"بس العصمة تكون في إيدي"... عبارة تبدو عادية وطبيعية للغاية إذا جاءت على لسان رجل، لكن مؤخراً، شهد المجتمع المصري جدلاً حول رجال جعلوا العصمة في يد زوجاتهم.
نال العديد من الرجال الذين تنازلوا عن "العصمة"، حق قرار الطلاق، لزوجاتهم، النقد حيناً والمديح حيناً، تماماً كما حدث مع خالد، محاسب (33 عاماً)، الذي تزوج قبل نحو 4 سنوات، حيث كانت العلاقة بينه وبين حبيبته في أفضل أحوالها، وحين طلب منها أن يتقدم لخطبتها، فاجأته برغبتها في أن تكون العصمة بيدها، فقد عانت كثيراً في صغرها، كما أنها طُلقت من قبل بسبب زيجة غير سعيدة، عانت فيها من إذلال الزوج.
"واجهت عائلتي وأصدقائي، وتمسكت بحبي لها".
لم يتردّد خالد كثيراً، بحسب حديثه لرصيف22، حين سمع بتلك الرغبة، وكان عليه أن يواجه رفض عائلته وأصدقائه، إلا أن تمسكه بحبه، وثقته بقراره كانا أكبر من الجميع.
يحكي خالد للمقربين منه كيف أنه عاش حياته أسعد مما تخيل، معيناً لزوجته، داعماً وسنداً لها، رافضاً الطريقة النمطية التي يتعامل بها الرجال مع زوجاتهم، يقول: "بغسل لمراتي المواعين، وساعات بطبخ كمان، هي الحياة مش مشاركة، ولا أنا متجوز غسالة؟".
"الزوجات باحثات عن الاستقرار"
خالد لم يكن وحده الرجل الذي خالف السائد، يشاركه يوسف، كاتب وقاص (29 سنة)، الرجل الذي اختار طوعاً أن تكون العصمة في يد زوجته، ويصرّ على أن يورث فعلته لأبنائه.
يحكي يوسف لرصيف22: "تزوجت منذ 3 أعوام، وحين ذهبت إلى خطبة زوجتي، فوجئ والدها بأني أطلب منه أن تكون العصمة في يدها، بالطبع لم يندهش أحد من أسرتي، لأني ذهبت بمفردي، فأنا يتيم الأب والأم".
"بالنسبة للرجال المعارضين لفكرة أن تكون العصمة في يد الزوجة، أسألهم ما قولكم في سيدات هي اللي بتصرف على نفسها، وعلى جوزها، بطلوا تفكروا بنصكم التحتاني"
يرى يوسف أن "العصمة" في يد الزوجة "آمن وأضمن"، ويضيف قائلاً: "رغم أن الكثيرين يتخوفون من أمر كهذا، لكن بالنظر إلى حالات الطلاق سنجد أن أغلبها وقعت بسبب الرجال، وخصوصاً أن الشباب دلوقتى متهور، وغير قادر على تحمل المسؤولية، الواحد منهم يزهق يروح يرمي على مراته يمين الطلاق، إنما السيدات أكثر بحثاً عن الاستقرار، وأكثر تمسكاً بمبدأ وحدة الأسرة، كما أني من نوع الرجال إذا طلبت مني زوجتي أن تحصل على الطلاق فلن أسألها من الأساس لماذا طلبت طلباً كهذا، بل سأفعل ذلك فوراً، لأن طلب كهذا يعني أنها لم تعد تحتمل الحياة معي، وطبعاً لا يمكن أن أكمل معها حياتي طالما أنها لم تعد تريدني".
وافق تامر، مدرس، هو الآخر أن يتنازل عن "العصمة" للفتاة التي أحبها عندما طلبت منه ذلك، بعد أن صارحها بحبه طالباً الزواج.
يبرر تامر طلب زوجته بأنها عانت من الزواج لمرتين ولم تنجح، وكانت متخوفة أن ينتهي زواجها معه بنفس الطريقة، يقول لرصيف22: "لأني أحبها وافقت ولم أتردد، طالما أننا معاً فلا أرى أزمة أن تكون العصمة في يدها أو يدي.. عادي".
"الكل ينظر لنا باحترام ويقدر تجربتنا".
أما بخصوص نظرة المحيطين بهما، فتابع: "لم تتغير، علاقتنا بالزملاء في المدرسة، يسودها الحب والتفاهم، والكل ينظر لنا باحترام ويقدر تجربتنا".
ولايزال يلقى تنازل الرجل عن "العصمة" للزوجة، خاصة في ظل مشروع قانون جديد مثير للجدل يجعل من "العصمة" مشاركة بين الطرفين، جدلاً واختلافاً واسعين، حتى بين النساء، فبعضهن لازلن يرين أن المرأة "عاطفية، ويمكن في أي لحظة غضب أن تطلق نفسها"، كما تقول ميس سامي، خريجة جامعية، لرصيف22، وهي سردية يتبناها الكثير من الذكور في مصر.
وتختلف رنا عادل، طالبة بكلية التجارة، مع ميس، وتقول لرصيف22: "وما المشكلة في أن تكون العصمة في يد الزوجة، الستّ زيها زي الراجل، والمساواة حق مشروع لها، شوفوا تونس، الستات فيها وصلت لأيه وخدت حقوقها إزاي؟".
وترى داليا الصاوي، طالبة في كلية رياض الأطفال، أن في موقف النساء المتمسكات بالعصمة منطقاً كبيراً، تقول لرصيف22: "أكيد لديهن مخاوف، من عدم تمكنها من الحصول على حريتها مع زوجها، خاصة إذا أصبحت العلاقة مستحيلة، ورغبت في الطلاق، وهو طلب مشروع".
"نجحنا وبنصرف على أزواجنا"
يرى الأخصائي النفسي محمد حافظ، أن "لكل زيجة قواعدها الخاصة، وعلى المجتمع أن يترك كل من يخالف قواعده في حاله، بدلاً من الانشغال بفلان الذي ترك العصمة في يد زوجته فلانة".
ويحلل حافظ موقف الزوجة النفسي من طلبها لـ"العصمة"، قائلاً لرصيف22: "المرأة التي تبقي العصمة في يدها تشعر بمزيد من المسؤولية بعد الزواج، وهو الأمر الذي يؤثر عليها، ويؤدي إلى مزيد من التوتر والقلق، خوفاً من أي رد فعل غاضب قد يقضي على حياتها بالكامل، رغم أن الأمر لا ينطبق على كل الحالات، فهناك زوجات يشعرن باستقرار إذا كانت العصمة في يدهن، ومثل هؤلاء تبقى أزمتهن الحقيقة في تجاوب المجتمع معهن، لأنه إذا وجدت نفسها في مرمى الإدانة فقد تقرر إنهاء الزواج سريعاً، أما إذا وجدت الدعم الكافي، فعندها تزداد ثقتها في نفسها، وتكون قادرة على الحفاظ على زواجها لفترة أطول".
وتختلف مع حافظ، المحامية والناشطة، منال أبوزيد، رافضة تحليل أفراد المجتمع بحسب النوع، تقول لرصيف22: "المجتمع يحلو له أن يقيم الأفعال والتصرفات بحسب النوع، بمعنى أن الرجل لا يدان في أي من تصرفاته، حتى في حالات التحرش تجد اللوم كله على البنت".
"الشباب دلوقتى متهور، وغير قادر على تحمل المسؤولية، الواحد منهم يزهق يروح يرمي على مراته يمين الطلاق، إنما السيدات أكثر بحثاً عن الاستقرار"
"البنات في مجتمعاتنا ممنوع تتأخر بالليل، ممنوع تخرج لوحدها، ممنوع تضحك بصوت عالي، ممنوع تلبس براحتها، أما الرجال فتجدهم عراة كيوم ولدتهم أمهاتهم، يسبحون في النيل بالقرى والنجوع، حد فكر لو واحدة هي اللي عملت كده ونزلت النيل، أو وقفت على الشط بدون ملابس، رد الفعل هيكون إيه في الأماكن دي؟"، تضيف أبو زيد.
وشدَّدت أبو زيد على أن زمن الرجل المتحكم في كل شيء انتهى، تقول: "هناك من يصر حتى اليوم على أن يقيس الأمور بمقاييس زمان، للبقاء على زمن سي السيد، رغم أن المرأة أثبتت تفوقها ونجاحها على كل المستويات وفي كل المهن والوظائف، وبالنسبة للرجال المعارضين لفكرة أن تكون العصمة في يد الزوجة، أسألهم ما قولكم في سيدات هي اللي بتصرف على نفسها وعلى أولادها، وكمان على جوزها اللي قاعد في البيت من غير شغله ولا مشغلة، ودي حالات أعرفها وشوفتها، وعايشتها عن قرب".
وتنهي أبو زيد حديثها، موجهة كلماتها إلى الرجال الغاضبين من تنازل بعضهم عن "العصمة" لزوجاتهم، قائلة: "اعقلوا الأمور بدلاً من أن تقيموها بالنص التحتاني وبس".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...