شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"هجّرتنا دولة خبيرة بالهندسة الديمغرافية"... نازحو رأس العين تؤرقهم ذكرى "مخيم مخمور"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الثلاثاء 13 أكتوبر 202012:59 م

"لا أريد أن يُختزل اسم مدينتي رأس العين بمخيم. عندما يقولون لي عليك الذهاب إلى هناك، يراودني شعور بأنني لن أعود ثانية لمدينتي"، بهذه الكلمات تبدأ فاطمة محمود رواية قصتها لرصيف22.

نزحت فاطمة من رأس العين إلى مدينة الحسكة جراء العملية العسكرية التركية على مدينتها في تشرين الأول/ أكتوبر العام الماضي، وتسكن في "مدرسة مازن حسين" في مدينة الحسكة مع أولادها الخمسة، فيما رفضت الخروج من المدرسة عندما طلبوا من عائلتها الانتقال إلى المخيم.

"لا أريد أن يحصل لي مثلما حصل لأهالي مخيم مخمور، فالذهاب إلى المخيم يذكرني بهم، نزحوا إلى هناك منذ أكثر من عشرين عام، ولم يعودوا إلى بيوتهم في (باكور كردستان) شمالي كردستان".

تقصد فاطمة بحديثها الأكراد الذين نزحوا في بداية التسعينيات من مدن شمالي كردستان إلى إقليم كردستان العراق، جراء الصراع المسلح بين "حزب العمال الكردستاني" وتركيا.

وينتمي الأكراد النازحون في مخيم مخمور إلى عشيرة "كويي" من منطقة جلي في مدينة شرناخ الكردية. وشكلت هذه المنطقة إحدى النقاط العسكرية الساخنة طوال الحرب بين الطرفين، إذ كانت تُعتبر بمثابة قاعدة أساسية لمقاتلي "حزب العمال الكردستاني" للانطلاق نحو المناطق الكردية، بسبب موقعها الجغرافي الحساس الذي يربطها بالمدن الأخرى.

كانت "كويي" تناصر "حزب العمال الكردستاني"، وهو ما أجبر أهاليها على النزوح إلى كردستان العراق ما بين عامي 1992 و1993. سكنوا في بداية الأمر في محافظة دهوك في المنطقة الحدودية الفاصلة بين تركيا والعراق، وبقوا هناك حتى عام 1998، لتقوم حكومة إقليم كردستان ببناء مخيم في منطقة مخمور التي تبعد عن مدينة أربيل حوالي 70 كيلومتراً، بينما يتراوح عدد سكان المخيم حالياً ما بين 20 و25 ألفاً من مختلف المدن الكردية في تركيا، إما هُجّروا قسراً أو أنهم مطلوبين من الدولة التركية.

"إلى متى سأبقى هناك؟"

يقول محمد حسن لرصيف22: "التهجير مكتوب على جبين الكردي الذي تحمل مشقات النزوح، هُجرنا قسراً أنا وعائلتي من رأس العين بعد مجيء الأتراك، كنتُ من الذين لم يستطيعوا ترك المنزل، وتحملت مأساة الحرب كي لا أغادر بيتي، ولم أخرج من المدينة إلا بعد التهديدات التي تلقيتها من الفصائل المسلحة، بتهمة العمل مع الانفصاليين".

بقي محمد في المدينة بعد التدخل التركي، لكن التهديدات الذي طالته بعد شهرين من سيطرة الفصائل المسلحة المدعومة تركياً دفعته للخروج مع عائلته، وهم يسكنون حالياً في مدرسة ثانوية أصبحت مركزاً لإيواء النازحين.

"لا أريد أن يحصل لي مثلما حصل لأهالي مخيم مخمور، فالذهاب إلى المخيم يذكرني بهم، نزحوا إلى هناك منذ أكثر من عشرين عاماً ولم يعودوا"... الانتقال إلى "مخيم رأس العين" قوبل برفض عائلات كثيرة تخاف مصيراً مشابهاً لأهل "مخمور"، وترفض تسمية المخيم لارتباطها باسم المدينة

يضيف محمد: "عندما كنت أفكر سابقاً بالذين نزحوا وهُجروا قسراً كما في مخيم مخمور والشهباء، أقول لنفسي كيف يستطيع هؤلاء أن يعيشوا بعيدين عن أرضهم وبيتهم لسنوات؟ لم أتوقع أن يكون مصيري مثل مصيرهم، هذه هي حالتي، تراودني بكل ثقلها، وأشعر بأنني سأموت جراء ذلك، ولن أعود ثانيةً إلى مدينتي".


حالة فقدان الأمل لدى النازحين من رأس العين في العودة إلى ديارهم سببها أحداث تاريخية لا تزال حاضرة في أذهانهم، منها سياسات التهجير والتغيير الديمغرافي التي مارستها الدولة التركية ضد الأكراد.

في هذا السياق، يقول محمد نبو لرصيف22: "لا توجد لدي مشكلة في الذهاب إلى المخيم لكن إلى متى سأبقى هناك، هذه هي المشكلة، نزحتُ قسراً على يد دولة خبيرة في الهندسة الديمغرافية ولها باع طويل في هذه الممارسات".

ويشير محمد نبو إلى أن الإشكالية عنده وعند الأهالي لا تكمن في الذهاب إلى المخيم الذي قامت الإدارة الذاتية ببنائه، إنما في المدة التي سيبقون خلالها في المخيم، لأنه يعتبر أن تركيا لا تعيد من تقوم بتهجيرهم إلى ديارهم، متسائلاً: "هل أعادت تركيا أهالي مخمور وعفرين، والذين هجرتهم في شمالي كردستان إلى المدن التركية في أعوام ما بين 1925 و1936؟".

وكانت عائلة محمد نبو المؤلفة من ستة أشخاص تسكن في منزل بالإيجار في مدينة الحسكة، لكنه ذهب إلى المخيم بمحض إرادته، نتيجة سوء الأوضاع المادية وقلة العمل. 

أسباب إنشاء المخيم

قامت الإدارة الذاتية لشمالي وشرقي سوريا ببناء مخيم للنازحين من مدينة رأس العين في حي الطلائع في مدينة الحسكة، حيث توجهت العائلات النازحة بعد العملية العسكرية التركية في تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي إلى مدارس مدينة الحسكة. وتوزعت هذه العائلات على 80 مدرسة، وفي ما بعد قللت عدد النازحين في المدارس إلى 68 مدرسة، حسب الرئيس المشترك لهيئة الشؤون الاجتماعية لإقليم الجزيرة حسين العلي.

ويقول العلي لرصيف22: "في البداية، وصل عدد المدارس التي سكنت فيها العائلات إلى 80 مدرسة، لكن مع وجود أقرباء بعض تلك العائلات في إقليم كردستان العراق نزحوا ثانيةً إلى هناك، وهناك حوالي 68 مدرسة أصبحت مأوى لهؤلاء النازحين".

الإعلان عن تجهيز مخيم رأس العين قوبل برفض من معظم العائلات، وبحسب ما رصده رصيف22، ثمة عائلات ذهبت طوعاً إلى المخيم بعد الاجتماعات المتكررة مع اللجان التابعة لهيئة الشؤون الاجتماعية، في مقابل عائلات أخرى لا تزال ترفض أي كلام حول الانتقال إلى المخيم. 

تتنوع مأساة نازحي رأس العين في مدينة الحسكة، من الخوف من عدم الرجوع إلى مدينتهم، والظروف الصعبة في المدارس والمخيم، وجميعهم سواء في المدارس أو من انتقلوا إلى المخيم، تتلخص أحلامهم بالعودة إلى مدينتهم بعد حوالي العام على بدء العملية التركية وسيطرة الفصائل المسلحة

"هناك أسباب كثيرة دفعت الإدارة الذاتية إلى تأسيس المخيم"، هذا ما قالته الرئيسة المشتركة للمجلس التنفيذي في الإدارة الذاتية كلستان أوسو.

وتقول أوسو، في حديثها لرصيف22: "هناك تحديات تربوية وأخرى تنظيمية دعت إلى بناء المخيم. عانينا من ضغوط كبيرة في العام الماضي بسبب ضعف عمل اللجان الإدارية داخل كل مدرسة، خاصة في مجال توزيع المساعدات الإنسانية التي كانت تقدم من المنظمات، وتقديم الخدمات بشكل كاف، بسبب كثرة المدارس ودخول وخروج النازحيين من المدارس بشكل غير منسق".

وبالفعل ذكرت عائلات كثيرة أن عدم وجود متابعة إدارية دقيقة، دفع بالكثيرين إلى الخروج من المدارس والتوجه نحو إقليم كردستان العراق.

ومن جانب آخر، تسبّب النزوح والإيواء في المدارس بضغط كبير على هيئة التربية والتعليم في الإدارة الذاتية، ويُعتبر ذلك من الأسباب الرئيسية التي دفعت بالإدارة الذاتية إلى إنشاء المخيم، بحسب الرئيس المشترك في هيئة التربية آزاد محمود.

يقول محمود لرصيف22: "واجهنا صعوبات كبيرة في العام الماضي من حيث قلة عدد المدارس في الحسكة، ما أجبرنا على القيام بفتح الدوام ثلاث مرات في اليوم الواحد، للتخفيف من حالة عدم تمكين التعليم لكافة المستويات الابتدائية والإعدادية والثانوية، وهذا بدوره أدى إلى ضعف المستوى التعليمي للطلاب، لذلك قامت الإدارة الذاتية بإنشاء مخيم رأس العين".

مخاوف الأهالي 

ثمة مخاوف دفعت بعائلات عدة لاتخاذ خيار عدم الانتقال إلى المخيم، منها رفض التسمية التي ارتبطت باسم مدينة هؤلاء، وسوء الخدمات الصحية والإنسانية في المخيم، والأحوال الجوية.

في هذا الصدد، تقول أمينة محمود التي رفضت الذهاب إلى المخيم لرصيف22: "لي خمسة أولاد، والشتاء على الأبواب، والحياة في المخيم لا تُطاق، هناك نازحين من مدينتنا في مخيمات أخرى، يخبروننا عن الأمراض وعدم وجود رعاية الصحية، ولا توجد خدمات، وفوق كل ذلك المخيم بعيد عن المدينة، لا أريد أن أسكن في المخيم". وتضيف أمينة بالقول: "كي أذهب إلى المخيم أنا وعائلتي أريد ضمانات وإثباتات... لكنها لا توجد". 

في مقابل ذلك، ذهبت عائلات عدة إلى المخيم، وكان لها أسبابها وراء ذلك. من بين العائلات التي تسكن حالياً في المخيم عائلة نورا خليل التي نزحت من رأس العين وسكنت المخيم منذ حوالي أكثر من عشرين يوماً، وكانت قبل ذلك تسكن مع عائلتها في مدرسة خشمان في مدينة الحسكة.

تقول نورا لرصيف22: "أتيت إلى المخيم لأننا كنا نعاني من ظروف مادية صعبة للغاية، والعيش خارج المخيم كان مكلفاً لنا، ففي المدرسة التي كنا فيها كنا نشتري ما نحتاجه حسابنا، ولي ستة أطفال، أما هنا في المخيم فتصلنا المساعدات". 

هذه العائلة وغيرها من العائلات تؤكد أن وجودها في المخيم أتى بعد الاجتماعات المتكررة من قبل إدارة المدرسة حول ضرورة الذهاب إلى المخيم لاستئناف سير العملية التعليمية في الحسكة. وفي السياق، تقول نورا: "عندما فكرت بحرمان أطفالي من التعليم بسبب النزوح، قلت يجب ألا يشكل وجودنا في المدرسة حرماناً لأطفال آخرين من التعليم، وهنا في المخيم توجد مدرسة". 

وحول مخاوف الأهالي من الخدمات والرعاية الصحية والخدمية، تقول الإدارية في المخيم زمزم حسين لرصيف22: "أنشأنا المخيم وفق المقاييس العالمية، وجهزنا الخيم بعد دراسة التربة والأراضي التي بنينا عليها المخيم، من قبل المختصين، والمسافة بين كل خيمة، والمنافع داخل كل خيمة من حمامات ومطابخ، ودورات مياه". 

وبحسب حسن، يتمتع المخيم بالمرافق الصحية والخدمية والتعليمة، لكن "هناك تخوف من الأهالي حول الوعود التي قدمناها لهم، ولذلك قمنا بنقل دفعة من النازحين إلى المخيم، وبعد مرور حوالي شهر تقريباً، يبدو الأهالي مرتاحين جداً من المخيم، ونحن في إدارة المخيم نعتمد على هذه الدفعة لإقناع البقية المتواجدين في المدارس للانتقال إلى هنا". 

تتنوع مأساة النازحين من رأس العين في مدينة الحسكة، من الخوف من عدم الرجوع إلى مدينتهم، والظروف الصعبة في المدارس والمخيم، وجميعهم سواء في المدارس أو من انتقلوا إلى المخيم، تتلخص أحلامهم بالعودة إلى مدينتهم رأس العين بعد حوالي العام على بدء العملية التركية، في 9 تشرين الأول/ أكتوبر 2019.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard