شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"أبي يضرب أمي وزوجي يضربني"... حكايات العنف اليومي لزوجات جزائريات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 17 سبتمبر 202004:45 م

"القصاص أمام الملأ" هو مطلب أطلقته نساء جزائريات، وتبنته بعض جمعيات وحركات نسوية، بمجرد انتشار حادثة وفاة شابة جزائرية في مقتبل العمر، من محافظة البليدة الجزائرية، والتي هزت مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر، بعد نشر والدتها لشريط فيديو تؤكد فيه أن ابنتها راحت ضحية عنف أسري.

وبحسب الرواية التي سردتها والدة الشابة إكرام عيسات، البالغة من العمر 19 سنة، فإن إكرام أخطرتها دقائق قليلة قبل وفاتها، بأنها تعرضت للضرب على يد زوجها.

وتروي الوالدة قصة مقتل ابنتها إكرام، والتي تصفها بـ"الغامضة" وتقول: "إكرام انتقلت من منزل والدها بعد أن ارتاحت عندنا بضعة أيام، وعادت لبيت زوجها، وبعد ثلاثة أيام تلقيت في ساعات متأخرة من الليل مكالمة من زوجها، أبلغني فيها أن إكرام فاقدة للوعي تماماً وفي حالة حرجة جداً، وعليّ الذهاب لزيارتها".

وتتابع: "في الساعات الأولى من ذلك اليوم، انتقلت إلى منزل عائلة زوج ابنتي، حيث وجدتها ملقاة على الأرض فاقدة للوعي، ولا تكاد تخلو بقعة من جسدها من الكدمات الزرقاء، وفمها منتفخ وسنّها الأمامي مكسور"، وتقول إنها سألت أهل الزوج عما وقع لابنتها لتكون الإجابة: "لقد مسها جن".

"أخبروني أن ابنتي بها مس من الجن، وشربت ماء مرقياً كان السبب في تحولها لهذه الحالة"، سألتهم إذا طلبوا لها طبيباً، فأخبروها أن الطبيب لن يفعل شيئا لابنتها.

وقررت بعدها أم إكرام أخذ ابنتها إلى المستشفى، حينها استجمعت البنت القليل من قواها، وتقول الوالدة إنها أبلغتها بأنها تعرضت للضرب على يد زوجها، وطلبت منها التكفل بابنها، حينها فارقت إكرام الحياة قبل وصولها إلى العيادة.

 "أصبح يضربني، يترك في كل مرة كدمات زرقاء على أماكن مختلفة من جسمي، تتحول بمرور الوقت إلى كدمات أرجوانية، كما أنه يجرجرني أمام مرأى أولاده لأسباب تافهة"

وبعد أيام قليلة فقط من انتشار الحادثة على مواقع التواصل الاجتماعي، أصدر مجلس قضاء البليدة غربي العاصمة الجزائرية، بياناً نفى فيه تصريحات والدة إكرام.

وأفاد بيان الجهة القضائية، أنّه بتاريخ 14 يونيو 2019، أخطرت مصالح الأمن بدائرة بوقرة، عن استقبال العيادة متعدّدة الخدمات للبلدية للسيدة المذكورة وهي متوفية، ما جعل مصالح الأمن تباشر على الفور تحقيقاً ابتدائياً، تبعه تحقيق قضائي باشرته نيابة الجمهورية بمحكمة بوفاريك.

وأكد البيان أن "المعطيات التي توصلت إليها التحقيقات، أكدت أن الوفاة طبيعية، وناجمة عن ورم دموي حاد أدّى لانتفاخ الغدّة اللمفاوية بالدرقية وأسفل البطن، وانهيار في الصفائح الدموية، ما أدى إلى إحداث نزيف دموي دماغي"، كما فنّد البيان تسجيل أي آثار لعنف على جسد الضحية عيسات إكرام.

ورغم أن القضاء الجزائري أدلى بدلوه في هذه القضية، ونفى مجلس قضاء البليدة، غربي العاصمة، المعلومات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي حول الوفاة المريبة للشابة عيسات إكرام، مفنداً تعرّضها لعنف زوجي حسب شهادة والدها، إلا أن العنف ضد النساء ليس جديداً في الجزائر.

تتلقى مصالح الأمن يومياً عشرات المكالمات يومياً من زوجات معنفات، بينما تختار أُخريات الصمت، لأن الطلاق بالنسبة لهن مسار مليء بالأشواك والصدمات النفسية، خاصة اللواتي مستواهن الدراسي محدود، أو اللواتي ليس لهن أهل، يتيمات أو ترفض عوائلهن استقبالهن في حالة حدوثه.

"لا أعيش حياة طبيعية"

تواصل رصيف22 مع زوجات يتعرضن للعنف من أزواجهن بشكل مفرط، وتحول زواج الأحلام إلى كابوس مرعب، وقصصهن لا تختلف عن قصة إكرام إلا في النهاية المأساوية، فالأخيرة فاضت روحها إلى بارئها، وأخريات نجون في كل مرة من مخالب تتربص بهن كل ساعة للانقضاض عليهن.

نورة، 33 سنة، أم لأربعة أطفال، بنتان وولدان، من منطقة بودواو التابعة للعاصمة الجزائرية، تعرضت للضرب والعنف اللفظي وفق ما تحكيه لرصيف22.

تزوجت نورة وعمرها لا يتجاوز 20 سنة، فراراً من والدها الذي لم يكن ينفق عليها وعلى أشقائها، ونشأت وهي ترى والدتها تتعرض لأشكال من العنف النفسي والجسدي واللفظي، تخيلت أنها ستعيش نشوة الحياة مع زوجها "فارس أحلامها"، غير أن السعادة لم ترفرف على عشها البسيط.

تقول نورة: "تبعثر حلمي وصار سراباً، لم أعش حياة طبيعية مثل باقي النساء، تذوقت السعادة في العام الأول من زواجنا، لكن سرعان ما أصبحت حياتي مرة مرارة العلقم، لأنه أصبح يضربني، يترك في كل مرة كدمات زرقاء على أماكن مختلفة من جسمي، تتحول بمرور الوقت إلى كدمات أرجوانية، كما أنه يجرجرني أمام مرأى أولاده لأسباب تافهة".

"أرقد في الفراس لأيام بسبب ضربه".

ولا تزال تتذكر نورة، التي مر على زواجها 15 عاماً، كيف كانت ترقد طريحة الفراش لأيام بسبب تعرضها لضرب مبرّح، حتى أنها أصيبت في العديد من المرات بانهيار عصبي استدعى تناولها بعض المهدئات والمنومات.

تصمت نورة ثم تتحدث بنبرة حزينة: "في كل مرة كانت تتملكني رغبة بالانتقام منه، من خلال تقديم شكوى مرفقة بشهادة طبية، غير أن شجاعتي كانت تخونني، فأعود أدراجي مهزومة أتقوقع داخل سراديب نفسي، لعدة أسباب، أبرزها الخوف من مستقبل مجهول، فأنا أم لأربعة أطفال، مستواي التعليمي جد محدود، وأنا لا أستطيع توفير مصاريف لأطفالي، كما أنني أفضل تحمل نار زوجي ولا جنة والدي".

أما زينب، 35 عاماً، من محافظة باتنة شرقي العاصمة الجزائرية، فلا تعتبر نفسها أكثر حظاً من نورة، أصبحت إنسانة مريضة لا تقوى على الحركة بسبب إصابتها بورم دماغي خطير، مقعدة على كرسي متحرك بسببه.

تتحدث زينب لرصيف22 بصعوبة بالغة، بسبب الحبسة الكلامية التي تعاني منها جراء الورم: "زواجي منه كان زواجاً تقليدياً، فهو شاب متدين ومثابر، ظننت أنه سيعوضني عن سنوات الشقاء والحرمان التي عشتها، بعد أن خطف السرطان أمي من بين أحضاني وتركني جسداً بلا روح".

وتقول زينب إن زواجهما كان سعيداً في العام الأول، غير أن السعادة تبخرت ولم تعد تراها بعد ذلك، لأن زوجها شخص مزاجي تتحكم فيه الانفعالات بشكل كبير، فلطالما أسمعها كلاما بذيئاً وجارحاً، ومرات يشتمها هي وأهلها، وتشير إلى أنه كان يضربها ضرباً عنيفاً عندما ترد على شتائمه.

ولا تزال زينب تتذكر ما تعرضت له من ضرب وإهانة عندما طلب منها التوقف عن العمل والبقاء في المنزل، غير أنها رفضت وأصرت على مواصلة عملها، لأن مستقبلها معه كان "مجهولا".

وتضيف زينب: "بقيت الأمور على حالها، بل ازدادت سوءاً بعدما تدهورت حالتي الصحية، حينها تخلى عني وتزوج مرة ثانية، وصرت أرى أطفالي الثلاثة دورياً لأني صرت مقعدة لا أقوى على الحركة، حتى أن الأطباء المشرفين على حالتي غير متأكدين من نجاتي"

"لو تكلمت يضربني"

كنزة، 28 سنة، من محافظة بسكرة في جنوب الجزائر، تصف زوجها لرصيف22 قائلة: "زوجي شخص كريم ومثقف، لكنه أناني في نفس الوقت، فعند وقوع أي مشكلة بينا يأمرني بالتزام الصمت وعدم الرد عليه، رغم أنه يهينني بكلامه البذيء وسبه وشتمه لي"، وتضيف: "لو تكلمت يضربني ضرباً مبرحاً".

وتؤكد كنزة أن العنف في علاقتهما "انطلق منذ عامين، في البداية كان ضرباً بسيطاً، وبعدها بدأ يتطور إلى عنف، وكان في كل مرة يعتذر ونعود إلى حياتنا الطبيعية، ثم نعود إلى نقطة الصفر، لكن لا أستطيع أن أخبر أهلي لأنهما رفضا هذا الزواج في البداية، إلا أنني أصريت وأظهرت لهما قدرتي على تحمل المسؤولية".

رغم التشريعات القانونية التي تجرم العنف ضد النساء بالجزائر وتعاقب المتحرشين، إلا أن الأرقام الرسمية تظهر اتساع رقعة الظاهرة في المجتمع الجزائري، حيث كشفت وزيرة التضامن وقضايا المرأة السابقة، غنية إيداليا، خلال إشرافها على لقاء وطني، بمناسبة إحياء اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، في نهاية 2019، عن تسجيل العدالة أكثر من 2700 قضية عنف ضد المرأة، من بينها 24 حالة وفاة نتيجة العنف الأسري، إضافة لمئات قضايا التحرش في الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري.

والأمر الجديد في ظاهرة العنف ضد المرأة، كما تقول غنية إيداليا في تصريحات نشرتها صحف محلية، أنه تم تسجيل 28 قضية تحرش جنسي من طرف شخص يمارس سلطة أو وظيفة.

"يشتمني أنا وأهلي، وإذ1 رددت عليه يضربني ضربا مبرحا، ولا أستطيع العودة لمنزل أبي لأنه قاسي، ويضرب أمي كثيرا، ولا أستطيع الاستقلال عن زوجي لأني لا أعمل"

وتشير الوزيرة الجزائرية إلى أن هناك 4868 امرأة في "وضع صعب"، فقد استقبلت من خلال خلايا الإصغاء والتوجيه والمرافقة المتواجدة عبر الولايات، 1228 ضحية عنف، أما عدد اللواتي أودعن قضايا لدى العدالة فقد بلغ عددهن 2765 قضية ضرب وجرح عمدي من طرف الزوج، خلال سنة 2018.

وتعلق عضو لجنة الشؤون القانونية بالغرفة الثانية للبرلمان الجزائري (المجلس الشعبي الوطني)، فطيمة سعيدي، في تصريح لرصيف22 إن كل الاتفاقيات والقوانين والإجراءات التي تسعى إلى الحد من ظاهرة عنف الأزواج لم تعالجها، بل ازدادت أشكالها، وتعددت مظاهرها.

"قانون العقوبات الجزائري لا يعالج مشكلة العنف ضد النساء".

وتذكر فطيمة سعيدي أن قانون العقوبات الجزائري الذي تم تعديله سنة 2015 في موضوع العنف ضد المرأة، باعتباره لا يعالج مشكلة العنف الذي يطال الجميع، لأن المواد المعدلة فيه استهدفت بالضبط البنية الأسرية.

وتشدد عضو لجنة الشؤون القانونية بالمجلس الشعبي الجزائري على ضرورة وجود عقوبة على كل رجل يتعرض للمرأة بالاعتداء والتعنيف، سواء كانت المرأة أماً أو زوجة أو بنتاً أو أختاً أو ذات رحم أو تربطها حقوق الجيرة والمواطنة.

وترى سعيدي أن معالجة العنف والحد من هذه الظاهرة لا يمكن أن يكون بالقانون فقط، بل لا بد أن تتعدد طرق المعالجة، وخاصة عندما يتعلق بحماية الأسرة وأفرادها، وكذا حالات جنوح الأطفال، الهروب من البيت، التسرب المدرسي، الاختطاف، الانتحار، حالات الإهمال التي تطال المسنين والوالدين واللجوء الى مراكز الشيخوخة ومراكز استقبال النساء.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard