يفرض المجتمع في غزة على المرأة قيودا عديدة، بدعوى العادات أحيانا أو "الدين" أحيانا أخرى، تحد من حريتها في الزي، الحركة والعمل.
وتنشأ فتيات منذ الصغر على أن المرأة دورها التي تُعدّ له ربة منزل، والرجل عليه مسؤولية نفقات البيت، إلا أنه مؤخرا انقلبت الآية، وباتت موظفات وعاملات ينفقن على الأسرة، ليس ذلك فقط ولكن يخضعن لابتزاز أزواجهن، طمعاً في مرتبهنّ كله، البعض عاطل عن العمل، مما دفع زوجاتهم إلى طلب الطلاق.
سوزان، معلمة لغة إنجليزية (40 عاماً)، تقول عن نفسها إنها "تذوّقت مرارة طعم الحياة منذ 17 عاماً، عندما تزوجت".
لم تغب عن مخيلة سوزان قبل الزواج أحلام العيش في "حياة ملكية"، بسبب زواجها من رجل يحقق أحلامها، كما تربت عاطفياً منذ طفولتها، ولكن عقب زواجها في عام 2003، وسفرها مع زوجها إلى السعودية عند أهله، تفاجأت بعدم وجود "إقامات"، فقررت العودة إلى غزة.
تحكي سوزان لرصيف22 حكايتها، منذ عودتها برفقة زوجها إلى غزة، قائلة: "بقيت الأمور طوال ثلاثة أعوام الأولى بعد العودة، تمر بحالة من التوتر لعدم توفر أي مصدر دخل، وكان اعتماده على أهله، وفي عام 2006 أتت فرصة عمل في الحكومة الجديدة كمعلمة، وتم قبولي، وكانت الفرحة تغمر قلبي لحصولي على وظيفة".
لم تكن سوزان تدرك ما تحمله لها الوظيفة من مشاكل أسرية، حيث قام زوجها بأخذ الراتب كاملاً، لم تعر لذلك انتباهاً ولم تعترض، ولكنها بمرور الوقت لاحظت أن أبناءها الستة، كما تقول، "بحاجة مُلحّة لتوفير مستلزمات الخاصة لهم، وفي المقابل زوجي لا يوفر لهم أدنى احتياجاتهم".
"أمام القاضي بسبب مرتبي"
بدأ زوجها الاعتداء عليها، بحسب رواية سوزان، منذ اعتراضها على تسليمه المرتب، تقول: "كان يقوم بخنقي بالقشاط، والملابس أثناء اعتدائه عليّ بالضرب المبرح، ووصل المطاف بنا في عام 2015، إلى الوقوف أمام المحاكم لطلب الطلاق، لتكون الصدمة القاتلة حين قال لي القاضي، دون أن يسمح لي بالكلام: احمدي ربنا عندك زلمه برد عليك كلام"، وتعني أن تشكر الله لأن زوجها حفظها من "العنوسة".
"أؤدي عملي وعند ذهابي للمنزل أقوم بمهام المنزل كاملة، والغريب بالأمر أني زوجي موجود في الحياة فقط للأكل والمتعة، ولا أرى خلاف ذلك"
"انتهى الحال بقرار القاضي التنازل عن كافة حقوقي في حال إصراري على الطلاق، والتنازل عن الأطفال، ولكن أبنائي خط أحمر بحياتي"، تقول سوزان.
وتضيف سوزان: "زوجي من الأشخاص المدخنين، وحاولت مرات عدة أن أجعله يشعر بأن عليه مسؤوليات منزلية تجاه أبنائه وزوجته، محاولة أن أقوم بفتح مشروع له بقيمة 1000 شيكل "288 دولار"، ولكن بعد ثلاثة أيام قام بإغلاقه وعند سؤالي: وين الفلوس، رد بكل برودة أعصاب: صرفتهم، وبدأت المساومات حول قيمة المبلغ الذي سوف يحصل عليه شهرياً، وقمت بإعطائه 300 شيكل "87 دولار" شهرياً، وفي المقابل لا أحتاج منه شيئاً".
"ذكوري لا علاقة له بالشرع"
وأما عفاف (35 عاماً)، والتي تفضل وصف مجتمعها بأنه "ذكوري ولا يعمل بشرع الله"، بحسب رؤيتها المشبعة بفتاوى كثير من فقهاء غزة، وترى أن زوجها يخالف تلك الفتاوى، التي تطالب الزوج بأن يكون المعيل وموفر الرزق للأسرة، وليس هي، خاصة أنها ملتزمة بمهامها المنزلية.
ولكن عفاف تواجه مع بداية كل شهر نزاعات مع زوجها، وبعد أن مر 5 أعوام على زواجهما، حيث تعمل في سكرتارية أحد مؤسسات المجتمع المدني، ولديها ثلاثة أطفال، باتت اليوم محاصرة لتوفير كافة مستلزمات المنزل، حيث زوجها لا يعمل، ولا يحمل شهادة دراسية.
تقول عن نفسها، ودورها في مؤسسة الزواج، بلغة دينية محافظة: "اليوم أصبحت أنا رجل وامرأة في البيت، حيث أؤدي عملي وعند ذهابي للمنزل أقوم بمهام المنزل كاملة، والغريب بالأمر أني زوجي موجود في الحياة فقط للأكل والمتعة، ولا أرى خلاف ذلك، وأصبحت اليوم أبحث عن مهرب، ولكن بلا جدوى، الجميع يحاصرني من كافة الاتجاهات، يقولون لي: اصبري عليه".
"كنت أحبه"
"أصعب شيء أن تهان كرامة امرأة من رجل كان يعاملها بلطف وإطراء، وفجأة تصبح لا شيء بالنسبة له"، أوجزت سمر، (33 عاماً)، قصة حياتها العاطفية مع زوجها الذي أحبته كثيراً، العلاقة التي بدأت منذ ثلاثة أعوام، وباتت تتمنى ألا تتذكر تفاصيلها.
تتساءل سمر بصوت يخيم عليه الحزن، في حديث لرصيف22: "لماذا الرجال في غزة يرون أن المرأة أداة يجب أن تنفذ كل ما يطلب منها؟".
"كان زوجي يقوم بخنقي بالملابس، ويعتدي علي بالضرب ليحصل على مرتبي كاملا، وهو عاطل عن العمل، ولما طلبت الطلاق، طلب مني القاضي أن أشكر الله لإنه تزوجني"
"في عام 2017 تزوجت من شاب كان عاطلاً عن العمل، وبنى أمامي أحلاماً كبيرة، ولكن تلك الأحلام تبين أنها أوهام فيما بعد، ومع مرور عامين ونصف على زواجنا والالتزام بكافة مصاريف الحياة، بدأت أشعر بوجود خطأ حقيقي، وذلك كوني فتاة ولدي مطالب خاصة بي كما له ذلك، فكنت أقوم بين الحين والآخر برفع بعض النقود لحالات الطوارئ من راتبي، ولكن المؤسف كنت أرى الضرب ينهال عليّ دون سابق إنذار".
قررت سمر الانفصال وأن تكمل حياتها من دونه، رغم "حبها الكبير الذي تكنه له"، ولكنه رفض الطلاق، ووقفت أمام القضاء الذي قرر أن الطلاق من حق الزوج، فقدمت "العديد من الإغراءات"، ليطلقها.
وحسب إحصائيات رسمية صادرة عن الجهاز المركزي للإحصائي الفلسطيني، فإن معدل عدد العاطلين عن العمل خلال 15 سنة تجاوز 334,100 شخص في الربع الثالث بعام 2019، بواقع 217,100 شخص في قطاع غزة، ويصل معدل البطالة إلى 45% بين صفوف الشباب.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...