يصدر مغني الراب الشامي- الأمريكي عمر أفندم بالتعاون مع فريق العمل الشامي- الأمريكي Thanks Joey للإنتاج الفني، ألبومه الغنائي الثاني بعنوان "بالترجمة ضاع المعنى" Lost in Translation الذي يعمد فيه إلى توظيف التاريخ في تغيير الواقع.
في مكان ما من تلال لوس أنجلوس القاحلة، على بعد آلاف الأميال من شوارع دمشق التي يصطف على جانبيها الياسمين، يبث عمر أفندم حياة جديدة في كلمات نزار قباني، مقتبساً من الأرشيف إلقاءً شعرياً رومانسياً لقصيدته "أحبك، أحبك والبقية تأتي" على أنغام موسيقى تصويرية لحفلة على يخت مع أوتار الرباب والإيقاعات اللاتينية-الإفريقية.
على متن اليخت، يقف المغني السوري- الأمريكي أمام المايكروفون، والمنتج السوري- الأمريكي جوي على الدكة، ترافقهم مكونات النسيج الثقافي الغني للوس أنجلوس. تتجه هذه السفينة إلى بلاد العجائب الجديدة التي أعيد تخيلها كيوتوبيا في المحيط الهادئ "لوس شام-جلوس"، وصوت الثنائي يتعالى بكلمة "أحبك".
ما فعله مزيج من "القدر والقهوة"
جاءت فكرة الألبوم الثاني لعمر أفندم، بعنوان، Lost in Translation بمساعدة مزيج من "القدَر والقهوة" قبل أشهر من دخول العالم إلى الحجر الصحي، ومن خلال منعطفين للهجرة؛ أولهما انتقال أفندم إلى لوس أنجلوس في عام 2004، والثاني إلى موجة الهجرة السورية إلى جنوب كاليفورنيا، التي بدأت منذ أكثر من مئة عام.
بفضل مقدرته المهنية والشخصية، تمكن عمر أفندم من اعتلاء العديد من المسارح في جميع أنحاء العالم العربي والولايات المتحدة وخارجها، مستوحياً عروضه من طريقة سرد الحكواتي وأعلام موسيقى الهيب هوب والشعراء، ومازجاً بين اللغتين العربية والإنكليزية. ولكن لم يحدث هذا الاجتماع بين المغني أفندم والمنتج Thanks Joey حتى عام 2015 بعد سلسلة من الأحداث أفضت إلى لقائهما.
جاءت فكرة التعاون بين الفنانين السوريين- الأمريكيين عمر أفندم وجوي من خلال ألبوم "بالترجمة ضاع المعنى"، بمزيج من "القدَر والقهوة"، وبإيحاء من تجربتهما الشخصية للهجرة، وموجة الهجرة السورية إلى جنوب كاليفورنيا قبل أكثر من قرن
شاهد جوي وزوجته ديمة أداء أفندم ومغني الراب العراقي الكندي نارسي وفنان الملتيميديا السوري رضوان أدهمي خلال عرض قدموه في حفل لجمع التبرعات لصالح منظمة الإغاثة الإسلامية بالولايات المتحدة الأمريكية في أرلينغتون، بولاية فيرجينيا. لطالما قدّر أفندم وجوي فن بعضهما البعض، لكن التعارف الذي أشرف عليه نارسي، جعل "الباقي يصبح من التاريخ" كما أخبرني أفندم في مقابلة فيديو أجريتها معه. وبالفعل كان "التاريخ" هو محور تعاونهما.
بين عامي 2018 و2019، حصل أفندم على الزمالة في مركز كينيدي للفنانين Kennedy Center Citizen Artist، وقام بتأليف مشروع يجمع بشكل فاعل بين الكلام المحكي والجملة الموسيقية تحت عنوان "سوريا الصغيرة" Little Syria. وعبره أخذ الجمهور في جولة صوتية وتعليمية إلى أوائل القرن العشرين في مانهاتن التي شهدت أول موجات الهجرة السورية إلى الولايات المتحدة.
استعان أفندم بخبرة الفنان الفلسطيني الأمريكي المتعدد المواهب، روني مالي، في العزف على العود والإيقاع، وبجوي لتنفيذ الموسيقى التصويرية للأداء، حيث قام أفندم بإلقاء الأبيات والخطابات مؤدياً دور "الحكواتي المعتز بنفسه"، واكتمل أداؤه بتفاصيل مثل الشارب الخفيف والطربوش والعصا، الأداء الذي كان من شأنه جعل أي سوري مغترب يفخر بتاريخه.
مثّل عرض "سوريا الصغيرة" مرحلة نضج رئيسية في رحلة أفندم الموسيقية. وأبرز عناصراً من هويته الشخصية، كخبرته في الهندسة المعمارية، واهتمامه بموجات الهجرة والسوريين في أرض الشتات وإسهاماتهم في المغترب، وقدرته المدهشة على نقل الجماهير في رحلة إلى كل هذا عبر كلماته.
أما ألبوم "بالترجمة ضاع المعنى" وفكرته عن "لوس شام-جلوس"، فكان من شأنه الإضاءة على نمو أفندم كفنان، وتوضيح طريقته الخاصة في إثبات نفسه ضمن محيطه البيئي الجديد عبر إنشاء روابط بين إرث الماضي والمستقبل متوجهاً للسوريين والسوريين- الأمريكيين، والذي تم صقله على خلفية موسيقى جوي.
نوستالجيا لوس شام-جلوس
في لوس أنجلوس، يعود أفندم للماضي، ويستمتع بالحاضر ويهرب إلى المستقبل: "بالنسبة للسوريين، تخلق أجواء لوس أنجلوس نوعاً غريباً من نوستالجيا تحدث بسبب الطقس والخضرة، بسبب المشهد العام ووتيرة الحياة وحتى النمط الذي بنيت وفقه المدينة"، يقول أفندم. أما جوي الذي انتقل إلى لوس أنجلوس عام 2019 ليتابع عمله في الإنتاج الفني، فإنه يشعر أنه في موطنه.
عمر أفندم لرصيف22: بالنسبة للسوريين، تخلق أجواء لوس أنجلوس نوعاً غريباً من نوستالجيا تحدث بسبب الطقس والخضرة، بسبب المشهد العام ووتيرة الحياة وحتى النمط الذي بنيت وفقه المدينة
خلال محادثتنا، أشار أفندم إلى كتاب بعنوان "الطرق العربية: مسارات نحو كاليفورنيا السورية" للكاتبة سارة غولتيري، الذي تسلط فيه الضوء على التحليل العميق للعائلات السورية ومساهمات السوريين في جنوب كاليفورنيا. وعلى وجه الخصوص، تشير الكتابة إلى كتاب "دليل المحيط الهادئ للسوري-الأمريكي" Pacific Syrian-American Guide الذي صدر عام 1936، وهو دليل أعمال لآلاف السوريين الذين استقروا في جنوب كاليفورنيا، تم وضعه من قبل السوريين أنفسهم.
هذا الانغماس في التاريخ، إلى جانب "اللطشات" الكوميدية التي يقتطفها كل من جوي وأفندم من مسرحيات و أفلام دريد لحام، هو ما يبث الحركة في محتوى الأغاني وعناوينها. ففي أغنية "باسيفيك سوريانو" أو "سوري غربي"، تبدأ الأغنية مع أنغام الجيتار الإسباني الخافتة الأوتار بالتزامن مع صوت غوار وهو يتلعثم سائلاً باللغة الإنكليزية بلكنته الطريفة “?you speak English”، ثم يمزح بالعربية "ما بيعرف ولا كلمة بالعربي".
يبدأ أفندم بغناءالراب باللغتين الإنجليزية والعربية على شرف الروائح والأصوات والجبال والمحيطات التي تميز جنوب كاليفورنيا. كما يتخلل كلمات الأغنية ظهور مغني الراب البرازيلي الأمريكي NIKO IS، وهو صديق مقرب لجوي سبق له التعاون معه في عمله الفني، في عبارة يتقلب في مفرداتها ما بين الإنكليزية والإسبانية، تقول "فهم لغة الجسد، يمكن أن يحول الغرباء إلى إخوة".
