شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"عجزت المؤسسات فظهر المشعوذون"... حملات في تونس للقضاء على "سحر المقابر"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 5 سبتمبر 202004:48 م
أطلق رواد مواقع التواصل الاجتماعي في تونس، حملة لتنظيف المقابر من السحر والطلاسم المدفونة مع الموتى، والتي يعمد أصحابها لوضعها داخل القبور بغية تعطيل حياة أحدهم أو إحالته على البطالة أو المرض وغيرها من الشرور، حسب اعتقادهم.

السحر هو ذاك الفعل قوي النفوذ على نفسية الفرد قبل جسده، بالنسبة للمعتقدات الشعبية، حيث غالباً ما يقترن ذكره بالخوف والرعب والقشعريرة والاشمئزاز، فهو فعل يتحدى به الساحر الطبيعة والآلهة والأقدار، ويتمرد عليها لتحقيق فعل مشين، أو الوصول إلى هدف أو مصلحة ما، وهو يختلف عن السحر المعروف بخفة اليد، والذي يعد فناً ترفيهياً لا يمت للشعوذة بصلة.

صدمة وقشعريرة وخوف

يطلب السحرة غالباً طلبات غريبة من زبائنهم الذين يأتون أفواجاً، ويدفعون أموالاً طائلة بغية تدمير حياة شخص ما، فمنهم من يطلب ساق ضفدع، وآخر يريد فك كلب، وثالث يطلب خفاشاً لاعتماده في الطلاسم التي ستعرقل السير العادي لحياة طبيعية لفرد ما، حسب اعتقادهم.

انطلقت حملة تنظيف المقابر من السحر من خلال غروب على موقع فيسبوك، أنشئ خصيصاً لهذا الغرض، وقد بدأت عملية التنظيف من محافظة توزر في الجنوب الغربي بتونس، حيث نشر أعضاء الحملة صوراً لطلاسم وأشخاص وجدت في المقابر، ما جعل الحملة تتوسع وتنتشر لتشمل جميع المحافظات.

يقول سامي (30 عاماً)، ميكانيكي من تونس، وهو أحد المشاركين في عملية التنظيف: "صدمت بما رأيت... أشياء تقشعرّ لها الأبدان، تخيل أننا وجدنا صور أطفال أيضاً. إنها فعلا مصيبة، لا حول ولا قوة إلا بالله".

"لم أر في حياتي أقرف من هكذا أشياء، إننا في سنة 2020، ما هذا التخلف؟ يجب أن تضع الدولة حداً لهذه المهازل، وأن تزج بالمشعوذين في السجون"

تتعدد مظاهر الشعوذة والسحر من مجتمع إلى آخر ومن ثقافة إلى أخرى، ونجد منها ما يعرف بـ"سحر المقابر" الذي أزاحت عنه حملات التنظيف التراب، والتي توسعت وانتشرت بشكل سريع في كامل البلاد، وسط ذهول رواد مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام، فكميات الطلاسم التي وجدت وسط القبور ليست بالقليلة، وهي "غريبة ومقززة"، كما تقول سهام (27 عاماً)، مرشدة اجتماعية من تونس، لرصيف22: "لم أر في حياتي أقرف من هكذا أشياء، إننا في سنة 2020، ما هذا التخلف؟ يجب أن تضع الدولة حداً لهذه المهازل، وأن تزج بالمشعوذين في السجون".

اختلفت الطلاسم وتنوعت، فتجد رأس كلب، دجاجة، يد ميت، وصور أشخاص خطت عليهم طلاسم باللون الأسود، على غرار "فراق"، "موت" وغيرها من عبارات تمني الشر لصاحب الصورة.

وقد قام رواد مواقع التواصل بنشر تلك الصور كي يتعرف عليها أصحابها، منها صورة فتاة من محافظة توزر، كانت قد استُضيفت ووالدها في برنامج تلفزيوني اجتماعي لإصلاح العلاقة بينهما، وتحدثت عن عراقيل قلبت حياتها رأساً على عقب، ما اعتبرته حجة دامغة لإقناع المشككين بصحة وجود السحر.

تقول الخالة صالحة (56 عاماً)، بعد تمتمة المعوذتين، لرصيف22: "السحر موجود منذ الأزل، هو فعل شيطاني لا يمكن لأحد إنكاره، وقد عرفت أناساً خسروا صحتهم ومالهم، وحتى ذويهم، بمفعول أصحاب الشر، وكما يقول المثل: العين والسحر يوصلان الإنسان للقبر".

"أنا صاحبة الصورة"

فوجئت إلهام (25 عاماً)، بصورتها المنشورة على صفحات فيسبوك، والتي خطت عليها "طلاسم الشر"، فنشرت الصورة، وصورة حديثة لها، وكتبت: "أنا صاحبة الصورة إلي فيها سحر، قررت أن أنشر تصويرة حديثة عندها سوايع، والصورة إلي مصورة عندها 4 سنوات يوم عقد قراني (إلي فيها سحر) أريد أن يفهم الناس أن سحر التعطيل موجود، لكن سحر التعطيل الحقيقي هو عجزك على المقاومة مهما كانت الظروف".

