كانت سميرة في العاشرة من عمرها حينما تزوجت أختها الكبرى. تتكوّن عائلتها من أخ وأخت ووالدين، يكبرها أخوها بثماني سنوات. نظراً للطبيعة الجغرافية لمنزلهما الواقع خارج حدود المدينة، كان أخوها صديقها الوحيد.
"عشت طفولتي في منزل بلا جيران، بلا أصدقاء، بلا أطفال يجتمعون أسفله ليلعبوا. لم يكن حولي سوى أخي، على يديه تعلَّمت كل ما تتوقعينه عن الحياة، كبرت دون أن أعي هل هذه الأفكار صحيحة أم لا، ولكن يكفي أنَّ أخي هو من يقصّها. فهو بالنسبة لي صادق لن يكذب علي، ولن يؤذيني أبداً"، تروي سميرة سنين طفولتها العشر، التي قضتها في منزل ريفي منعزل خارج حدود المدينة طنطا في محافظة الغربية في مصر، كان أخوها فيها صديقها الوحيد، ولكن قصَّتها تغيّرت تماماً بعد أن بدت علامات الأنوثة عليها.
تغيرت نظرة أخيها لها، خاصَّة مؤخرتها، بدأت ترتدي ملابس واسعة، فضفاضة، ثم بدأ يدخل عليها وهي نائمة، ويتحرَّش بها، وعندما هددته بأنها ستخبر والدها، قال لها لن يصدقك أحد، تقول سميرة لرصيف22 إنها تمنت وقتها أن يكون بيدها سكين لتقطع قضيبه.
"صعب عليّ أحكي ما حدث"
تبلغ سميرة اليوم الرابعة والعشرين، قضت ستة أعوام منها تتنقل بين الأطباء والمعالجين النفسيين، لتتجاوز هذا الموقف ولكن بلا جدوى.
المرة الأولى كانت في سن الثامنة عشر، حينما ذهبت لطبيب نفسي في مدينتها طنطا التي تقطن بها آنذاك. تقول سميرة: "كان صعب عليّ أن أحكي كل ما حدث، ولكن حاولت مواجهة مخاوفي، لأني هنا لأتعالج"، تحكي سميرة.
شكك طبيبها النفسي الأول في روايتها، قال لها: "هل متأكدة أنه لم يكن حلماً، لأن بعض الفتيات قصوا علي هذا، وكانت مجرد أحلام".
"في الجلسة الأولى ظل طبيبي يخبرني أنه أخي، وأنهم أهلي، ولا يجب أن أكرههم، وحتى وإن فعل ذلك، فهو شاب، ومن الطبيعي أن يشعر بذلك"، تروي سميرة، فسألته: "هل من الطبيعي أن يشعر بذلك مع أخته؟"، فسألها: "هل يفعل ذلك الآن؟"، فردت: "لا تزوج وابتعد عن المنزل".
فقال لها: "هذا ما أخبرك به، كانت فترة وانتهت، ما حدث قد حدث، سامحيه، وانسِ الموضوع، وتذكري له الجيد فقط، وحاولي أن تقتربي منه مرة أخرى، واصنعي معه مواقف جيدة لتنسي ذلك".
تقول سميرة لرصيف22: "كنت في هذا الوقت أتساءل، هل من الطبيعي أن أكون مُجبرة على مُسامحة شخص أذاني، حتى وإن كان أخي؟ فإن كان لا، فلماذا يطلب مني الطبيب ذلك؟".
لم تذهب سميرة إلى الطبيب مرة أخرى، ولكن بعد عامين رشح لها أصدقاؤها طبيباً نفسياً آخر تخرج حديثاً، فذهبت له على الفور. في البداية شعرت بتحسّن بسبب الأدوية التي وصفها لها، وأيضاً إنصاته المُستمر لمشاكلها.
ولكن بعد جلستين، بدأ الطبيب التحدث إليها عن العلاقات الجنسية، مُعيداً الحديث عن تحرُّش أخيها بها، قائلاً: "ماذا كنت تشعرين، هل تريدين تجربة ذلك مرة أخرى؟"، تحكي سميرة.
تقول سميرة لرصيف22: "في تلك الفترة، كنت كبيرة جيداً لأعي أن أحاديث هذا الطبيب تعتبر تحرشاً بي، وأنه يستغل مهنته للتحدث معي عن علاقات جنسية، وبعد فترة بالفعل واجهته بأن تلك الأسئلة مزعجة جداً بالنسبة لي، فحاول التقرب مني، ولكني كنت صارمة معه جداً فتوقف".
عاقبها الطبيب بعدم الرد على رسائلها، وتوقف عن تحديد مواعيد جلساتها، وكلما كانت تذهب للعيادة يرفض مقابلتها.
