شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
يلاحقوننا حتى في الإنترنت

يلاحقوننا حتى في الإنترنت

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

السبت 16 مايو 202001:44 م

لا يمر يوم دون تعليقات مسيئة للمرأة على السوشال ميديا، وخاصة في الصفحات التي تناقش قضايا عامة، حيث يمكن للكثيرين إخراج نفاياتهم الفكرية بكل سهولة تحت أسماء وصور مستعارة ، أو حتى باستخدام شخصياتهم الحقيقية والتعبير عن آرائهم الرجعية والعنيفة بكل وضوح، على اعتبار أن السلطة الذكورية المهيمنة على المجتمع تمنح الرجل منذ طفولته الحق في تقييم المرأة ووصمها بما يريد، وإذا كانت الفئة التي تعتبر نفسها على مستوى تعليمي، فكري أو ثقافي جيد، لا تجرؤ على الإفصاح عن آرائها بذات الأريحية، فالغالبية في عقلهم الباطن لا زالوا يمتلكون ذات النظرة الدونية للمرأة، وإن أنكروا ذلك في العلن حفاظاً على صورة اجتماعية معينة.

منذ بداية الإعلان عن مسلسل "سكر زيادة" الذي يجمع كل من ناديا الجندي، نبيلة عبيد، هالة فاخر وسميحة أيوب، لم تتوقف الانتقادات والتعليقات الساخرة من بطلات العمل، والتي تركزت حول مظهرهن وملابسهن، ولكن بشكل أساسي حول تقدمهن في العمر، مع المطالبة باعتزالهن لأنهن غير مخولات للظهور على الشاشة، ضمن الثقافة السائدة في المجتمعات العربية والتي تعتبر المرأة عديمة الفائدة بعد عمر معين.

على اعتبار أن السلطة الذكورية المهيمنة على المجتمع تمنح الرجل منذ طفولته الحق في تقييم المرأة ووصمها بما يريد.

بمعزل عن رداءة العمل فنياً، ولكن ردود الفعل المسيئة والمهينة، بدأت منذ أول إعلان عن العمل، أي قبل ظهور أي ملمح أو مؤشر على جودة العمل أو رداءته، ووصلت في تفاهتها حد انتقاد ارتدائهن ملابس ملونة في هذا السن، في حين لم نلاحظ أي استهجان لأبطال أعمال آخرين من الرجال، ممن تجاوزت أعمارهم السبعين، ويواصلون الظهور على الشاشة ولعب أدوار ضمن حكايات عاطفية مع ممثلات في سن بناتهم.

منذ فترة، أثار إعلان الملابس الداخلية الذي قامت ببطولته الفنانة ميس حمدان، موجة اعتراضات وصلت حد مطالبة البرلمان المصري بإيقافه، السبب هو فكرة الإعلان القائمة على تعبير ميس عن إعجابها بـ"ابن الجيران" ومغازلة جسده، الأمر الذي اعتبره الرأي العام منافياً لعادات وقيم المجتمع، أوقف الإعلان فوراً، مع اعتذار من قبل ميس والشركة المنتجة للإعلان، في الوقت الذي يظهر فيه إعلان آخر على ذات القنوات المصرية، لشاب يخبر حبيبته أن أول ما لفته فيها هو عقلها الكبير بينما يحدق في صدرها، يقدم الإعلان بأسلوب مباشر جداً، طبعاً لم يثر الإعلان أي استهجان، كونه لا يخرج عن الصورة النمطية الذكورية للإعلانات.

أوقف إعلان "الملابس الداخلية" فوراً، مع اعتذار من قبل ميس حمدان والشركة المنتجة للإعلان، في الوقت الذي يظهر فيه إعلان آخر على ذات القنوات المصرية، لشاب يخبر حبيبته أن أول ما لفته فيها هو عقلها الكبير بينما يحدق في صدرها، يقدم الإعلان بأسلوب مباشر جداً، طبعاً لم يثر الإعلان أي استهجان، كونه لا يخرج عن الصورة النمطية الذكورية للإعلانات

العام الفائت، احتفلت الفنانة رجاء الجداوي بعيد ميلادها الثمانين، ونشرت صورة على حسابها الشخصي على إنستغرام، محاطة بأصدقائها الذين تجمعوا للاحتفاء بها، لتنهال عليها التعليقات المسيئة التي وصلت حد الشتائم، لأنها تحتفل بعيدها في هذا العمر مع تجاهل تام لمسيرتها، منذ بداياتها كعارضة أزياء ومن ثم كممثلة، و كم هائل من النصائح التي تتكرر بشكل دائم لمعظم الفنانات المتقدمات في العمر، بوجوب التوقف عن العمل والتزام منازلهن وقضاء بقية أيامهن في العبادة، على اعتبار النساء في مجتمعاتنا مذنبات دوماً ومحمّلات بالخطايا، ومطالبات دوماً بالتكفير عن ذنوبهن، عكس الرجال طبعاً.

تجسّد هذا العام "نيللي كريم" شخصية لطيفة خفيفة الظل في مسلسل "100 وش"، تؤديها بأسلوبها المعتاد كممثلة موهوبة تعتمد على إمكانياتها التمثيلية فقط، لم تضع لمسة ماكياج في مسلسل "سجن النسا" مثلاً، لأن الدور يتطلب ذلك، ولم تجر جراحة تجميلية تغير تعابير وجهها، ولكن حتى نيللي الجميلة جداً، لم تسلم من تعليقات البعض، والمتمثلة في أنّ الدور يحتاج لممثلة أصغر سناً، والأسوأ أن هذا التعليق جاء من أشخاص "يُعتبرون" على سوية ثقافية معينة، ربما لم يعتادوا المرأة الطبيعية، بل يفضلون ممثلات البلاستيك والشفاه التي ستنفجر من الفيلر وطبقة الصوت المصطنعة، ضمن الأسلوب الحديث لبعض "الممثلات"، والقائم على ابتلاع الحروف والنظرات المغرية، حتى وإن كانت تجلس وحيدة في المنزل أو تؤدي دور مديرة مدرسة، الأسلوب الغريب على مواصفات الأنوثة في العالم، وغير متواجد سوى عند بعض "الممثلات" العربيات.

لا تنتهي حملات السخرية، فزواج "غادة عبد الرازق" للمرة الثانية عشر، يثير سلسلة من المنشورات الساخرة، بصفتها امرأة تجاوزت عمراً يعتبرها فيه المجتمع كائناً عليه أن يعتكف، لا أن يمتلك أحاسيس أو عواطف، كون الرغبات قاصرة على الرجال فقط، والأهم طبعاً، اعتبارها كائناً لا يمتلك حرية شخصية، بالتأكيد لو انتشرت أخبار عن علاقتها بأحدهم دون زواج ستثير أيضاً عاصفة انتقادات ولكن من نوع آخر، هي مدانة في كلا الحالتين، المشكلة أن سبب السخرية الرئيسي ليس الاعتراض على فكرة المبالغة في عدد الزيجات ولكن على كونها امرأة تحديداً، فلم تثر أخبار زيجات "حسين فهمي" الكثيرة أو أي ممثل آخر في السنوات السابقة، أي اهتمام أو تفاعل.

رغم كل الفوضى التي سمحت بها منصات التواصل والتي وسعت من نطاق الثقافة المهينة للمرأة، وزادت من حدة حملات التشهير ضد النساء المدافعات عن حقوقها، إلا أنها من ناحية أخرى عملت على خلق هوامش أوسع للتعبير وطرح قضايا لم تطرح سابقاً في العلن، وجعلها قضايا متداولة، والأهم أنها سمحت للمرأة بإيصال صوتها، رغم كل الأصوات النشاز المحيطة

التعليقات الذكورية جزء من ثقافة المجتمع، وليست موجهة ضد الفنانات فقط أو من يتعاطين الشأن العام، وإن كن معرضات لها بكم أكبر باعتبارهن مؤثرات في المجتمع، كما أن أغلب الإهانات اللفظية الموجهة للنساء في الفضاء الافتراضي تتناول المظهر واللباس والوصم الاجتماعي، والذي ازداد مع تراجع وضع المرأة جراء الحروب الأخيرة، والتي كلفتها أثماناً باهظة، مع غياب القوانين المدنية التي تعيد لها حقوقها، تخلّصها من الوصاية الذكورية وتضمن لها العيش في مجتمع يساويها مع الرجل ويعتبرها شريكة له.

مع ذلك، ورغم كل الفوضى التي سمحت بها منصات التواصل والتي وسعت من نطاق الثقافة المهينة للمرأة، وزادت من حدة حملات التشهير ضد النساء المدافعات عن حقوقها، إلا أنها من ناحية أخرى عملت على خلق هوامش أوسع للتعبير وطرح قضايا لم تطرح سابقاً في العلن، وجعلها قضايا متداولة، والأهم أنها سمحت للمرأة بإيصال صوتها، رغم كل الأصوات النشاز المحيطة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image