شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
هل أنا شرير؟ عن فعل الأديان بنا…

هل أنا شرير؟ عن فعل الأديان بنا…

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 14 أكتوبر 201906:22 م

أعرف جيداً أن لا أحد يعترف بأخطائه أو عيوبه، ودائماً ما نسوق الحجج والأعذار لإيجاد المبّررات، سواء أكانت مقنعة أم غير مقنعة، بل وأحياناً نتمادى في ذلك ونعتبر عيوبنا مزايا. فالبخيل مثلاً، لديه من القناعات ما تجعله يدافع عن الشُحّ، وكذلك الكريم لديه قناعاته المناقضة التي يؤمن بها ويعيش من أجلها.

هذا هو طبع البشرية، وأنا واحد منهم ومثلهم، وقد أكون غارقاً في أفعال سيئة أو شريرة وأظنها الخير الصافي، وربما العكس... تلك المعضلة تحتّم عليّ أن أقف مع نفسي لإعادة تقييم أفعالي... ولكن كيف يأتي هذا التقييم؟ هل من خلال المعايير الخارجية التي تحدد ماهية الخير والشر، أم من الضمير الداخلي أو الأنا الأعلى؟

جميع الديانات اتفقت أن الشيطان وأتباعه هم أهل الشر، كذلك اتفقت كل ديانة أنها على حق ومن يخالفها بالضرورة على باطل

لا أعرف على وجه اليقين، لذلك سنختبر أولاً المعايير الخارجية، وإن كنت أعتقد أن أول هذه المعايير تكمن في الدين، فالديانات رسّخت وجود الشرير... ربطت الديانات الإبراهيمية الثلاث بداية الخلق مع إبليس، وإن اختلفوا في كونه ملاكاً بحسب ما جاء في العهد القديم، أو جنّاً صالحاً رُفع للسماء بحسب ما ذكر القرآن، إلا أنهم اتفقوا أنه المصدر الرئيسي للشر بالعالم. وعليه انقسم العالم لطريقين: طريق الشيطان والشر، وطريق الرب والخير.

هل عليّ أن أتبع تعليمات الرب لأكون خيّراً؟

هنا يجب أن أتبع الضمير، بالأخص الضمير في المعرفة، فالضمير المعرفي يعني التجرّد التام من المعتقدات الراسخة والميول العاطفية، للوصول إلى العقلانية في الحكم، وهو الوسيلة الأكثر فاعلية لبلوغ الحقيقة، بالتأكيد لن أخدع نفسي، أو أجبر عقلي على هضم ما لا يمكن هضمه، لذلك فالعقل يشير إلى عدة عوائق.

أولاً: الشيطان واحد والأرباب مختلفة

جميع الديانات اتفقت أن الشيطان وأتباعه هم أهل الشر، كذلك اتفقت كل ديانة أنها على حق ومن يخالفها بالضرورة على باطل. اليهود شعب الله المختار، المسيحيون رعايا المسيح ولهم الفردوس الأعلى، الإسلام خير أمة أخرجت للناس...

تلك هي معتقداتهم التي لا تقبل الشك أو الجدال، ولكننا هنا من أجل الشك والجدال، وهو ما يجرّنا للتساؤل: من منهم على حق؟ وماذا يريد الإله من هؤلاء؟ لعل هذا السؤال يجرّنا إلى الأفعال، فالأول يجزم بأنه له الحق في إرث الأرض، هذا ما وعدنا به الرب، والثالث يؤمن بفرضية الجهاد، إنما الدين عند الله الإسلام، والجهاد واجب، وللثلاث وعد إلهي بعودة أرض الميعاد. والحصيلة النهائية ثلاث فرق متصارعة لتحقيق غاية الرب... ولكن أي رب؟ رب اليهودية، المسيحة، أم الإسلام... ولماذا يغذى بينهم القتال والكراهية ويبث العنصرية التي هي حجر الأساس الأول لكل الحروب... كم حرب اندلعت بين الديانات الثلاث؟ وكم حرب بين طوائف كل دين؟ وكيف تصبح النساء غنائم حرب فيتحولن إلى سبايا وجوار؟ ولماذا أقتل أحداً لمجرّد أنه يعتنق ديناً مختلفاً؟ تلك الأسئلة المطروحة يرفضها ضميري جملة وتفصيلاً... فهل الداعشي مثلاً يمشي في طريق الحق والرب، أم إنه يخطو خطوات الشيطان؟ وماذا عني أنا؟

ثانياً: ادعاء النبوية وسيلة لاحتلال العالم

جنكيز خان أو "مبعوث السماء" في الأصل كان اسمه ديموجين، وكان منغولياً يحلم بتوحيد التتار والسيطرة على العالم، وكي يحقق طموحه أدعى – أو صدّق تماماً- أنه مُرسل من السماء، وأن الوحي يتنزّل عليه ولذلك وضع كتاب "الياسا" الذي اعتبروه نصاً مقدساً، وبسببه راح الملايين من الضحايا وكاد أن يحقق حلمه الأثير بالفعل.

وفي عهد النبي محمد ظهر رحمن اليمامة أو مسيلمة الكذاب، وعلى حسب وصفه في كتب السير أنه كان دميماً قبيحاً أفطس الأنف، وكانت له آيات تشبه آيات محمد ومنها: "الفيل وما أدراك ما الفيل، له خرطوم طويل، وذيله قصير"، وبالرغم من سذاجة ما يقوله إلا أن الآلاف من الصحابة تركوا الدين الإسلامي وانضموا إلى دين مسيلمة، بل وقاتلوا وقتلوا معه في موقعة الحديقة الشهيرة، وكان عددهم على حسب ما ذكره ابن كثير تجاوز الـ100ألف، فلك أن تتخيل أنهم أنفسهم من ناصروا محمد من قبل وقتلوا إلى جواره.

الخير ينبع من الفعل ذاته ليس طمعاً في جنة أو خوفاً من نار، ولا يجوز التلاعب أو التحايل فيه بأي حجة

ثالثاً: تزييف التاريخ

التاريخ يكتبه المنتصر، تلك المقولة تنطوي على الكثير من الصدق، والرعب أيضاً، فالانتماء الديني منبعه الأصلي الحكم، والسؤال الذي يفرض نفسه هنا، وهي لعبة الاحتمالات المفضّلة لأي كاتب.. ماذا لو؟ بناءً على هذه الفرضية أتذكر رواية لأحمد خالد توفيق بسلسلته الشهيرة "ما وراء الطبيعة" تحت عنوان: أسطورة المغول. ويحكي فيها عن انهزام المسلمين في موقعة عين جالوت ونصر هولاكو الذي تمكن من تحقيق حلم جده واحتلال العالم، ويحكي عن حياة المصريين تحت هذا الحكم وكيف أصبحوا أتباعاً مخلصين لدين جنكيز خان.

وقتها فكرت لو أن ما فرضه أحمد خالد توفيق قد حدث...هل كنت سأصلي بطريقتهم ويصبح "الياسا" كتابي المقدس؟ وماذا لو أن مسيلمة انتصر بمعركته في الحديقة؟ هل كنت سأصلي بآياته وأنا أردد بخشوع: "يا ضفدع ابنة ضفدع، نقي ما تنقين، أعلاك في الماء وأسفلك في الطين"؟

رابعاً: استغلال الأشرار للأديان

اليوم ونحن نعاني من الإرهاب، ألا يجب علينا السؤال عن كيفية تحويل الإنسان إلى مجرم حقيقي؟ ودور الخطابة ومستغلي الدين للتلاعب بالعقول، فالشخص الذي يقرّر أن يفجر نفسه فيقتل مجموعة من الأبرياء وهو على يقين أن الجنة بانتظاره، وأنه سيكون مع النبيين والصديقين… ولمَ لا؟ أليس شهيداً؟ من أين جاءت تلك الأفكار، وكيف تحول القتل إلى وسيلة مضمونة لإرضاء الإله... والسؤال الأهم: من أين يستوحي رجال الدين فتواهم المدمرة؟

إذن، فالدين ليس معياراً جيداً لتقييم الأفعال، بل إنه أحياناً يدفعك إلى ارتكاب جرائم فظيعة، كأن تسبي فتاة وتتخذها ملك يمين وتعاشرها، وهذا، من وجهة نظري وبحسب ما يراه ضميري، اغتصاب بكل ما تحمله الكلمة من معنى، بينما الدين يشرع ذلك ويعتبره مكافأة للمسلم في الدنيا، تضاف إلى عشرات في انتظاره في الجنة.

 الدين ليس معياراً جيداً لتقييم الأفعال، بل  وأحياناً يدفعك إلى ارتكاب جرائم، كأن تسبي فتاة وتتخذها ملك يمين وتعاشرها، وهذا، وبحسب ما يراه ضميري، اغتصاب، بينما الدين يشرع ذلك ويعتبره مكافأة للمسلم في الدنيا.

الذي يقرّر أن يفجر نفسه فيقتل مجموعة من الأبرياء وهو على يقين أن الجنة بانتظاره، وأنه سيكون مع النبيين والصديقين… من أين جاءته تلك الأفكار؟ وكيف تحوّل القتل إلى وسيلة مضمونة لإرضاء الإله؟

المجتمع ليس معياراً لتحديد ماهية الشر

حين أفكر في التقاليد والعادات كمصري أتخبط في حيرة شديدة، فمصر تحوي 27 محافظة، لكل واحدة منها عاداتها وتقاليدها. لنأخذ علاقة الرجل بالمرأة دون زواج: في المدن يعتبر أمراً عادياً وفي الصعيد كارثة تستدعي القتل، قتل الفتاة على الأقل، وفي الصعيد أيضاً يتم الاحتفاء بمن يأخذ ثأره، والثأر قتل متوارث بين العائلات، وقتل الأخ أو الابنة المذنبة قمة التفاخر.

في مناطق أخرى يعيشها البدو يأتي التشريع من داخل القبيلة، فيحدد كبار القبائل ما هو عيب وما هو متاح. تلك العادات والتقاليد والتي ناهضها العلم دون القدرة على الانتصار عليها، هي ما تحدد أفعال الشخص الذي يعيش فيها كما تحديد مصيره، ويبقي صلاحه وفساده يُقاس بالبعد أو القرب منها.

ولكن هذه المجتمعات سقطت في مصيدة عظيمة أطلق عليها "دور كايم" اسم "الوعي الجمعي" الذي يتشكل من الإعلام والوعي المتوارث، فيصبح عقيدة قد تنافس عقيدة الدين ذاتها، وضحايا الوعي الجمعي هم أنفسهم أشد المدافعين عن العادات والتقاليد حتى ولو كانت بالية.

ما قاله العلم وما فعله الفلاسفة

علم الأخلاق مظلوم ومهضوم حقه شأنه شأن العلوم النظرية الأخرى كالفلسفة والمنطق وعلم الاجتماع، وهو علم يصعب تعريفه نظراً للنسبية الشديدة في الأخلاق، وعليه حدّد علماء الأخلاق ثلاث مراتب أخلاقية، وقد أجمعوا أن أعلى المراتب الأخلاقية هي النابعة من الضمير الإنساني ذاته. فمثلاً، إن اجتمع 5 أشخاص من مجتمعات وأديان مختلفة سيجمعهم بالضرورة عدة أخلاقيات، ومنها احترام ممتلكات الغير وتجريم الحصول عليها دون موافقته، وهو ما يُعرف بالسرقة.

وكذلك القتل، والتحرّش بالآخر، كلها أفعال يمنعها الضمير بشكل فطري وتلقائي، وقد اعتبروها الأعلى مرتبة وذلك لأن الإنسان هنا يمتنع عن فعلها لإعلاء فضيلة دون النظر إلى العائد أو الخوف من العواقب، فالخير ينبع من الفعل ذاته ليس طمعاً في جنة أو خوفاً من نار، ولا يجوز التلاعب أو التحايل فيه بأي حجة.

أما الفلاسفة فقد اهتموا بشأن الأخلاق على نحو خاص، فسقراط، مؤسس هذا العلم، وضع نظريته الفلسفية من خلال مذهبه عن الفضيلة، وكان يؤمن دائماً أن الفضيلة تقع بين فعلين كلاهما شر مطلق، فبين البخل والإسراف يوجد الكرم، وبين الجبن والتهوّر تقع الشجاعة، وبسبب مذهبه الذي بناه بعد الانتقادات الشديدة التي وجهها لمجتمعه وحاكمه ودينه، دفع حياته ثمناً لشجاعته ودفاعه عن الفضيلة، فشرب السم ومات، بعد محاكمته الشهيرة، والتي كانت محاكمة لنظام قمعي اندثر وديانات راحت في طي النسيان، وليس لإنسان فاضل ومفكر.

إذن فالمعايير الأضمن لتقييم الذات تكمن في الضمير الإنساني والعقل قبل الديانات والعادات والتقاليد، فالديانات والعادات والتقاليد يمكنها أن تجعل مني شريراً دون أن أدري.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image