"حرية التعبير"، يتم تداول هذه العبارة كثيراً في الآونة الأخيرة، ففي بلادنا يحتاج التعبير إلى حرية تبرّره. لن أتحدث عن العنوان العريض لأن فروعه كثيرة، لكنني سأتناول مسألة حرية التعبير في "بلد الحريات" لبنان.
في ظلّ المصائب والأزمات وقصص الفساد التي لا تحصى ولا تعد، سرقات من كل حدب وصوب، صفقات مشبوهة قذرة، مشاريع إفقارية انتهازية، اجتماعات سرية وعلنية، مؤتمرات، تصريحات ومواقف وقحة أضحت مكشوفة للعيان، فقط لحفظ ماء الوجه وإسكات الشعب… يُطلب منك أن تخرس.
تُسرق، تُذل، تُهان، تخسر عملك، تجوع، تمرض وتموت... لكن ممنوع أن ترفع الصوت، ممنوع أن تتعرض لشخص فلان، ممنوع أن تشتم، ممنوع أن تعرض الوقائع والبراهين، ممنوع أن تدافع عن نفسك، ممنوع أن تتظاهر أمام مقرّ من سرقك وأهانك، وهو لا يزال ينعم برفاهيته المعهودة كما لو أن شيئاً لم يحصل. ببلد الحريات، حتى حريتنا يسعون لسرقتها.
تُسرق، تُذل، تُهان، تخسر عملك، تجوع، تمرض وتموت... لكن ممنوع أن ترفع الصوت، ممنوع أن تشتم، ممنوع أن تعرض الوقائع والبراهين، ممنوع أن تدافع عن نفسك، ممنوع أن تتظاهر أمام مقرّ من سرقك وأهانك، وهو لا يزال ينعم برفاهيته المعهودة كما لو أن شيئاً لم يحصل
لكن غريب كيف يتوقّع، أهل الساسة الفاسدون، أن ممارسة أساليبهم الزائفة مثلهم، يمكن أن تخيف الشعب ويسكت.
تخيّلوا أن تهديدهم العلني وصل بأحدهم إلى التهديد المباشر والصريح بالقتل، فقد عبّر أحدهم، بتصريح متلفز، أنه لا يجوز احترام من يتظاهر أمام منزل أهل الحكم، وأن على القوى الأمنية أن "تقوّس عليهم"، بمعنى تطلق النار على المتظاهرين، فقط لأنهم يريدون التعبير عن سخطهم إزاء سرقتهم وإيصالهم الى حافة الموت البطيء.
يضربون ويشتمون كباراً وصغاراً، فتيات ونسوة، يكسرون السيارات، يسرقون الهواتف والكاميرات، يمنعون التصوير والإعلام... كل ذلك بهدف القمع، الترهيب، إسكات الشعب واستكمال خططهم الفاسدة.
ببلادنا يعتبرون "العلم اللبناني" في بعض المناطق تعدياً، تخيّلوا أن أزلام ومرافقي أحد الشخصيات الكبيرة، أوقف سيارة عليها العلم اللبناني خلال مسيرة سلمية، قائلاً: "هنا ممنوع حمل العلم اللبناني". تخيلوا أنهم يستعملون الحرس والقوى الأمنية التي من واجباتها حفظ أمن المواطنين، لترهيب المواطنين، بضربهم وشتمهم وو..
في بلادنا، حتى التعبير على وسائل التواصل الاجتماعي يحتاج إلى رقابة. عشرات، إن لم نقل مئات، من الشبان والمواطنين، تلقوا دعوات في الآونة الأخيرة من الأمن العام، بسبب تغريدة أو منشور عبّروا فيه عن موقفهم بعد سرقتهم، تهجيرهم وتجويعهم.
ببلد الحريات، يريدون سلبنا الشيء الوحيد المتبقي لنا: الحياة، فما قيمة الحياة إن كانت مرهونة لأمر جماعات وأفراد تخيفهم الحرية، لأنها الوحيدة القادرة على كشف حقيقتهم وإنهاء زعماتهم؟
هذا فضلاً عن رسائل التهديد المبطن والمباشر التي تُرسل من قبل جماعات وجمهور أهل الساسة، لإسكات الأفواه، وإجبار كل من نشر أو عبّر عن رأيه بحذف المنشور وإلّا...
ببلد الحريات، يريدون سلبنا الشيء الوحيد المتبقي لنا: الحياة، فما قيمة الحياة إن كانت مرهونة لأمر جماعات وأفراد تخيفهم الحرية، لأنها الوحيدة القادرة على كشف حقيقتهم وإنهاء زعماتهم؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...