وتضيف إلهام لرصيف22: "لا أكذب، لقد مررت بمراحل سيئة وغريبة في نفس الوقت، وحرقت وجهي، وخسرت عملي، يمكن يكون صدفة يمكن يكون من السحر، لكني بخير، فأنا لا أترك المشكلة تعيش أكثر من وقتها. أرى أناساً مسحورة منهارة، لماذا؟ السحر مجرد سبب والنتيجة واحدة، وما يحدث لنا هو قضاء وقدر، لا تعجزوا وتعلقوا كل شي على السحر، خلي سحرك أنت أقوى بالقرب من ربي، لا يجب أن يكون السحر شماعة نعلق عليها أخطاءنا وفشلنا، المهم أن تستثمر مشكلتك وتخرج منها بطاقة إيجابية".

وتستدرك إلهام قائلة: "هذا الكلام في حالة إذا كان السحر موجوداً فعلاً، فقد انقرض منذ قرون. جميعهم دجالون، يسرقون أموال المؤمنين بهم".

"مسؤولية السياسيين"

تساءل آخرون مشككين وساخرين من وجود السحر، واستهزؤا بما يقوم به المساهمون في حملة التنظيف، واعتبروه ضرباً من التخلف.

نشر رائد (34 عاماً، مخرج تلفزيوني، صورة لسياسيين، وكتب ساخراً في حسابه على فيسبوك: "عندما ترى شعب تونس يعمل في حملة لإزالة السحر من المقابر، عوض إزالة الأعشاب الطفيلية، تفهم أنو الجماعة هذوما عقلية قبل أن يكونوا أحزاباً"، في إشارة إلى أن السياسيين هم صورة عن عقلية المجتمع.

وكتبت سمية في حسابها على فيسبوك: "في بلادنا تعيش، يسحروك، تموت يسحروا بيك، يدفنوك، يرمون السحر في قبرك".

أما سهير فعلقت، مضيفة صورة ممثل تونسي منغمس في التفكير، وكتبت متهكمة: "عندما ترى صور الناس المسحورين، ولا تجد صورتك وتعرف أن هذه الحياة البائسة هي حياتك دون سحر".

"كي تعيش عيشة كلبة وتمشي تلوج في الجبانة ما تلقاش عاملين لك سحر، وبعد تعرف تلك هي عيشتك من غير سحر"، علق حامدي ساخراً هو الأخر، على حسابه في الفيسبوك.

السحر وأزمة المستقبل

"السحر من ضمن طقوس منتشرة بين الشعوب في العالم أجمع، ولا يقتصر على الدول العربية"، بحسب المختص في علم الاجتماع، فؤاد غربالي.

يقول غربالي لرصيف22: "السحر هو استدعاء قوى غيبية لتحقيق غايات، سواء كانت سيئة أم نبيلة. وهو جزء من ثقافة الشعوب، فكل ثقافات الدنيا، بما في ذلك الشعوب المتقدمة، تلجأ للسحر والتنجيم وغيرها".

"هذا الكلام في حالة إذا كان السحر موجوداً فعلاً، فقد انقرض منذ قرون. جميعهم دجالون، يسرقون أموال المؤمنين بهم"

ويرجع غربالي انتشار السحر في المجتمعات العربية إلى سبب آخر، وهو "وجود خلل في المؤسسات المجتمعية، وهو بالأساس صراع اجتماعي بين الناس، وهو ما يدل على أن مجتمعاتنا تعيش أزمة مستقبل، فعندما يعمّ الفقر واللايقين يلجأ الناس للقوى الغيبية والسحر، أو إحداها، إضافة إلى غياب الثقافة العقلانية داخل المجتمع، لذلك ينتشر فيه السحر والشعوذة، فعجز المؤسسة الصحية مثلاً يدفع بالطبقات الشعبية والفقيرة للجوء إلى المشعوذين للتداوي".

ويضيف غربال: "السحر بقدر ما هو ممارسة موجودة في كل المجتمعات فهو يعبر عن فشل مؤسسات المجتمع في مواجهة الواقع، ما جعله منتشراً أكثر في الدول الفقيرة، ورغم مساوئه فإن للسحر جانباً إيجابياً نوعاً ما، فقد أنتج ثقافة خاصة، فالإنسان لا يمكن أن يعيش بمنطق العقلانية المطلقة والعلم، لا يستطيع أن يقدم أجوبة لكل تساؤل، ما جعل هؤلاء يخترعون ثقافة جديدة".

وامتدح غربالي التعاطي الاقتصادي للدولة المغربية مع السحر، يقول: "السحر من شأنه أن يدر أرباحاً على الدول، على غرار المغرب التي حولته إلى فولكلور، وهو ذكاء منهم، فالسائح يبحث عن شيء خارق، مضاف إلى الخدمات العادية التي تقدم له في كل مكان".

وينهي غربالي حديثه لرصيف22 قائلا: "السحر جزء من الثقافة الشعبية، وبغض النظر عن صحة وجوده من عدمها، لكن يجب عقلنة الأمور، وتوعية الناس، خاصة من المخاطر الجسدية والصحية لبعض الممارسات".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard