فرض الانقسام السوري الحالي نفسه بقوة كتحدٍ إضافي لخطط إعادة الإعمار نظرياً وعملياً. وإذ ينقسم الكثير من السوريين والسوريات حالياً بصدد أية مسألة وبشأن كل قضية، نشهد غياب التقييم الموضوعي، حيث يبني المنقسمون أحكامهم من خلفيات سياسية أو تحزّب مسبق يحول دون قبول أي فكر مخالف، بل يتم تعليبه وتصنيفه في إطار المواقف المسبقة على الفور.
وفي إطار خلق رؤى قانونية مستقبلية للدولة السورية، يحاول مشروع "برنامج الشرعية والمواطنة في الوطن العربي"، التابع لوحدة أبحاث الصراع والمجتمع المدني, في كلية لندن للاقتصاد والعلوم والسياسية LSE، عبر أوراق بحثية تهدف لدراسة قضايا محورية في بناء الشرعية والديمقراطية وتشكيل الهوية في سوريا من منظور دستوري، وذلـك للخروج من واقع الانقسامات هذا، بإجراء مسح تاريخي لتطور التعامل مع هـذه القضايا في الدساتير السورية المتعاقبة، منذ أول دستور سوري أنجز عام 1920 وحتى يومنا هذا.
وكجزء من هذا المشروع، نشر البرنامج بحثاً للدكتور إبراهيم دراجي، أستاذ القانون الدولي، بعنوان "المحكمة الدستورية في الدساتير السورية، قراءة قانونية تاريخية مقارنة، يوليو 2020". يطرح فيه رؤية قانونية لمحكمة دستورية سورية مستقبلية "تلبي تطلعات السوريين والسوريات كافة، وتنصف الجميع دون إقصاء، وتفتح أبوابها للكل دون تمييز"، كما يَعِد البحث. فمن شأن إرساء حكم دولة القانون الإسهام ببناء سوريا، التي تنتظرها عملية إعادة إعمار "لا ينبغي أن تقتصر على الحجر، ولا تتوقف عند حدود البشر، بل تطال مفاصل الدولة ومؤسستها كلها، وفي مقدمتها المحكمة الدستورية بطبيعة الحال"، بحسب دراجي.
يطرح أستاذ القانون الدولي ابراهيم دراجي في بحثه "المحكمة الدستورية في الدساتير السورية" رؤية قانونية لمحكمة دستورية سورية مستقبلية تعد بأن تلبي تطلعات السوريين والسوريات كافةً وإنصاف الجميع دون استثناء
في معرض ذكر الدكتور دراجي للصعوبات التي اعترضت البحث، تطرّق إلى صعوبة جمع المعلومات حول الدساتير السابقة بسبب الافتقاد إلى التوثيق في سوريا، وفي حوار خاص مع رصيف22 أكد على أهمية هذه المسألة خاصةً وأننا برأيه "اعتدنا أن نتعامل مع غياب المعلومات المُوثقة، عن الدستور أو غيره، على أنها حقيقة ثابتة وراسخة وستستمر أيضاً، وهذا خطأ كبير".
وأوضح أن توثيق المعلومات من جهة وإتاحتها للجمهور وتداولها من جهةٍ أخرى ينبغي أن تكون حقاً متاحاً للجميع لأن "جزءاً من شرعية أي دستور هو مساره الإجرائي والمشاركة الشعبية والمجتمعية في ذلك المسار، ولتحقيق ذلك ينبغي أن تتوفر للجمهور معلومات كافية عن النصوص التي يتم النقاش حولها، وما هي خلفيات هذا النقاش وأبعاده، وبناء على ذلك، يحق لكل إنسان أن يحدد موقفه من ذلك الدستور، سواء لجهة التصويت لصالحه أو ضده. لكن كيف يمكن تحديد ذلك إذا كانت تلك العملية تتم في غرف مغلقة وبشكل أشبه بالسري؟".
وبالتالي، يذكر دراجي أن عملية التوثيق، ضمن هذا السياق، "ترتبط بحق الإنسان في المعرفة، وحقه في الحصول على المعلومة، وكذلك حقه في المشاركة في الحياة السياسية والعامة، وكل ما سبق من حقوق الإنسان الأساسية المنصوص عليها في العديد من المواثيق ذات الصلة".
ما هي المحكمة الدستورية وما أهميتها؟
تعرّف المحكمة الدستورية بأنها سلطات قضائية أنشئت بشكل خاص وحصري في النزاع القضائي الدستوري، وهي خارج الجهاز القضائي العادي ومستقلة عنه كما عن السلطات العامة، ويعود تأسيس هذه المحاكم بصيغتها الحديثة إلى النموذج النمساوي أو الأوروبي للعدالة الدستورية، حيث ظهر هذا النموذج في عام 1920 مع المحكمة الدستورية العليا في النمسا.
يشير دراجي إلى ضرورة التمييز بين المحاكم الدستورية والمحاكم العليا؛ فالمحاكم الدستورية، بوصفها أجهزة دستورية، ليست محاكم عليا، وهي ليست من الجهاز القضائي العادي، كما أنها ليست على قمة الصرح القضائي، وليس لها أي رباط عضوي أو بنيوي بالمحاكم العادية، وهي لا تستعين فيما يختص بأجهزتها، بأجهزة تلك المحاكم.
ابراهيم دراجي لرصيف22: بالنسبة لأي دولة تُوجد فيها تعددية سياسية فعلية، فإن المحكمة الدستورية هي معركة دستورية بين أطراف متنوعين، منهم الأحزاب والقوى السياسية، المشرعون الدستوريون ورجال القانون، جماعات الضغط وقوى المجتمع المدني، والصحافة والاعلام. هذه الأطراف تدخل عادةً بمعركة سياسية حقوقية حقيقية أثناء صياغة النص الدستوري، لأجل تضمينه المواد التي ستُوجه المحكمة بالمسار الصحيح من وجهة نظر كل طرف
كما أنها في الواقع ليست مؤلفة بالضرورة من قضاة، بالمفهوم الوظيفي، وصلوا إلى هذا المستوى في نهاية خدمتهم عن طريق منظم وتدريجي، وذلك خلافاً للمحاكم العليا التي هي سلطة قضائية وضعت على قمة صرح قضائي، يتبع لها مجموعة من المحاكم التي تؤلف هذا الصرح.
يمكن توضيح أهمية المحكمة الدستورية من خلال ما تكشفه الممارسات والتجارب الدولية عن دورها كحامية للدستور وسيادة القانون. كما تؤدي دوراً مهماً في ضمان تطبيق القانون بشكل عادل ومتساوٍ على الجميع. أما عن الدور الذي تقوم به المحكمة الدستورية على صعيد حماية الحقوق الفردية، فهي النقطة التي يضيء عليها البحث في ظل تجاهلها الشعبي والدستوري والقانوني.
فمن شأن المحكمة أن تسعى إلى تحقيق التوازن بين حقوق الأفراد والجماعات، حقوق الأكثرية والأقلية وتوفير منصة للمواطنين، سواء على الصعيد الفردي أو الأقليات على الصعيد الجماعي، تمكنهم من رفع الشكاوى في حال انتهاك حقوقهم المحمية دستورياً. و تعتبر "الملاذ الأخير الذي يفترض أن يلجأ إليه كل من مُسّت حقوقه الدستورية وعجزت وسائل التقاضي العادية عن إنصافه"، بحسب ما يشير إليه البحث.
كما يمكن أن تساهم المحاكم الدستورية بشكل كبير في الفصل بالنزاعات التي يمكن أن تنشأ، حيث تعتبر قرارات المحكمة الدستورية بمثابة القرار النهائي لحسم أي نزاع أو خلاف، وذلك عندما تبين مدى دستورية النص القانوني أو التصرف محل الخلاف. وبذلك تحول المحكمة الدستورية دون تحول الخلافات السياسية أو القانونية إلى نزاعات طويلة الأمد بشكل يهدد استقرار عمل مؤسسات الدولة وسلامته وانتظامه، وهو ما يعتبر أمراً عاجلاً في حلّ النزاع السوري القائم حالياً.
تاريخ المحاكم الدستورية في سوريا
بالرغم من أن دستور عام 1950 يعدّ البداية الحقيقية لإنشاء المحكمة الدستورية العليا في سوريا، وقد منح المحكمة صلاحيات واسعة، إلا أن أول نصٍّ دستوري على إقامة المحكمة "العليا" كان في مشروع دستور 1920، الذي أدخل إلى المنظومة القانونية والدستورية مفهوم "المحكمة العليا" في وقت مبكر من تأسيس الدولة السورية، برغم اقتصار مهامها على محاكمة بعض الوزراء والمسؤولين، دون أن تتمتع بدور رقابي. وتجدر الإشارة هنا إلى أن المحكمة في أول تأسيسها عرفت باسم "المحكمة العليا"، وسميت لاحقاً في دستور 1973 باسم المحكمة الدستورية.
حدد مشروع دستور 1920 عدد قضاة المحكمة العليا بستة عشر عضواً، وقد استخدم عبارة أن هذه المحكمة "تتألف عند الحاجة" بمعنى أنها لم تكن هيئة ذات طبيعة وصفة دائمة. يشير دراجي إلى أن ذلك ربما يعود إلى طبيعة المهام الموكلة للمحكمة، والتي اقتصرت على البعد الجزائي لمحاكمة بعض المسؤولين إن اقتضت الحاجة لذلك، دون أن يكون لها دور رقابي دستوري أو أية مهام أخرى. بالمقابل حدد دستور عام 1930 عدد قضاة المحكمة بخمسة عشر عضواً، بينما أقر دستور 1950 أن تؤلف المحكمة العليا من سبعة أعضاء.
يعد الدستور السوري لسنة 1950بدايةً لمفهوم رقابة حقيقية مارستها المحكمة الدستورية بموجب صلاحياتها الواسعة آنذاك ومنها محاكمة رئيس الجمهورية وعزله
وقد شكل دستور 1950 بدايةً لمفهوم رقابة حقيقية مارستها المحكمة الدستورية بموجب صلاحياتها الواسعة آنذاك. وكان تحديد عدد قضاة المحكمة قد حظي بنقاشات حادة أثناء اجتماعات اللجنة التأسيسية لصياغة هذا الدستور، إذ إن المسودة الأولى له كانت قد حددت عدد القضاة بتسعة أفراد، لتعزيز قدرتهم على أداء الاختصاصات المناطة بالمحكمة ومن ضمنها القيام بأعباء القضاء الإداري، كما يشير دراجي.
لكن أدت المناقشات اللاحقة والجدل حول اختصاصات تلك المحكمة إلى المطالبة بتقليص عدد القضاة، وهو ما عبر عنه على سبيل المثال، أكرم الحوراني، سياسي سوري من مؤسسي الحزب العربي الاشتراكي، حيث قال: "إن مهمة المحكمة أصبحت بسيطة جداً ولا تستوجب إبقاء تسعة أعضاء لهذه المحكمة لمحاكمة رئيس الجمهورية والوزراء، فمحاكمة رئيس الجمهورية مثلاً، ربما لا تقع في مئة سنة مرة، وهذه المحاكمة المهمة والخطيرة يندر وقوعها".
وبناء على عدة تداولات واقتراحات تم التوافق على تحديد عدد القضاة بسبعة، وهو النص النهائي الذي اعتمده دستور 1950. وهو نفس العدد الذي اعتمد في دستور 1953 ودستور 1962. خلافاً لدستور 1973 الذي استبدل اسم المحكمة العليا بالمحكمة الدستورية، وأقر أنها تتألف من رئيس وأربعة أعضاء. وهو ما استدعى انتقاد هذا الدستور برأي دراجي لأنه "لم يترك للجهات المختصة تعيين زيادة أو نقصان أعضاء المحكمة بما تقتضي مهامها وضرورات عملها".
لجأ الدستور الحالي لسنة 2012 إلى أسلوب جديد في تحديد عدد أعضاء المحكمة، فلم ينص على العدد بدقة، مكتفياً بتعيين الحد الأدنى لعدد القضاة والذي بات سبعة على الأقل، وفقاً للصياغة الدستورية. تاركاً المجال بذلك لإمكانية زيادة عدد القضاة وفق الحاجة وما تتطلبه طبيعة العمل وحجمه. وقد أجاز المشرع الدستوري هنا لجهة التعيين، وهو رئيس الجمهورية، زيادة عدد الأعضاء مهما بلغ، إلى الحد الذي يراه مناسباً.
بيد أن هذا النص سرعان ما تم تعديله بموجب قانون المحكمة الجديد لسنة 2014 والذي نص على أن تؤلف المحكمة من أحد عشر عضواً يكون أحدهم رئيساً، دون أن يتضمن ما يفيد بإمكانية أن يزيد رئيس الجمهورية عدد الأعضاء بموجب مرسوم كقانون 2012.
كما يذكر البحث أن غالبية الدساتير في دول العالم تنص صراحةً على عدد أعضاء المحكمة الدستورية بشكل دقيق غير قابل للزيادة أو النقصان، في حين أن بعض الدساتير العربية تستخدم عبارات غير حاسمة مثل سوريا والأردن بعبارة "على الأقل" أو مصر بعبارة "عدد كاف" دون تحديد دقيق أو ملزم لأعضاء المحكمة. ولدى سؤالنا عن الإشكالية التي تنطوي عليها عدم الدقة، قال الدكتور دراجي لرصيف22: "برغم أن بعض الأراء الحقوقية تجد مبررات لتبني صياغة دستورية غير دقيقة لجهة العدد، وذلك بغية منح مرونة كافية في هذا المجال، وبحيث يتم تحديد عدد القضاة "وفق الحاجة" ودون الالتزام بعدد ثابت ومحدد بدقة، وقد يكون أقل مما هو مطلوب أو زيادة عما هو لازم، وهذا أمر سلبي في كلتا الحالتين".
بيّن دراجي أنه لا يتفق مع هذا الرأي "لأن النص الدستوري ينبغي أن يكون واضحاً ودقيقاً، ففي بعض الدول، وبعض التجارب الدستورية، تمت زيادة العدد أو تقليصه لأجل إحداث أغلبية محددة أو التخلص من أسماء غير مرغوبة. وهو ما يتطلب تحديد دقيق لعدد قضاة المحكمة في نص الدستور ذاته، وهو الاتجاه الذي تبنته غالبية الدساتير المقارنة التي تم استعراضها في الكتاب".
وعما إذا كان قانون 2014 يتلافى عدم الدقة المشار إليها في عدد القضاة، أجابنا دراجي "صحيح أن قانون المحكمة الحالي لسنة 2014 قد حدد عدد قضاة المحكمة بدقّة، لكني لا أعتقد أن هذا يُشكّل ضمانة كافية لتحديد دقيق لعدد قضاة المحكمة، لأن الدستور هو التشريع الأسمى في الدولة، خلافاً لقانون المحكمة الذي هو في مرتبة أدنى من حيث التراتبية القانونية، فضلاً عن إمكانية تعديل قانون المحكمة ببساطة وفي أي وقت، وهو ما يتطلب تبني صياغة دستورية دقيقة لعدد قضاة المحكمة، وتضمين ذلك في نص الدستور ذاته لا في القوانين اللاحقة".
آلية اختيار قضاة المحكمة الدستورية
لا ترتبط آلية اختيار قضاة المحكمة الدستورية بالمعايير الدولية التي تحكم استقلال القضاء، والتي تستوجب أن تتم أية محاكمة من خلال "محكمة مختصة مستقلة حيادية، منشأة بحكم القانون" وحسب، وإنما تبرز دوماً معايير الكفاءة والنزاهة والشفافية في تعيين الشروط الواجب تحققها لشغل هكذا منصب، حيث أوصى مجلس أوروبا بأنه "ينبغي أن تقوم جميع القرارات المتعلقة بالمسار المهني للقضاة على معايير موضوعية، واختيار القضاة على أساس الجدارة، وبالنظر إلى المؤهلات والكفاءة والقدرة والنزاهة". وهذا ما تم تأكيده أيضاً في المادة التاسعة من الميثاق العالمي للقضاة، والذي ذكر بخصوص التعيين أنه "يجب تعيين واختيار القاضي وفق معايير موضوعية وشفافة، على أساس المؤهلات المهنية المناسبة".
وينصّ الدستور الحالي على أن يكون قضاة المحكمة متمتعين بالجنسية السورية وغير حاملين لجنسيات أخرى (خشيةً من غلبة ولاءات خارجية)، وأن يتمتع بالشروط العامة للتوظيف وفقاً لقانون العاملين (الفقرة الأولى، المادة السابعة، القانون 40 لسنة 2004). كما يشترط بالقضاة إتمام سن الأربعين، على إلا يتجاوزوا الثانية والسبعين (وهو ما كان الخامسة والستين في دساتير سابقة). وعلى القاضي أن يكون حائزاً على إجازة بالحقوق من إحدى الجامعات السورية أو ما يعادلها، ومارس العمل القضائي مدةً لا تقل عن 15 عاماً (وهنا أسقط الشرط البديل للعمل القضائي الذي أقر في الدساتير السابقة، وهو أن يكون مارس عملاً وظيفياً حكومياً مدة عشرين سنة على الأقل).
وأخيراً يحظر قانون المحكمة الحالي أن يسمى أعضاء في المحكمة من تربطهم صلة القربى أو المصاهرة حتى الدرجة الرابعة.
وبالمقارنة مع القانون التونسي الخاص بإنشاء المحكمة الدستورية والذي يعتبر من النماذج الجيدة على مستوى المنطقة العربية، لجهة تفصيله الشروط الواجب تحققها في المرشحين للمحكمة الدستورية، سواء بالنسبة للشروط العامة في المرشح أو الشروط الخاصة بالمرشحين القانونيين أو غير القانونيين، يذكر دراجي أن الدستور التونسي ينص على تأليف المحكمة الدستورية من اثني عشر عضواً من ذوي الكفاءة، ثلاثة أرباعهم من المختصين في القانون، الذين لا تقل خبرتهم عن عشرين سنة ومارسوا التدريس الجامعي.
وما يحسب للتجربتين الدستوريتين في تونس والمغرب، هو تفصيل القانون الخاص بالمحكمة الشروط الواجب تحققها في عضو المحكمة وتوضيح ما يحظر على قضاة المحكمة الدستورية إتيانه بشكل حاسم ودقيق.
تمثيل المرأة وحصانة القضاة
يقتصر عدد القاضيات في المحكمة الدستورية السورية في تمثيلها الحالي لسنة 2020، على اثنتين فقط من أصل أحد عشر قاضياً، وقد خلا الدستور وقوانين المحكمة تماماً من أية إشارة إلى ضرورة تواجد المرأة وتمثيلها في عضوية هذه المحكمة، خلافاً للقانون التونسي الذي اقتضى أن يحترم التعيين مبدأ التناصف بين الرجال والنساء. وهي نقطة يتعين تلافيها، برأي دراجي، من خلال النص صراحة، في الدستور وكذلك في قانون المحكمة، الذي يجب أن ينص على التمثيل المتوازن للمرأة في عضوية المحكمة.
كيف يمكن أن تساهم المحكمة الدستورية ببناء وطن حقيقي تسود فيه العدالة، وقيم الحرية والكرامة والمساواة، ويشعر فيه الجميع بمعنى المواطنة الحقيقية، دون أي استثناء أو إقصاء أو تمييز؟
كما يشير البحث إلى الحصانة التي يتمتع بها قضاة المحكمة الدستورية، حيث لا يكون القضاة عرضة للإيقاف أو للعزل، إلا لدواعي عدم القدرة أو دواعي السلوك التي تجعلهم غير لائقين لأداء مهامهم.
مدة ولاية القضاة
يشير البحث أن مدة ولاية القضاة في المحكمة الدستورية لدستور 2012 الحالي هي أربع سنوات، ويجيز المشرع في الدستور السوري لرئيس الجمهورية، وهو صاحب الحق بالتعيين والتجديد وإعادة تسمية عضو المحكمة المنتهية ولايته لعدد غير محدد من الولايات، طالما أنه لم يتجاوز الثانية والسبعين، بينما تنص معظم الدساتير في دول العالم على مدة ولاية طويلة الأمد وغير قابلة للتجديد.
بالمقابل، يذكر دراجي لرصيف22 أن غالبية الدساتير المُقارنة في البحث "تتبنى مبدأ منح القاضي مدّة ولاية دستورية واحدة طويلة الأمد وغير قابلة للتجديد، كما هو الحال في ألمانيا على سبيل المثال، حيث أن ولاية القاضي في المحكمة الدستورية الفيدرالية هي 12 عاماً غير قابلة للتجديد، وفي إيطاليا هي تسع سنوات غير قابلة للتجديد، وفي تركيا هي 12 عاماً غير قابلة للتجديد، وفي المغرب وتونس وفرنسا والبرتغال فإن قضاة المحكمة الدستورية يعينون لمدة تسع سنوات غير قابلة للتجديد.
وعن أهمية هذا الخيار أجابنا دراجي: "سيمنح هذا المحكمة الدستورية الاستقرار والديمومة اللازمة لعملها، ولكن الأهم هو أنها ستساهم بتعزيز حرية واستقلالية القضاة. ذلك أن القاضي يُدرك مسبقاً أنه سيتولى منصبه لمدّة واحدة معقولة لكنها غير قابلة للتجديد أو التمديد، ما يجعله بمعزل عن الخضوع لإرادة السلطة التي قد تسمح بإعادة تعيينه مجدداً، وبالتالي لا يكون تحت رحمة تلك الجهة ولن يكون مضطراً لالتماس رضاها عنه وقبولها به.
في حين أن التعيين المؤقت للقضاة ولمدة زمنية أقصر مع إمكانية التجديد هو أمر سيخلّ بمبدأ فصل السلطات، لأنه سيتيح للسلطة التي تملك صلاحية التجديد إمكانية التأثير على القضاة وأحكامهم، وقد تجعل بعض القضاة ميالين لالتماس رضا تلك الجهات، وهو ما سيخل بمبادئ الاستقلالية والحيادية اللازمة لعمل المحكمة ولضمان فعاليتها ومصداقيتها".
هل يستطيع الأفراد الوصول بشكل مباشر للمحكمة؟
القضية الأكثر حساسية وإثارة للجدل بخصوص المحكمة الدستورية السورية، هي كيفية وصول المواطنين إليها والتظلم أمامها، الأمر الذي سيؤثر على فعاليتها الشعبية والثقة بها
يذكر الدكتور إبراهيم دراجي أن أحد أبرز الانتقادات الشعبية الموجهة للمحكمة الدستورية السورية اليوم هي عدم الإحساس بوجودها، وذلك بسبب عدم القدرة على الوصول إليها والتظلم أمامها. وفيما عدا القضايا الانتخابية، فقد أتاح الدستور السوري وقانون المحكمة نافذة ضيقة للأفراد للوصول إلى تلك المحكمة، فيما تم إقفال الوصول المباشر للمحكمة عبر شكوى أو تظلم يتقدمون به دون تدخل أي طرف ثالث.
والتوصية التي يقترحها دراجي هي تعديل المادة 147 من دستور 2012، وكذلك المادة 39 من قانون المحكمة الدستورية لسنة 2014، بحيث يتم مراعاة تذليل عقبات وصول الأفراد غير المباشر، إلى المحكمة الدستورية. وكذلك تمكينهم من الوصول المباشر للمحكمة، سواء عبر محاكم الدرجة الأولى ابتداءً، وليس عبر محاكم الدرجة الثانية حصراً، أو بعدم منح المحكمة الناظرة بالدعوى سلطة تقديرية مطلقة لإحالة الدفع إلى المحكمة الدستورية.
وقد أكد الدكتور دراجي لرصيف22 أن هذا يحقق هذا مصلحة أكيدة للمواطنين والمواطنات، بأنه "إذا ما طُبق بصورة سليمة مع بقية المقترحات المرتبطة بهذه المحكمة، سيتيح منبراً هاماً للدفاع عن حقوق الأفراد في مواجهة أيّة تصرفات غير دستورية تصدر عن أي من سلطات الدولة".
ويذكر على سبيل المثال، أنه "يتم دوماً الشكوى من وجود قوانين كاملة أو نصوص قانونية متفرقة تتضمن أحكاماً تخالف أحكام الدستور وتمس بحقوق المواطنين والمواطنات المختلفة ويتم تطبيقها، والمس بالحقوق من خلالها، بسبب عدم القدرة على الوصول إلى مرجعية تقر بعدم دستوريتها وتقرر إلغائها أو تعديلها، بما يكفل الحقوق النظرية المجردة التي يتم النص عليها في الدساتير عادة. بالتالي هنا تؤدي المحكمة الدستورية هذا الدور وتسدّ هذه الثغرة والإشكالية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين