في منتصف الشهر الجاري، قرّرت لجنة التسميات في بلدية حيفا إطلاق اسم كوكب الشرق أم كلثوم على أحد شوارع المدينة التي يعيش فيها العرب واليهود، وذلك باعتبارها "من عظماء الغناء العربي والاسم المرادف للموسيقى العربية عموماً والمصرية خصوصاً".
هذا الاختيار في "مدينة مختلطة تمثّل نموذجاً للحياة المشتركة بين اليهود والعرب"، اعتُبِر "إنجازاً نوعياً مهماً للعرب في حيفا، على مستوى تأكيد الوجود والبقاء والتجذّر، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً"، حسب قول عضو البلدية رجا زعاترة لوكالة فرانس برس.
لكنه أشعل غضباً عارماً في صفوف اليمنيين الإسرائيليين الذين شعروا بـ"العار" لإطلاق اسم فنانة اشتهرت طوال حياتها بدعم المقاومة الفلسطينية حتى أنهم يعتبرونها "عدوةً لإسرائيل".
أم كلثوم في إسرائيل
وتخصّص الإذاعة الإسرائيلية الرسمية، في نسختها العربية، ساعة يومياً لبث أغاني أم كلثوم. وسبق أن أعد التلفزيون الإسرائيلي فيلماً وثائقياً عن حياتها.
وفي ذكرى رحيلها التي توافق 3 شباط/ فبراير عام 1975، من كل عام، يطلق التلفزيون الإسرائيلي برنامجاً احتفالياً لهذه المناسبة. وتدرج أغاني أم كلثوم في برامج منتظمة للعروض الفنية في المدن الإسرائيلية، ولا يخلو مهرجان من أغانيها. وبشأن إطلاق اسمها على أحد شوارع حيفا أيضاً، أوضح زعاترة: "نريد أن نؤكد أنّ حيفا لطالما كانت قبلة ثقافية تعجّ بالمسرح والسينما والصحف ودور النشر والفعاليات الوطنية والنقابية والثقافية. وقد غنّت أم كلثوم في حفلات عدّة في حيفا ويافا والقدس في ثلاثينيات القرن الماضي"، معتبراً أن "هذا حق شرعي لنا وسنواصل العمل على تحصيله، مهما علا صراخ قطعان اليمين والفاشية".
"نموذج للعيش المشترك" أم "عدوة لإسرائيل"؟... جدل بشأن إطلاق اسم كوكب الشرق أم كلثوم على أحد شوارع حيفا. عرب حيفا يرون في هذا "حقاً شرعياً" لهم، واليمين الإسرائيلي يعتبر ذلك "عاراً وجنوناً"
أم كلثوم، أو فاطمة ابراهيم السيد البلتاجي، التي يحلو لعشاقها تسميتها "سيدة الغناء العربي"، كانت قد غنّت عقب هزيمة حرب 1967، عدة أغانٍ وطنية تدعم المقاومة ضد إسرائيل، أبرزها: "أصبح عندي بندقية" و"إنّا فدائيون" و"ثوار ثوار".
وهذا ما حدا العديد من الناشطين اليمينيين في إسرائيل على الاعتراض بشدة على قرار بلدية حيفا برئاسة عينات كاليش.
"عار وجنون"
صحيفة "كول بو"، التي تصدر بالعبرية، نشرت صورةّ كبيرة لأم كلثوم، معلقةً عليها بالخط العريض، على صفحتها الأولى: "أصبح عندي الآن بندقية إلى فلسطين، خذوني معكم"، في إشارة إلى أغنية كوكب الشرق.
وأضافت الصحيفة: "نعم، هكذا غنّت أم كلثوم التي سيطلق اسمها على شارع في حيفا"، فيما نقلت عن عضو الكنيست عن حزب الليكود، أرييل كيلنر، قوله: "أشعر بالحزن لقرار تسمية شارع باسم أم كلثوم التي دعت الى إبادة دولة اليهود"، متعهداً: "سأجد طرقاً لمنع هذه التسمية".
أما نجل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، يائير، فسارع إلى التغريد بالعبرية، معلقاً على القرار: "عار وجنون".
اللافت أن هذه ليست المرة الأولى التي يطلق فيها اسم أم كلثوم على شوارع في مدن الداخل المحتل. ففي أواخر الشهر الماضي، قررت بلدية الرملة إطلاق اسم الراحلة على أحد شوارعها. وعام 2012، أطلق رئيس بلدية القدس المحتلة نير بركات، أحد قادة الليكود البارزين والمقرب من نتنياهو، اسم أم كلثوم على أحد شوارع القدس.
وهاجم يمينيون إسرائيليون قرار بلدية الرملة، فيما احتفت الخارجية الإسرائيلية بقرار رئيس بلدية القدس الليكودي عام 2018 في الذكرى السنوية لرحيل أم كلثوم.
في 15 تموز/يوليو الجاري، وصف إلداد بك، الصحافي الإسرائيلي في صحيفة "إسرائيل هيوم"، المقربة من نتنياهو، كوكب الشرق بأنها "عدوة إسرائيل"، وكتب تحت عنوان: "لمعلومات الزوار في شارع أم كلثوم" أن "التسمية بدأت في القدس، وانتقلت إلى الرملة ووصلت الآن إلى حيفا. هذه نغمة جديدة لتسمية الشوارع على اسم كوكب الشرق أم كلثوم في المدن التي فيها سكان عرب في إسرائيل".
"تكريم أم كلثوم هو إحياء ذكرى أحد أكبر أعداء إسرائيل الذين أرادوا القضاء على الدولة"... اليمين الإسرائيلي يحتج على إطلاق اسم أم كلثوم على عدة شوارع في الداخل المحتل، ويذكّر بأنها "تبرعت بسخاء في المجهود الحربي ضد إسرائيل"
وحذر إلداد بك من أن "خطوة تكريم أم كلثوم في الرملة هي إحياء ذكرى أحد أكبر أعداء إسرائيل الذين أرادوا القضاء على الدولة"، مذكراً بأن سيدة الغناء العربي "تبرعت بسخاء في المجهود الحربي ضد إسرائيل".
تهديد لإسرائيل؟
في المقابل، يجد يوناثان مانديل الباحث في الثقافة واللغة العربية بجامعة بن غوريون في النقب، أن أم كلثوم "لا تشكل تهديداً لإسرائيل، فهي مغنية متوفاة"، لافتاً إلى أن "الإسرائيليين ينظرون بدونية إلى اللغة العربية والثقافة العربية حتى لو استمعوا الى أغانيها".
ويؤكد أن صوت أم كلثوم من أرقى الأصوات، بل يصفها بـ"الأيقونة" و"الأسطورة". كذلك يصفها جلعاد فاغنين مدير قسم الموسيقى الشرقية في معهد الموسيقى بالقدس، بـ"الديفا".
أما الموسيقي اليهودي أرييل كوهين، من حزب "شاس" اليميني المتشدد، فقال: "لا أرى أم كلثوم عدواً... أدت أغانيها الوطنية في فترة الحرب بين إسرائيل ومصر. مثلها فعل محمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ عندما أطلقا أغاني وطنية... طبيعي أن يغني الفنانون أغاني وطنية في الحرب".
ولفت إلى أن اليهود المتشددين الشرقيين (الحريديم) نشأوا "على أغاني أم كلثوم وعبد الوهاب"، مبرزاً وجود "صلوات على أنغام الموسيقى الخاصة بهما، بكلمات عبرية".
كوهين، الذي درس أغاني أم كلثوم ويردد أغانيها باستمرار في حفلاته، قال أيضاً: "الأب الروحي الراحل للطوائف اليهودية الشرقية الحاخام عوفاديا يوسف كان يطلب منّا أغنيات أم كلثوم في الحفلات الخاصة، ويردّد معنا أغانيها التي حفظها بالعربية".
وعام 2014، دعت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" الإسرائيليين الذين لا يحبون أم كلثوم إلى التذكر أن "الموسيقى تقلل العداوة". وأوضحت أن الفنانة المصرية "أيدت (الرئيس الراحل جمال) عبد الناصر ورأت إسرائيل عدواً، ولكن بعد 50 عاماً يؤدي أغاني البطولة للمغنية المصرية جيل جديد من المغنين الإسرائيليين الموهوبين أمام جماهير مُحبة ومتحمسة".
ونقلت الصحيفة عن إحدى المغنيات الإسرائيليات قولها: "يبدو لي أن كل عائلة في إسرائيل، عربية ويهودية على السواء، قد نشأت على موسيقى أم كلثوم".
يذكر أن صورة عملاقة لأم كلثوم رفعها أحد عشاقها في حيفا على مطعمه، في أيلول/ سبتمبر عام 2018، أثارت ضجةً واسعة. وتدخل المتحدث باسم جيش الاحتلال، أفيخاي أدرعي، وعلّق عليها آنذاك: "ها هي #كوكب_الشرق #أم_كلثوم تبتسم لمواطني دولة #إسرائيل ولكل زائر محّب للسلام في أحد مطاعم عروس البحر #حيفا". وهذا ما أثار حفيظة الكثير من العرب.
وإذ غنّت أم كلثوم في حيفا، تحديداً في سينما "عين دور" بمشاركة أعداد كبيرة من مختلف المدن الفلسطينية عام 1931، حصلت على لقبها الأشهر: كوكب الشرق.
وذكر المؤرخ الفلسطيني البارز جوني منصور، ابن مدينة حيفا، أن أم كلثوم أصبحت "كوكب الشرق" أثناء تقديمها حفلة داخل مقهى الشرق بحيفا، بعدما انتشت إحدى الحاضرات أثناء غناء الفنانة الراحلة "أفديه إن حفظ الهوى"، فصرخت: "أم كلثوم أنت كوكب الشرق".
وأقر سليم نسيب، كاتب سيرة حياة أم كلثوم، بأنها حظيت باللقب في مدينة حيفا من دون ذكر مزيد من التفاصيل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...