تنساب الكيمياء التي تجمع أفندم مع جوي في أعمال الألبوم بسلاسة وروح تجريبية عالية. "أردت دائماً الخوض في غمار الاستكشاف الفني، ولم تتح لي الفرصة مطلقاً قبل لقائي بأفندم للقيام بذلك لأنني لم أقابل أي فنان يشاركني نفس المشاعر والثقافة والفهم. لقد كانت القسمة والنصيب فعلاً ما جمعنا، لقد كان القدر حقاً"، يقول جوي في مقابلتي معه عبر تطبيق زوم.
حوارات سينمائية- موسيقية
لاحظت وجود ملصقين قديمين خلف جوي لفيلمين عربيين، أحدهما "الثعلب" والآخر "سمك بلا حسك". وأخبرني أنه بعد طلب هذين الملصقين من بائع للمطبوعات في بيروت، اكتشف صاحب المتجر أن جوي سوري فأهداه كتيباً عن فيلم غوار "مقلب من المكسيك"، الذي يحكي حكاية مجموعة من العرب تحاول التحدث باللغة الإسبانية وحل الجرائم على طول الساحل المكسيكي للمحيط الهادئ.
عندما أعاد جوي مراجعته لأغنية "باسيفيك سوريانو" أو "سوري غربي"، أدرك أن الفيلم الذي أهدي إليه ألهمه في دمج المحاورات اللغوية الصوتية التي نفذها أثناء التسجيل، وأن الصورة تطابق بدقة التفاعلات التي جسدتها الأغنية. وقد ربط أفندم فيلم غوار بالهجرة السورية عبر المكسيك في القرن العشرين، وقال إنه يقدر الجسور الناشئة بين الثقافات والمجتمعات العربية واللاتينية في لوس أنجلوس.
يدمج أفندم في عمله الموسيقي الفنون الإبداعية من سوريا ومن العالم ويعمد إلى الماضي كتوظيف مقاطع من الكوميديا السورية وشعر نزار قباني، وأيضاً دمج موسيقا الهيب هوب، ما يحمل أبعاداً مضافة للعمل
ويأتي العمل الفني لغلاف الألبوم، الذي صممه استوديو "يا هلا" الفلسطيني ومقره في دبي، والفنان والخطاط السوري حسين الأزعط، ليعكس "الرسومات السينمائية المعربة" التي استلهم منها جوي وأفندم عملهما.
ما عمّق الصلة بين جوي وأفندم بشكل أكبر هو أن والدة أفندم، سلمى نصار، تلقت تدريبها على يد الفنان دريد لحام عندما كانت في فرقة الدبكة الوطنية في سوريا. وتعرض الأغنية الافتتاحية في الألبوم بعنوان "سمرا" المزيد من المقاطع الصوتية لغوار على خلفية صورة لوالدة أفندم وهي تؤدي رقصة الدبكة في الفترة التي درب فيها دريد لحام.
تشيد كلمات الأغنية بوالدته وابنته آلاء سلام والنساء العربيات على اختلاف مشاربهن، بالتناغم مع موسيقى جوي المبهجة وصوت أفندم. وقد أدرك الفنانان أن أحد مقاطع الأغنية كان مستلهماً من فيلم "سمك بلا حسك" البوستر الذي بقي معلقاً خلف جوي لسنوات.
تعمل الأغاني الأخرى على تقريب حياة أفندم في مدينته المتخيلة لوس-شام-جلوس إلى ذهن المستمع بشكل أكبر. والأغنية التي يحمل الألبوم عنوانها "بالترجمة ضاع المعنى"، تجسد قصة مرحة عن لقائه بزوجته الممثلة آشلي دايك في الكلية في فرجينيا. وهنا، يأخذ أفندم مستمعيه، عبر موسيقى التانغو الجذابة رغم غرابتها، إلى أفكاره حول الخلافات العائلية الناجمة عن الزواج بين الأعراق والأديان المختلفة.
جوي لرصيف22: أردت دائماً الخوض في غمار الاستكشاف الفني، ولم تتح لي الفرصة مطلقاً قبل لقائي بأفندم للقيام بذلك لأنني لم أقابل أي فنان يشاركني نفس المشاعر والثقافة. لقد كانت القسمة والنصيب فعلاً ما جمعنا، لقد كان القدر حقاً!
في كل أغاني الألبوم، توفر إيقاعات جوي الدليل الثقافي المرجعي والأساس اللحني لأفندم إلى أن يضيع نفسه حقاً في الترجمة. وفي أغنية "عمرفيلوس" Omarvelous تذكرنا الموسيقى الصاخبة بالأغنية التي يدخل المصارعون في WWE على إيقاعها. وعن هذا يقول أفندم: "لدي حماس كبير للإيقاع والأساليب الجديدة التي نستكشفها في هذا الألبوم، أعتقد أن هذا ما يجعله مناسباً لجميع الأذواق، وبالتأكيد فإن الإشارات المتعمدة إلى الكوميديا السورية تحمل أبعاداً مضافة للعمل".
وعن توجهه للجمهور السوري، يضيف: "آمل ألا يخاطب هذا الألبوم السوريين-الأمريكيين فحسب، بل أن يتوجه لجميع السوريين في الخارج، وبالأخص الجيل الذي تحمل أعباء الحرب منهم. كنت محظوظًا لأني بنيت علاقة مختلفة مع سوريا عندما كنت طفلاً، لكنني أعتقد أننا جميعاً نتوق إلى روابط تحمل معاني أعمق للحنين إلى الماضي. وسبب ثقل هذا الشعور، نأمل أن نكون نجحنا في الاستفادة من خفة الفكاهة السورية ".
عمل أفندم في جزء كبير من عمله على دمج الفنون الإبداعية من سوريا وتثقيف الجماهير عن الماضي، سواء في "غرفة دمشق" Damascus Room في LACMA، أو شراكته مع الحرفيين والمنظمات المحلية لخدمة المصلحة الاجتماعية. لكن ما يبدو مختلفاً في هذا الألبوم هو التركيز المتجدد على شراكته مع جوي، جنبًا إلى جنب مع تعبيره المتعمد عن عالم "بلا حدود" والهوية "الهجينة" التي يفخر بتجسيدها كونه الشامي-الأمريكي في لوس شام-جلوس.
لقد كان الاختبار الحقيقي بالنسبة لأفندم كي يقيم عمله، هو ما إذا كان أطفاله سيرقصون على الموسيقى: "لقد كانوا يلتهبون حماساً"، يقول.
يحاول كل من أفندم وجوي، من خلال شراكتهما في هذا الألبوم، وفي خضم الجائحة العالمية والانتفاضة الوطنية التي عمت جميع أنحاء الولايات المتحدة، إيصال مخيلة اجتماعية ثقافية راديكالية تتركنا نتفكر في أصل البن ونرى أشجار النخيل من خلال عدسة ملونة تندى بماء الورد.
يمكن للراغبين بالاستماع التوجه إلى موقع Colours of the Culture لشراء نسخة MP3 رقمية من الألبوم، وأيضاً الانضمام للحفل الذي يستضيفه المتحف الوطني العربي-الأمريكي لإطلاق الألبوم في الساعة الثامنة من مساء يوم الخميس 24 سبتمبر.
مشروع "بالترجمة ضاع المعنى" يعرض نماذج عديدة من الأفلام والمسلسلات السورية الكلاسيكية المقدمة من شركة شمرا (بإدارة خالد المالح) التي أسسها المخرج والمنتج الدمشقي الرائد خلدون المالح. شمرا أنتجت العديد من الأعمال السورية الخالدة والحاصلة على جوائز في القرن العشرين.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 19 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 5 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين