شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
المدن الحرة في السويد... فكرة عبقرية مجنونة يحبها العرب

المدن الحرة في السويد... فكرة عبقرية مجنونة يحبها العرب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

السبت 20 يونيو 202005:22 م

المدن اليوم مقسومة إلى مدن حرة ومدن غير حرة، فكرة المدن الحرة فكرة مجنونة وعبقرية، تخيل أن تعيش حراً تماماً، لديك الوقت لتفعل ما تشاء، أن تكون إنساناً حراً فقط.

السويد تحاول خلق أكبر عدد من المدن الحرة في العالم، لك حرية التفكير والكتابة والتعبير هنا، حيث يبدو أن الكثيرين بحاجة لهذه الفرصة. تقدم المدينة المضيفة ملاذاً آمناً طويل الأجل، مؤقتاً، بالإضافة إلى قيم الضيافة والتضامن وحرية التعبير، لمجموعة واسعة من الناشطين الثقافيين، كالمدونين، الروائيين، الكتاب المسرحيين، الصحفيين، الموسيقيين، الشعراء، الفنانين التشكيليين، رسامي الكاريكاتير، المغنين، كتاب الأغاني، المترجمين، كتاب السيناريو والناشرين.

تحاول السويد خلق أكبر عدد من المدن الحرة في العالم، لك حرية التفكير والكتابة والتعبير هنا في ملاذ آمن طويل الأجل، يمتاز بقيم الضيافة والتضامن وحرية التعبير

فلسفة هذه المدن بسيطة ، تقوم على فكرة أن كل كاتب يعمل بحرية سيوفر الحرية لآلاف من الأشخاص الآخرين، حيث الدفاع عن حرية التعبير للآخرين هو أفضل وسيلة للدفاع عن النفس. تأسست شبكة مدن اللجوء الحرة في عام 1993، من قبل البرلمان الدولي للكتاب "IPW"، رداً على اغتيال الكتاب في الجزائر. تبنت برشلونة فكرة إنشاء شبكة من المدن لإيواء الكتاب المهددين، ثم تبعها بسرعة العديد من المدن الأخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة والمكسيك.

تم حل "IPW" في عام 2005، لكن بالنسبة لجميع المدن والمنظمات المعنية، بقي سؤال: هل يعني انهيار "IPW" أن أي عمل منظم من هذا النوع سيختفي، أم يجب أن نتكاتف ونتعلم من إخفاقات الماضي ونجاحاته ونبدأ من جديد؟ تم اختيار البديل الأخير، وتم تأسيس سكرتارية "أيكورن"، في يونيو 2006 في مركز ستافانغر الثقافي، في النرويج. يوجد العدد الأكبر من هذه المدن في السويد، حيث توفر البلديات بالتعاون مع نادي القلم السويدي، إقامات في 26 بلدية موزعة على طول البلاد وعرضها.

في رصيف 22 قابلنا مجموعة من القادمين من الشرق الأوسط، الذين توفرت لهم فرصة العيش في واحدة من هذه المدن، وحصلوا على إقامات.

علا حسامو، سوريا – كاتبة أدب أطفال، تكتب الشعر وتشتغل في المسرح، تقيم في مدينة إيسكلستونا

تروي لنا فعل الانتقال إلى المدينة التي قدمت لها دعوة للإقامة فيها لمدة سنتين ككاتب/ فنان ضيف، وذلك بعد أن قدّمت على منحة "أيكورن".

قدمت على المنحة التي عرفتني بها صديقة إيطاليّة، في 2018، بعد أن قرّرت أن أقدم على خطوة السفر، ولم يعد لدي حلّ سواها.

وتضيف: "أخذ موضوع التقديم مني فترة طويلة، منذ إرسال إنتاجي وملء الاستمارة المطلوبة وغيرها من أوراق تثبت استحقاقي لنيل المنحة، ويرجع ذلك الأمر إلى أن المنحة مفتوحة للكتاب والفنانين من جميع أصقاع الأرض، وطبعاً ملف كل منهم يجب أن يتم تقييمه، سواء على الصعيد الإنساني أو على الصعيد الفني الأدبي".

و تكمل: "حين تمت الموافقة على ملفّي، وككلّ من تتم الموافقة على ملفاتهم، تم وضع اسمي على قائمة الانتظار المتاحة لكل المدن الحرة، وانتظرت أن تتم دعوتي من مدينة ما. جاءتني الدعوة من إسكلستونا التي سافرت إليها بعد أن تمّ الأمر".

"الأمر استغرق سنتين من الأخذ والرد والإيميلات والإجراءات، في الحقيقة لقد تأخرت تلك الإجراءات كثيراً، سنتان هي مدة طويلة، لا أعرف إن سبق واستغرقتها إجراءات شخص آخر، ولكن إن حصل ذلك فهو أمر نادر، لأن المفروض في هذه المنح أن تؤمن إقامة حماية للكاتب/ الفنان الحاصل عليها بأسرع وقت ممكن".

"بدأ التواصل معي مذ كنت في سوريا، بيني وبين منسقي أيكورن، واستقبلتني المنسقة المحلية المعينة من قبل بلدية إسكلستونا عند وصولي المطار، حيث لكل كاتب أو فنان ضيف، منسق محلي من المدينة المضيفة، يساعده في ترتيب أموره وتسهيل الإجراءات القانونية والصحية والمعيشية وغيرها في مدينة الإقامة".

الكاتبة علا حسامو لرصيف22: قدّمت لي السويد بيتاً ومنحة مالية شهرية لمدة عامين، بالإضافة إلى الإجراءات اللوجستية المتعلقة ببطاقة الإقامة، التأمين الاجتماعي والصحي، كما قدّمتني إلى المجتمع الثقافي في المدينة

"قدّمت لي البلدية بيتاً ومنحة مالية شهرية لمدة عامين، بالإضافة إلى الإجراءات اللوجستية المتعلقة ببطاقة الإقامة، التأمين الاجتماعي، الصحي...الخ، كما قدّمتني إلى المجتمع الثقافي في المدينة، وساعدتني على بناء شبكة تواصل مع مجموعة من الأشخاص المهتمين أو العاملين في الحقل الثقافي، والتواصل مستمر بيني والمنسقة المحلية في حال وجود أي طارئ أو احتياج مهم. أما بالنسبة للمنسقة الدولية، وهي كارين يانسون، فكانت في كافة المراحل موجودة للاطمئنان على سير الإقامة بالشكل المناسب، والتشبيك بيني وبين المجتمع الثقافي في السويد، من خلال الأمسيات والفعاليات، أو من خلال تخطيط وتنفيذ المهرجانات والفعاليات في السويد وخارجها. كما أن عدداً من الكيانات الثقافية في السويد تقدم عروضاً معينة للكتاب/ الفنانين الضيوف، مثل عضوية مجانية تمتد حتى نهاية المنحة، كما في نادي القلم السويدي واتحاد الكتاب السويديين".

علي ذرب، شاعر عراقي، أسس في عام 2014 مع ثلاثة شعراء، هم مازن معموري، محمد كريم وكاظم خنجر، "ميليشيا الثقافة"، وهو مشروع شعري ثقافي يناهض عمليات العنف في العراق بأشكاله المختلفة، يتضمن قراءة الشعر في أكثر الأماكن خطورة في العراق بصيغة الأداء الشعري، وكذلك لديه مشاريع مستقلة في فن الأداء الشعري في العراق، وصل إلى السويد في مطلع 2020، ضمن منحة الكاتب الضيف.

"(أريد أن أرحل)، هذه الكلمات كنت كثيراً ما أرددها قبل سنوات عديدة، لكنها أصبحت أمراً ملحاً منذ أكثر من عامين، عندما شعرت أن لا شيء في مدينتي أو مكاني الأول سيبقيني على قيد الحياة. إن قول (لا يمكنني البقاء) قول قاس جداً لأنك لن تتوصل الى هذه النتيجة إلا بعد أن يتضاءل كل شيء لديك، وهذا ما حدث لي، وكذلك أن جزءاً ليس قليل من شخصيتي في الأساس يحمل شيئاً من الاغتراب، جزء يتنفس في عالم آخر، كأن الأرض جميعها قفص صغير، ولا أظن أننا ننتظر من هكذا شخصية الاستقرار في محيط ما".

"كان مصيري هو السويد، ولا أريد أن أقول إنه سيكون مصيراً نهائياً، بعد أن سنحت لي فرصة الوصول الى مدينة (يونشوبينغ) ككاتب ضيف، وهي احدى مدن التأمل، كمية كبيرة من الماء والأشجار والصمت، باختصار هي مدينة رحيمة، متعددة الهويات ومكان مثالي للتعايش، ثمة حرية شفافة مقسمة على الأفراد، حرية لا يمكن لأحد أن يتحكم فيها ولا تخضع لمنطق الأقوى (الحرية لا الفوضى)، أنا هنا منذ فترة زمنية قصيرة، لا يمكنني الحكم على كل شيء، ولكن يكفيني الآن أنني حر وأسعى إلى تطوير علاقتي مع هذه المدينة بكل ما فيها، من الطبيعة إلى البشر، مع أسئلة كثيرة حول الحياة بشكل عام، ودون شك أن سؤالي الأكبر يدور حول فكرة الرحيل".

علي الإبراهيم، سوريا- يونشوبينغ

خلال عامين من الإقامة في مدينة يونشوبينغ، وسط جنوب السويد، تمكن الصحفي الاستقصائي علي إبراهيم، من إنجاز فيلمه الوثائقي الأول "يوم في حلب" الذي شارك في 25 مهرجان، من بينها مهرجان إدفا بهولندا، مهرجان ساندانس بالولايات المتحدة ومهرجان لندن السينمائي، وحصد 14 جائزة دولية، بالإضافة إلى ذلك، أنجز علي كتابه الأول باللغة السويدية عن الحرب في سوريا.

لكن ماذا يحدث بعد ذلك؟ ماذا يحدث عندما تنتهي الإقامة؟

يجيب علي: "خلال فترة الإقامة والممتدة إلى 24 شهراً، لديك الفرصة لتكوين علاقات قوية في المجتمع السويدي وتطوير مهارات، سواء باللغة أو المهنة التي تمارسها، بالتالي هذه المهارات في حال استثمارها بطريقة صحيحة ستمكنك من توفير فرصة للتركيز على مشروع يدخلك سوق العمل السويدي، إيجاد فرصة عمل أو الانطلاق بعملك الخاص، ومن ثم البقاء في السويد بصفة إقامة عمل، وبالتالي الحصول على فرصة مهمة لاستمرار حياتك المهنية".

لا يتطلب برنامج الإقامة الذي توفره السويد قيام الفنانين/ات بأي شيء خلال فترة الإقامة: "أنت ببساطة لا تحتاج/ين إلى أن تكون/ي شخصاً عاماً أو نشطاً في الحياة الثقافية. الأمر متروك لنا كفنانين وفنانات كيف وماذا نريد أن نفعل"

ويضيف: "برنامج الزمالة في المدن الحرة يشجعنا على حرية التعبير، ويتيح الفرصة أمام الكتاب والصحفيين والباحثين وغيرهم للاطلاع على تجارب عملية في بلاد الاقامة ودراستها بعمق، ومن شأن ذلك أن يساهم في تحسين حرية التعبير والدفاع عنها في بلادنا العربية".

أكدت كارين هانسون، المنسق الوطني للمشروع في السويد، إنضمام خمس وعشرين مدينة سويدية لشبكة المدن الحرة التي تديرها أيكورن، وأن نصف الإقامات الممنوحة ذهبت إلى مواطنين من البلاد العربية. وأضافت: "الأمر متروك لكل مدينة لتصميم برنامج إقامة خاص بها، يطبق شروط الاتفاق مع المنظمة المالكة للمشروع، يشمل توفير شقة ومنحة مالية، وتوفير مكان عمل أو استوديو، بالإضافة إلى مشاركة المقيم في فعاليات محلية وإقليمية ودولية، كذلك توفير الرعاية الصحية والتأمين".

تُتابع كارين بأنه من المهم الإشارة إلى أن برنامج الإقامة الذي توفره أيكورن يختلف عن برامج الإقامة الأخرى، لأنه لا يتطلب من أي فنانين القيام بأي شيء خلال فترة إقامتهم: "أنت ببساطة لا تحتاج إلى أن تكون شخصاً عاماً أو نشطاً في الحياة الثقافية. الأمر متروك للفنانين كيف وماذا يريدون أن يفعلوا.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image