لطالما ارتبط مفهوم القذف بالعضو الذكري، واعتبرت هذه التجربة الجسدية القوية "حكراً" على الرجال منذ فترة طويلة، إلا أن المرأة بدورها قادرة على اختبار القذف أثناء العملية الجنسية.
في طرحها، تبدو ظاهرة القذف عند النساء، مسألة "فوضوية" تماماً، بخاصة بعدما تبيّن أن الأفكار التقليدية التي تدور حول الأنوثة والذكورة والجنس تؤثر على المعلومات العلمية التي تدور في فلك القذف الأنثوي، بحيث تم التغاضي عن الكثير من الدراسات الجيدة حول هذا الموضوع، مقابل الإفراط في الانكباب على بعض المعلومات المغلوطة.
وبالتالي من المهم سرد قصة القذف الأنثوي وتسليط الضوء على هذه الظاهرة المثيرة للجدل، ليس فقط لأن العديد من النساء ما زلن يكافحن مع "تابو" الحديث عن هزّات الجماع، السوائل الجنسية وحياتهن الحميمة، ولكن لأن الموضوع يوفر مثالاً ساطعاً لكيفية تأثير الموروثات الثقافية والاجتماعية على العلم.
فرضيات قذف النساء
بعد أن زاد الاهتمام بشأن الصحة الجسدية والجنسية للنساء، وبعدما خرجت الأنثى، ولو قليلاً، من الصورة النمطية الضيّقة التي كانت تصورها كشريكة "سلبية" ومجرد طرف "متلق" أثناء العملية الجنسية، بات هناك نوع من الانفتاح والوعي حول تركيبة المرأة البيولوجية ورغباتها وتفضيلاتها الجنسية، ولعلّ القذف الجنسي لديها هو جزء من ذلك.
يشير القذف الأنثوي الذي يُعرف أيضاً باسم التدفق (Squirting) إلى قذف المرأة كميات ملحوظة من السوائل، تتراوح من 30 إلى 150 مل، من خلال القنوات المجاورة لمجرى البول، أثناء أو قبل النشوة الجنسية.
وكانت العديد من النصوص القديمة قد تناولت مسألة القذف لدى النساء منذ سنوات طويلة.
ففي العام 2010، انكبّت أخصائية المسالك البولية، جونا كوردا، على ترجمة النصوص الأدبية القديمة، وتمكنت من رصد عدة إشارات تدل على أن المرأة اختبرت عملية القذف منذ القدم.
فقد لاحظت كوردا أن الكاماسوترا، وهو نص هندي قديم يتناول السلوك الجنسي، تحدث عن "السائل المنوي الأنثوي" الذي يتدفق باستمرار، في حين ميّز نص "طاو" (نسبة إلى العقيدة الدينية الصينية الطاوية) من القرن الرابع، بين "المهبل الزلق" و"الأعضاء التناسلية التي تنقل السوائل"، ما يشير إلى عملية القذف التي قد تختبرها المرأة، ناهيك عن الاعتقاد القديم بأن السوائل التي تفرزها الأنثى أثناء النشوة الجنسية مشبعة بخصائص صوفية وصحية.
يشير القذف الأنثوي الذي يُعرف أيضاً باسم التدفق (Squirting) إلى قذف المرأة كميات ملحوظة من السوائل، تتراوح من 30 إلى 150 مل، من خلال القنوات المجاورة لمجرى البول، أثناء أو قبل النشوة الجنسية
وبالرغم من أن القذف الأنثوي استمر في إثارة اهتمام العلماء في القرون التالية، غير أنه لم يتم إحراز أي تقدم حقيقي في اكتشاف مصدر هذا التدفق الغامض، إلا في أوائل القرن العشرين.
وبدورهم، حاول بعض العلماء البارزين، على غرار أرسطو وأبقراط، البحث في أصول "الحيوانات المنوية الأنثوية" و "إفرازات الإناث"، إلا أن الأبحاث العلمية في ذلك الوقت اقتصرت على بعض الأوصاف الفيزيولوجية البدائية.
ففي العام 1904، اعتبر عالم النفس هافلوك إليس، أن السوائل الناجمة عن القذف لدى الإناث مشابهة للسائل المنوي لدى الرجال، مشيراً إلى أن القذف الأنثوي يعود إلى غدد بارثولين (غدتان بحجم حبة البازلاء مسؤولتان عن إفراز المخاط الذي يعمل على تليين المهبل).
وبعد حوالي 50 عاماً، ومن خلال مراقبة نساء يمارسن العادة السرية، اكتشف العالم إرنست غرافنبرغ، أن القذف الأنثوي يحدث بشكل متكرر مع ملامسة منطقة مثيرة للشهوة الجنسية على الجدار الأمامي للمهبل، والتي أصبحت تُعرف في وقت لاحق باسم جي سبوت G-spot.
واللافت أنه لحدّ يومنا هذا، لا يزال المجتمع العلمي منقسماً بشأن الأسباب التي تقف وراء القذف الأنثوي، بحيث يشكك البعض في وجود جي سبوت في حدّ ذاتها، بينما يشكك آخرون في الاختلافات الشاسعة في كمية السوائل التي تكشف عنها النساء، إذ يشير البعض منهن إلى وجود كمية قليلة جداً من السوائل (2-4 مل) تشبه بقوامها الحليب المخفف، بينما تتحدث أخريات عن كميات أكبر بكثير، الأمر الذي دفع بعض الباحثين إلى اعتبار أن التدفق الذي تختبره المرأة هو في انبعاث لاإرادي للبول أو فرط التزليق.
تعليقاً على هذه النظريات المختلفة، قال الأخصائي في العلاقات الجنسية، أنطوني حكيم: "بشكل عام، لدينا نقص في كل ما يتعلق بالصحة الجنسية لدى المرأة"، معتبراً أن ذلك يعود بشكل أساسي إلى سيطرة المجتمع الذكوري، والنقص في أعداد النساء اللواتي يرغبن في الحديث عن تجاربهن الشخصية والمشاركة في الأبحاث العلمية.
تحدث حكيم عن دراسة تركز على دور غدة سكين (Skene's glands) التي تعتبر مرادفة لغدة البروستاتا لدى الرجال، في عملية القذف لدى النساء، مشيراً إلى أن ما تختبره المرأة هو مزيج من السوائل التي تفرزها هذه الغدة، بالإضافة إلى watered-down urine (بول خفيف) و"ذلك لكون السوائل تمر بمجرى البول قبل أن تخرج من الجسم"، على حدّ قوله.
وأوضح أنطوني لموقع رصيف22 أن القذف لدى النساء يشبه إلى حدّ كبير القذف لدى الرجال، لناحية توافر العناصر الكيميائية نفسها في السوائل، كالكرياتينين، كاشفاً أن هذه السوائل التي تخرج أثناء القذف النسائي لا رائحة لديها، وتعمل كمزلق طبيعي (natural lubrification)، أي أنها تسهل العملية الجنسية.
وعمّا إذا كانت جميع النساء قادرات على اختبار القذف، قال حكيم إن الدراسات الحديثة كشفت أنه تقريباً 69% من النساء يتمكّن من القذف، منوهاً بأن البعض منهن قادرات على القذف بمجرد القيام بالاستمناء، في حين أن هناك فئة أخرى من النساء تحتاج إلى شريك لاختبار التدفق.
أما بالنسبة لكيفية وصول المرأة إلى القذف، فقد أوضح أنطوني أن هناك عدة تقنيات يمكن اللجوء إليها، من بينها تحفيز الجي سبوت والبظر (clitoris).
هذا وأشار أنطوني حكيم إلى أن القذف الأنثوي قد يؤثر سلباً على الحياة الجنسية لدى المرأة، في حال لم تكن هذه الأخيرة تعلم أن ما تختبره هو أمر طبيعي، أما في حال أدركت أن القذف هو نتيجة الإشباع الجنسي واللذة الجنسية، فعندها يكون القذف عاملاً إيجابياً في العلاقة الجنسية بينها وبين الطرف الآخر.
تجارب النساء مع القذف
على عكس الرجال، فإنه وفي الكثير من الأحيان لا يوجد دليل مادي على وصول المرأة إلى النشوة الجنسية، باستثناء المرأة التي تكشف أنها تختبر القذف، وبدلاً من أن يكون ذلك بمثابة دليل قاطع على وجود نشوة جنسية للإناث، فإن النقاش حول قذف الإناث يدور بشكل أساسي حول ما إذا كان يمكن الوثوق بالنساء للإبلاغ بدقة عن تجاربهنّ الجنسية.
في هذا السياق، لاحظت الباحثة د. إيمي غيليلاند، أن الدراسات الحالية عن القذف الأنثوي فشلت في الأخذ بعين الاعتبار تجارب النساء الشخصية، من هنا قررت إيمي أن تقابل 13 امرأة للوقوف على تجاربهن مع القذف.
وكشفت غيليلاند أن معظم النساء اللواتي تحدث معهن أبلغن عن إطلاق كميات غزيرة من السوائل في وقت قريب من بلوغ النشوة الجنسية، بما يكفي "لتبليل السرير بالكامل"، "رش الجدار" أو جعل شريكهن يصرخ رعباً.
هذا وقد لاحظت الباحثة أن النساء اللواتي شعرن في البداية بالخجل من القذف، كنّ عرضة للشعور بمزيد من المشاعر الإيجابية حيال ذلك في وقت لاحق من حياتهن، وتحديداً بعد معرفة المزيد عن القذف أو سماع تجارب الآخرين أو الحصول على ردود أفعال إيجابية من شركائهن.
القذف وعالم البورنو
نظراً لكون المواد الإباحية باتت وسيلة شائعة للناس للتعرف على الحياة الجنسية، لاحظ تطبيق Clue أن مقاطع الفيديو المنتشرة على موقع pornhub والتي تجسد عملية القذف النسائي، قد ازدادت شعبيتها بشكل كبير بين عامي 2013 و2015 وباتت ضمن أفضل 20 فئة من مقاطع الفيديو بالموقع.
وبحسب محللي البيانات في Pornhub، تزيد احتمالية بحث النساء عن مقاطع الفيديو للقذف بنسبة 44% مقارنة بالرجال، كما تقل نسبة الاهتمام بموضوع التدفق مع التقدم في العمر.
وبالرغم من ازدياد شعبيتها، إلا أن مسألة التدفق النسائي ليست مقبولة في كل مكان، ففي العام 2014، تم حظر قذف الإناث من المواد الإباحية المنتجة في المملكة المتحدة، وقد قوبل الحظر باحتجاج كبير، لأنه يشير إلى أن القذف من الفرج هو سلوك "منحرف" إلى حد ما، في حين أن القذف من القضيب أمر طبيعي تماماً.
ولكن ما تأثير عالم البورنو على توقعات النساء في موضوع القذف وعلاقاتهن الجنسية؟
حظي موضوع قذف الإناث باهتمام كبير في السنوات الأخيرة، بشكل جعل بعض النساء يشعرن بأن هناك توقعات موضوعة عليهن لاستدعاء "شلالات نياغارا" من مهابلهن، من قبل شركاء ربما شاهدوا مواد إباحية تحت عنوان: قذف الإناث.
في الواقع، غالباً ما يتم وصف التدفق على أنه شيء تصبو المرأة لتحقيقه أو جزء أساسي من التحرر الجنسي، غير أن هذا الوصف قد يخلق الكثير من الضغط غير الضروري، بخاصة مع ما يتم التركيز عليه في الأفلام الإباحية.
في هذا السياق، كشفت بعض الممثلات الإباحيات أن هناك طلباً متزايداً عليهن ليتمكن من القذف.
فقد عملت سيلفيا سايج في مجال الأفلام الإباحية لمدة أربع سنوات، كاشفة أن المرأة التي تقذف أثناء الأداء الجنسي تحرز تقدماً مالياً في مهنتها.
وبفضل "الترويج" لفكرة القذف النسائي، تشعر بعض النساء بالحاجة إلى التمكن من القذف أثناء العلمية الجنسية وذلك لإرضاء الشريك، على اعتبار أن التدفق "أفضل" من الأنواع الأخرى من النشوة الجنسية.
معظم النساء أبلغن عن إطلاق كميات غزيرة من السوائل في وقت قريب من بلوغ النشوة الجنسية، بما يكفي "لتبليل السرير بالكامل"، "رش الجدار" أو جعل شريكهن يصرخ رعباً
وتعليقاً على هذه النقطة، قالت الأخصائية في علم النفس كارين غورني، لموقع بي بي سي: "يرى بعض الناس، بشكل غير مفيد، أن قذف الإناث هو الكأس المقدسة للمتعة الجنسية"، مضيفة بأن هذا يعكس علاقتنا التاريخية كمجتمع بالجنس: "غالباً ما نراه كهدف، شيء يجب تحقيقه أو مهارة يجب ممارستها، بدلاً من شيء يمكن تجربته والاستمتاع به".
وفي حين تحاول بعض السيدات بشتى الطرق الوصول إلى القذف، فإن هناك نساء أخريات يشعرن بالخوف عند حدوث التدفق بسبب وصمة العار، وفق ما أكدته غورني: "لقد التقيت بنساء يشعرن بالخجل الشديد من حقيقة أن هذا يحدث لهن، لأنهن يشعرن أنه غير عادي ولديهن إحساس بأن الشركاء سيصابون بالصدمة أو يقررون الانفصال عنهن"، وتابعت بالقول: "يعتقدن أنهن تبولن على أنفسهن، ما قد يضيف إلى الأسى والعار الذي تشعر به بعض النساء بالفعل بشأن أجسادهن وحياتهن الجنسية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...