شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
أنباء عن اتجاه الحكومة اللبنانية للاستقالة...

أنباء عن اتجاه الحكومة اللبنانية للاستقالة... "النظام يعيد تدوير نفسه" بالتنصل من المسؤولية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الاثنين 10 أغسطس 202002:54 م

إنه اليوم السادس على انفجار مرفأ بيروت.

منذ يوم أمس، في التاسع من آب/ أغسطس، تشغل استقالات وزراء من الحكومة وبعض النواب مساحة واسعة من النقاش.

عند الساعة الثالثة من بعد ظهر اليوم، تُعقد جلسة لمجلس الوزراء لبحث قرار استقالة الحكومة، بينما كان من المقرر عقدها في قصر بعبدا (مقر رئاسة الجمهورية) لدراسة التطورات السياسية ونتائج التحقيقات القضائية، تزامناً مع انتهاء مهلة الأيام الخمسة التي وعدت بها الحكومة لتقديم تقريرها حول ما جرى في مرفأ بيروت.

التلويح باستقالة الحكومة

آخر الاستقالات التي استبقت الجلسة كانت لوزير المالية غازي وزني، وسبقته قبل ساعات قليلة وزيرة العدل ماري كلود نجم، عازية إياها إلى "هول الفاجعة التي أصابت الوطن في قلب عاصمته بيروت الثلاثاء الماضي".

سبق نجم إلى الاستقالة وزير البيئة دميانوس قطار الذي قال إن "أصدقاء أولاده قتلوا في الانفجار" ووزيرة الإعلام منال عبد الصمد التي اعتذرت من اللبنانيين، فيما خرجت معلومات عن نية وزراء آخرين الاستقالة كوزيرة الدفاع زينة عكر ووزير الداخلية محمد فهمي.

استباقاً لجلسة الحكومة، انتشرت أنباء عن اتجاه رئيسها لتقديم استقالته، في وقت تداولت مواقع محلية أن دياب أبلغ رئيس الجمهورية ميشال عون نيته بالاستقالة.

وللعلم، لأجل اعتبار الحكومة مستقيلة تنبغي استقالة ثلث أعضائها (سبعة وزراء من أصل عشرين) أو استقالة رئيسها شخصياً. ثمة سيناريو آخر لاعتبار الحكومة مستقيلة، وهو سحب ثقة البرلمان منها بأكثرية النصف زائد واحد، أما لجهة مجلس النواب فتنبغي استقالة النصف زائد واحد لتعطيل فاعليته وهو ما يبدو شبه مستحيل وفق التركيبة الحالية للمجلس. 

في اليومين الماضيين، تضاربت المعلومات حول مصير هذه الحكومة، بينما كثر الحديث عن ضغوط داخلية وخارجية. وعلى وقع الاستقالات، شهد السراي الحكومي اجتماعات مكثفة بنية توحيد الموقف، حتى خرج وزراء ليؤكدوا أن الحكومة لن تستقيل ومنهم وزير الصناعة عماد حب الله الذي قال: "وسنستمر في تحمّل مسؤولياتنا، ولن نخضع للضغوطات أو الابتزاز".

أكد على كلامه ما أعلن عنه دياب بأن نيته تقديم مشروع قانون لتقصير ولاية المجلس النيابي وتحمله مسؤولية الحكومة لشهرين حتى الوصول إلى اتفاق بين الأحزاب السياسية، في وقت نُقل عن رئيس مجلس النواب انزعاجه من طرح دياب وإصراره على عقد جلسات مفتوحة لمساءلة الحكومة ابتداءاً من يوم الخميس المقبل.

لا أسف على الحكومة الحالية، واستقالتها لا تعني براءتها، لكن اللبنانيين الذين نزلوا إلى الشارع خلال اليومين الماضيين وواجهوا قمعاً عنيفاً، يدركون جيداً أن المسؤولية لا تتحملها الحكومة الحالية منفردة، بينما يحاول نظام الفساد المستفحل منذ عقود الإيحاء بذلك

ما نقلته وسائل إعلام محلية كان أمل بري في أن تستقيل الحكومة قبل بدء جلسات البرلمان. ثمة ما يشبه الإجماع على أن حكومة دياب انتهت، سواء قدم الأخير استقالته اليوم أم لا، لأن الطبيعي بعد انفجار مماثل في أي بلد في العالم كان استقالة الحكومة، بينما يحضر سبب آخر في السياسة يربطه محللون بالموقفين الفرنسي والأمريكي الذي تغيّر بعد الرابع من آب/ أغسطس، فبدأ السعي لتدويل الحلول اللبنانية.

يناقش هؤلاء الأمر كذلك من زاوية ما أنتجه مؤتمر المانحين للبنان، يوم أمس، وقد وصل المبلغ الأولي المجموع إلى 252،7 مليون يورو. وإن كان المجتمع الدولي، وبشكل أساسي فرنسا، قد أوحى بأن لا ثقة بالنظام الحاكم، إلا أن الأخير يرى بأن لا بديل عن الستاتيكو القائم، وقد عبّر عنه بالحديث عن "الجانب الإيجابي" للكارثة التي رفعت الحصار عن لبنان. 

"النظام يعيد تدوير نفسه"

وسط هذه التكهنات، برزت معادلة أخرى وصفها معلقون على وسائل التواصل الاجتماعي بأنها "محاولة النظام لإعادة تدوير نفسه".

فبعدما خرج رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ليقول بأن "الطبقة السياسية أصبحت من الماضي"، مطالباً باستقالة الحكومة وبتحقيق دولي، نقلت وسائل إعلام محلية أن وفد "اللقاء الديمقراطي" (الكتلة النيابية التابعة لحزبه) بدأ يجول على المسؤولين لوضع "معادلة واضحة: إما ان يأخذ المجلس النيابي دوره ويسقط الحكومة، إما الاتجاه إلى استقالة نواب اللقاء الديمقراطي".

وإن كان الأمر يبدو أشبه باتفاق بين جنبلاط وبري، إضافة إلى أبرز أركان النظام اللبناني تاريخياً، لتحميل حكومة دياب المسؤولية منفردة عما جرى، فإن ردود الفعل من لبنانيين كثر علقوا على الأمر باعتباره "محاسبة وهمية"، تساعد هؤلاء على التملص من المسؤولية عن سوء إدارة البلاد لعقود طويلة، في مقابل تحميلها للحكومة المستجدة نسبياً في المشهد اللبناني.

من بين المعلقين، من اختصر الأمر بالقول إنه وفق التركيبة اللبنانية، فالمجالس النيابية مسؤولة كما الحكومات، والأخيرة لطالما كانت صورة متطابقة مع تركيبة البرلمانات.

تبدو في المشهد كذلك الأطراف السياسية وهي تسارع للقفز من المركب السياسي الذي بدأ يغرق، سعياً للتنصل من جريمة انفجار مرفأ بيروت، فقد أعلن عضو "تكتل التغيير والإصلاح" (المحسوب على رئيس الجمهورية) من مقر إقامة رئيس مجلس النواب بأن الحكومة إن لم تستقل اليوم فستُقال الخميس في مجلس النواب.

بدوره، فإن رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع الذي نزل إلى منطقة الأشرفية قبل يومين محاولاً الإيحاء بـ"شعبيته الصامدة" في المدينة المدمرة، قد علّق أثناء لقائه لنواب "الاشتراكي" الوافدين من قبل جنبلاط بأن "اللبنانيين سيسمعون أخباراً جيدة في هذه الأيام السيئة"، مؤكداً على "نظافة كف" جماعته.

لا أسف على الحكومة الحالية، واستقالة الوزراء لا تعني براءتهم من الدم. كان لسان حال الكثير من اللبنانيين الذين نزلوا إلى الشارع في اليومين الماضيين، وواجهوا قمعاً عنيفاً من القوى الأمنية التي لم توفر القنابل المسيلة للدموع ولا الرصاص المطاطي الذي صُوّب إلى الرؤوس مباشرة وأوقع العديد من الإصابات. كان ثمة مواجهة شديدة القمعية لكل من حاول الاقتراب من مقر رئاسة البرلمان.

لا أسف على الحكومة الحالية التي أشارت تقارير إلى معرفة رئيسها المسبقة كما رئيس الجمهورية بوجود 2750 طناً من نيترات الأمونيوم في المرفأ في ظروف خطرة، ولم تتحرك بأقصى سرعتها. لكن اللبنانيين الذين خبروا نظام الفساد المستفحل لعقود، يدركون جيداً أن المسؤولية لا تتحملها الحكومة الحالية منفردة، بينما يحاول النظام بأساليبه المعتادة الإيحاء بذلك.

بعد الإعلان عن اتجاه دياب لتقديم استقالته، وسعي الطبقة الحاكمة تاريخياً لتحييد نفسها، تزداد المخاوف من أن تمر التسوية على أجساد الضحايا والجرحى والمفقودين وكل لبناني متألم، ومن أن تدفن معها حقيقة ما جرى في المرفأ وكل آليات محاسبة المتورطين الفعليين

الكل مسؤول. هذا ما ردّده اللبنانيون الذين نزلوا إلى الشارع، معلقين "مشانق" رمزية لكل رموز الكيان الحالي، وهذا ما كشفته تحقيقات استقصائية (قام بها بشكل أساسي الصحافي رياض قبيسي في "قناة الجديد") عن تبعية موظفي المرفأ والمسؤولين عنه للعديد من الأحزاب السياسية وبشكل أساسي "حركة أمل" و"حزب الله" و"التيار الوطني الحر" و"المستقبل".

في اليوم السادس بعد الانفجار، اقتصرت التوقيفات على مدير عام الجمارك بدري ضاهر، والمدير العام السابق للجمارك شفيق مرعي، ومدير مرفأ بيروت حسن قريطم على ذمة التحقيق، فضلاً عن موظفين آخرين. هؤلاء، وإن كانت ملاحقتهم خطوة بديهية بعد المشهد الكارثي في بيروت، إلا أن المخاوف تزداد من نجاح الطبقة الحاكمة، طبقة أمراء الحرب الأهلية التي تستمر بالحكم منذ التسعينات مضافاً إليها "حزب الله" المتهم بحماية الفساد والتحكم بمفاصل الأمور في البلاد، في تحميل الحكومة الحالية المسؤولية كاملة.

تزداد المخاوف من أن تمر التسوية على أجساد أكثر من 150 ضحية سقطوا في الانفجار وآلاف الجرحى والعديد من المفقودين مضافاً إليهم ذاكرة المدينة وتراثها. تزداد المخاوف من أن تدفن التسوية معها حقيقة ما جرى في المرفأ وكل آليات المحاسبة للمتورطين بشكل مباشر وغير مباشر، من أعلى الهرم إلى أسفله.

يحصل ذلك، في وقت لا يزال الشارع يرزح تحت وطأة الصدمة، يملؤه الغضب من دون أن يكون قد نجح منذ انطلاق التظاهرات في 17 تشرين الأول/ أكتوبر وفي ظل الانهيار الاقتصادي المتسارع من تشكيل أطر سياسية للمواجهة، بينما يتصاعد التجييش الطائفي والاتهامات المتبادلة التي تتقن أحزاب السلطة جيداً اللعب عليها لصالحها.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image