سألت ياسمين طبيبها النفسي: "هل من الطبيعي أن يشعر بذلك مع أخته؟"، فسألها: "هل يفعل ذلك الآن؟"، فردت: "لا! تزوج وابتعد عن المنزل"، فقال لها: "انسِ الموضوع، وسامحيه، وتزوجي، وأنجبي، وافعلي معه الخير"
"كنت أحاول مقابلته لتحديد بدائل للعلاج الذي أتعاطاه، ولكن بسبب رفضه، ذهبت إلى أطباء آخرين، ولكن لا أحد منهم قبل تغيير العلاج لي لأنه قوي جداً"، تروي سميرة.
ظلت سميرة، وهي تعمل في مجال التدريس الآن، تتعاطى الأدوية لمدة سنتين كاملتين، كانتا الأصعب في حياتها، لأنها تعرضت لهلوسات ونوبات هلع كثيرة عند محاولتها إيقاف الأدوية.
"كوني مطيعة لولي الأمر"
لم يكن انفصال والدي سارة هي معاناتها الكبرى، ولكن الفتاة التي لم تكمل عقدها الثالث بعد، تركتها أمها دون وداع، مع أبيها ليقوم بتربيتها مع أخواتها الأكبر من أم أخرى.
تحكي سارة، اسم مستعار وتسكن في دمياط، لرصيف22: "اعتاد أخي الأكبر على معايرتي بترك أمي لي وزواجها، وكان يستغل سفر أبي للعمل، فيقوم بضربي وحبسي في حجرة مظلمة لأيام كاملة، وكان يتعمد إذلالي وتجويعي".
تكمل سارة: "في أحد المرات قام بقص شعري كاملاً، وعندما جاء أبي وسأل عن السبب أخبره أنه وجدني أقف مع ولد بالشارع، وقام بذلك بغرض تربيتي، وذلك لم يحدث أبداً".
"قام أخي بقص شعري كاملاً، وعندما جاء أبي وسأل عن السبب أخبره أنه وجدني أقف مع ولد في الشارع"
أجبرها أخاها عن عدم إكمال تعليمها، بعد أن أقنع والدها بأفكار مثل: "البنت ملهاش غير بيت جوزها، هتعمل إيه بالتعليم؟ مكانها المنزل لتقوم بخدمتنا.. إلخ".
منذ ثلاث سنوات، صارت حالة سارة أكثر سوءاً بسبب ما يفعله بها أخوها، فقررت الذهاب لطبيب نفسي نصحتها به صديقتها، حتى تستطيع تجاوز ما يحدث.
قصت في الجلسة الأولى عليه ما حدث، فرد عليها مستعيناً بآيات من القرآن، تقول سارة: "لم يكن عندي مُشكلة في ذلك في البداية، ولكن بعد فترة، تحولت الجلسات الطبية لجلسات وعظ ديني، يتحدث فيها عن أن المرأة يجب أن تكون مُطيعة لولي أمرها، وأخي وأبي يعتبرون أولياء أمري، لذا يجب أن أقدم لهم الطاعة الكاملة لأنهم يعرفون مصلحتي أكثر مني، وإن رفضي لما يفعلونه بي، يعتبر ذنباً أحاسب عليه"، تروي سارة.
لم يتوقف عند ذلك، ولكن كان يحاول إقناعها بالزواج، من صديق أخيها الذي تقدم لخطبتها، قائلاً: "دي الطريقة الوحيدة اللي هتخليكي تتخلصي من كرهك لأهلك".
تأثير نصائح الطبيب كان عكسياً على سارة، تقول لرصيف22: "كلما كان ينصحني بالدين، كنت أشعر إنني مُقززة، وسأدخل النار، لأنني أرفض ما يفعله أخي بي، وكنت بالفعل احاول إصلاح علاقتي بأخي، ولكن الأمور كانت تزداد سوءاً، فعندما عرف أنني أذهب لطبيب نفسي قام بضربي ومنعي من الذهاب، وعندما أرسلت رسالة للطبيب أخبره ما حدث، أرسل لي رسالة قصيرة: تزوجي لتتخلصي من كل هذا"، تروي سارة.
"تفكيرك في حبيبك خيانة لزوجك"
لا تختلف قصة الشابة العشرينة آيات كثيراً عن قصة سارة مع الطبيب النفسي، ولكنها كانت أصعب لأنها ولدت في مجتمع متشدد، بمحافظة قنا (جنوب مصر)، فتنحدر من عائلة تُدعى "الأشراف"، يدعون أنهم من نسل الرسول محمد، وأجبرها أهلها على عدم إكمال تعليمها الجامعي.
يُحرم على فتيات هذه العائلة الزواج من الغرباء، ليحافظوا على نسلهم، أي شخص ولد خارج "الأشراف"، في لغتهم يدعي "فلاحاً"، تُقال للتمييز والتحقير. أحبت آيات "فلاحاً"، وصارحت أبيها، وطلبت منه أن يتزوجا، ولكنه رفض وقام بحبسها وأجبرها على الزواج من أحد أبناء "الأشراف".
لم يدم الزواج إلا ستة أشهر، وقام بتطليقتها، وضيق أبوها وإخوتها الخناق عليها أثناء خروجها من المنزل، حاولت الهروب من المنزل ولكن لم يفلح الأمر، فتزوجت مرة أخرى لتخرج من هذه المعاناة، لكن ظلت ذكرى حبيبها الأول تراودها، حتى وهي تمارس الحب مع زوجها.
"تحولت الجلسات الطبية لجلسات وعظ ديني، يتحدث فيها عن أن المرأة يجب أن تكون مُطيعة لولي أمرها، وأخي وأبي يعتبرون أولياء أمري، لذا يجب أن أقدم لهم الطاعة الكاملة لأنهم يعرفون مصلحتي أكثر مني، وإن رفضي لما يفعلونه بي، يعتبر ذنباً أحاسب عليه"
ذهبت آيات (24 عاماً)، ربة منزل، لطبيب نفسي، وبعد أن قصت عليه كل شيء، قال لها: "إن مجرد تفكيرها في حبيبها القديم خيانة لزوجها، وستدخل النار بأفعالها هذه".
ونصحها الطبيب بتقبل وضعها الجديد، والإنجاب، وأن تسامح والدها، ومع تكرار الحديث أكثر من مرة، أنهى الطبيب جلساته معها، وقال لها: "لم يعد لدي المزيد لأنصحك به".
أثر كلام الطبيب نفسياً على آيات، تقول: "شعرت كثيراً أنني مُقززة وأستحق الموت بسبب أقوال طبيبي، حاولت الانتحار لأتخلص من الظنون التي تساورني يومياً بسبب رفضه لعلاجي، ولكني تراجعت، مضت علي أيضاً أيام كثيرة أبحث عن إجابة مقنعة على الأقل بالنسبة لي لما فعله طبيبي، فلم أجد غير أنه مريض ومختل ويحتاج للعلاج، أنا لن أسامحه طوال عمري".
سميرة وسارة وآيات ما زلن يقضين أيامهن بحثاً عن طريقة يتخلصن بها من العبء النفسي الذي ألحقه بهن ذكور عوائلهن، دون أن يصدمن بأطباء ذكور آخرين، يتحرشون بهنّ أو يخلطون بين الدين والطب النفسي، منتصرين في نصائحهم لهن لجانب الذكور الجناة.
"الطبيبات أفضل للمريضة"
يختلف الأطباء النفسيون في مصر حول تقييم هذه القصص، البعض يرى أن المرضى عرضة لهلوسات، وخلط مشاعرهم الذاتية بالواقع، بينما يرى آخرون أنهم عرضة للاستغلال والتحرش وإساءة المعاملة، خاصة المريضات مع الأطباء الذكور.
استشاري الصحة النفسية، ومديرة مركز "مرآة للصحة النفسية"، هند البنا، تقول لرصيف22، إن بعض الفتيات بالفعل يتعرضن لتحرشات، ومضايقات في العيادات النفسية، ومن الأفضل أن تلجأن لمعالجات نفسيات نساء.
وتنصح البنا المريضات بالانسحاب فور حدوث أي تجاوز، والتأكد من السمعة الجيدة للطبيب، بالإضافة إلى عدم إقامة أي علاقة من أي نوع مع المعالج خارج إطار العلاج، وعدم التواصل بشكل شخصي.
على النقيض من ذلك، يرى أحمد علام، أخصائي الصحة النفسية وتعديل السلوك، أنّ التحرش الجنسي بالمريضات في العيادات النفسية، قليل للغاية، وبرر ذلك بأن الأطباء أدوا قسم المهنة، ومن الصعب التخلي عن هذا القسم أثناء الممارسة.
يقول علام لرصيف22: "قد تكون حالات التحرش تلك منعدمة من الأساس، ولكن هناك حالات فردية، وعلى فترات طويلة".
ويشير إلى أنه قد تتوهم الفتاة التحرش من قبل الطبيب النفسي، لأنها في الأساس تعاني من مشاكل نفسية، مثل الوسواس القهري، والفصام، وغيره، بالتالي لأنها تقضي فترة طويلة مع الطبيب فتظن أنه يتحرش بها.
"المرضى النفسيون في مصر عرضة للاستغلال وإساءة المعاملة، وبحاجة إلى قوانين تحميهم".
وقد شدَّدت دراسة صدرت عن منظمة "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، في نوفمبر 2008، أن المجتمع المصري بحاجة إلى صدور قانون جديد للصحة النفسية، لأن الأفراد المصابين باضطرابات نفسية، إحدى شرائح المجتمع الضعيفة، والأكثر عرضة لانتهاك الحقوق، وهم لذلك في حاجة إلى قانون يحميهم ويحمي مصالحهم.
وأشارت الدراسة إلى أن الوصم والتمييز الملازم لمرضهم النفسي، يعد عاملاً إضافياً يسهل تعرضهم لانتهاك عدد من حقوقهم، بما في ذلك أثناء تلقيهم للخدمات العلاجية.
وشددت على ضرورة سن قوانين تحميهم من الاستغلال، مؤكدة أن فريق المبادرة عثر على حالات تعرض فيها المرضى النفسيون للرفض، وإساءة المعاملة، والاستغلال، حتى في أماكن تقديم الرعاية الصحية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...