تعرّف رائدا الفضاء، مارك لي وجان ديفيس، على بعضهما أثناء مهمة فضائية، وفي العام 1991 قررا الارتباط رسمياً، إلا أنهما اتفقا على إبقاء زواجهما سراً وعدم إبلاغ رؤوسائهما في وكالة ناسا، بخاصة وأن الوكالة تمنع رواد الفضاء المتزوجين من الصعود إلى الفضاء معاً.
وبالرغم من عدم وجود أي تقارير رسمية تكشف عن أي ممارسات حميمة، ورغم تأكيد وكالة ناسا بأنه لم يمارس أحد الجنس في الفضاء، إلا أن ذلك لم يمنع بعض العقول من التكهن بشأن كيفية قيام الموجودين في الفضاء في تمضية لحظاتهم الحميمة وإشباع رغباتهم الجنسية.
ما الذي يحدث في العادة وراء الحجرات المغلقة؟ وهل باستطاعة رواد الفضاء ممارسة الجنس في الفضاء؟
النشاط الجنسي في الفضاء
منذ أن أصبح هناك وجود بشري في الفضاء، برز موضوع الجنس هناك، إنما لم تتم معالجته بشكل علمي دقيق، وذلك يعود إلى عدّة أسباب، أهمها أن معظم المهام إلى الفضاء لم تكن طويلة بما يكفي لدفع وكالة ناسا إلى معالجة هذه المسألة بجدية، لا سيما وأن الهدف الأساسي هو محاولة معرفة كيفية البقاء على قيد الحياة في خضم بيئة صعبة.
ولكن نظراً لكون وكالات الفضاء باتت تدرس بجدية مسألة العيش خارج كوكب الأرض، وتقوم بإرسال فرقها في مهام طويلة إلى القمر أو المريخ، فإنه يتعين عليها مواجهة الجوانب الاجتماعية لهذه الرحلات، وبخاصة موضوع الجنس الذي يعتبر شائكاً ومثيراً للجدل.
وفي هذا الصدد، قال بول روت وولب، مدير مركز الأخلاقيات في جامعة إيموري وكبير علماء الأخلاقيات البيولوجية في ناسا، لموقع فايس: "أعتقد أنه سوف يأتي الوقت لتناول موضوع النشاط الجنسي في الفضاء"، مضيفاً: "لا أعرف إذا كانت لدى ناسا سياسة رسمية بشأن ممارسة الجنس في الفضاء، ولكن سوف يكون هناك وقت تحتاج فيه ناسا إلى وضع بعض السياسات أو التفاهمات حول هذا النوع من العلاقات"، هذا واعتبر وولب أنه سيأتي الوقت الذي سيتم فيه التباحث عمّا إذا كان من العدل حرمان الأشخاص من هذا الجانب البشري.
وبصرف النظر عن عدم وجود أسباب علمية عاجلة لاختبار الغريزة الجنسية والسلوك الجنسي في الفضاء، فالحقيقة أن الالتحام بين الجسمين في حالة الجاذبية الصغرى microgravity قد لا يكون بالقدر الممتع الذي نتخيله.
فما هي العقبات التي تقف بوجه الاستمتاع بالتجربة الجنسية في الفضاء؟
على ما يبدو أن وجود "طيور الحب" في رحلة فضائية قد يزيد الأمور تعقيداً.
ففي المقام الأول، هناك صعوبات لوجستية تحول دون الاستمتاع بالعملية الجنسية، وهذا وحده قد يكون السبب الكافي لثني رواد الفضاء عن التجارب غير الرسمية، كما قال بول روت وولب: "يعتقد الكثير من الناس أن ممارسة الجنس في حالة الجاذبية الصغرى ستكون تجربة رائعة، لأنه بفقدان الجاذبية يصبح بالإمكان التحرك بطرق لا يمكن فعلها على الأرض".
ولكن يؤكد وولب أن المسألة ليست كذلك، فالتفاعل الجسدي في الفضاء صعب: "من بين الأشياء التي تساعدنا فيها الجاذبية هو البقاء معاً، لذلك قد تكون ممارسة الجنس في حالة الجاذبية الصغرى أصعب، لأنه سيتعين عليكم التمسك ببعضكم البعض حتى لا تنجرفوا. قد يكون الأمر أكثر صعوبة وأقل إرضاء مما يعتقده معظم الناس".
وحتى إن كان بإمكان المرء التغلب على هذه الصعوبات اللوجستية، فإن المشكلة تكمن في أن الجنس في الفضاء ليس مثيراً، بحيث يميل رواد الفضاء إلى التعرق أثناء مهامهم، ويقوم عرقهم بتكوين طبقات حول أجسادهم التي تصبح لزجة ورطبة، الأمر الذي من شأنه أن يجعل اللحظات الحميمة غير مريحة على الإطلاق.
من ناحية أخرى، لا يتدفق الدم عند حالة الجاذبية الصغرى، بنفس الطريقة كما يحصل على الأرض، وعليه فإن انخفاض ضغط الدم يجعل العلاقة الجنسية صعبة لدى الرجال الذين يواجهون حينها صعوبة في الانتصاب، بالإضافة إلى تراجع مستويات التستوسترون خلال وجودهم في الفضاء.
أما بالنسبة للإناث، فإن البحث لا يزال مستمراً بشأن ما إذا كانت الجاذبية الصغرى تشكل نعمة أم نقمة على الثديين، كما أنه في حالة الجاذبية الصغرى، فإن المرأة قد تواجه صعوبة في الابتلال المهبلي.
في حديثها مع موقع رصيف22، كشفت الأخصائية في علم الفيزياء الفضائي د.سيرين نعمة، أنه في السابق لم تكن وكالة ناسا تولي أهمية كبيرة لموضوع الجنس في الفضاء، بسبب الرحلات القصيرة التي تنظمها إلى الفضاء، بالإضافة إلى تركيزها على المهمة العلمية فحسب، إلا أنه الآن أصبحت فترة الرحلات الفضائية أطول، ما يعني أن هناك حاجات بشرية معيّنة يجب إشباعها، شارحة ذلك بالقول: "على غرار الطعام والنوم والرياضة، إن الجنس هو حاجة إنسانية والخيالات الجنسية موجودة في الأصل في دماغ الإنسان"، مضيفة بأنه عندما يكون المرء تحت الضغط النفسي، فإنه يحاول اللجوء إلى ملاذ آمن، قد يكون ذلك عن طريق التفاعل الجسدي مع شخص آخر.
وتحدثت نعمة عن موقف طريف حصل مع رواد الفضاء في إحدى الرحلات: "على المانيفيستو الذي يحملونه بأيديهم تم وضع صور إباحية، وهذا يظهر أن الحديث عن الجنس في الفضاء قد لا يكون متداولاً بشكل كبير، إلا أنه موجود في أذهان الجميع".
واعتبرت سيرين أنه من الطبيعي أن نتطرق إلى مسألة العلاقات الحميمية في الفضاء، لكون الأهداف الحالية تتمحور حول درس إمكانية العيش على القمر وبناء مدن هناك، وبالتالي الوصول إلى جاذبية معيّنة حتى يتمكن المرء من القيام بمهامه اليومية وضمان التكاثر.
وأشارت نعمة إلى أن هناك تجربة علمية لمحاكاة الرحلة إلى المريخ حدثت في هاواي، وهناك اتضح أن العقل البشري يتغيّر، بحيث أنه "حدثت خلافات بين رواد الفضاء، ليس بسبب الشهوة والرغبة الجنسية، بل لأننا لا نزال نجهل كيف تتحول الأوهام الجنسية"، وفق ما قالته، معتبرة أن "الجنس هو وسيلة من وسائل التملك، ومهما كان رائد الفضاء مترفعاً عن ملذات الدنيا والشهوات الجنسية فإنه يبقى إنساناً، وبالتالي من الصعب عليه أن يجيد التصرف في حال كان متواجداً في حجرة ضيّقة مع شخص ينجذب إليه".
وعن الصعوبة الفيزيولوجية التي ترافق القيام بالعلاقات الجنسية في الفضاء، أشارت د. سيرين إلى أن عملية الانتصاب لدى الرجال تتأثر كثيراً في حالة الجاذبية الصغرى، وذلك بسبب تدفق الدم وخسارة العضلات، شارحة ذلك بالقول: "تتفتت العظام وتذوب العضلات، وهذا ما يفسر سبب اكتساب طول القامة في الفضاء، أما بالنسبة إلى السائل المنوي فإننا لا نعرف لحدّ الآن الكمية التي تخرج وسرعة الحيوانات المنوية".
"الجنس هو وسيلة من وسائل التملك، ومهما كان رائد الفضاء مترفعاً عن ملذات الدنيا والشهوات الجنسية فإنه يبقى إنساناً، وبالتالي من الصعب عليه أن يجيد التصرف في حال كان متواجداً في حجرة ضيّقة مع شخص ينجذب إليه"
هذا وأوضحت د. سيرين نعمة أنه في حالة الجاذبية الصغرى، ينام رواد الفضاء وهم مربوطون في حجرات تشبه التابوت: "ليس هناك من فرق في حال ناموا في وضعية أفقية أم عامودية، إذ أنه ليس هناك من اتجاهات محددة"، وختمت حديثها بالقول: "ما يحصل داخل هذه الغرف الصغيرة يبقى حتى الآن مجهولاً".
الأوهام الكونية
في الواقع فشلت كل القيود، التي ذكرناها في السطور السابقة، في "ترويض" الخيالات الجنسية المرتبطة بالكون.
ففي الرواية الخيالية The Hammer of God، الصادرة في العام 1993 للكاتب آرثر سي. كلارك، ينظر المؤلف في إيجابيات وسلبيات مختلف مواقع النظام الشمسي في الجماع الكوني، مشيراً إلى أن "حداثة الجاذبية الصفرية في الفضاء الحر سرعان ما تتلاشى، في حين أن جاذبية القمر تجعلكم ترتدون في كل مكان".
عملية الانتصاب لدى الرجال تتأثر كثيراً في حالة الجاذبية الصغرى، وذلك بسبب تدفق الدم وخسارة العضلات
ومع ذلك، تكشف الرواية أن الجاذبية على المريخ هي "خفيفة بما يكفي للقيام بما تريده، وثقيلة بما يكفي لجعلها مثيرة للاهتمام".
وكتب كلارك في العام 1982في رواية 2010: Odyssey Two، أن "كل الملذات ومشاكل ممارسة الجنس الجاذبي فيها مبالغة إلى حد كبير"، غير أنه أعرب عن تطلعه إلى الابتكارات الجنسية التي من شأنها أن تأخذ الجنس إلى الفضاء: "سيؤدي انعدام الوزن إلى ظهور أشكال جديدة من الشبقية. لقد حان الوقت أيضاً".
في الختام في حال سلّمنا الجدل بأن مستقبل البشرية مكتوب في النجوم، وفي حال كان هناك أمل في وصول الأقدام البشرية إلى المريخ، فعندئذ نحتاج بإسهاب لمعرفة ماذا يمكن أن يحدث عند أخذ التجربة الجنسية إلى ما وراء حدود الكوكب الذي نعيش عليه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه