شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
“أنا أسمر ولا أريد أبناء سمر“... عن “هوس” رجال في غزة بالبشرة البيضاء

“أنا أسمر ولا أريد أبناء سمر“... عن “هوس” رجال في غزة بالبشرة البيضاء

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 3 سبتمبر 202005:50 م
للرجل والمرأة معاييرهما الخاصة في اختيار شركاء حياتهم، أحياناً تكون مرتبطة بسمات شخصية، مثل الشجاعة والكرم وتحمل المسؤولية، وأحياناً ترتبط بالاختلاف والتميز، ولكن مؤخراً شهدت العديد من صيدليات غزة إقبالاً من النساء على أدوات تفتيح البشرة، وصارت جزءاً رئيسياً من المصروفات الشهرية، حتى في عز الأزمات الاقتصادية.

سأل رصيف22 سيدات، فأجبن أن اللون الفاتح والأبيض أصبح معياراً للجمال، في مجتمع غالبيته من ذوي البشرة القمحية والداكنة من الرجال والنساء، فلماذا إذن تم فرض اللون الأبيض كمعيار للجمال على المرأة دون الرجل، ولماذا العداء مع الألوان الداكنة؟

يقول فجر حامد، يعمل بائع أحذية (33 عاماً)، والذي يربط بياض البشرة بالجمال، فيقول: "بياض البشرة يعني أن تكون الفتاة خالية من البثور والحبوب والبقع الداكنة، ليس فقط في وجهها بل في جسدها أيضاً". ويضيف "أفضّل المرأة بيضاء اللون فهي الأجمل والأكثر إغراء".

أما الصيدلي فادي الزعانين (44 عاماً)، فيرى أن "اللون الأبيض نادر الوجود، وكل ما هو نادر محبوب، إضافة إلى أن بشرته داكنة وهو يريد أن تشاركه امرأة بيضاء اللون للاختلاف".

أما أحمد النجار (25 عاماً)، وهو أسمر، فهو يشدد على أنه سيرتبط بامرأة بيضاء، يقول: "أريد أن أحسّن نوعية النسل، لا أريد أبناء سمراً".

"البياض عالحيطان"

انتشرت مؤخراً في غزة حكايات عن رفض رجال الارتباط بنساء فقط لأنهن من ذوات البشرة القمحية أو الداكنة، تقول منى أكرم (24 عاماً)، خريجة جامعية حنطية اللون: "جاءت إحدى النساء إلى بيتنا لخطبتي وقالت لأمي بالحرف الواحد: هل ابنتك بيضاء؟ فقالت أمي: لا ابنتي قمحية اللون وليست بيضاء".

وتكمل حديثها بالقول: "وحين أصرت على رؤيتي، خرجت لمقابلتها، وبعد أن تفحصتني جيداً بنظرات تشبه التفتيش العسكري قالت لي: "ليتك بيضا"، وهنا شعرت بالإهانة بصراحة، وكنت في موقف محرج، فما كان من أمي إلا أن قالت لها: على العموم يا أختي البياض عالحيطان".

"بعد الزواج عايرني زوجي بأني سمراء، وأن أهلي قد خدعوه بأن أخفوا عنه ذلك، وأنني وضعت الكثير من المساحيق لأبدو بيضاء في ذلك اليوم، وأنه يتمنى أن يتزوج فتاة بيضاء حتى ولو كان آخر يوم في حياته"

أما السمراء الثلاثينية عبير، مدرسة لغة عربية، والتي تم طلاقها بعد ثلاث سنوات من زواجها، فتقول: "أمه خطبتني وتم الزواج بشكل تقليدي وسريع، وبعد الزواج عايرني بأني سمراء، وأن أهلي قد خدعوه بأن أخفوا عنه ذلك، وأنني وضعت الكثير من المساحيق لأبدو بيضاء في ذلك اليوم، وأنه يتمنى أن يتزوج فتاة بيضاء اللون حتى ولو كان آخر يوم في حياته".

وتتساءل بحسرة شديدة: "لا أعلم ما ذنبي إن كنت سمراء اللون؟ لماذا هذا الحكم الشكلي؟ ألا يعتبر العلم ميزة تميزني أكثر من لون البشرة؟".

ويثير هذا الموقف تساؤلات عديدة: لماذا هذا العداء تجاه لون البشرة الغامق، وهم في الأصل من نفس اللون، ولماذا يحكم الرجل حكماً شكلياً على شريكة حياته؟ ألا يعتبر الأمر تسليعاً للمرأة؟

تفتيح البشرة

ولأن المرأة باتت تعلم تفضيل الرجل للون البشرة البيضاء، فقد سعت بشراهة نحو الحصول على بشرة بيضاء، باستخدام خلطات وكريمات تفتيح للبشرة. يقول الصيدلي محمد ربيع (50 عاماً)، لرصيف22: "هناك إقبال ملحوظ على كريمات تفتيح البشرة من قبل النساء عامة والمقبلات على الزواج بشكل خاص، إذ تقدر نسبة الفتيات اللواتي يستخدمن كريمات تفتيح البشرة ما قبل الزواج 20% من إجمالي النساء اللواتي يستخدمن هذه المستحضرات".

"هناك إقبال ملحوظ على كريمات تفتيح البشرة من قبل النساء".

ويضيف: "الغريب في الأمر أن الإقبال على شراء هذه الكريمات في ظل الأوضاع المادية السيئة التي يمر بها المواطن في غزة لم يتأثر، بل زادت المبيعات بشكل ملحوظ، وتتراوح أسعار الكريمات ما بين 25 إلى 50 شيكلاً (الدولار يساوي 3.5 شيكل) للعبوة الواحدة".

يُذكر أنه من الناحية الطبية، لا يوجد لهذه الكريمات أي تأثيرات سلبية طالما أنها محفوظة بشكل صحي وطبي، بينما المشكلة الوحيدة التي قد تواجهها المرأة المستخدمة للكريمات هي عودة اللون الأسمر للبشرة حال التوقف عن استخدام هذه الكريمات.

نظرة المرأة إلى نفسها

لا شك بأنه ليس كل الرجال في غزة مولعين بلون البشرة الفاتح، يقول بسام قيطة (40 عاماً)، شرطي لرصيف22: "لقد أحببت زوجتي بينما كنا نعمل معاً، وأخبرت أهلي بذلك وحين ذهبت أمي لرؤيتها، وطلبها للزواج تفاجأت أمي بأنها سمراء البشرة، فرفضت إكمال مشروع الزواج، ولكنني صممت على الزواج منها، وقلت لأمي إما أن أتزوجها أو لا أتزوج أبداً".

ويضيف حول هذه القناعة بالقول: "لا يهمني لون بشرتها، ما يهمني هو أني انجذبت لشخصيتها وطباعها الجميلة".

"لا يهمني لون بشرتها، ما يهمني هو أني انجذبت لشخصيتها وطباعها الجميلة".

تعلق الأخصائية النفسية والاجتماعية حمدية الأشرم، قائلة: "هذه المشكلة لا تكمن في الشاب المقبل على الزواج أو أهله، بل تكمن في ثقافة المجتمع المتوارثة، وبالتالي فإن الرجل يختار زوجة اعتماداً على كونها بيضاء البشرة، كنوع من التباهي بالجمال، بغض النظر عن المضمون الداخلي للفتاة، كما أن بعض الرجال يعللون ذلك الطلب بنظرة اقتصادية بحتة، بالقول إن بيضاء البشرة توفر شراء مساحيق التجميل".

وفيما يتعلق بتأثير ذلك التوجه على نفسية المرأة، تقول الأشرم لرصيف22: "هذا الأمر فرض على الفتيات الاستخدام المفرط لمساحيق التجميل، خاصة مستحضرات تفتيح البشرة، والتي أصبحت بدورها تلعب دوراً أساسياً في حياة المرأة ونظرتها إلى نفسها، في ظل الطلب السائد على بياض البشرة كشرط من شروط اختيار شريكة المستقبل، وهنا يداس على أبسط حقوق المرأة، فهي ليست فقط شكلاً جميلاً ولكنها أيضاً روح ومضمون من الأخلاق والعلم وجمال الروح".

"بفرض اللون الفاتح كمعيار للجمال والقبول، انعكس في نظرة المرأة على نفسها،هنا يداس على أبسط حقوق المرأة، فهي ليست فقط شكلاً جميلاً ولكنها أيضاً روح ومضمون من الأخلاق والعلم وجمال الروح"

"ما يقارب من ثلثي الشباب المقبلين على الزواج يفضلون بيضاء البشرة، مكتفين بالجمال الخارجي، طمعاً بالتباهي بعيش حياة ممتعة مع امرأة جميلة، ورغبة في إنجاب أطفال على قدر كبير من الجمال، بحسب معاييرهم، وهنا يكمن السبب في ارتفاع نسبة الطلاق في غزة، وذلك لأن اختيار شريكة المستقبل لا يتم على أسس من الأخلاق، الدين أو العلم، وإنما على أسس سطحية من الجمال الخارجي"، على حد قولها.

أما عن إمكانية التغيير، تختم الأشرم حديثها بالقول: "لتغيير هذه النظرة السطحية تجاه المرأة بالاعتماد على شكلها الخارجي بما في ذلك بياض البشرة، نحتاج إلى ورش عمل توعوية ترعاها مراكز حقوق الإنسان ومراكز حل النزاعات ومشاريع تمكين المرأة، وذلك من أجل زيادة الوعي وتغيير ثقافة المقبلين على الزواج، بأن يتم اختيار الزوجة بناء على أسس قوية من الحكمة والعقل والأخلاق وليس الشكل أو اللون فقط".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard