"أقسم بالله العظيم أن أراقب الله في مهنتي وأن أصون حياة الإنسان في كافة أدوارها، في كل الظروف والأحوال، باذلاً وسعي في إنقاذها من الهلاك والمرض والألم والقلق... إلخ"، هذا هو قسم الأطباء في مصر، المشتق مع بعض التعديلات من قسم أبقراط، الفيلسوف والطبيب اليوناني، ولكن يبدو أن الواقع بحسب شهادات لرصيف22 على عكس ما يقسم به الأطباء.
تحدثت فتيات عن أنهن أجبرن على تناول عقاقير وأدوية ذات تأثيرات نفسية، والبعض الآخر تناولها طوعاً لثقته في الطبيب، لكن جميعهن تعرضن لآثار سلبية فيما بعد على صحتهن النفسية والجسمانية، مثل: الإدمان، الانتكاسات، محاولات الانتحار وغيرها.
"باخد إيه، وباتعالج من إيه؟"
"مكنتش عارفة باخد إيه، في ممرضة بتيجي تديني الدوا وخلاص، ومكنش ينفع أعترض"، تقول ملك الكاشف (20 عاماً)، بعد أن واجهت أهلها أنها أنثى لأنها ترى في قرارة نفسها أنها مكتملة الأنوثة، وليست ذكراً حسب ما ولدت عليه. ظن أهلها أنها مجنونة؛ فأجبروها على دخول مصحّة نفسية مرتين.
في الأولى ظلت الكاشف سجينة لثلاثة أسابيع، تتلقى علاجاً قالت عنه لرصيف22 أنها لم تعرف طبيعة الأدوية التي تتلقاها، ولا من أي شيء تتم معالجتها، ولا التأثير السلبي لجرعات العلاج التي كانت تتحمل عائلتها تكلفتها، رغم أن المصحة يمتلكها طبيب شهير في القاهرة (ج.م).
"إدوني دوا في المصحة، مش عارفة هو إيه؟ ومش عارفة أنا باتعالج أصلا من إيه؟ وقبل ما أخرج، كنت باقول كلام غريب عكس اللي كنت مقتنعة بيه تماماً، وبهاود أهلي وبقول حاضر وطيب ونعم"
حديث ملك يثير شبهة تواطؤ لمخالفة قانون 71 لسنة 2009، خاصة في البنود المتعلقة بالأدوية والعقاقير، والتي وافق البرلمان منذ عدة أشهر، من حيث المبدأ، على تعديلها.
المحامي رضا الدنبوقي، مدير مركز المرأة للإرشاد والتوعية القانونية قال لرصيف22: "وفقاً لنص القانون، لا يجوز إجبار المريض على تناول أدوية، وإذا وافق يجب أن تؤخذ الموافقة كتابة، وإذا كانت حالته تستدعي العلاج ورفض، يجب على الطبيب الحصول على تقييم طبي مستقل ضماناً لحقوق المريض وإثبات ذلك".
"باقول حاضر ونعم"
ويرى الدنبوقي أن القانون يقر بحقوق للمريض، لكن بعض الأطباء يستخدمون مواده كباب خلفي، وإعطاء المريض أدوية ليس بحاجة إليها، بإثبات أن حالته كانت تستدعي التدخل السريع لما ألمّ به من هياج، أو كان سيتسبب بأذى لنفسه أو للغير.
"ربما كان الأمر مغايراً للحقيقة، وعلى الطبيب المعالج، وفقاً لوثيقة أخلاقيات المهنة، توفير معلومات دقيقة عن خيارات العلاج للمريض ونتائجها وآثارها"، بحسب الدنبوقي.
ورغم أن المصحة التي قضت بها ملك 3 أسابيع تتبع بشكل رسمي وتقع تحت إشراف الأمانة العامة للصحة النفسية، والتي تخضع بشكل مباشر للإشراف من وزير الصحة، لكن الكاشف أكدت أنه خلال رحلة العلاج الإجبارية داخل المصحة، لم يناقشها أحد فيما تتناوله من عقاقير، مضيفة: "قبل ما أخرج، كنت بقول كلام غريب عكس اللي كنت مقتنعة بيه تماماً، وبهاود أهلي وبقول حاضر وطيب ونعم".
"يعاملون الطبيب كشيخ الجامع"
أما ريهام، من عائلة محافظة، فبعد أن تم تقييدها من قبل أسرتها، وقيادتها إلى مستشفى (ر) للصحة النفسية في القاهرة لمدة عام كامل، كانت تتلقى فيه علاجاً، خلّف آثاراً سلبية صحية امتدت لـ7 أشهر بعد خروجها من المصحة، وأخرى نفسية امتدت لأعوام أخرى، بحسب روايتها لرصيف22.
عن الأدوية التي تناولتها ريهام في المستشفى، تقول أنه لم يناقشها أحد عن مرضها سوى ما عرفته مصادفة من تذكرة دخولها أنها "ملحدة وماسونية تقوم بأفعال غريبة وتؤذي نفسها والآخرين"، كما لم يتحدث إليها أحد عن العلاج الذي ستتناوله، وأجبرت على عقاقير لم تعلمها.
"ابتديت ألاحظ أنه أفكاري بتتغير، حاجة جوة مخي مش عارفه إيه هي، بقيت ساكتة، مبتكلمش كتير، مكتئبة، معنديش رغبة في الكلام ولا الحركة ولا الأكل ولا الحياة"، تقول ريهام.
"أدمنت العقاقير،وعانيت من أعراض انسحاب".
في العاشرة من مساء كل يوم، تدخل ممرضة تعطيها دواء لا تعرفه، وبعد ساعة تغط في نوم عميق. كانت تتناول منوماً وهو روتين للسيطرة على المريضات حتى تكون أقصى ساعات استيقاظهن هو الثانية عشر ليلاً، ومن ثم يغرقن في النوم، تقول ريهام إنها أدمنت تلك العقاقير، وعقب خروجها كانت تعاني من أعراض انسحاب مميتة وسيئة، ظلت ملازمة لها طيلة 7 أشهر حتى شفيت منها.
تقول ريهام: "الأدوية خلتني شايفاهم ناس كويسين وإني كنت غلطانة والناس دي معاها حق وموافقة على اللي عملوه ووعدتهم إني مش هعمل حاجة تضايقهم تاني".
وعادت بصحبة عائلتها إلى البيت، ويوماً بعد يوم عاد إليها وعيها. بعد انقضاء حوالي 3 أشهر أدركت ما حدث معها وما سببته عائلتها من جرح وشرخ كبير داخل نفسها، وقررت الانفصال، وبحثت عن عمل ومسكن بمشاركة صديقة. بعد استقلالها عن العائلة بدأت تتلقى علاجها عما سببته تلك الفترة بها من صدمات، وهي الآن تحاول استعادة عافيتها.
د. وائل فؤاد، مدير مستشفى الخانكة السابق، قال لرصيف22 إن المريض الذي يجبر على دخول المستشفى للعلاج النفسي يفقد الثقة بأهله فيما بعد، وقد يعاني من اضطراب كرب ما بعد الصدمة PTSD، أو تأثيرات نفسية شديدة تظهر في صورة فلاش باك، أو إعادة استرجاع لما حدث، أو اضطراب وجداني واكتئاب شديد وأفكار سيئة عن الموت، الانتقام أو إيذاء الذات.
وأكد طبيب نفسي (رفض التصريح باسمه) عمل بمستشفى الخانكة والعباسية، أنه شاهد مثل هذه الحوادث كثيراً أثناء فترة عمله، وكإن الأهل بإجبارهم ابنهم أو ابنتهم على العلاج النفسي، يبرئون أنفسهم من تغير تصرفات أبنائهم التي لا ترضى المجتمع أمام الناس، ليقولوا إنه نتيجة المرض النفسي وأنه ليس ابنهم، كما يتم معاملة الطبيب النفسي مثل الشيخ الذي يعالج ما يعتقد الأهل أن ابنهم مصاب به.
"عايزين يتحكموا في حياتي"
"كأنه ربنا عاوز يموت ويتحكم في حياة الناس"، تروي غادة، شابة ثلاثينية من محافظة البحيرة، تجربة وصفتها بـ"المريرة" مع أحد الأطباء النفسيين، أثارت طريقة علاجه شبهة مخالفة مواثيق دولية، مثل مبادئ الأمم المتحدة، في معرفتها بتفاصيل الخطة العلاجية لها والأضرار المحتملة لها، وتسببت خطته في دفعها للانتحار، وهددها إن لم تتلق العلاج الذي كتبه سيدخلها مصحة نفسية.
كانت غادة تعاني بحسب الأطباء من اكتئاب وكرب ما بعد الصدمة PTSD، لكن بعد أدوية طبيبها، لاحظت تدهور صحتها النفسية، بعدما كانت قد لمست تحسناً نسبياً لها، لكنها بدأت تفكر في الموت وإنهاء حياتها، تقول لرصيف22: "بقيت بفكر في الانتحار طول الوقت، لولا إنه ماما واخدة بالها مني كنت مت".
بعد محاولتي انتحار نجت منهما، ذهبت غادة إلى أطباء آخرين أخبروها أن تلك الأدوية لم تكن متماشية مع حالتها، وكانت تخص حالات نفسية أخرى، مثل الفصام والذهان، وتسببت الجرعات التي ظلت تتناولها على مدار شهور في زيادة الميول الانتحارية.
مدير مركز المرأة للإرشاد القانوني يؤكد أنه وفقاً لنص المادة 47 من القانون، يواجه الحبس مدة لا تقل عن عام وغرامة لا تزيد عن خمسة آلاف جنيه، أو إحدى هاتين العقوبتين، كل من كان مكلفاً بحراسة أو تمريض أو علاج شخص مصاب بمرض نفسي، وأساء معاملته أو أهمله بطريقة من شأنها أن تحدث له آلاماً أو ضرراً، وإذا ترتب على سوء المعاملة مرض أو إصابة أو إعاقة بجسم المريض، تكون العقوبة الحبس مدة لا تجاوز ثلاث سنوات.
تشنجات وآلام جسدية
أما منار، والتي فاجأت أهلها بعدم ارتدائها للحجاب، فنقلت إلى أحد المصحات النفسية الشهيرة بالمنصورة، والتي لا تتبع إشراف الأمانة العامة للصحة النفسية، فلم تتلق أي علاج تعرفه هناك، بل كانت تجبر كل يوم على تناول أدوية كانت تسبب لها تشنجات وآلام في المعدة، فبحسب روايتها لم يراع الطبيب أنها كانت تعاني من قرحة في معدتها بسبب تناولها لأدوية نفسية كثيرة للصرع، رغم أنها لم تكن تعاني منه، وأكدت أنها لم تكن تملك رفاهية الاعتراض أو رفض الدواء، فمن ترفض ذلك تتعرض لصدمات كهربائية أو حقن منومة ليتم التخلص من هياجها.
"ابتديت ألاحظ إنه أفكاري بتتغير، حاجة جوة مخي مش عارفة إيه هي، بقيت ساكتة، ماعنديش رغبة في الكلام ولا الحركة ولا الأكل ولا الحياة"
المحامي رضا الدنبوقي، يؤكد أن قانون رقم 71 لسنة 2009 والمسمى بقانون "رعاية المريض النفسي"، يمكّن المريض من حفظ حقوقه، كما يمكن لأي مريض أو مريضة نفسيا أن تتقدم بشكوى ضد الطبيب أو المنشأة الطبية في فرع الأمانة العامة للصحة النفسية التابع لها المستشفى، سواء الفرع العام في القاهرة أو الفرعية في المحافظات، وتحرر محضر شرطة ضد المنشأة إذا كان لديها إثبات بدخولها وبالروشتات.
ويضيف الدنبوقي أنه في حالة أن الطبيب الذي أعطى العلاج في عيادة خاصة لا تتبع الأمانة العامة للصحة النفسية، فيمكن التقدم بشكوى ضده في لجنة آداب المهنة بنقابة الأطباء، وأن تنوه أنها حررت محضر شرطة وتكتب فيه التفاصيل، وترفق صور ضوئية من الروشتات الطبية التي حصلت عليها، وصوراً من تقارير الأطباء الآخرين الذين يأكدون أن حالتها لم تكن تستدعي ذلك، كما يمكن التقدم بدعوى تعويض عن الأضرار التي لحقت بها، سواء مادية من رسوم العلاج وأجر الأطباء وغيرها، أو أدبية من التسبب بأضرار نفسية وذهنية لها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع