهها النساء تؤدي إلى القتل"... غضب شعبي بشأن مقتل شابة مصرية بعد سحلها في الشارع
القدر الأكبر من العنف يقع على النساء
في سياق متصل، قالت الناشطة الحقوقية المصرية سالي يسري عزيز في حوار لرصيف22 إن "قتل مريم جرس إنذار إلى أننا كلّنا سنلاقي المصير نفسه إن استمرت الشوارع مساحات غير آمنه للنساء".
ولفتت إلى أن الغضب الذي ولّده قتل مريم أقوى من الخوف، و"الغضب هو الذي سيدفعنا رغم الخوف على أن نعاند ونستمر، لأننا ندرك كنساء في هذا المجتمع أن شوارع آمنة من التحرش والسرقة والمضايقات هي أبسط حقوقنا".
وقالت إن الذي قتل مريم هو نفسه الذي قتل الشابة إيمان مصطفى عام 2012، ابنة الـ16 عاماً التي بصقت على رجل تحرّش بها، فدفعت حياتها ثمن ذلك بعدما أطلق عليها رصاصة من سلاحه الآلي.
وتابعت: "أي كان لسة اختلاف الروايات حول موت مريم تحرش أو سرقة افضوا إلى موت، فكلتا الحالتين فيه مجرم عارف أنه ممكن يفلت بعملته، فيه مجرم سلطوي ذكوري شايف أن البنت دائماً الكائن الاضعف اللي أكيد هيعرف ينجح يمارس بلطجته عليها… وفيه خدمات عامة زي الإسعاف بيوصلوا في آخر دقيقة… في الحادثة المذكورة الإسعاف وصلت بعد نص ساعة بحالها".
وأشارت إلى أن الاختلاف في الروايات ليس أمراً جوهرياً، مضيفة أن "الحادثة بشعة والنساء هنّ الطرف الذي يُمارس بحقّه القدر الأكبر من العنف في البلد مهما كان شكل الحادثة: تحرّش، سرقة، خطف، إلخ…". وشددت على أنه في نهاية المطاف، فإن دور التحقيقات والنيابة العامة هو نقل الرواية الحقيقية.
سلسلة من العنف الممنهج
وإلى رصيف22 تحدثت الناشطة النسوية المصرية، وصاحبة حساب Dantilla Speaks على انستغرام، قائلةً إن ما تعرضت له مريم "شيء بشع" ولكنه "سلسلة من العنف الممنهج الذي يُمارس ضد الفتيات والسيدات في الشوارع، من مختلف الأعمار، ومن مختلف الطبقات الاجتماعية"، مضيفة: "الوحشية في هذه الجريمة هي أنها أدّت إلى السحل والقتل".
وقبيل صدور بيان النيابة العامة، لاقت مريم تضامناً واسعاً إذ كثيراً ما تُلام الضحية على "مشيها وحيدةً"، أو "على ارتدائها هذا وذاك"... فهل يجب أن تُقتل ضحية التحرّش في بلادنا ليقف معها المُجتمع؟
ردّت الناشطة النسوية: "لأن الحادثة انتهت بجريمة قتل بشعة، لم تظهر أسئلة مثل 'ماشية الساعة كم؟' أو 'ماشية رايحة فين؟' أو 'ماشية إزاي؟' أو 'لابسة إيه؟'. كل الأسئلة هذه كانت ستتردد على ألسنة المجتمع إن لم ينتهِ الأمر بالقتل. ومن الممكن أن الأسئلة هذه لم تظهر لأن مريم كانت في الشارع… لكن ليس شرطاً أن تُقتل المرأة، ضحية التحرش، ليقف معها المجتمع، أي امرأة تتعرض للتحرش أو أي جريمة عنف جنسي، على المجتمع أن يقف معها".
وتابعت: "حين نطبّع مع العنف أو نستهين بأي جريمة، التحرش اللفظي أو الجسدي، فهذا يؤدي إلى التمادي وارتكاب ما هو أبشع... موت مريم يحكي أن جميع أنواع العنف التي تواجهها النساء تؤدي إلى القتل".
واعتبرت أن "مريم شهيدة المجتمع الذكوري"، الذي يشعر بعض رجاله بالتعالي على النساء.
ولمن يُسخّف الحركة النسوية في مصر، تقول: "هؤلاء هم من يشعرون بأن الامتيازات الذكورية مهددة لديهم بشكل أو بآخر".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون