شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
معارضون سيجتمعون في السعودية ونظام يشعر بفائض القوة...

معارضون سيجتمعون في السعودية ونظام يشعر بفائض القوة... "الدستور آخر أولويات السوريين"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 3 أكتوبر 201904:55 م

هل مشكلة سوريا اليوم هي مشكلة دستور؟ يُطرح السؤال مجدداً بعد إعلان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، قبل أيام، عن تشكيل اللجنة الدستورية السورية من ممثلين عن النظام والمعارضة والمجتمع المدني بهدف "مراجعة الدستور والتوصل لحل سياسي"، على أن تعقد اللجنة أول اجتماعاتها في جنيف نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل. 

في توقيتها كما في تركيبتها والتحديات الماثلة أمامها، تثير اللجنة تساؤلات بشأن الحلول الممكنة، وهي تساؤلات حاول المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون أن يستبقها بالتعبير عن "تفاؤل مقترن بواقعية"، معتبراً أن "الأخبار السارة هي اللقاء بذاته وجهاً لوجه بين 150 عضواً، 50 للحكومة و50 للمعارضة و50 للمجتمع المدني". 

 واعتبر بيدرسون أن "اللجنة لن تحل أزمة سوريا، لكن الدستور يمكن أن يساعد في تضييق هوة الخلافات داخل المجتمع، وفي بناء الثقة وفتح الطريق أمام العملية السياسية الأوسع". 

أتى كلام بيدرسون بالأمس في وقت تظاهر المئات من الأكراد في مدينة القامشلي، تنديداً بـ"إقصاء" الإدارة الذاتية الكردية عن عضوية اللجنة الدستورية، معتبرين أن من حق "الإدارة" التي تتولى تسيير شؤون مناطق في شمال سوريا وشمال شرقيها- التي تقدّر بنحو ثلاثين في المئة من مساحة سوريا- المشاركة في صوغ الدستور. 

هل المشكلة اليوم هي الدستور؟

قبل الخوض في مسألة تركيبة اللجنة والتحديات الماثلة أمامها، نعود إلى سؤال التوقيت المرتبط بما إذا كانت مشكلة اليوم هي مشكلة دستور.

في هذا السياق، يقول عضو اللجنة الدستورية في وفد المعارضة أحمد طعمة لرصيف22: "التوقيت مناسب لمباشرة عمل اللجنة"، مستدركاً بالقول: "لا نعوّل عليها كثيراً، لكن لا نقلّل من أهميتها".

برأي طعمة الذي تولى رئاسة الحكومة السورية المؤقتة سابقاً، المشكلة في سوريا ذات شقين:

"الأول دستوري إذ يعطي الدستور السوري، سواء العائد لعام 1973 أو لعام 2012، الرئيس صلاحيات شبه إلهية، ولا بد من تقليص تلك الصلاحيات. والثاني تطبيقي حيث نصرّ قبل الذهاب للانتخابات على دستور يتيح بيئة آمنة ومحايدة تضمن عدم تدخل النظام في سير الانتخابات، ويسمح بالعودة الطوعية وفق مقررات الأمم المتحدة، كما يتيح الإفراج عن المعتقلين كجزء من البيئة الآمنة". 

وكان بيدرسون قد ربط التقدم في سير عمل اللجنة الدستورية بـ"التغلب على العديد من العقبات، بما فيها إطلاق سراح السجناء والحد من العنف وانعدام الأمن". 

في المقابل، يرى المعارض السوري ماهر إسبر أن ما يلزم سوريا اليوم ليس دستوراً، وإنما عملية انتقال سياسي بتطبيق من قوى دولية فاعلة مشاركة بشكل مباشر، معتبراً أن "تعذر هذا الأمر وعدم أخذ موقف جذري من مسألة الانتقال، أديا لطرح المبعوث الدولي والمماطلة الروسية والإيرانية والتركية". 

برأي إسبر الذي شارك في العديد من مبادرات تنسيق المفاوضات وتشكيل الوفود واختيار ممثلي المعارضة، فإن "اللجنة الدستورية خيار روسي وتركي وإيراني، أساسه التسويف والتمييع حتى الوصول إلى التمديد لولاية رابعة".

يشرح إسبر رأيه لرصيف22 بالقول: "وفقاً للمبعوث السابق ستافان دي ميستورا أو المبعوث الحالي، كان يُفترض أن تخرج اللجنة الدستورية قبل أكثر من سنة حسب الاتفاق الروسي الأمريكي بإجراء الانتخابات منتصف عام 2021، بعد صوغ الدستور والاستفتاء. لكن حسب التصريحات التي أعقبت الإعلان عن اللجنة، نجد أن النظام يسوّف حتى اللحظة الأخيرة، فهو يطلب مهلاً ودراسة وتمحيصاً، ويضع شروطاً صارمة، حتى يفوّت موعد الانتخابات ويتم التمديد". 

وبحسب الباحث في الشأن السوري عبيدة فارس، فإن "الدستور مهم في أي دولة، ولكنه بكل تأكيد يقع في آخر أولويات السوريين". 

يقول فارس لرصيف22: "المشكلة الأساسية في سوريا هي غياب القانون. ليس القانون ذاته برغم وجود بعض الإشكاليات فيه هنا أو هناك، بل تطبيقه. ومعظم الانتهاكات التي حصلت في السنوات الماضية جاءت بعد إلغاء قانون الطوارئ وإزالة المادة الثامنة من الدستور. وأداء السلطة لم يتغير قبل هذا التعديل أو بعده، لأن أجهزتها لا تأخذ القانون أصلاً في الاعتبار".

ولكن ما الموقف من مجموعات اللجنة؟

يعتبر طعمة، وهو كان رئيس وفد القوى العسكرية السورية إلى أستانة، أن مجموعة المعارضة متفقة على رأي واحد بخصوص القواعد الإجرائية للجنة الدستورية، وستجتمع في الرياض في التاسع من الشهر الحالي، على مدى 6 أيام، لمناقشة بنودها في جنيف. 

مجموعة المعارضة متفقة على رأي واحد بخصوص القواعد الإجرائية للجنة الدستورية، وستجتمع في الرياض في التاسع من الشهر الحالي، على مدى 6 أيام، لمناقشة بنودها في جنيف.

أما بالنسبة إلى مجموعة المجتمع المدني، فيرى طعمة أن فيها شخصيات متوازنة تعوّل المعارضة عليها، لكنه يتفادى الكشف عن أسماء تلك الشخصيات كي لا يتسبّب بهجوم للنظام عليها.

وبشأن مجموعة الحكومة، فـ"ستكون المرة الأولى التي نخاطبهم فيها بشكل مباشر ونجلس معهم، وكلنا أمل أن يكونوا منصفين وأن يأخذوا في الاعتبار مصلحة الشعب السوري"، على قول طعمة. 

وعند سؤاله عن غياب الجانب الكردي عن التمثيل، اعترض طعمة على السؤال معتبراً أن هناك العديد من الأكراد في اللجنة، لكن "أولئك الذين يحملون السلاح وينادون بمشاريع انفصالية، لا مكان لهم لدى صوغ الدستور". 

بدوره، يعتبر فارس أن "اللجنة تتكون من أفراد يمثل معظمهم مصالح دول، أبرزها الدول الثلاث الراعية لمسار الأستانة، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وسيعمل هؤلاء على تعطيل عمل اللجنة إذا لم يحصل توافق بين تلك الدول. وسيكون أي تقدم في عمل اللجنة مؤشراً على تفاهم الدول الثلاث الراعية مسار الأستانة، وربما مع بعض الدول الأخرى".

ويضيف: "تُعاني اللجنة من عدم التجانس والتماثل بين المكونات، فأعضاؤها لا يمثلون المكونات السورية عددياً أو حتى وفق معايير السيطرة والنفوذ، مع غياب ممثلين مباشرين للقوى التي تُسيطر على شمال سوريا وشرقها، كما أنهم غير متجانسين من حيث الكفاية والخبرة".

الرأي نفسه يشاطره إسبر الذي يرى أن "تركيبة اللجنة تعطي النظام ضمان تعطيلها دائماً وأبداً، وهذا يعني أننا لن نصل إلى نتيجة من خلالها… كما لا يوجد تمثيل للمعارضة بعناصر أساسية موجودة فيها". 

ما هي التحديات الماثلة؟

يلفت إسبر إلى قاعدة فقهية قانونية، يرى أن اللجنة الدستورية والراعين لها يتجاهلونها وهي "الإجازة اللاحقة التي لا تقوم مقام الوكالة السابقة".

يشرحها بالقول: "يُفترض قبل صوغ الدستور إجراء انتخابات سورية تختار هيئة تأسيسية لكتابة الدستور، ويُفترض باللجنة الدستورية أن تأخذ بالأصل شرعية سابقة من الشعب السوري لتكتب دستوراً للشعب السوري، تراعي فيه جميع القوى السياسية والاجتماعية في التركيبة السورية، بما فيها الأكراد". 

"طالما لم يُقل بشكل واضح وقطعي من الدول بأن الأسد لن تتم إعادة انتخابه وليس له الحق بالترشح فمعناه أنه باق"... كيف تُقرأ التحديات الماثلة أمام اللجنة الدستورية في جنيف وما المُتوقع منها في نهاية الشهر الحالي؟
"لا معنى لإنتاج دستور جديد، حتى لو كان أفضل دستور في العالم، ما دامت مؤسسات الجيش والأمن والقضاء وإنفاذ القانون دون هيكلة ومراجعة، وما دامت ملفات الانتهاكات السابقة، وخاصة قضايا المعتقلين، بعيدة عن البحث"

ويرى فارس أن "اللجنة تمثل انتصاراً للخيار الروسي الذي كان خلف طرح فكرتها، وعمل بجهد على اختزال السلال الأربع التي كان المبعوث الأممي السابق قد اقترحها بسلة الدستور وحده".

بناءً على ما سبق، يقول فارس: "يُفقد هذا الاختزال مسار الحل السياسي معناه بالكامل، إذ لا معنى لإنتاج دستور جديد، حتى لو كان أفضل دستور في العالم ما دامت مؤسسات الجيش والأمن والقضاء وإنفاذ القانون من دون هيكلة ومراجعة، وما دامت ملفات الانتهاكات السابقة، وخاصة قضايا المعتقلين، بعيدة عن البحث. فالحل السياسي من دون عدالة انتقالية وصفةٌ لإعادة إنتاج النظام المسؤول عن كل العنف الذي حصل، ومحاولة لتأجيل الانفجار المقبل في سوريا".

ومن التحديات الماثلة، ما قاله وزير الخارجية السوري وليد المعلم عن أن عمل اللجنة الدستورية لا يعني وقف العمليات العسكرية، إضافة إلى النقاط الخمس التي أعلنها كمرجعية لعمل اللجنة. 

وكان المعلم، في كلمة ألقاها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أيام، قد تحدث عن 5 نقاط أساسية بشأن اللجنة الدستورية اتفقت عليها الحكومة السورية مع المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا.

والنقاط الخمس هي: أن تتم كل العملية بقيادة وملكية سورية فحسب على أساس أن الشعب السوري هو صاحب الحق الحصري في تقرير مستقبل بلاده من دون تدخل خارجي، عدم المساس بمبدأ الالتزام الكامل والقوي بسيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها، عدم فرض أي شروط أو استنتاجات مسبقة بشأن عمل اللجنة والتوصيات التي يمكن أن تخرج بها، عدم فرض أي مهل أو جداول زمنية لعمل اللجنة، يتمثل دور المبعوث الخاص إلى سوريا في تسهيل عمل اللجنة وتقريب وجهات النظر. 

من جهة ثانية، وفي سياق الحديث عن التحديات، يحضر ربط الروس تزامن إعادة الإعمار مع أعمال اللجنة الدستورية، في وقت يستعد بيدرسون لزيارة الرياض ودمشق لوضع اللمسات الأخيرة على أعمال اللجنة الستورية التي تتشكل من لجنتين منفصلتين، الأولى موسعة وتضم الجميع، والثانية ضيقة تضم 45 عضواً (15 من كل طرف). 

تُضاف إلى ما سبق مطالبة أطراف من المعارضة والمجتمع المدني بضمانات لتحرك أعضاء المجموعات المدنية الموجودة في الداخل، خوفاً من أن يضغط النظام عليهم. 

في ما يتعلق بآلية المفاوضات، يناقش متابعون مرجعية الوفود، ويتخوفون تحديداً من مرجعية الوفد الرسمي وما إذا كان بإمكانه بت الأمور في جنيف أو سيطلب العودة إلى دمشق لمناقشة الاقتراحات، وهذا ما يؤدي إلى مزيد من المماطلة، كما يعتبرون أن الأمم المتحدة مخطئة في عدم وضع جدول زمني. 

وعند سؤال طعمة عن تصريحات النظام ومسألة ترشح الأسد، قال إن المعارضة لا تهتم في هذه المرحلة بما يقوله النظام عن اللجنة الدستورية بل بما تقوله الأمم المتحدة، في حين "تركز مجموعة المعارضة في اللجنة الدستورية على مسألة تقليص صلاحيات الرئيس على أن يتم بت مسألة الترشح قبل موعد الانتخابات"، مستدركاً بالقول: "لكن بالتأكيد لن نقبل أن يترشح مجرم حرب". 

في المقابل، يعتبر إسبر أن الواقع يشي بنقيض ذلك. ويقول: "ما دامت الدول لم تقل بشكل واضح إن الأسد لن تتم إعادة انتخابه وليس له الحق بالترشح، فمعناه أنه باق، هذا ما يعنيه الأمر سياسياً". 

ما المتوقع من اللجنة في نهاية أكتوبر إذاً؟

يرى طعمة أن الإجابة سابقة لأوانها، ويقول: "لن نرفع سقف التوقعات برغم أننا متفائلون. لن تكون المحاولة الأولى أو الأخيرة، لكنها بوابة وفُتحت لنا، ونأمل أن نصل إلى تفاهمات تستطيع أن تنقلنا إلى واقع جديد".

"فلنفترض جدلاً أن الدستور صدر، فمن هي السلطة التي ستقوم بفرض تطبيق هذا الدستور؟ السلطة هي النظام والروس والإيرانيين، أما الأمم المتحدة فلا وجود لها على الأرض"

أما فارس فيعتبر أن اللجنة ستدخل في جولات طويلة قد تستغرق أعواماً (تشبه مسارات جنيف والأستانة المتعددة الجولات)، وستتحول هذه الجولات إلى مجال للاستعراض الإعلامي والسياسي بين الأطراف المختلفة (النظام مقابل أطياف عديدة من المعارضة، ومعارضون للمعارضة والنظام).

سبب استنتاجه هذا هو أن "البيئة الملائمة للحل السياسي في سوريا لم تنضج بعد، فالدول صاحبة العلاقة لم تنته من بناء مشاريعها الداخلية والخارجية، لذا فإنها تحاول ملء الفراغ السياسي، بعد انتهاء مسار جنيف، من خلال مسار سياسي يعكس الخريطة الجديدة للقوى الدولية الفاعلة في سوريا".

وهكذا، يتابع فارس، ستساعد اللجنة الدستورية كل الدول التي ستتوافق على الحل السياسي النهائي في سوريا على منح الصيغة النهائية شرعنةً سوريةً، وتُمكّن هذه الدول من القول إنها تعتمد ما أقره السوريون بأنفسهم فحسب. 

من ناحية ثانية، يعلق إسبر قائلاً: "فلنفترض جدلاً أن الدستور صدر، فمن هي السلطة التي سترفض تطبيق هذا الدستور؟ السلطة هي النظام والروس والإيرانيون، أما الأمم المتحدة فلا وجود لها على الأرض. وفي حال عدم وجود اتفاق واضح على الهيئة التنفيذية للدستور، سيبقى النظام مسؤولاً عن تطبيقه. وهنا نعود إلى نقطة الصفر". 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard