شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
نحن في بيروت لسنا بخير

نحن في بيروت لسنا بخير

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 5 أغسطس 202004:07 م

أكتب والدموع تنهمر من عينيّ، أبكي وطني الجريح، أبكي "ستّ الدنيا" التي تئنّ تحت أوجاعها، هي التي كانت تنبض بالحياة والألوان وأصبحت اليوم "مدينة أشباح" لا تزال تحصي قتلاها وجرحاها، وصدى أصوات المفجوعين/ات لا يزال يتردد في الأجواء الملبدة بالنار والدخان...

حالي كحال جميع اللبنانين/ات الذين يعيشون في ازدواجية لا مثيل لها، فنحن اعتدنا الأرق وقررنا ألا ننام ملء جفوننا خوفاً من الكوابيس، ولكننا في الوقت نفسه نتقلّب في فراشنا، لا نريد أن نستفيق خوفاً من كابوس جديد و"مصيبة" جديدة، تدفعنا إلى لملمة أهوال اليوم الفائت وتوديع أحبائنا وخسارة أحلامنا، على غرار ما حصل في الأمس.

كيف ننام وهناك أشخاص خسروا بالأمس أحباءهم، "شهداء" بالمئات سقطوا على مذبح دولة لم تهتم بهم ولا بمعايير سلامتهم، فاكتفت بإعلان الحداد العام على أرواحهم البريئة؟

أرواحنا وأرواح من نحب ليست "لعبة" في أيديكم الملطخة بالدماء والإجرام وضمائركم "المنكوبة"

كيف نغلق عيوننا وأهلنا يهيمون في الشوارع بحثاً عن ذويهم المفقودين، ولا يعلمون ما إذا كانت هناك يد ستتحرك من بين الركام، أو صوت خافت سيُسمع وسط ضجيج الموت وصرخات المقهورين/ات؟

كيف ننام وهناك آلاف الأصدقاء الذين خسروا كل ما يملكون، انهارت بيوتهم أمام أعينهم وتحولت إلى رماد وفتات حجارة وزجاج؟

بصراحة، تمنيت لو كان بإمكان عتمة الليل أن تبقى إلى ما لا نهاية، لأن المشهد في الصباح سيكون أكثر وجعاً وأكثر حزناً، بخاصة عندما "تفضح" خيوط الشمس جميع الأضرار التي لحقت بالنفوس وبالحجارة.

وبالفعل، بدأ صباح الجنازات من البيوت البيروتية، ومن الشرفات التي تمكنت من الصمود بوجه هذا الجريمة المأساوية، وشرع المواطنون/ات في تفقّد خسائرهم بغصة، وهم على يقين بأن ما من أحد قادر على تضميد جراحاتهم، بلسمة جروحهم وتعويض الأضرار.

كلنا في لبنان جرحى، وكل واحد منّا "مشروع شهيد". بيننا وبين الموت "شعرة"، فللأسف نحن شعب محكوم عليه انتظار الموت في كل لحظة، ومن حالفه الحظ ونجا جسدياً من براثن الموت في الأمس، "دفن" قلبه إلى جانب كل شهيد.

نحن لسنا بخير، فالوطن وكل ما فيه يؤلمنا، لم تعد قلوبنا تحمل هذا الكمّ من الحزن والقهر والذل.

كيف نغلق عيوننا وأهلنا يهيمون في الشوارع بحثاً عن ذويهم المفقودين، ولا يعلمون ما إذا كانت هناك يد ستتحرك من بين الركام، أو صوت خافت سيُسمع وسط ضجيج الموت وصرخات المقهورين/ات؟

ما حدث لبيروت الجريحة ليلة أمس كان كارثياً، وأشبه بفيلم "رعب" طويل بدأ قرابة الساعة السادسة مساء، ولم نتمكن من فهمه حتى الآن. كنّا نهرول من مكان إلى آخر ونسأل: شو عم بيصير؟ شو هيدا الصوت؟ هزة؟ قصف؟ انفجار؟ من دون أن يتمكن أحد من إخبارنا عن مصدر العصف الهوائي، وسبب هذا الزلزال الذي كان تحت أقدامنا.

لقد شُبّه الانفجار الهائل الذي وقع في مرفأ بيروت بانفجار "هيروشيما"، فقد وصل صوته إلى قبرص، وتخطى عدد الجرحى الـ 4000، أما عدد الضحايا فمن المرجح أن يتخطى الـ 100 شهيد.

وأمام هول الفاجعة، تعددت الروايات والسيناريوهات، وفتحت الشاشات هواءها للمحللين و"المطبّلين"، فالبعض تحدث في البداية عن انفجار عند مدخل "بيت الوسط" كان يستهدف الرئيس سعد الحريري، قبل أيام من صدور قرار المحكمة الدولية في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، والبعض أكد أنه "صاروخ إسرائيلي" يهدف لتوجيه رسالة قوية لحزب الله، والبعض الآخر اكتفى بالقول إنها "مفرقعات"، وهو مصطلح أثار غضب الكثيرين: هل يعقل أن تحول المفرقعات بيروت إلى مدينة "منكوبة" وتحدث كل هذا الدمار والخراب والأذى؟

لن ننغمس في لعبة التكهّنات ونرمي الاتهامات جزافاً، ولكن من الواضح كعين الشمس أن من يتحمل مسؤولية ما حصل هو دولتنا اللبنانية، التي أقل ما يُقال عنها إنها دولة فاشلة، مهملة، "بلا مخ" و"لا ضمير".

دولة "بوليسية" تقمع الأصوات المعارضة وتمتهن لعبة الفساد من رأسها حتى أخمص قدميها، وكان آخر فصولها ترك أطنان من المواد المتفجرة منذ العام 2014، في مرفأ بيروت الذي يشكل "الشريان" والرئة الاقتصادية للبنان، من دون وجود أي تبرير لهذا الاستهتار بحياة مدينة وشعب بكامله.

حكومات متعاقبة لم تنجح سوى في مهمة واحدة: أخذ صورة تذكارية ببدلاتها وكرافاتاتها وابتساماتها المصطنعة، وكأنها تحاول إثبات وجودها بشكل ما، إلا أنها لا تدرك أن صورها مدعاة للسخرية، وينقصها مظلة كبيرة لحماية رؤوس أعضائها من البصاق والشتائم

للأسف، عند كل فاجعة تحلّ على الشعب اللبناني، لا يفلح حكامنا سوى بالاستنكار، الاستهجان، تنكيس الأعلام والوقوف دقيقة صمت حداداً على الأرواح التي سقطت على مذبح الوطن. مسؤولون لا يجيدون شيئاً سوى تشكيل لجان غير قادرة على الحلّ والربط، حكام يدرسون ملفاتهم جيداً، ليس بهدف الإصلاح، إنما للتنصّل من مسؤولياتهم ورمي الاتهامات على الأطراف الأخرى.

لعنة الله عليكم، لقد جردتم لبنان من عاصمته ودمرتم "ست الدنيا" بإهمالكم، نتقيّأ منكم قرفاً، ولن نسكت على هذه الفاجعة التي أثارت ذكريات أليمة في نفوس اللبنانيين، وأعادتهم إلى زمن الحرب الأهلية والجثث المتراكمة تحت الأنقاض. لا، لن نسكت بعد اليوم على غبائكم واستهتاركم، فأرواحنا وأرواح من نحب ليست "لعبة" في أيديكم الملطخة بالدماء والإجرام وضمائركم "المنكوبة".حكومات متعاقبة لم تنجح سوى في مهمة واحدة: أخذ صورة تذكارية ببدلاتها وكرافاتاتها وابتساماتها المصطنعة، وكأنها تحاول إثبات وجودها بشكل ما، إلا أنها لا تدرك أن صورها مدعاة للسخرية، وينقصها مظلة كبيرة لحماية رؤوس أعضائها من البصاق والشتائم. لا تخافوا أيها الساسة من أن تذهب جهودكم سُدى، فأنتم ستدخلون التاريخ من بابه العريض تحت عنوان واحد: الفشل.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image