قطعت جائحة كورونا العلاقة بين البشر ومعظم النشاطات، بما فيها المسبح والاستجمام على شاطئ البحر لشهور، قبل أن تعود النشاطات مع مطلع الشهر مرة أخرى، ويتجدد الجدل كعادته كل عام في مصر حول "صراع البيكيني والبوركيني".
لثلاثة أيام تصدر هاشتاغ "المايوه" السوشال ميديا، ليأخذ أسماء مختلفة، تارة البكيني، البوركيني و"المايوه الشرعي".
اختلفت تعليقات نشطاء على السوشال ميديا، هاجم البعض تناول الموضوع من الأساس، بينما ذهبت حسابات أخرى لتدافع عن حقها الشخصي في التعبير، ورأى آخر أن الدفاع عن البوركيني، هو نشر لثقافة "غير متسامحة" من الأساس.
زي كل سنة خناقة المايوه الشرعي والبيكيني في الساحل كلها كلام عن الحريات الشخصية واحترام الآخرين واتهامات بالتمييز...
Posted by Hossam Bahgat on Friday, 17 July 2020
كتب الصحفي الحقوقي، حسام بهجت: "زي كل سنة، خناقة المايوه الشرعي والبيكيني في الساحل، كلها كلام عن الحريات الشخصية واحترام الآخرين واتهامات بالتمييز والطبقية والعنصرية، وزي كل سنة باحب أوي في الآخر اتفق مع كل هذا الكلام، ثم اسأل ايه يا ترى رأيك في كون نفس اليافطة بتقول ممنوع نزول المربيات؟".
أنا دايماً بقول ان الحرية لا تتجزأ.. يعني ما ينفعش أنادي بالحرية الشخصية ورفض الوصاية وبعدين آجي أمنع الحجاب أو...
Posted by Hamed Abdel-Samad on Wednesday, 22 July 2020
ونشر الكاتب الروائي المقيم في ألمانيا، حامد عبد الصمد: "الموضوع دا له بعد تاني، ثقافة الحجاب والبوركيني ليست ثقافة تعايش ولا ثقافة حرية وتسامح، ولكنها ثقافة تأميم جسد المرأة ثم تأميم الشارع والمجتمع عن طريق لباس المرأة".
"في القرية أو المنتجع السياحي فقط يمكن أن أرتدي ما يحلو لي، وضمنياً المايوه البكيني، لإن القرى السياحية مغلقة أمام احتمالية التحرش، المعاكسات أو حتى النظر باستغراب لفتاه بمايوه"
"ألبس البكيني ولا أهتم بالآخرين"
تحكي هبة محمد، موظفة حكومية (30 عاماً)، عن ذكرياتها مع حمامات السباحة، تقول لرصيف22: "أذهب لحمام السباحة حينما أكون في رحلة مصيف خارج القاهرة، اعتدت وأصدقائي استئجار شاليه في قرية متوسطة السعر في الساحل الشمالي بالإسكندرية، فأنا لست عضوة في نادي، ولم أذهب حتى لناد خاص، لإن عضويته مكلفة بالطبع، ففي القرية أو المنتجع السياحي فقط يمكن أن أرتدي ما يحلو لي، وضمنياً المايوه البكيني، لإن القرى السياحية مغلقة أمام احتمالية التحرش، المعاكسات أو حتى النظر باستغراب لفتاه بمايوه".
"أنا أحب الاستمتاع بالمياه والجو والطبيعة، هذا ما أذهب من أجله للمسبح، وعادة لا أكترث لمتابعة الآخرين، فأنا أرتدي بكيني مثلاً، لكن معظم السيدات اليوم يرتدين البوركيني أو المايوه الشرعي، لاحظت صدفة نظراتهم غير اللطيفة أو حواجز المعاملة"، تقول هبة.
انتشرت في مصر مؤخراً ظاهرة "منتجعات اليوم الواحد"، يقضي فيها الأهالي، والشباب والفتيات، نزهة ليوم واحد فقط، ولكن أسعاره ارتفعت عن مستويات دخول الكثير من أفراد الطبقة المتوسطة، مثل "سقارة بالم كلوب"، منتجع من أجل الاستحمام وسط مناطق خضراء، زراعية في الأصل، وكل شيء داخله يخدم المسبح المقسم للكبار والأطفال. تفضل الأسر أن تقضى اليوم فيه، والذي يتضمن وجبة الغداء بين أوقات السباحة والاسترخاء في الشمس، بينما يقبل البعض على بار المشروبات، بما في ذلك تناول الكحوليات، ما يحفظ نوعاً من الحرية والمساحة الشخصية.
وبحسب إدارة استعلامات سقارة، فإن رسوم استخدام المسبح لا تتضمن الأكل والمشروبات، في حين يقدم المسرح المقام على المسبح فقرات موسيقية مجانية.
أما إدارة "نادي محمد علي"، في جنوب القاهرة، فتضيف لكل ما سبق إمكانية المبيت في غرف صغيرة، إلا أن سعرها الذي ارتفع مؤخراً جعل الكثير من الشباب يحجمون عن الذهاب.
في مراكز الشباب التابعة لوزارة الشباب والرياضة، يسبح الشباب والأطفال وأحياناً الكبار، ويخصص عدد ساعات للأولاد وأخرى للبنات، بينما يكتفي الأهالي بالمشاهدة ودفع رسوم تتراوح ما بين 50 و100 جنيه، بحسب صفحة مركز شباب الجزيرة ومركز شباب الطالبية.
ويشتكي ربيع (30 عاماً)، إعلامي مقيم في القاهرة، من مستوى نظافة حمامات تلك المراكز الشبابية، حيث كثيرا ما يذهب ويجد آثار طلاء، وبقايا آخرين، ومياه غير نظيفة، أو متجددة، ويرجع ذلك، في حديث لرصيف22، لانخفاض الرسوم، وعدم الاهتمام سوى بالطبقات الغنية، حيث الأندية الخاصة، والمنتجعات.
في الأحياء الشعبية أيضاً تدفع درجة الحرارة السكان لصنع حماماتهم بأنفسهم، بتدوير الأشياء القديمة أو بشراء حمام بلاستيك سهل التركيب، هذا ما يسهل على الأهالي ترك أبنائهم في المياه القريبة من الشارع أو الحارة، مقابل جنيهات قليلة تناسب دخولهم.
"ينظرون إليّ باستغراب"
ارتداء المايوه في المسبح أصبح أزمة حرية شخصية لمرتادي حمامات السباحة، بسبب الأخلاقيات الاجتماعية التي باتت تغالي في تحفظها مؤخراً في مصر.
ليلى مندور (36 سنة)، مترجمة، تقول لرصيف22: "منذ طفولتي أذهب للنادي الأهلي، ودائماً يوجد يوم للسيدات ويوم للرجال، السيدات يستطعن النزول في يوم الرجال لكن العكس ممنوع".
وتكمل ليلى: "أعتقد ان النادي الرياضي آمن من فكرة "الفرجة على أجساد النساء" بخلاف النوادي الخاصة، أو المنتجعات التي أصبحت تضيق أكثر بسيدة ترتدي مايوه عادياً".
وعن تجربتها في حمام سباحة النادي، تقول ليلى لرصيف22: "أجد السيدات أيضا ينظرون باستغراب للمايوه، وأعتقد أنه أصبح طبيعياً أن يلفت انتباههم هذا الاختلاف، فالمايوه الشرعي "البوركيني" أصبح هو الأساس، لكن الذي لا يكترث سوى لنفسه، وما يخصه، لا ينظر بتحفظ أو استغراب".
الكاتب والشاعر أحمد أبو الحسن (40 عاماً)، أحد هواة ومحبي التردد على حمامات السباحة منذ الصغر، يحكي تجربته لرصيف22: "أنا مرتبط بحمام السباحة منذ صغري، أتذكر في الثمانينيات جواً من الرقي على حمام السباحة في "نادي النهر" في مدينة قنا، حيث كنت أرى الفنان الكبير بحر أبو جريشة، ينزل للمياه معنا".
يكمل أبو الحسن: "آخر مرة ذهبت إلى البسين في نوفمبر الماضي، وكان فندق سوفتيل القريب من منزلي في القاهرة، لأن موقعه يتيح لك مشاهدة النيل".
"طوال الوقت تجد رؤوساً بنظارات سوداء وشورت "إسلامي" تنظر إليك. أنت تعلم أنه ينظر إليك لأنه حتى إن أتت زوجته فتأتي بالنقاب، العباءة أو المايوه الشرعي"
يتحدث أبو الحسن عن التغيرات التي طالت المنتجعات مؤخرا، قائلاً: "أحجمت عن مسبح منتجع اليوم الواحد، بسبب شعوري في آخر مرة أنه أصبح منطقة صيد لسماسرة شركات المليارديرات، كانت نوادي اليوم الواحد مناسبة للفنانين المستقلين في زمن ما قبل الثورة، لأن تكلفتها قليلة، لكن بعد رفع أسعارها أصبحت تجذب شريحة أخرى يستهدفها سماسرة "صيادون" موجودون باستمرار في الزحام على المسبح، يختارون الراغبين في بيع أو استئجار عقارات، حدث معي هذا".
ويرى أبو الحسن أن النزعة الدينية المحافظة باتت تسيطر أيضاً على حمامات سباحة فنادق الخمس نجوم في القاهرة، خاصة أن معظم السائحين من دول عربية لديهم خلفية اجتماعية محافظة للغاية، يقول عن إحدى تلك الحمامات: "تجد حتى الرجال بالشورت الإسلامي، وهم مسيطرون لأنهم نزلاء، فيستخدمون المسبح ضمن حجز الغرف. هذا مقلق بالنسبة لي عندما تكون في وسط هؤلاء الضيوف، خصوصاً في حال كانت معك زوجتك أو صديقتك، فطوال الوقت تجد رؤوساً بنظارات سوداء وشورت إسلامي تنظر إليك. أنت تعلم أنه ينظر إليك لأنه حتى إن أتت زوجته فتأتي بالنقاب، العباءة أو المايوه الشرعي".
وينهي أبو الحسن حديثه بمشهد أثر عليه كثيراً، واعتبره رمزياً للغاية، يقول: "هناك مشهد تاريخي رأيته وقت ثورة يناير في أحد الفنادق التي تشتهر بمسبحها، عندما قيل إنه سيباع لجماعة الإخوان المسلمين، فقد رأيت مجموعة ممن يطلقون على أنفسهم "المواطنين الشرفاء"، يفككون أجزاء حمام السباحة والسراميك والمساند والسلالم المعدنية، بسين مفكك يحملونه إلى سيارات".
بتنهد أبو الحسن، قائلا: "كان بسين شيبرد من أجمل المسابح التي رأيتها".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...