لم يكن سهلاً عليّ الخروج إلى العالم بوجه مكشوف، رغم أنني كنت أعتقد قبل اعتقالي أن كلام الناس لا يمكن أن يؤثر على مساري ولا على حياتي. كنت أعتقد أنني فتاة متحررة من أنماط المجتمع التي تحدد أدواراً هامشية للنساء، وتفرض ارتباط هذه الأدوار بسيرة "غير مخدوشة بالأقاويل"، حتى ولو كانت كلاماً باطلاً تنسج خيوطه وتنظم عقده جهة نافذة.
ما أن قرأت خبر الإفراج المفاجئ عنّي على شاشة تلفاز الزنزانة، تبادر إلى ذهني سؤال عريض: هل أستطيع مواجهة العالم، بعد كل هذا الإسفاف الذي كتبته عني صحافة السلطة؟ هل أقوى على مواجهة العالم بعد هذا الكم من التشهير الذي تعرضت له والذي كان يستهدف بالدرجة الأولى سمعتي كامرأة داخل مجتمع ذكوري محافظ؟
كان الجواب صعباً، فكل تلك القوة التي كنت أبديها خلال المحاكمة مصدرها أنني كنت أعيش داخل نفسي، ولم أحتكّ بالعالم الخارجي. كنت أهوّن على نفسي، أحتضنها، أهدّئ من روعها، وأتعمد تجاهل كل ما من شأنه إضعافي.
حين وقفت خلف باب السجن استعداداً للخروج، لم يكن بيني وبين الحرية سوى باب حديدي. كنت أرتجف، أتساءل مَن المرأة التي ينتظرون، هل هي التي صوّرها إعلام السلطة على أنها شيطان في جسد امرأة؟ أم تلك التي كنت عليها؟ لم أكن أعلم كيف سأعود للمشي في الشوارع والجلوس في المقاهي، والذهاب إلى العمل وكل الناس تشير إلي. كنت خائفة من رسائل التضامن المبطنة بالاتهام، المشككة، والتي تحمّل المرأة دائماً ذنب إخراج آدم من الجنة.
خروجي من ذاك الباب كان اختباراً حقيقياً لاتزاني، وثقتي في نفسي، والحمد لله نجحت. لكن القوة التي امتلكتها حينها لا تملكها كل النساء، خصوصاً وأن الأنثى في مجتمعاتنا تنشأ على فكرة أن أغلى ما تملكه هو غشاء جلدي، وأن أهم ما تحققه هو زوج وبيت وأطفال، وأن "السمعة" كعود ثقاب ما أن تشتعل لن يتبقى لها من مكان سوى سلة المهملات!
"ما أن قرأت خبر الإفراج المفاجئ عنّي، تبادر إلى ذهني سؤال عريض: هل أقوى على مواجهة العالم بعد هذا الكم من التشهير الذي تعرضت له والذي كان يستهدف بالدرجة الأولى سمعتي كامرأة داخل مجتمع ذكوري محافظ؟"
أعدت هذا الشريط من ذكرياتي القريبة وأنا أتابع بقلب منفطر حملات التشويه والتشهير التي تتعرضن لها الصحافيات والمدافعات عن حقوق الإنسان المنتقدات لسياسات الدولة والمعارضات المتمردات على الذل والخنوع. أتألم وأنا أقرأ كيف تُستعمل حيواتهن الخاصة. أشعر بكثير من الوجع وأنا أقرأ كيف يلفّقون لهنّ قصصاً تصوّرهن على أنهن فاسدات أخلاقياً، يبعن بلدهن من أجل الاستفادة من الدعم المالي من جهات معادية للمغرب. وأتساءل: كيف يمكن لصحافة الانحطاط الوصول إلى حساباتهن البنكية ومعطياتهن الأكثر خصوصية بغرض قتلهن رمزياً، وتشويه سمعتهن لدى الرأي العام الوطني والدولي؟ والهدف أن يتمكّن منهن الخوف، فينعزلن ويصبحن غير مؤثرات وصوتهن غير مسموع، وأيضاً توجيه رسالة إلى الأخريات اللواتي يفكرن في إعلاء أصواتهن.
للأسف، صحافة التشهير تنامت في الآونة الأخيرة بشكل كبير، وأصبحت تتخذ منحى خطيراً جداً. سلاح التشهير من أخطر الأسلحة التي أصبحت تستعملها أجهزة الدولة، فالسمعة أهم ما يملك الحقوقي/ة والصحافي/ة، وهي رأس ماله اللامادي الذي يستمد منه القوة للاستمرار في معركة غير متوازنة، تستعمل فيها الدولة جميع الوسائل المشروعة وغير المشروعة، بغرض تصفية الخصوم.
"الأنثى في مجتمعاتنا تنشأ على فكرة أن أغلى ما تملكه هو غشاء جلدي، وأن أهم ما تحققه هو زوج وبيت وأطفال، وأن "السمعة" كعود ثقاب ما أن تشتعل لن يتبقى لها من مكان سوى سلة المهملات!"
ولمسنا في الآونة الأخيرة أن التشهير لم يعد يقتصر فقط على المعنيّة بالأمر بل يتعداها ليطال محيطها الأسري، وأصدقاءها وكل مَن يتعامل معها، لترهيبها، وتوجيه رسالة مفادها "يمكن الوصول إلى كل معطياتكن وكل المقربين منكنّ".
ولنا مثال في أحد المواقع التشهيرية المغربية الذي انتقل إلى بيت الناشطة الحقوقية المقيمة في فرنسا فتيحة أعرور، وأجرى حواراً مطولاً مع والدها، حول نشأتها وكيف عاشت، وسألوه عن العلاقات خارج الزواج وموقفه منها، فأجاب بعفوية أنها "غير مقبولة في بلدتهم".
كان الهدف القول إن تلك التي تحمل لواء الدفاع عن حقوق النساء وحقوق الإنسان وحرية الصحافة، يمكن في أي لحظة نسف علاقتها بوالديها، عبر نظرتهما إلى العلاقات بين الجنسين والحريات الفردية، فضلاً عن توجيه رسالة لكل مَن أراد أن يكون صوتاً معارضاً بأن "يد صحافة التشهير أعلى من كل شيء"... أقوى من القانون نفسه!
ورغم توالي الحملات التشهيرية التي تستهدف النساء، لم نسمع صوتاً للحركة الحقوقية النسائية، كأن الأمر لا يعنيها وكأنّ مَن يتعرضن للانتهاك الصارخ لحياتهن الخاصة ويجري ترهيبهن ومحيطهن لسن نساء، والدفاع عنهن لا يدخل ضمن أجنداتها. وكأنّ كل ما يندرج في صف المخزن "حلال" ومَا ضده "حرام".
لجوء أي دولة إلى أسلوب التشهير بالمعارضين/ات باستعمال حياتهم/ن الخاصة، يؤكد على ضعفها، ويقلل من مصداقيتها ومنسوب ثقة المواطنين فيها. وفي المقابل تقدّم الدولة عبر سلوكياتها هذه اعترافاً ضمنياً مفاده أن الصف المنتقد لسياساتها والمعارض لها أصبح خطابه مسموعاً أكثر ويعبّر عن معاناة المغاربة وعمّا يقولونه في السر وفي العلن، بل وعمّا تحتويه أفئدتهم من كلام لا يملكون الجرأة على التعبير عنه...
يريدون إطفاء شموع الحرية التي بدأت تضيء بحملات تشهير دنيئة.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياميخلقون الحاجة ثم يساعدون لتلبيتها فتبدأ دائرة التبعية
Line Itani -
منذ 5 أيامشو مهم نقرا هيك قصص تلغي قيادات المجتمع ـ وكأن فيه يفوت الأوان عالحب
jessika valentine -
منذ اسبوعينSo sad that a mom has no say in her children's lives. Your children aren't your own, they are their father's, regardless of what maltreatment he exposed then to. And this is Algeria that is supposed to be better than most Arab countries!
jessika valentine -
منذ شهرحتى قبل إنهاء المقال من الواضح أن خطة تركيا هي إقامة دولة داخل دولة لقضم الاولى. بدأوا في الإرث واللغة والثقافة ثم المؤسسات والقرار. هذا موضوع خطير جدا جدا
Samia Allam -
منذ شهرمن لا يعرف وسام لا يعرف معنى الغرابة والأشياء البسيطة جداً، الصدق، الشجاعة، فيها يكمن كل الصدق، كما كانت تقول لي دائماً: "الصدق هو لبّ الشجاعة، ضلك صادقة مع نفسك أهم شي".
العمر الطويل والحرية والسعادة لوسام الطويل وكل وسام في بلادنا
Abdulrahman Mahmoud -
منذ شهراعتقد ان اغلب الرجال والنساء على حد سواء يقولون بأنهم يبحثون عن رجل او امرة عصرية ولكن مع مرور الوقت تتكشف ما احتفظ به العقل الياطن من رواسب فكرية تمنعه من تطبيق ما كان يعتقد انه يريده, واحيانا قليلة يكون ما يقوله حقيقيا عند الارتباط. عن تجربة لم يناسبني الزواج سابقا من امرأة شرقية الطباع