شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
“قاطعتني أمّي لأني تزوجت مسيحيّاً“.. تحديات مغاربة علمانيون ولا دينيون مع عائلاتهم

“قاطعتني أمّي لأني تزوجت مسيحيّاً“.. تحديات مغاربة علمانيون ولا دينيون مع عائلاتهم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 27 أغسطس 202005:57 م
لملمت سلمى اسم مستعار (35 سنة)، ما يلزمها من وثائق رسمية، ثم غادرت المغرب نحو أحد البلدان الأوربية، لتتزوج مسيحياً أجنبياً، زواجاً مدنياً على النمط الغربي، دون موافقة عائلتها.

"كانت تجربة صعبة وصدمة لعائلتي المتدينة، إذ تم الزواج بدون رضاها، ولم تستسغ أن أرتبط بمسيحي أوروبي. لكني فرضت ما اعتبره حقاً بالنسبة لي: اختيار من أحب"، تقول سلمى، فضلت عدم ذكر اسمها، عملت بشركة اتصالات، وتسكن في هولندا.

أما ريم (26 سنة)، تعمل في القطاع الخاص، وتسكن في الرباط، فتشعر بضيق بالغ جراء إخفائها لإلحادها، مؤخرا أصر أقرباؤها على أن تذبح كبش عيد الأضحى خلال هذا العام، مبررين ذلك بكونها متزوجة وأماً لطفلة، ونيابة عن زوجها الغائب.

في حين، يحاول أحمد (36 سنة) أن يتجنب ما أمكن، مناسبات العائلة وموروثاتها الثقافية، دون رفض صريح أمامهم، وفي بعض الحالات يسايرها بقليل من الاعتراض.

يعيش أحمد وسلمى وريم، وسواهم من المتزوجين الحاملين للقناعات الاعتقادية والأخلاقية المختلفة جذرياً مع موروثات عائلاتهم المحافظة، نوعاً من الوصاية عليهم.

"اعترفت لأفراد عائلتي بإلحادي، وأن زوجي أكثر إيماناً مني بحكم أنه مسيحي ويؤمن بالله، وذلك بعد أن كنت أضطر للصوم وتمثيل دور المسلمة، لأني كنت أعيش في وسط مرعب"

ما يضطر الكثير منهم لمسايرة أنماط وأخلاقيات وسطهم الاجتماعي، بقليل من التمرد، أو ممارسة قناعاتهم لماماً وفي الخفاء، اتقاء للنبذ والرفض الذي عادة ما يصدر عن بعض أقربائهم.

"قاطعتني أمّي 4 أشهر"

لم تستسغ عائلة سلمى زواجها من أجنبي غير مسلم، ورفضت الشابة الثلاثينية أن تُدَارِي وتكذب على عائلتها بأن زوجها مسلم، ولم تذعن لتوصيات بعض أقاربها، إذ نصحوها باتباع هذه الخطوة درءاً لكل الخلافات.

قدمت سلمى بعض التنازلات لعائلتها، فقررت أن تستجيب لبعض العادات والأعراف المغربية المحافظة، رغم رفضها لهذه المعطيات، لكونها ملحدة، ولكن تخفي إلحادها عن أهلها.

"عندما زرنا المغرب أنا وزوجي، أقمنا عرساً عائلياً مغربياً تقليدياً إرضاء لأفراد عائلتي. أما العادات والتقاليد فنحترمها، كما أن زوجي يتحاشى شرب الكحوليات أمامهم أو أن يتصرف بطريقة غير مرغوب فيها من قبل عائلتي".

بيد أن هذه التنازلات لم تشفع لها في نيل رضا العائلة، إذ مازال التشنج قائماً، لأنها رفضت أن يغير زوجها المسيحي معتقده الديني نحو الإسلام، الدين المقبول اجتماعياً وثقافياً لدى جلّ المغاربة.

يضطر بعض المغاربة، المتزوجين بالأوروبيين والأجانب غير المسلمين، للكذب أو مسايرة عائلاتهم المحافظة والتقليدية، التي تتشبث بتغيير ديانة ومعتقد الزوج أو الزوجة الأجنبي/ة، كنوع من الحفاظ على الركن الأساسي في الزواج، والمتمثل فيما يعرف شعبياً بـ"إكمال الدين"، من خلال اشتراط إسلام الزوج أو الزوجة، درءاً لكل ما يفسد العلاقة من الناحية الدينية التي تحرم الزواج من غير المسلم.

بيد أن هذا الوضع يشوبه التعقيد والفشل كما ترى سلمى، ودليلها على ذلك ما حصل لأختها الأكبر منها سناً.

تقول سلمى لرصيف22: "اضطرت أختي الكبيرة، التي تزوجت أجنبياً غير مسلم، أن تكذب على أقربائي وتسايرهم. فزوجها حاول أن يتقمص دور المسلم من خلال تعلمه للغة العربية وحفظه ما تيسر من آيات القرآن الكريم. لكن في النهاية انفصل الزوجان لأن الأمر معقد وصعب، خصوصاً بالنسبة لزوجها، إذ لم يستطع أن يتعايش مع ثقافة المغاربة".

بيد أن سلمى تدفع ضريبة تشبثها بخياراتها الشخصية، وتقول: "قاطعتني أمي أكثر من 4 أشهر بسبب إصراري على الزواج من أوروبي مسيحي، ورفضت أن تتواصل معي، في وقت كنت في أمسّ الحاجة لصوتها أثناء فترة حملي".

مقاطعة أمها وتشنج علاقتها مع عائلتها لم يثنها عن التشبث باختياراتها، تقول سلمى: "فرضت بالقوة حقي باختيار شريك حياتي. اعترفت لأفراد عائلتي بإلحادي، وأن زوجي أكثر إيماناً مني بحكم أنه مسيحي ويؤمن بالله. اعترافي لهم جاء بعد أن ضقت ذرعاً بسنوات العذاب، عندما كنت أضطر للصوم وتمثيل دور المسلمة، لأني كنت أعيش في وسط مرعب. لكن أنا الآن نلت حريتي، لذا لا تهمني آراؤهم".

"لا أزور العائلة ولا يزوروني"

أما بالنسبة لـعلي اسم مستعار (45 سنة)، المتواجد بمدينة ابن سليمان ويعمل في التدريس، فلا تهمه إطلاقاً عادات ومورثات العائلة ووصايتها ولا رضاها، ولا حتى أن يخسر علاقته مع أفراد عائلته بسبب قناعاته المختلفة جذرياً عنهم، باعتباره ملحداً يميل للعيش ضمن أنماط تتماشى مع أفكاره.

"أنا متمرد منذ صغري على التقاليد والأعراف، وفي نفس الوقت أهرب منها ما أمكن، ما لا يعجبني أتجنبه. أنا صريح مع أقاربي، وإذا اتفق معي أحد منهم أحافظ على علاقتي به، وإذا رفض أحد منهم قناعاتي أتجنبه. هذه هي طريقتي في التعامل معهم، بما في ذلك أمي وأبي".

ورغم أن زوجته مسلمة إلا أنه لا يجد مشاكل أو تشنجات معها في ممارسة قناعاته الشخصية.

"أفطر في رمضان ولا أذبح خروفا في العيد".

يقول علي لرصيف22: "أفطر في رمضان و زوجتي تصوم، لا أذبح خروف عيد الأضحى ولا أشتريه، هذا ما اتفقنا عليه منذ البداية".

لا يتعب علي نفسه في مسايرة أقربائه وعائلة زوجته، فهو يرى نفسه "واضحاً" منذ البداية مع الكل، وهذا الأمر مريح له من كل "الالتزامات المزعجة".

"منذ البداية صارحت زوجتي بقناعاتي، حتى العرس اتفقنا أن يكون خفيفاً. اقتصرنا على أفراد عائلتي وعائلتها الصغيرة".

يضيف علي: "أما العائلة فلا تهمني. لا أزورهم ولا يزورونني. وحتى إن زرت أحدهم مضطراً فلا أثقل مقامي عندهم. إذا زارني أحد أكون معه صريحاً حتى لا يثقل عليَّ حضوره في بيتي، هذا يفيدني جداً لأعيش حميميتي بأريحية مع زوجتي في منزلي".

"مُتردد في ختان ابني"

على عكس علي، قرر أحمد (36 سنة)، يعمل في أعمال حرة، يقطن في الدار البيضاء، في بداية زواجه أن يساير عادات وتقاليد العائلة، طالما لا تشكل ضرراً عليه، وفي نفس الوقت يحاول ما أمكن أن يتجنب التجمعات العائلية التي تتضمن شعائر دينية.

احتفظ أحمد بقناعاته الاعتقادية والأخلاقية لنفسه وأخفاها عن زوجته وعائلته، بمبرر أنه كان في مرحلة يشوبها الشك والبحث والمراجعات الذاتية والوجودية.

يقول أحمد لرصيف22: "في البداية، كان زواجي عادياً على الطريقة المغربية، احتفظت بأفكاري وآرائي لنفسي ولم أتقاسمها مع أحد، لأنني كنت في مرحلة الشك. بعد عام من زواجي، مهدت الطريق لأصارحها بقناعاتي كشخص لاديني. لقد كانت صدمة قوية بالنسبة لها".

حاول أحمد أن يتجاوز صدمة شريكته بإقناعها بأن مسألة الدين والمعتقد شخصية، ولن تفسد علاقتهما، لن يفرض عليها قناعاته ولن يستميلها لما يؤمن به بالغصب.

"أقنعت زوجتي أن إلحادي لن يؤثر على علاقاتنا".

"أقنعتها بأن ما أؤمن به لن يؤثر على علاقتنا، إذا اعتبرنا الدين والمعتقد مسألة شخصية تهم الفرد، وأنا بدوري لم أحاول أن أقنعها بأن تتخلى على دينها. تركتها تكتشف الحقيقة لوحدها".

يضيف أحمد: "أما إخوتي الأصغر سناً فلم أجد منهم اعتراضاً على قناعاتي، باستثناء والديّ، يستحيل أن أصارحهما بهذا الأمر، بحكم أنهما بسيطان وتقليديان، لذا أحاول ما أمكن أن أسايرهما وأشارك معهما احتفالات الأعياد والمناسبات العرفية والدينية، باستثناء عيد الأضحى، الذي أحاول أن أجد مبرراً لتجنب هذا الجو غير الصحي".

ساير أحمد بعضاً من الممارسات التي تدخل ضمن الموروثات الدينية والعرفية، لكنه كان متردداً فيما يتعلق بعادة ختان الذكور، كان خوفه ألا يشبه ابنه أقرانه الذكور عندما يكبر، فكل المغاربة الذين يعرفهم مختونون.

"لم أفصح لزوجي عن إلحادي"

قبل سنوات، التحقت ريم (26 سنة) بزوجها المغربي المسلم في إحدى الدول الأوروبية. لا تجد الشابة العشرينية الملحدة مشاكل كثيرة مع شريكها "المسلم العلماني"، كما تصفه، لكن بعد أن استقرت حالياً بمدينة الرباط، واجهت الشابة العشرينية خلافات مع عائلة زوجه فيما يتعلق بأنماط وموروثات العائلة الممتدة، إذ لا تسايرها إلا لماماً، وكثيراً ما ترفض التعايش معها.

"زوجي لا يفرض عليَّ الشعائر الدينية أو حتى الحجاب، ورغم أني ألبس لباساً طويلاً ومقبولاً اجتماعياً كذوق واختيار شخصي، إلا أن عائلة زوجي أوصته بأن يفرض عليّ ارتداء الحجاب، وهو أمر رفضناه نحن الاثنان، شكلاً ومضموناً".

"قاطعتني أمي أكثر من 4 أشهر بسبب إعلاني عن إلحادي، وإصراري على الزواج من أوروبي مسيحي، ورفضت أن تتواصل معي، في وقت كنت في أمسّ الحاجة لصوتها أثناء فترة حملي"

تكمل ريم: "رغم أني عذراء، اشترطت عائلة زوجي استصدار شهادة العذرية كعربون على الشرف، طبعاً هذه وقاحة، وأنا رفضت هذا الأمر رفضاً باتاً. رفضت أن أهان في كرامتي كإنسانة".

في المقابل، تكتشف ريم بأن لشريك حياتها وجهاً ترى بأنه "محافظ"، وتقول: "زوجي المسلم منفتح في أمور كثيرة، فهو مقبل على الحياة وملذاتها ويشرب الكحوليات، لكنه يتحول إلى شخص محافظ فيما يتعلق بالأمور الجنسية. فيقول لي هذا حرام وهذا حلال. وكمثال على ذلك، رفض أن يمارس معي الجنس حتى تمضي فترة ما بعد ولادتي، والتي تدوم 40 يوماً، رغم توقف دم النفاس، بمبرر أن الدين ينهي عن ذلك".

لكن يبقى أكثر شيء يؤرق ريم، وهو توقيت الإفصاح عن قناعتها الاعتقادية أمام زوجها، إذ ترى بأن الخطوة صعبة وحرجة جداً.

تنهي ريم حديثها لرصيف22 قائلة:"دائماً أفكر بأن أفصح له عن إلحادي، لكني مترددة لأني خائفة. بصراحة، لا أعرف كيف سيتقبل الأمر".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image