"لو محلك بنتحر، مكرسح، منغولية، عميا، ابتلاء" وغيرها من عبارات التنمر التي يتعرض لها ذوي الإعاقة، سواء في الفضاء الإلكتروني أو على أرض الواقع في الأردن، جميعها تكشف أن الحقوق لا تصان فقط بالقوانين والتشريعات بل بتغيير السلوك المجتمعي.
ذلك الاستنتاج وتلك العبارات جاءت على ألسنة أشخاص من ذوي الإعاقة في الأردن والذين تحدثوا لرصيف22، حيث تعرّضوا وما زالوا يتعرضون لتنمر مجتمعي إلكتروني، وفي هذا التقرير أمثلة على قصص التنمر التي تعرضوا لها.
قبل نقل ما قيل على لسان أولئك الأشخاص، وصلتني صورة تضم تعليقاً على صورة نشرتها أم أردنية لطفلتها المصابة بمتلازمة داون، ربما يشي هذا التعليق بجزء مما يمارس من تنمر على ذوي الإعاقة في الأردن، جاء في التعليق التي وصل الأم بعد نشر صورة ابنتها: "ما شاء الله ملامحها حلوة كتير فيها بس هاد ما بكملها، بضل منغولية ومش رح تقدري تغيري إشي، لا تضحكي على حالك وعلينا".
لا يوجد منهاج دراسي واحد تظهر فيه صورة لذوي الإعاقة، نحن تربينا على أن ذوي الإعاقة ابتلاء".
"كنت أشعر أن سبب تشغيلي هو دعاية للشركة"
الشاب عزت دبلان، 36 عاماً، استلزمت إصابته بمرض نادر يدعى متلازمة العظم الزجاجي، أن يبقى على الكرسي المتحرك. بدأ سرده للأمثلة خلال حديثه مع رصيف22، عن التنمر الذي تعرض له واقعياً وإلكترونياً، عندما كان في المدرسة، ويقول: "90% من المدارس لم تقبل تسجيلي فيها بسبب وجودي على كرسي متحرك، وعندما سجلت في المدرسة لم يكن التنمر علي من قبل الطلاب، بل من قبل معلمين كانوا يعتبروني عبئاً عليهم".
وفي الجامعة كما يضيف عزت: "كنت أواجه رفض دكاترة بتغيير قاعات المحاضرات بقاعات تتناسب مع حركة الكرسي خاصتي، أذكر أن أحد الدكاترة قال لي: روح بيع علكة على بسطة اللي زيك ليش يدرس؟ ودكتورة صاحت قائلة: مش ذنب 37 طالب أنقلهم على قاعة ثانية عشان أشكالك، ودكتورة أخرى سألتني مرة: إنت ليش مغلب حالك ومغلبنا ما إحنا عارفين شو نهايتك"، واليوم "نهاية" عزت أن له مشروعه الخاص في التسويق الإلكتروني، ولديه مبادرة إلكترونية تدعى "تجربة عزت"، يبث من خلالها فيديوهات سريعة يقدم من خلالها نصائح لذوي الإعاقة لمجابهة الصعوبات الحياتية والمجتمعية التي تواجههم/ن دون قصد منهم/ن، بل بسبب تقصير حكومي ومجتمعي، بحسب قوله.
لم ينخرط عزت في سوق العمل الإلكتروني بسهولة، فوفق ما استكمل من سرد: "كنت أرسل السيرة الذاتية بعد تخرجي من الجامعة لعدة شركات، وعندما كنت أذهب للمقابلة كانوا ينصدمون من حقيقة أنني على كرسي متحرك، وكانت المقابلة تبدأ برفضي من خلال ما كنت أقرؤه على وجوه المدراء، وبعد تكرر ذلك الموقف أكثر من مرة اضطررت لأن أضيف ملاحظة في آخر سيرتي الذاتية أنني على كرسي متحرك".
وأضاف: "في مرة وافقت إحدى الشركات على تشغيلي، وأخبرني المدير بالحرف: إحنا وافقنا عشان القانون بفرض علينا نشغلكم، إنت مسموح تشتغل معنا بشرط تضلك بالبيت وبيوصلك كل شهر 80 دينار بس لازم توقع على عقد العمل إنك بتقبض 300 دينار بالشهر".
"كنت أشعر أن سبب تشغيلي هو دعاية للشركة"، يضحك عزت وهو يروي تجربته مع إحدى الشركات، التي كان مديرها يتخذ من صوره مع عزت وسيلة للترويج للشركة ولـ "إنسانيته"، "بعد كل هذا الفشل اضطررت لفتح مشروعي الخاص"، يقول عزت.
أذكر موقف تعرضت له عندما كنت في أحد المجمعات التجارية، حين سأل طفل والدته: ماما ليش عمو على الكرسي؟ أجابته: لأنه ما كان يرد على أمه وهو صغير... قالتها أمامي وعلى مسمعي دون أن يرف لها رمش!"
"أنا لو محلك بنتحر!"
وعن أمثلة على التنمر الإلكتروني الذي تعرض له عزت، قال: "في مرة صورت فيديو قصير يكشف كيف أن سوبر ماركت كبير في الأردن فيه عربات صديقة لفئات ذوي الإعاقة، ووجهت شكراً لهذا السوبر ماركت، من بين التعليقات التي جاءت على الفيديو: يا ديوث شو بدنا بقرفك؟ وفي فيديو آخر صورته عن صعوبة الاصطفاف للسائقين/ات من ذوي الإعاقة جاءني تعليق: إنت اللي مثلك ليش يطلع من البيت أصلاً؟ أنا أول مرة أعرف إنه المكرسحين بطلعوا على الشارع، وفي فيديو لي وأنا أمارس الرياضة شجعني معلق بقوله: أنا لو محلك بنتحر!".
الحق على مين؟ سألت عزت، وأجاب: "السبب هو أسلوب التربية الاجتماعية. أذكر موقف تعرضت له عندما كنت في أحد المجمعات التجارية، حين سأل طفل والدته: ماما ليش عمو على الكرسي؟ أجابته: لأنه ما كان يرد على أمه وهو صغير... قالتها أمامي وعلى مسمعي دون أن يرف لها رمش!".
أما الجانب الآخر المتسبب مثل هذه انتهاكات، بحسب ما أضاف عزت، فهي وزارة التربية والتعليم، وقال: "قمت مؤخراً بإجراء رصد كشف أنه لا يوجد منهاج دراسي واحد تظهر فيه صورة لذوي الإعاقة، نحن تربينا على أن ذوي الإعاقة ابتلاء".
ولفت عزت إلى زاوية مهمة جداً، وهي أنه حتى السينما والدراما العربية تظهر الشخص من ذوي الإعاقة على أنه شخص مسكين أو "مسخم"، كما يقول، ووضع أمثلة حدثت مؤخراً على إحدى الفضائيات الأردنية: "البطلة وصفت شخصاً أنه بشع، لا يوجد شخص ممكن أن ينظر إليه، 'حتى ميسر العميا'، وفي مشهد قرع جرس الباب وأجابت سيدة المنزل 'هاي شحادة بتعرف ما هو ولادها معاقين".
"خصمي ليس من تنمّر علي، بل الحكومة التي عجزت مناهجها عن الحديث عن الأشخاص ذوي الإعاقة والتي لم تدمجهم في المجتمع".
"سبب قوة شخصيتي أنني متصالح فوق ما تتخيلين مع نفسي، وكل ما أواجه تنمراً أجد له مبرراً"، قال عزت، واستعرض موقفاً مضحكاً تكرر معه أكثر من مرة: "أنا شخص طبيعي يحب أن يصلي الجمعة في المسجد، أكثر من مرة يقوم أحدهم بإعطائي نقود ظناً منه أنني شحاذ"، ويختم وهو يضحك عالياً: "أنا والله ابن عالم وناس".
"لأنك أجمل وحدة في العالم"
"زيحها عني لتبليني فيها"، قالتها ممرضة لسمر هنداوي، تطلب منها أن تبعد ابنتها مجد، 20 عاماً، عنها "خوفاً على نفسها" من أن "تبتلى بها"، كونها مصابة بمتلازمة داون، بحسب حديث الأم مع رصيف22، وتقول: "الحمد لله ابنتي ربيتها على الثقة بالنفس ولم أعد أدافع عنها أمام التنمر الذي تتعرض له بل أصبحت أقوى مني وتدافع عن نفسها".
في مرة كما تروي الأم سمر: "كنا بالمستشفى لغايات فحوصات لمجد، ونحن في انتظار دورها سمعنا الممرضة تخبر مراجعة: دورك بعد هاي المنغولية، أذكر وقتها كيف ابنتي مجد أعطت هذه الممرضة درساً لن تنساه في حياتها عن أهمية احترام الآخر".
"ليش هيك شكلك؟ ليش عيونك زي الصينيين؟"، أسئلة كانت توجه لمجد وهي طفلة، بحسب ما تروي والدتها، كانت تجيب على تلك الأسئلة بقولها: "الله خلقني هيك وأعطاني شي زيادة عنكم"، هكذا ربيت ابنتي تقول الأم، وتضيف: "كل ما كانت تعود مجد إلى المنزل وهي تبكي من أسئلة الأطفال من عمرها الذين لم يتعلموا من أهاليهم تقبّل الاختلاف ويوجهون لها أسئلة جارحة، كنت وما زلت أقول لها عندما تسألني: ليش هيك بحكولي؟ لأنك أجمل وحدة في العالم".
"كل ما كانت تعود مجد إلى المنزل وهي تبكي من أسئلة الأطفال من عمرها الذين لم يتعلموا من أهاليهم تقبّل الاختلاف ويوجهون لها أسئلة جارحة، كنت وما زلت أقول لها عندما تسألني: ليش هيك بحكولي؟ لأنك أجمل وحدة في العالم"
"خصمي ليس من تنمّر عليّ"
المرشحة لمجلس النواب الأردني، روان بركات، نالت قبل أيام نصيباً من التنمر الإلكتروني، حيث أثار تعليق حول عزمها على الترشح للانتخابات البرلمانية ضجة واسعة خلال الأيام الماضية، جاء في التعليق: "شو هاد معقول لهالدرجة صارت هيك الإنتخابات؟ وانتي اللي حتعملي تغيير دخلك؟ ليش هو إنتي شايفة إشي عفواً علشان تعرفي تغيري؟ والله الحق مش عليكي الحق عاللي ضحك عليكي وقلك رشحي حالك"، تساءلت روان في تغريدة لها عن هذا التعليق: "ألا يعتبر تنمراً إلكترونياً؟".
وأثار ذلك التعليق وتغريدة روان ضجة واسعة في الوسط الحقوقي والنسوي، حيث سارعت جمعية "معهد تضامن النساء الأردني" إلى إصدار بيان يدين التنمر الذي تعرضت له روان، كذلك خرج المجلس الأعلى لذوي الإعاقة ببيان استنكاري لما حدث.
وفي حديث مع رصيف22 لنائب رئيس المجلس الأعلى لذوي الإعاقة، باسل الطراونة، قال: "البيان الذي خرجنا به هو رسالة للجميع، مؤسسات رسمية ومجتمع، بضرورة الالتزام بالمعايير القانونية والأخلاقية إزاء الأشخاص من ذوي الإعاقة في الأردن، وما حدث مع روان ومع ما رصدناه في المجلس في تقريرنا الأخير، يكشف أن هناك مخالفات لاتفاقية حقوق الأشخاص من ذوي الإعاقة الدولية والتي صادق عليها الأردن، كما يكشف أن هناك حاجة ملحة لأن يتحول الضمان التشريعي والقانوني لحقوق ذوي الإعاقة إلى ممارسة وتنفيذ، هذه الممارسات التي يجب أن تبدأ من قبل المؤسسات الحكومية والرسمية".
وقالت روان بركات في حديثها مع رصيف22 إنها تلقت أكثر من 40 رسالة من أشخاص ينصحونها بأن تقدم شكوى بحق من تنمر عليها، وقالت: "الشكوى ليست الحل، فخصمي ليس من تنمّر علي، بل الحكومة التي عجزت مناهجها عن الحديث عن الأشخاص ذوي الإعاقة والتي لم تدمجهم في المجتمع، وعجزت تلك المناهج عن طرح مفاهيم الاختلاف وتقبل الآخر بكل أشكاله".
وأضافت: "التنمر الذي حدث معي فيه جانب إيجابي بأنني اخترت الأولوية الصح في برنامجي الانتخابي وهي التعليم"، ورداً على سؤال بماذا تنصح من هم من ذوي الإعاقة ممن ليست لديهم/ن قوة الشخصية الموجودة فيها وفي الشاب عزت والشابة مجد الهنداوي، نصحت بمواجهة التنمر بالتجاهل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...