شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"كانت مدينتنا سلة فاكهة… مساحات الزراعة الكبيرة انتهت في شمال سيناء"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 20 سبتمبر 202004:23 م

تعطي الطبيعة معظم أنواع الفاكهة في موسم الصيف، بينما تقلّ أنواع الفاكهة في الشتاء، هذه معلومة بسيطة يمكن أن يخبرك بها أي مزارع، إن لم تكن على دراية بمواسم الزراعة، وخصوصاً الفاكهة.

يقول أكرم هانسن، يعمل بأحد المشروعات الزراعية في جنوب سيناء، لرصيف22: "إن الطبيعة تعطي بلا حساب، خصوصاً في الزراعة، وسوف نجد على سبيل المثال أن الطبيعة تعطينا معظم أنواع الفاكهة في فصل الصيف أو وقت الحر الشديد، عندما يحتاج الجسد للكثير من المياه".

ظلت الفاكهة من الأشياء المميزة لطبيعة شبه جزيرة سيناء في مصر ، ذلك بسبب زراعة معظم أنواع الفاكهة على مياه الأمطار بالأساس، بجانب استخدام قليل للآبار الجوفية.

وترتبط سيناء الشمالية تحديداً بمناخ إقليم الشام، أو ما يعرف بالهلال الخصيب، فلسطين، سوريا ولبنان، بينما ترتبط معظم أراضي الزراعة في مصر بطبيعة أرض ومناخ النيل والشمال الأفريقي، ما يؤثر في أنواع الثمار وشكلها ومذاقها.

بعد نهاية فترة الاحتلال الإسرائيلي في أكتوبر 1973، أصبحت محافظة شمال سيناء، بسبب مناخها وطبيعتها السهلية، حديقة فاكهة خلفية لمصر، ومع نهاية السبعينيات تقريباً، عرف المصريون مذاقاً جديداً كان مفقوداً في الحرب، وظلت تلك المساحة تنتج دون رعاية أو اهتمام حقيقي من الدولة، أو ما عرف بسنوات "التهميش".

"كانت مدينتنا تشبه سلة الفاكهة، مشاهد لا يمكن أن ينساها جيلنا، كإلقاء بعض الفاكهة للمارة وخاصة الأطفال، من فوق تلك السيارات أحياناً، وقد يتبادل سكان مدن مختلفة في شمال سيناء أقفاص الفاكهة"

تموضعت فاكهة سيناء الصحراوية في عالم المذاق والوصف داخل السوق المصرية قبل العربية بعد حرب أكتوبر، ثم ظلت أشجار الفاكهة النادرة في سيناء تقاوم خراب الحرب طوال 40 عاماً، حيث كان السكان يجربون زراعتها على مساحة أكبر، حتى وصل الإنتاج في بدايات الألفية الجديدة إلى كل أرجاء مصر، وكان من السهل أن تسمع بائعاً في القاهرة ينادي على الخوخ والكنتالوب والعنب السيناوي.

مع ثورة 2011 وما تلاها من أحداث، أنهكت مقاومة أشجار الفاكهة، فبسبب حصار ما سمي بـ "حرب الإرهاب في سيناء"، لم تعد هناك أشجار في مدينتي رفح والشيخ زويد، أكبر المدن إنتاجاً، بعدما اقتلعت أو تركت لتموت وفوقها الثمار، مع عزلة الحرب الأخيرة التي بدأت مع العام 2013، وبلغت ذروتها مع الإغلاق التام للمحافظة الشمالية فيما يعرف بـ "عملية سيناء الشاملة، 2018" والمستمرة حتى اليوم.

التقى رصيف22 بالسكان والمزارعين، على الأخص في شمال سيناء، لتتبع مسار الأشجار التي بقي منها شتلات قليلة جداً مازالت تقاوم في الحرب والصحراء.

حصار وأشجار

جولة قصيرة اليوم في أسواق مدينة العريش، عاصمة شمال سيناء، يمكن أن تخبرنا بالفارق الهائل بين كم الإنتاج من الفاكهة وأنواعه المختلفة، قبل حرب سيناء الشاملة وبعدها.

قضت الحرب على شرايين مفتوحة بين مدن صحراء الشمال، على الكثير من الأراضي الزراعية، خاصة في مدن التوتر كرفح والشيخ زويد، ولا توجد إحصاءات رسمية بشأن الخسائر في الثروة الزراعية.

يقع في نطاق شمال سيناء 85 قرية، و 473 منطقة تابعة لها، بحسب موقع رسمي تابع لوزارة التخطيط المصرية، ونشرت صحيفة "المال" المصرية، تقريرا في شهر سبتمبر 2016 ذكرت أنها حصلت عليه من مديرية الزراعة التابعة لمحافظة شمال سيناء، جاء فيه أن مساحة الرقعة الزراعية تقلصت 25%، بسبب "دواعي أمنية".

وذكر التقرير أن "المساحة المزروعة بالبساتين في شمال سيناء بلغت 82013 فدانا في 2015 والنخيل 7611 فدانا و خضر شتوي 3963 و خضر صيفي 2782 فدانا و خضر نيلي1677 فدانا، وبلغ إجمالي الخضر 8422 فدانًا في مركز المحافظة".

وقد أعلنت محافظة شمال سيناء في يناير الماضي أسماء 55 مزارعاً قررت الحكومة دفع تعويضات لهم، في مناطق متفرقة شمال سيناء، مثل وادي العريش، ومنطقة السلام بالعريش، وكذلك قرى الجورة والخروبة وأبو طويلة في مركز الشيخ زويد.

يقول عز الفواخيري، صاحب أحد المزارع المهجورة الآن، لرصيف22: "المعروض في السوق اليوم لا يتجاوز 5% من إنتاج الفاكهة في 2013، ويأتي بعضها من قرى بئر العبد، وربما بعض الأشجار الباقية في صحون المنازل، أما مساحات الزراعة الكبيرة في رفح والشيخ زويد والعريش، فانتهت بنسبة كبيرة، وحتى القليل المتبقي من تلك الأشجار هو للاستهلاك المنزلي".

"مساحات الزراعة الكبيرة في رفح والشيخ زويد والعريش انتهت".

قبل جيل من الآن، وفي حي ضاحية السلام بمدينة العريش، كان يوجد ما يعرف بسوق "الحاصل"، كان "الحاصل" بورصة لاستقبال كافة أنواع المحاصيل من مدن شمال سيناء، وعلى رأسها الفاكهة التي يتم تفريغها وتخزينها لأيام، قبل شحنها لتجار المحافظات في مصر أو البلدان العربية كالأردن، ويعرف سكان ضاحية السلام بداية موسم حصاد الفاكهة في الصيف، من رائحة الجو التي تحمل أنواعاً كثيرة من الفاكهة، مثل الكنتالوب السيناوي الشهير، الخوخ والمشمش، التي كانت السيارات تحملها إلى الحاصل.

يتذكر أحمد الحلو، مهندس مدني من سكان العريش، تلك الرائحة المميزة لبداية الموسم، حيث كانت مشاهد طوابير سيارات نقل الفاكهة القادمة من أراضي رفح والشيخ زويد على الأخص، تخيّم على مشهد المدينة.

يقول أحمد لرصيف22: "هذه مشاهد زالت لكنها في ذاكرتنا، حين كانت الطرق مفتوحة ومزروعة على الجانبين، فقد ترى المدينة أشبه بسلة فاكهة".

ويضيف أحمد: "هناك مشاهد لا يمكن أن ينساها جيلنا، كإلقاء بعض الفاكهة للمارة وخاصة الأطفال، من فوق تلك السيارات أحياناً، كما أن أصحاب الأراضي اعتادوا أن يوزعوا أقفاصاً من محاصيلهم كهدايا على الجيران والأقارب، وقد يتبادل سكان مدن مختلفة في شمال سيناء أقفاص الفاكهة كعادة قديمة مرتبطة بحلول الموسم".

السنة الصحراوية

في 11 سبتمبر تبدأ السنة القبطية أو المصرية القديمة (1 من شهر توت)، وهو التقويم الأقدم في دورة الزراعة المصرية، وترتبط بداية السنة المصرية بعدد من أنواع الفاكهة، مثل البلح، الجوافة والرمان، أو ما يعرف بفاكهة النيروز.

أما سيناء، أرض الفيروز، فيبدأ فيها موسم الزراعة بعد هذا التوقيت بقليل، أو ما يعرف بالسنة الصحراوية وموسم الأمطار.

عبدالله عويجان، مزارع من مدينة الشيخ زويد وصاحب واحدة من أشهر الصفحات لتوثيق الطبيعة في شمال سيناء.

كل عام وانتم بالف خير

نحييكم من هنا .. صحراء سيناء

Posted by ‎عبدالله ابو عواجان‎ on Wednesday, 29 July 2020

يقسم عبدالله بخبرته سيناء إلى قسمين، خط طولي من الشمال إلى الجنوب بطول العريش (شرق سيناء وغرب سيناء)، وذلك من أجل تبسيط فهم طبيعة الأرض والمناخ المنتجين للثمار.

يقول عويجان لرصيف22: "المنطقة الشرقية من شرق وادي العريش وحتى مدينة رفح الحدودية، تدخل ضمن الخط المطير المرتبط بإقليم الشام، وهو ما يجعل مستوى الإنبات أفضل، ويقلّ هذا المستوى كلما اتجهنا غرباً في سيناء، إلى مدينة بئر العبد مثلاً في الغرب، وإذا ما اتجهنا جنوب هذه المدن السهلية تجف الطبيعة تدريجياً، وتصبح الصخور عائقاً آخر أمام زراعة هذه الأنواع".

أسماء الفاكهة في سيناء

لسكان سيناء ثقافة خاصة في التعامل مع الفاكهة، فمثلا يعتبرون ثمرة اللوز من الفاكهة، رغم أنها تنتمي علمياً إلى البذور، ويأتي ذلك من عدة زوايا، أولها أنها تطرح مع بداية فواكه الصيف، بالإضافة الى أنها تؤكل خضراء ومحمصة، أيضاً يقوم المزارعون بتطعيم أشجار فواكه معينة ببعضها، مثل اللوز والخوخ والمشمش.

يقول عويجان: "كل الفواكه في سيناء كانت تطرح مع المطر، ويبدأ موسم حصاد فاكهة الصيف مع نهاية إبريل وبداية مايو، وهو توقيت نضج ثمار اللوز، وهو أيضاً أنواع، الحلو والمر".

"ونطلق على اللوز المر اسم "الفرك" لأنه صلب أو جاف القشرة، وبمجرد فركه في كف اليد تذوب هذه القشرة مثل الفول السوداني، وعادة ما تنبت هذه الأشجار بقلة على السدود ومجاري الوديان، أما اللوز الحلو فهو المعروف بزيته".

"في نفس الموعد، نهاية إبريل وبداية مايو، أيضاً تبدأ ثمرة الخوخ بالنضوج، والخوخ أشهر فواكه سيناء، وينقسم هو الآخر الى نوعين، الشامي الذي يطرح مع بداية الموسم والبلدي الذي يطرح في منتصف الموسم، ونطلق في رفح على هذه الشجرة اسم (الطرازون)، وهي ذات إنتاج ضعيف يميل طعمها إلى البرقوق"، يضيف عويجان.

يطلق على كل أنواع العنب في صحراء سيناء أسم "القطف" و"الشرش" وهي بديل لكلمة عنب وليست نوعاً من أنواعه.

"شرق سيناء ينتج العنب المحلي ذا الحبة الصغيرة ذات البذور، العنب الخليلي الذي يحمل اسم مدينة الخليل في فلسطين والعنب الأسمر، وهو النوع الوحيد الذي يثمر طوال شهر الصيف وحتى بداية أكتوبر"

يميز شهر يونيو في شمال سيناء، أنواعاً كثيرة من العنب المحلي المعروض في السوق، وربما هو أكثر الفواكه تشابهاً في كل دول إقليم الهلال الخصيب.

يقول عويجان: "شرق سيناء ينتج العنب المحلي ذا الحبة الصغيرة ذات البذور، العنب الخليلي الذي يحمل اسم مدينة الخليل في فلسطين والعنب الأسمر، وهو النوع الوحيد الذي يثمر طوال شهر الصيف وحتى بداية أكتوبر".

في منتصف شهر يوليو يقطف البطيخ، ويستمر حتى شهر أكتوبر، وبالإضافة لكون البطيخ فاكهة إلا إنه علمياً من الخضروات، وتتميز سيناء بإنتاج نوع يسمي "العجر"، ويدخل كمكون أساسي في المطبخ الشعبي في سيناء، أيضاً تنضج ثمار الكنتالوب.

أما التين فتبدأ ثمرته في النضج مع شهر يونيو وتنتهي في سبتمبر، والتين البلدي يأخذ اللونين الأخضر والأسود، أما الرمان فمنه المالح ومنه الحلو.

ينتهي الصيف رسمياً هذا الأسبوع، مع بدأ جني البلح والجوافة، لكن تستمر أشجار الفاكهة بجميع ربوع سيناء في المقاومة ربما لموسم آخر، بعضها يحتمي بسور منزل مهجور أو في عراء الصحراء.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image