شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

قدّم/ ي دعمك!
اتركوا الأسود وشأنه… عن عنصرية المصطلحات التي يحتويها اللون

اتركوا الأسود وشأنه… عن عنصرية المصطلحات التي يحتويها اللون

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 29 نوفمبر 201904:48 م

"يا نهار أسود على العنصرية يا جدعان"، جملة قد تمر مرور الكرام على قائلها ومتلقيها، دون العثور على شبهة التناقض في طياتها، التناقض الذي يدفع بالعديد منا إلى احتقار اللون الأسود والعنصرية معاً، وكأن اللون الأسود هو سُبة بالفعل، وإنما نعترض فقط على إلصاقها بإنسان ما، أو أن اللون الأسود ابتلاء لا يجوز أن نتحدث عنه أمام أصحاب البشرة السوداء.

عربياً، يمكن العثور على مطاردات الناس للون الأسود في تركيبات جملهم بسهولة، وإن تعددت مجالات استخدامهم لها، بداية من شخص استيقظ على خبر سيء فكتب تدوينة بعنوان: "نهار أسود"، ثم احتسى قهوته قبل أن يلتقط صورة لها ويضعها على الإنترنت مشيراً إلى أنها "سوداء مثل حياته تماماً"، وإن افترضنا أن هذا الشخص هو ناشط سياسي مثلاً، فربما هو يعمل الآن على كتابة "القائمة السوداء" للفاسدين في بلاده، وفي نهاية اليوم قد يختتم شكواه من الحياة قائلاً: لقد كانت "ليلة سوداء" بلا شك.

وهكذا تحول اللون الأسود إلى إشارة واضحة للسيء من الأمور، حتى إنه يصلح لاعتباره مقياساً للحكم على جمال الأشياء، فالغراب بشع لأنه أسود والقط الأسود فأل سيء، وتقول إحدى أساطير الأديان إنه إذا أراد الشيطان التشكل في صورة كائن ما فسوف يكون كلباً أسود ذا علامة مميزة في جبينه، وقياساً على كل ذلك، فبالتأكيد لن يكون من الصعب اعتبار الإنسان ذي البشرة السوداء هو الآخر سيء بشكل ما.

الأمر برمته يشبه عادة سيئة قديمة تركت انطباعاً داخل العقول لكثرة استخدامها، هذا الانطباع يحمله الكثيرون معهم أينما ذهبوا، حتى أنهم يحملونه إلى أسرتهم، فيحتقرون العضو الجنسي الأسود للأنثى لصالح عضو آخر وردي أو أحمر، شاهدوه في فيلم إباحي ما.

وفي الفن أيضاً، لا يمكن ذكر اللون الأسود إلّا في الدلالات السيئة، فعندما أراد الممثل المصري الشهير أحمد حلمي تقديم صورة متوازنة عن مصر، بالجيد والسيء داخلها، أطلق على فيلمه اسم "عسل أسود"، وهكذا دمج بين الجيد "العسل" والسيء حسب ثقافة الناس "الأسود"، وإذا كان المقصود من الاسم هو العسل الأسود بمسماه العادي، دون إشارة مذكورة فسوف يصبح الاسم بلا معنى بالنسبة لموضوع الفيلم، لأنه لا خطب سيئ في العسل الأسود، عكس ما أراد صناع العمل تقديمه من مميزات ومساوئ الحياة في مصر على حد سواء.



بالمثل، تم تسمية فيلم للراحل خالد صالح، يحكي أحداثاً متتالية بشعة، بـ"فبراير الأسود"، وطبعاً لن تتعب إذا أردت العثور على جملة من فيلم أو برنامج أو أغنية تقول في مقطع لها: "خبر أسود"، كتمهيد لنشر أخبار سيئة قادمة.

وفي الأيام القليلة الماضية يمكن متابعة ما يمكن تسميته بالعنصرية المركبة، حينما يكتب أحدهم دعوة لتسمية فترة عروض التخفيض الشهيرة بالجمعة البيضاء بدلاً من الجمعة السوداء "البلاك فرايداي"، التي تعود تسميتها أصلاً إلى تشبيه عنصري من أصحاب المال، لذكرى عروض التخفيضات الإجبارية بسبب الأزمة المالية التي طالت الولايات المتحدة الأمريكية عام 1869، ولأن للجمعة قدسية خاصة لدى المسلمين فقد انطلق بعضهم يحذر من وصفها بالسوداء، على اعتبار أن هذه سُبة لليوم الفضيل، ولا عجب أن يتغير مسماها إلى الجمعة البيضاء، اللون المعاكس المفضل للعنصرية وفق لون البشرة.

ربط الأسود بالسوء، هي عادة سيئة قديمة ترسّخت داخل العقول لكثرة استخدامها،  عادة يحملها الكثيرون معهم أينما ذهبوا، حتى أنهم يحملونها إلى أسرتهم، فيحتقرون العضو الجنسي الأسود للأنثى لصالح عضو آخر وردي أو أحمر، شاهدوه في فيلم إباحي ما

 تحوّل اللون الأسود إلى إشارة واضحة للسيء من الأمور، حتى إنه يصلح لاعتباره مقياساً للحكم على جمال الأشياء، فالغراب بشع لأنه أسود والقط الأسود فأل سيء، وتقول إحدى أساطير الأديان إنه إذا أراد الشيطان التشكل في صورة كائن ما فسوف يكون كلباً أسود

وبناء على ما سبق، فإن أردت التقليل من قدر كائن ما فقط قل إنه أسود، وإذا كنت على وشك التعبير عن أحزانك فقم بإلصاق اللون الأسود على كلماتك، وسيفهم الجميع كم هي سيئة تلك الأحزان عليك، ثم قف متسائلاً عن الأسباب التي تجعل من خطاب العنصرية ضد ذوي البشرة السوداء خطاباً عادياً متداول في كثير الأحيان.

أخيراً، هل جميع من يستخدم مثل تلك الألفاظ يمكن اعتبارهم أنصار للعنصرية؟ بالطبع لا، فقد يستخدم الكثيرون منا هذه الألفاظ دون التفكير في مدلولها الحقيقي، حتى أن الجملة التي بدأت بها هذا المقال: "يا نهار أسود على العنصرية"، ربما لم يفطن البعض إلى تناقض كلماتها وتساءل: "ما الخطب فيها؟"، لذلك تحديداً، كان من المهم الكتابة عن هذا الأمر من أجل مراجعة ما ننطقه ليتوافق مع توجهاتنا على الأقل، ولكي نعي بأن استخدام هذه التعابير، يحافظ، بشكل أو بآخر، على قبول مواصلة الربط بين اللون الأسود والسوء، بما في ذلك من بلورة أيضاً لعقلية إن لم تكن عنصرية على الأقل، لكنها غير ناقدة لخطورة هذه الدلالات.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image