قام المدعي العام الألماني، يوم الاثنين 22 حزيران/يونيو المنصرم، بتوقيف الطبيب السوري علاء موسى، في منزله في ألمانيا، وذلك لأنه متهم بارتكاب "جرائم ضد الإنسانية" وتعذيب سجناء في معتقلات النظام السوري، بحسب موقع "هيسين شاو" الألماني.
و"طبيب التعذيب" تم توقيفه بحسب الموقع، في ولاية هيسن وسط ألمانيا، كما أوضح بيان المدعي العام الاتحادي في كارلسروه Karlsruhe، مضيفاً أن المشتبه به كان يعمل كطبيب في سجن تابع للمخابرات العسكرية في حمص، وساهم على الأقل مرتين في عمليات تعذيب أحد المعتقلين داخل السجن العسكري التابع لنظام الأسد.
كما أن نتائج التحقيقات أظهرت وفق البيان، أنه في عام 2011 قام المتهم بضرب معتقل ثان، كان يعاني من نوبة صرع جراء تعرضه للتعذيب، ولقي الضحية، الذي اعتقل لمشاركته في مظاهرات سلمية مناهضة للنظام السوري، مصرعه. وأكد بيان المدعي العام الألماني أن سبب الوفاة بقيت مجهولة، وغادر الطبيب سوريا منتصف عام 2015 لاجئاً إلى ألمانيا حيث يزاول مهنة الطب، كما تؤكد صحيفة Welt الألمانية.
يتحدث البعض الآن عن بداية حقبة جديدة أو ظاهرة في ألمانيا، حيث بدأت محاكمة العديد من مرتكبي جرائم التعذيب وجرائم الحرب في سوريا.
العمل الفنّي Mute لفنان السوري خالد بركة | المصدر: الحملة السورية
أول هذه المحاكمات كانت ما يُعرف بقضية فرع الخطيب، والتي بدأت في 23 نيسان/ أبريل 2020، وهي أول قضية من نوعها في العالم وتشكل سابقة قانونية. أما آخر هذه المحاكمات فقد بدأت في 25 حزيران/ يونيو الماضي، وهي محاكمة الطبيب السوري علاء موسى، الذي قام بتعذيب السجناء في الفترة الممتدة من أيلول/ سبتمبر 2011 الى عام 2012.
ويقوم المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان ECCHR، بمراقبة هذه المحاكمات ودعم الناجين والناجيات من أجل رفع الدعاوى أمام المحاكم الألمانية، وحالياً يقوم ECCHR بدعم 17 ناجياً من التعذيب، ممن قدموا شهاداتهم أمام الشرطة الجنائية الاتحادية الألمانية، وبين هؤلاء سبعة مدعين أمام المحاكم ويمثلهم محامون من شركاء المركز.
بالإضافة إلى ذلك، قامت مجموعة من سبعة ناجين وناجيات بتقديم شكوى أمام المحكمة في كارلسروه، في حزيران/ يونيو 2020 في ألمانيا، بسبب العنف ذي الطابع الجنسي والعنف الذي يستهدف الجندر في مراكز الاعتقال السورية. وتجاهد منظمات عديدة، على رأسها ECCHR، من أجل اعتبار العنف الجنسي والعنف ذي الطابع الجندري في السجون جرائم ضد الإنسانية. المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان ECCHR قام برفع مسودة الدعوى للمحكمة بالترافق مع دعم مؤسسات شريكة مثل شبكة المرأة السورية وUrnammu.
ومحاكمة الخطيب هي جزء من سلسلة من الدعاوى الجنائية التي قدمها مركز ECCHR مع ما يقارب 100 سوري في ألمانيا والنمسا والسويد والنرويج.
يتحدث البعض الآن عن بداية حقبة جديدة أو ظاهرة في ألمانيا، حيث بدأت محاكمة العديد من مرتكبي جرائم التعذيب وجرائم الحرب في سوريا.
"يجب أن يحصل بتنسيق على المستوى الأوروبي"
كان لرصيف22 لقاء مع المحامي الألماني فولفغانغ كاليك، رئيس المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان ECCHR، وهو يرى أنه لا يمكننا الحديث عن بداية حقبة جديدة من المحاكمات في ألمانيا، فألمانيا، من وجهة نظره، كانت دائماً متأخرة عن اللحاق بركب تطور القانون الجنائي الدولي، وهذا بسبب الرفض الألماني للمحاكمات في نورنبيرغ من قبل عدد كبير من القانونيين الألمان، خوفاً من أنه كلما كانت هناك قضايا دولية أكثر، فعلى الدولة الألمانية أن تدفع تعويضات أكثر عن الانتهاكات في عهد النازية.
ويضيف كاليك بأن الوضع هذا تغير في التسعينيات من القرن الماضي، ومع بداية الألفينيات، حيث تمت محاكمات عديدة عمل عليها كاليك، عن جرائم حصلت في الأرجنتين وضد جناة يوغوسلافيين، كجزء من المحكمة الدولية ليوغوسلافيا، ولكن يقول كاليك: "لم تكن هناك حالة بنوشيه Pinochet في ألمانيا".
ولأن قضية بنوشيه نجحت (محاكمة الجنرال أوغوستو بنوشيه على جرائم ضد الإنسانية، والذي حكم تشيلي لمدة 17 عاماً بعد انقلاب قاده على حكومة الرئيس الاشتراكي سلفادور الليندي في العام 1973)، تبعت ذلك محاكمات في بلجيكا وفرنسا، ولكن ألمانيا تأخرت برأي المحامي الألماني، وهو يرى أن ذلك تغير في السنوات العشر الأخيرة، أولاً بسبب تغير القوانين في ألمانيا واعتماد مبدأ الولاية القضائية العالمية، وثانياً لأنه منذ عشر سنوات تم افتتاح قسم خاص لدى المدعي العام للتحقيق بهذا النوع من الجرائم، وخصصت له موارد مهمة، وحينما تتوفر الموارد تتحرك التحقيقات وتتم المحاكمات.
لذلك، مع دخول موجة اللجوء السوري الكبيرة الى ألمانيا في صيف 2015، كان هناك ضحايا وشهود كثر بينهم، ولذلك تحرك المدعي العام الألماني.
Copyright: Nihad Nino Pusija
ويأسف فولفغانغ كاليك لأن إسبانيا وبلجيكا كانتا قد بدأتا دعاوى مماثلة لكنهما عادتا وانكفأتا، والآن ألمانيا ابتدأت بالمحاكمات، ولكن ذلك يجب أن يحصل بتنسيق على المستوى الأوروبي بنظره.
ويرى كاليك أن المحاكمة والتحقيقات، وحتى التحقّق من صحة صور قيصر، قد استهلكت الكثير من الموارد، ومحاكمة كوبلنز (المعروفة بقضية الخطيب) هي جزء من الصورة الكبرى للجرائم المرتكبة، ويأمل كاليك في حديثه مع رصيف22 أن تحذو دول أوروبية عديدة حذو ألمانيا في محاكمة المرتكبين، ولكنه يؤكد أن قانون الولاية القضائية العالمي هو الملجأ الأخير لتحقيق العدالة.
ويتابع: "فالحلّ الأول، يجب أن يكون هناك دولة قانون تعمل في سوريا وتحاسب المرتكبين ومن يقومون بالتعذيب، جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وبما أن هذا غير متوفر، فربما يتم إيجاد آلية إقليمية من دول المنطقة نفسها في العالم العربي، والحل الأخير يجب أن يكون قانون الولاية العالمية".
تم توقيف "طبيب التعذيب" في ولاية هيسن وسط ألمانيا، كما أوضح بيان المدعي العام الاتحادي في كارلسروه، مضيفاً أن المشتبه به كان يعمل كطبيب في سجن تابع للمخابرات العسكرية في حمص، وساهم على الأقل مرتين في عمليات تعذيب أحد المعتقلين داخل السجن العسكري التابع لنظام الأسد
المحاكمات والحل سياسي في سوريا
عند سؤاله إذا كان يتوقع أن تنتهي المحاكمات لمجرمي الحرب في ألمانيا، فيما لو تم التوصل الى حل سياسي ينهي الحرب في سوريا، يقول كاليك: "هذا الانقسام بين الثنائي: العدالة أو السلام يجب أن ينتهي. فهل كل المحاكمات تنتهي بحل سياسي؟ بالطبع لا. ليس من الضروري أن يكون السلام أو العدالة متضادين أو متعارضين أو يلغي أحدهما الآخر، لكن بالنهاية ليس هناك سلام دائم من دون عدالة... هذا واضح."
ويضيف كاليك: "جرائم بحجم جرائم نظام الأسد والتعذيب الممنهج من قبل النظام، لا يمكن أن يتم التغاضي عنها بموجب القانون الدولي. لن يتم العفو عنهم، نقطة".
يؤكد كاليك أن هذه الجرائم والانتهاكات لحقوق الإنسان مريعة، وفي حالات مشابهة لحكام آخرين لم يتم العفو عنهم، ويرى أنه بالطبع يجب إيجاد حل مع عناصر من النظام السوري من أجل تحقيق السلام، وطبعاً يجب أن تكون هناك مساحة للتفاوض معهم من أجل إيجاد حل سياسي، لكن يجب ألا نضع العدالة أو السلام مقابل بعضهما. لا يجب أن ننفي إمكانية السلام بدون العدالة، ولكن ربما العدالة ليست بسرعة السلام.
فيما يخص الحكم الذي يتوقعه فولفغانغ كاليك على أنور رسلان، وفيما لو سيتم تخفيف حكمه لاعتبارات سياسية، يقول كاليك: " من يعلم؟ أحياناً تكون المفاجأة إيجابية وأحسن من المتوقع، علينا أن نراقب، هناك حالات عديدة كان هناك توقع معين ولكن النتيجة كانت أفضل من المتوقع، لكن من المهم أن تكون هناك بداية جيدة في ألمانيا، من المستحسن ألا نبالغ في تقييمها ولكن ألا نبخس من قيمتها أيضاً".
من وجهة نظر كاليك، إذا انتهت محاكمة كوبلنز بحكم على المتهمين، ولكن على رسلان بشكل أساسي، فهذه إشارة إيجابية وستليها أحكام أخرى، لكن المتهمين في ألمانيا وأوروبا ليسوا من "الأسماك الكبيرة"، ويتابع: "نأمل أن تتم محاكمة أشخاص كجميل حسن ونراهم أمام المحكمة".
ويزيد كاليك: "في السنة الماضية، تم إصدار مذكرة توقيف دولية بحق جميل حسن، فعلى المستويين يجب أن يحصل شيء".
ويضيف كاليك قائلاً: "عندما تبدأ المحاكمة لا يمكن التوقف. ألمانيا لا تستطيع التوقف، بإمكانها أن تستخدم المحاكمات للضغط سياسياً في مفاوضات السلام. لكننا نتوقع حتماً حُكماً في قضية رسلان، فالمحاكم الألمانية استثمرت موارد ووقتاً كبيراً في هذه التحقيقات. لكن هل سيستمرون باستثمارات كهذه فيما لو تم التوصل إلى اتفاق سياسي في المستقبل؟ لا نعرف. لكن الآن لا يستطيعون إيقاف محاكمة قد بدأت. في قضية أنور رسلان، حتى لو كان هناك اتفاق سياسي في المستقبل، فات الأوان بالنسبة له".
ويؤكد كاليك أنهم في ECCHR مهتمون بصدور حكم وليس بمدة الحكم، فليست القضية الأساسية إن تم حكمه 10 أو 15 سنة أو مؤبد، إنما المهم في القضية أن يُحكم ويتم تثبيت الحكم ضده بجريمة ضد الإنسانية، وتشكيل سابقة قانونية يبنى عليها لاحقاً.
"هل كل المحاكمات تنتهي بحل سياسي؟ بالطبع لا. ليس من الضروري أن يكون السلام أو العدالة متضادين أو متعارضين أو يلغي أحدهما الآخر، لكن بالنهاية ليس هناك سلام دائم من دون عدالة"... رئيس المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان في حديث لرصيف22
الفن والعمل القانوني
في الأول من تموز/يوليو، وقبيل ابتداء جلسة المحاكمة والاستماع لأحد الناجين من سجن فرع الخطيب، تم عرض العمل الفني "صامت" أو "Mute" على جانبي مدخل المحكمة للفنان السوري خالد بركة، وهو ناشط ثقافي ومختص بالفن المفاهيمي.
العمل الفنّي Mute لفنان السوري خالد بركة | المصدر: الحملة السورية
وقد تم جمع خمسين تمثالاً ألبسها الفنان ملابس لسوريين/ات مقيمين/ات في المنفى، فبدت التماثيل كأنها تشارك بمظاهرة صامتة سلمية. هذا العرض الفني هو صدى للخوف والغضب من الاعتقالات التعسفية والاختفاء القسري الذي يحدث في سوريا، حيث رفعت قبضات التماثيل احتجاجاً على هذه الجرائم، وهي نفس الجرائم التي يُحاكم المتهمون داخل المحكمة على ارتكابها.
ويتم دعم هذا العمل الفني من قبل منظمات "تبني ثورة"، "عائلات من أجل الحرية"، "الحملة السورية" وأيضاً من قبل المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان.
في هذا الإطار، يقول أندرياس شولير، مدير القسم الخاص بالجرائم الدولية والمسؤولية القانونية في المركز: "إن الفن والعمل القانوني يكملان بعضهما البعض. فالهدف المشترك هو عملية مجتمعية تعالج التعذيب وجرائم أخرى بشكل شامل".
في السادس من تموز/ يوليو جرت آخر جلسة استماع للشهود في قضية الخطيب في مدينة كوبلنز الألمانية، هذا وسوف تستأنف جلسات المحكمة بعد فترة انقطاع، في 29 تموز/يوليو 2020.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...