أدلة متزايدة على "براءة" تنظيم داعش من المسؤولية عن "أكبر شحنة من مخدرات الأمفيتامين (حبوب الكبتاغون) في العالم"، ضبطتها إيطاليا في الشهر الماضي.
قال محلل سوري لرصيف22، مشترطاً عدم ذكر اسمه، إن "داعش لا يمتلك موانئ لتصدير المخدرات كالشحنة التي وصلت إيطاليا عبر البحر، وليست لديه مصانع ورق للتغليف الذي جرى للمخدرات"، متهماً رجل الأعمال السوري الموالي للنظام عبد اللطيف الحميدة، صاحب شركة ورق حلب، بالتورط في العملية.
واتهم المحلل الشرطة الإيطالية بـ"التستر" على تورط النظام في القضية للحفاظ على شحنات الفوسفات الزهيد الثمن الذي تستورده من سوريا منذ عامين تقريباً.
النظام السوري وحزب الله؟
وأضاف: "المواد الأولية للمخدرات، مثل ‘السودوإفيدرين‘ التي تأتي من فرنسا ومادة ‘الكريستال ميث‘ التي تأتي من إيران، يُصنع قسم في حمص وقسم في البقاع اللبناني"، لافتاً إلى "مزارع الحشيش الكبيرة الممتدة على الحدود بين سوريا ولبنان، والتي يحرسها رجال القلمون (سلسلة جبلية غرب سوريا) وحزب الله والفرقة الرابعة من الجيش السوري الموالية لإيران".
"الاقتصاد غير الرسمي لتجارة المخدرات شريان حياة لنظام الأسد"… محلل سوري يُفصّل لرصيف22 مراحل إنتاج النظام السوري للمخدرات وتوزيعها وبيعها بالتعاون مع #حزب_الله ويُسمّي المتورطين من النظام الحاكم
ورأى المحلل والناشط السوري أنه من هذه النقاط "يتم التوزيع داخلياً وخارجياً. داخلياً عبر وكلاء محليين كثر، وخارجياً عن طريق كمال الأسد وابنه سامر، ووسيم الأسد(أحد أبناء عمومة بشار)، بأسماء تجار ليسوا مدرجين على قائمة العقوبات الأمريكية بموجب قانون قيصر". وقال إن أبرز مناطق توزيع هذه المخدرات في أوروبا تقع في "الجزر اليونانية، وإيطاليا، ومالطا، وألبانيا".
وعن سؤال لرصيف22 عن "هل يجني النظام السوري المال عبر بيع المخدرات؟"، أجاب المحلل السوري: "نتيجة انعدام الموارد، وخاصة عقب قانون قيصر، وتوقف الصناعة، بدأ النظام بالاعتماد على صناعة المخدرات إذ يستورد من فرنسا مادة المثلين التي تصل إلى يد دكتور في حمص وتحديداً حي الزهراء يدعى عبد الرؤوف حرفوش، وهو الذي يجهز المخدرات".
وأوضح أنه بعد ذلك "يتولى توزيعها في لبنان وسوريا"، لافتاً إلى ضبط السلطات السعودية شحنة مخدرات كانت في طريقها إلى جدة داخل علب المتة، ومصادرة قوات أمريكية شحنتين كانتا متجهتين نحو منطقة التنف في الأردن.
وفي نيسان/ أبريل من هذا العام، صادرت الجمارك السعودية أكثر من 44 مليون حبة كبتاغون مخبأة في عبوات شاي من شركة قريبة من عائلة الأسد.
كيف ازدهر الكبتاغون في سوريا؟
في 1 تموز/ يوليو الفائت، أعلنت الشرطة الإيطالية في ميناء ساليرنو (جنوب نابولي) مصادرة 84 مليون قرص كابتاغون تقدر بمليار يورو (1.1 مليار دولار)، تم إخفاؤها في ثلاث حاويات لفائف ورقية معدة للاستخدام الصناعي وعجلات حديد بطريقة تمنع الماسحات الضوئية من الكشف عن محتويات.
وفي ستينيات القرن الماضي، اخترع الكبتاغون لأول مرة، وهو الاسم التجاري لعقار الفينيثايلين، لعلاج الاكتئاب واضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة لدى الأطفال. لكن منظمة الصحة العالمية حظرت هذه المادة، بعد عقدين من الزمن، بسبب قدرتها العالية على الإدمان وإحداث آثار صحية ضارة أخرى.
ولا يزال هناك طلب كبير على الكبتاغون المقلد - الذي يكون أحياناً مجرد مزيج من الأمفيتامينات من دون فينيثايلين- في السوق السوداء للمخدرات بالشرق الأوسط.
وفيما تسرعت السلطات الإيطالية في إلقاء المسؤولية عن الشحنة التي وصلت ساليرنو على متن ثلاث سفن من ميناء اللاذقية السوري، على تنظيم داعش، رجحت تقارير إعلامية عالمية عديدة ومصادر من المعارضة السورية عدم مسؤولية التنظيم الإرهابي عن الشحنة الضخمة، لأنه لم يعد يمتلك قدرات إنتاجها أو تهريبها.
فورين بوليسي: "لنظام بشار الأسد يد في إنتاج الكبتاغون من أجل جني أرباح يمكن أن يستثمرها في حملاته المسلحة ضد المدنيين وإلحاق الضرر بصحة العديد من السوريين الذين أصبحوا الآن مدمنين على الأمفيتامينات"
وفي 10 آب/ أغسطس، قالت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية إن لنظام الأسد، على الأرجح، يداً في إنتاج الكبتاغون بغية جني أرباح يمكن أن يستثمرها في حملاته المسلحة ضد المدنيين وإلحاق الضرر بصحة العديد من السوريين الذين أصبحوا الآن مدمنين على الأمفيتامينات.
وأشارت المجلة إلى الدور الذي لعبته الحكومة السورية في تهريب المخدرات منذ تسعينيات القرن الماضي، ناقلةً عن لوران لانييل، المحلل في المركز الأوروبي لمراقبة المخدرات والإدمان: "عندما غزت سوريا لبنان في التسعينيات، كانت هناك تقارير عديدة تظهر أن الجيش السوري يساعد ويحرض على إنتاج الحشيش والأفيون في سهل البقاع".
ازدهر إنتاج الكبتاغون في سوريا بعد عام 2013. لاحقاً انطلقت حملة ضده في لبنان ربما دفعت حزب الله إلى نقل عمليات إنتاج المخدر إلى بلد الجوار. وناسبت الخطوة النظام السوري، الذي كان يحتاج في هذا الوقت المال لتمويل حملته العسكرية ضد معارضيه.
وعقب نحو عقد من اندلاع الثورة السورية عام 2011، ازداد حالياً إنتاج الكبتاغون على حساب صحة السوريين، لا سيما أن مجمل المنتج منه هو الكبتاغون المقلد إذ لا حاجة إلى مساحة كبيرة أو مكونات غير متوفرة لتصنيعه.
واعتبرت كارولين روز، المؤلفة المشاركة في تقرير عن الكبتاغون أعدته وحدة سياسة المخدرات الدولية في كلية لندن للاقتصاد، في تصريح لـ"فورين بوليسي"، أن الاقتصاد غير الرسمي لتجارة المخدرات بات "شريان حياة لنظام الأسد".
وذكرت المجلة الأمريكية على لسان السوري أبو جعفر (اسم مستعار)، سائق شاحنة سابق، أن غالبية مواقع إنتاج الكبتاغون في سوريا تقع في مناطق يسيطر عليها النظام.
وأضاف أبو جعفر: "تحتاج إلى بعض المنازل المهجورة وعدد قليل من العمال الذين يشرف عليهم شخص له صلات قوية بالنظام"، مشيراً إلى أماكن الإنتاج المنتشرة في ريف حلب ودمشق واللاذقية وفي حمص والقصير وتلكلخ.
هل من إدانة رسمية للنظام؟
برغم هذه المعلومات التفصيلية عن كمية المخدرات ومناطق إنتاجها وتوزيعها في سوريا، فإن المنظمات الدولية غير قادرة على إجراء البحوث الميدانية، وهذا ما يعني انتفاء وجود "دليل ملموس يربط نظام الأسد بتجارة الكبتاغون".
وأضاف لانييل: "كان من الممكن دائماً في بلد في حالة حرب أن يكون أكثر الأشخاص قدرة على تصنيع دواء بكميات كبيرة بأمان هم الذين يوالون النظام أو يقيمون في مناطق كان النظام يضمن الأمن فيها".
المنظمات الدولية غير قادرة على إجراء البحوث الميدانية، وهذا ما يعني انتفاء وجود "دليل ملموس يربط نظام الأسد بتجارة الكبتاغون".
وبحسب "فورين بوليسي"، فإن عمليات إنتاج المخدرات السورية وبيعها "ربما تكون غير ممكنة بدون معرفة حزب الله التقنية"، فيما يلعب البدو دوراً رائداً في بيع الكبتاغون ونقله إلى مناطق أخرى من سوريا، ويتسق هذا مع ما أكده المحلل السوري أعلاه.
ومن الأدلة الموضوعية على تورط النظام السوري في هذه التجارة المشبوهة أن المرور عبر نقاط التفتيش والموانئ مثل ميناء اللاذقية، الذي تسيطر عليه قوات الأسد، يتطلب صلات قوية مع النظام السوري.
في العام الماضي، صودر أكثر من 33 مليون حبة كبتاغون في اليونان بعد شحنها من اللاذقية. قال لانييل: "يمكنك القول إن أي شيء يخرج من ميناء اللاذقية مرتبط بالنظام أو بشخص دفع مقابل استخدام الميناء".
بعد كل ما سبق، تجدر الإشارة إلى أن "هناك القليل من الأدلة على أن داعش أنتج الكبتاغون، وإن استخدم مقاتلوه المخدرات في ساحة المعركة".
وفي ذروة سيطرة داعش على مساحات شاسعة من الأراضي في سوريا والعراق، وتورطه في السوق السوداء المتصلة بالقطع الأثرية والأسلحة وآبار النفط، التي نهبها من المناطق التي استولى عليها، ليس هنالك سوى أدلة قليلة على انتاجه الكبتاغون والاتّجار به".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...