يقول الألماني فان غوته: "الكلمات والصور، عناصر وثيقة الارتباط، لا تنفك تبحث عن بعضها البعض"، وفي الشعر العربي يعبر الشعر المنسوب إلى فئة الوصف عن هذا الارتباط بين الكلام والصورة. وإذا أخذنا ما يقوله ابن رشيق القيرواني عن أن "كل الشعر، باستثناء القليل منه، منسوب إلى فئة الوصف"، أصبح بإمكاننا فهم تعلق الشاعر العربي بنقل الصورة من خلال الكلمات والبنية الشعرية والتركيبة الصورية الدلالية.
في مقال تحدثنا فيه عن الوصف باعتباره الفن البصري في الشعر العربي، أشرنا إلى أن قصيدة الشاعر تمثل لوحته أو منحوتته التي تحاكي الطبيعة الصورية لموضوع الوصف، وبقدر ما تطابقه، بقدر ما تتمتع بدرجة عالية من الإتقان الفني. غير أن الأدوات الوصفية في الشعر العربي لا تتيح الكشف عن المفاهيم المجردة وحدها، وإنما تسبر ما في طياتها من مفاهيم روحية ومجازية مرتبطة بسياقها.
وانطلاقاً من جوهر التمثيل الصوري في الشعر، الذي يهدف لأن يعكس صوراً مجازيةً ورمزية عن مادة الوصف، وإحياءً للصلة العميقة وتاريخ الإلهام المتبادل بين الشعر والفن البصري، تعلن مؤسسة بارجيل للفنون إطلاق “جائزة بارجيل الشعرية”، وهي مسابقة دولية تدعو الشعراء إلى التفاعل مع لوحات فنية من العالم العربي باللغتين العربية والإنكليزية.
تعلن مؤسسة بارجيل عن جائزة شعرية، يستلهم فيها الشعراء قصائدهم من 20 لوحة في محاولةٍ لإحياء الصلة العميقة بين الصورة والكلمة، وتاريخ الإلهام المتبادل بين الشعر والفن البصري
الهدف من المسابقة
تدعو جائزة بارجيل الشعرية الشعراء المشاركين إلى كتابة قصائد مستوحاة من 20 لوحة فنية عربية من مجموعة بارجيل، رغبةً بتشجيع الحوار بين الرسم والشعر وبهدف الاحتفاء بالفن العربي على تنوع أشكاله. حيث يتم اختيار الشاعر(ة) للوحة من المجموعة الفنية المرفقة وكتابة قصيدة مستوحاة منها.
ولأن للوصف مستويين يتجسدان في "الدلالة الشعرية المجازية القائمة على علاقات التشبيه، والكناية القائمة على العلاقات الترابطية الذهنية"، تجيز شروط المسابقة أن تكون العلاقة بين القصيدة واللوحة مباشرةً أو غير مباشرة. من الممكن أن تحاكي القصيدة قصة اللوحة أو سيرة الفنان(ة) الذاتية، ومن الممكن أيضاً أن تعبّر عمّا تولّده اللوحة من مشاعر وأفكار عند الكاتب(ة). وقد تنسجم القصيدة مع اللوحة أو تتحداها، ذلك أن التمثيل الصوري والمجازي يعملان في آن معاً ولا يكتمل أحدهما دون الآخر في التقليد الشعري، لخلق دلالات متعددة الأوجه، تترك للشاعر حرية الرؤى والخيال.
فئات المسابقة
إضافةً إلى الجوائز النقدية المعينة لكل فئة (للمرتبة الأولى 500 دولاراً أمريكياً وللمرتبة الثانية 250 دولارًا أمريكياً)، سيتم نشر القصائد الفائزة بالمركزين الأول والثاني في كل فئة في مجلة Rusted Radishes، وعرضها أيضاً في متحف بارجيل بجانب اللوحات التي استُلهمت منها
الجائزة مفتوحة لجميع الشعراء والشاعرات من مختلف أنحاء العالم وتتضمّن ست فئات، أولها فئة القصيدة باللغة العربية (للبالغين). ومحكمتها الشاعرة الفلسطينية أسماء عزايزة الحاصلة على البكالوريوس في الصحافة والأدب الإنجليزي من جامعة حيفا، كما تشارك بمقالات ثقافية لصحف وملاحق محلية وعربية من بينها، وتعمل الآن كمديرة لمشروع من تأسيسها وهو "فناء الشعر". من مجموعاتها الشعرية "ليوا" الحائزة على جائزة عبد المحسن القطان عام 2010.
الفئة الثانية هي فئة القصيدة باللغة العربية (لليافعين 18-14)، ومحكمها الشاعر والمترجم السوري جولان حاجي، من مجموعاته الشعرية "نادى في الظلمات"، الحائزة على جائزة محمد الماغوط عام 2004. أما الفئة الثالثة هي فئة القصيدة باللغة الإنجليزية للكتّاب من أصل عربي (للبالغين)، والحكم فيها للشاعرة والكاتبة الفلسطينية الأمريكية حلا العليان، صدر لها أربع مجموعات شعرية باللغة الإنكليزية وحصلت على جائزة دايتون الأدبية لعام 2018 عن روايتها الأولى "بيوت الملح".
الفئة الرابعة هي فئة القصيدة باللغة الإنجليزية للكتّاب من أصل عربي (لليافعين 18-14)، والحكم فيها للشاعرة والروائية وكاتبة الأغاني الفلسطينية الأمريكية نايومي شهاب ناي التي حصدت العديد من الجوائز، منها جائزة إيزابيلا غاردنر للشعر عن ديوانها "أنت وما هو لك" الذي صدر في 2005.
والفئة الخامسة هي فئة القصيدة باللغة الإنجليزية للكتّاب العالميين (للبالغين)، والحكم فيها للشاعرة الهندية تيشاني دوشي التي نالت العديد من الجوائز منها جائزة فورورد عن مجموعتها الشعرية الأولى "بلدان الجسد" لعام 2005. وأخيراً، الفئة السادسة هي فئة القصيدة باللغة الإنجليزية للكتّاب العالميين (لليافعين 18-14)، والحكم فيها للشاعر البريطاني من أصول جامايكية ريموند أنتروبوس الذي حصل على جائزة تيد هيوز عن أعماله لسنة 2019.
المشاركة في المسابقة مفتوحة من 15 أغسطس 2020 لغاية 30 سبتمبر 2020. ستقرأ لجنة من المختصين قصائد المتسابقين، وتختار من كل فئة 50 قصيدة لترسلها إلى الحكام من دون الكشف عن أسماء الشعراء. وإضافةً إلى الجوائز النقدية المعينة لكل فئة (للمرتبة الأولى 500 دولاراً أمريكياً وللمرتبة الثانية 250 دولارًا أمريكياً)، سيتم نشر القصائد الفائزة بالمركزين الأول والثاني في كل فئة في مجلة Rusted Radishes، وعرضها أيضاً في متحف بارجيل بجانب اللوحات التي استُلهمت منها.
عن لوحات المسابقة
تستلهم كل قصيدة مشاركة من واحدة من 20 لوحة من مجموعة مؤسسة بارجيل للفنون لفنانين من أنحاء العالم العربي. تتنوع مواضيع هذه اللوحات وتتسع توجهاتها من اليومي الخاص إلى العالمي العام ومن الواقعي إلى السريالي فالرمزي والتعبيري، فمثلاً توحي لوحة "شخصان ببزة الفضاء" للفنان المصري عبد الهادي الجزار بالتناقض بين الموضوع الذي يشكل مشهداً عصرياً واقعياً بسيطاً لرائدي فضاء وبين الألوان الباهتة الشبيهة بعالم الأحلام وقسمات الوجوه الكئيبة التي تشي بعبارات مبطنة.
في لوحة الفنانة العراقية عفيفة لعيبي "الحرب" تعبر الألوان القوية عن حرب الخليج، لكن تبقى الثنائية التي تقدمها اللوحة بين الرجل والمرأة محل تأويل وتفتح مجالاً للمجاز، فالرجل هنا هو ملك سومري مزقه الرصاص والمرأة مبتورة الساق لكنها بأجنحة كدلالة على ثنائية الموت والنجاة، نعود لنجد محاكاة لهذا المجاز في لوحة "الفدائيون" للفنان التشكيلي السوري نعيم اسماعيل ولوحة فنان الواقعية الاجتماعية المصري حامد أويس "حماة الحياة".
تتيح مسابقة بارجيل الشعرية للشاعر(ة) حرية أن تكون العلاقة بين القصيدة واللوحة مباشرةً أو غير مباشرة، كأن تحاكي القصيدة قصة اللوحة أو سيرة الفنان(ة) الذاتية، ذلك أن التمثيل الصوري والمجازي يعملان في آن معاً في التقليد الشعري، لخلق دلالات متعددة الأوجه
للحضور الأنثوي وجود ملحوظ في اللوحات مثل لوحة "المرأة والجدار" لمؤسس الفن التشكيلي المعاصر في الجزائر الفنان محمد إسياخم، ولوحة "أحلام السجينة" للفنانة المصرية السريالية إنجي أفلاطون التي تعكس فيها تجربتها الشخصية بالسجن، ولوحة "بورتريه العائلة النوبية" للفنانة المصرية جاذبية سري ولوحة العروس للفنانة التونسية صفية فرحات، وأيضاً لوحة "الشهيدة" للفنانة السورية ليلى نصير التي تخرج فيها عن الصورة النمطية للتضحية المحصورة بالرجال.
تظهر فكرة المفهوم المطلق في لوحة "أسود وأبيض" للفنان الإماراتي الرائد في الفن المفاهيمي التجريبي حسن شريف، وكذلك في الأشكال المختزلة في لوحة "أعضاء الجسم" للفنانة اللبنانية هوغيت الخوري كالان التي تصور الجسد كمنظر طبيعي معتمدةً على ثنايا الإغواء، بينما تظهر الرمزية في لوحة "أغنية غامضة" للفنانة الأردنية الفلسطينية سهى شومان في ما يشبه الانفجار الكوني والانفتاح على كون جديد.
وبينما تعج لوحة "حي شعبي" للفنانة المصرية زينب عبد الحميد بتفاصيل حية، يظهر تصوير الطبيعة الصامتة في لوحة "الصبار والمدينة في الخلفية" للفنان الفلسطيني عاصم أبو شقرة أيضاً بدلالة رمزية لصمود المدينة الفلسطينية التي تشبه بمقاومتها نبات الصبار.
تتأرجح الدلالات في بعض اللوحات بين الواقعية الاجتماعية ورمزية الأسطورة الدينية مثل لوحة "الصلب" للفنانة السعودية الكويتية منيرة القاضي والعمل الخزفي الوحيد في المسابقة "شاهد" للفنانة الفلسطينية منى حاطوم، ولوحة "زار" للفنانة السودانية كمالا ابراهيم. كما تبرز الواقعية التعبيرية في لوحة "ثلاثة صبية فلسطينيين" للفنان السوري مروان قصاب باشي. في حين نرى لوحات باطنية تستدعي التحليل العميق مثل لوحة الفنان التشكيلي والمسرحي العراقي ضياء العزاوي "ذئب يعوي: ذكريات شاعر" ولوحة الفنان السوداني إبراهيم الصلاحي "الصوت الأخير".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.