من المقرر أن تبدأ تركيا، في 19 أيار/مايو، تشغيل أول توربين في "سد إليسو"، الذي أثار مخاوف واسعة من حدوث شح في المياه بالعراق بعد تأجيل دام نحو عامين بسبب احتجاج بغداد. لكن خبراء حذّروا من مخاطر أشد لسد اصطناعي تركي آخر هو "الجزرة".
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد أعلن الأسبوع الماضي، عقب اجتماع للحكومة، أن بلاده ستبدأ تشغيل أول توربين من أصل ستة في سد إليسو، في 19 أيار/مايو، واصفاً إياه بـ"أحد أكبر مشروعات الري والطاقة في بلادنا".
ومنتصف عام 2018، اشتعل الغضب في العراق حيال السد التركي الذي يقال إنه سيحرم العراق من نصف حصته من المياه، مؤثراً بذلك على ملايين العراقيين، فضلاً عن حرمان مساحة واسعة من الأراضي الزراعية من حصتها الإروائية، إذ تشكّل مياه الأمطار 30% من موارد العراق المائية ومياه الأنهر الآتية من إيران وتركيا نحو 70%.
وبلغ الأمر حد التظاهر أمام السفارة التركية في العراق وسط دعوات إلى مقاطعة بضائع الجارة والتوقف عن اعتبارها مقصداً سياحياً. غير أن الموقف العراقي الرسمي من تشغيل السد تغيّر كثيراً خلال العامين الأخيرين.
سد آخر "قاتل" في الأفق
منذ إعلان أردوغان عن قرب موعد تشغيل السد، انتشرت "التطمينات" من المسؤولين وخبراء المياه والبيئة العراقيين بشأن آثاره المحتملة على شح المياه في البلد الذي عانى الجفاف في السنوات الماضية.
خلافاً لدراسات عراقية تحذر من تبعات قوية لـ"إليسو" على حصة العراق من المياه ومساحة أراضيه المزروعة، أكد مسؤولون عراقيون، منهم مستشار لجنة الزراعة والمياه في مجلس النواب عادل المختار، أن "العراق تجاوز الأضرار التي يمكن أن يسببها السد، والتي كانت مرتبطة بملء السد لا بتشغليه واستخدامه".
ولفت محافظ البصرة أسعد العيداني إلى أن "وفرة الأمطار الأخيرة ساهمت في تجاوز مساحة الإغمار في أهوار العراق الى 82%، وهو أمر سيخدم الوضع المائي في العراق بشكل عام وفي جنوب العراق بشكل خاص".
وأضاف: "البصرة يمكنها الاستفادة من هذه المياه لإنهاء أي أزمة قد تحدث خلال الصيف المقبل". وأكمل: "وزارة الموارد المائية (العراقية) أوضحت لنا أن خطة الحكومة التركية بشأن تشغيل جزء من سد إليسو لن يكون لها تأثير سلبي هذا العام، وأن الوضع المائي في العراق مستقر".
رغم احتجاجات العراق السابقة عليه والتحذيرات من خطورته، دحض خبراء ومسؤولون عراقيون الآثار السلبية المتوقعة لسد إليسو مع الإعلان عن بدء تشغيله، فيما أشار بعضهم إلى "منافع محتملة"
وكان المختار أكثر تفاؤلاً من العيداني، إذ قال لموقع "إرفع صوتك" إن "سد إليسو مخصص لتوليد الطاقة، وإن كميات المياه المخصصة لتشغيل التوربينات ستعود مرة أخرى إلى نهر دجلة باتجاه العراق". وهو الرأي الذي ذهب إليه عدد من خبراء المياه والبيئة العراقيين.
لكنه في الوقت نفسه حذّر من "خطر قاتل في المستقبل القريب يتمثل في سد الجزرة التركي، آخر السدود على النهر، لافتاً إلى أن "السد سيكون مخصصاً لأغراض الإرواء (ري الأراضي الزراعية)، وهذا ما يعني استهلاكه كميات كبيرة من المياه لغرض الزراعة من قبل الجانب التركي".
وتوقّع المسؤول العراقي حصول نقص شديد في حصة العراق من مياه "دجلة" لدى تشغيل سد الجزرة التركي، منبهاً إلى أن التأثير "لن يقتصر على كميات المياه وتناقصها بل حتى على نوعيتها وجودتها، لأن المياه الناجمة عن الأراضي الزراعية بملوحتها وأسمدتها، ستعود إلى نهر دجلة القادم باتجاه العراق".
والجدير بالذكر أن تركيا تعتبر نهري دجلة والفرات "من الأنهار الوطنية الداخلية" لا من الأنهار الدولية كما يصفهما القانون الدولي. وتعزو إسباغ صفة "الدولية" عليهما إلى وقوعهما بين حدود تركيا والعراق. وتبعاً لذلك، ترى أن لها الحق في إقامة السدود وفق ما تقتضيه مصالحها الوطنية.
سنوات من التوقف والتأجيل
يأتي تشغيل أول توربين في سد "إليسو" عقب سنوات من التوقف والتأخير، ربما تفادياً للغضب العراقي واعتراض النشطاء داخل تركيا. وكانت أنقرة قد بدأت بملئه في تموز/يوليو من العام الماضي.
"العراق تخطى الآثار السلبية لسد إليسو والتي كانت مرتبطة بملء الخزان لا تشغيله"، بحسب مسؤولين وخبراء في بغداد. لكن سداً تركياً جديداً يحمل عواقب "قاتلة" محتملة
و"إليسو" الواقع جنوب شرقي تركيا هو مشروع كهرومائي على نهر دجلة، يبعد عن الحدود العراقية نحو 65 كم، ويبلغ طوله 1820 متراً، وارتفاعه 135 متراً، وعرضه كيلومترين، ومساحة حوضه 300 كم مربع، ويستوعب السد لدى امتلائه بالمياه قرابة 20.93 بليون متر مكعب.
وبدأت فكرة إنشاء السد قبل عقود بعدما وافقت الحكومة التركية للمرة الأولى على تشييده عام 1997 كجزء رئيسي من مشروع جنوب شرقي الأناضول (غاب) الرامي إلى تحسين أوضاع أكثر المناطق فقراً وأقلها تطوراً في تركيا.
وبينما واجه مشروع السد اعتراضات جمة، تقول الحكومة التركية إنه سيولّد 1200 ميغاوات من الكهرباء ليصبح رابع أكبر سد في تركيا من حيث الطاقة الإنتاجية، وهو أحد أكبر السدود على نهر دجلة.
وتسبّب السد الذي كلف 8.5 مليار ليرة تركية (1.6 مليار دولار أمريكي) بتشريد نحو 80 ألف شخص من 199 قرية تركية.
ومن أبرز البلدات المتضررة "حسن كيف" أو "حصن كيفا" التي يعود تاريخها إلى 12 ألف عام، إذ نُقل سكانها ومعظم آثارها إلى "حسن كيف جديدة" خوفاً من أن تغمرها مياه السد. وهذا ما دفع بناشطين مهتمين بالبيئة والتراث إلى رفع دعوى على المشروع أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، لكنهم خسروها في نهاية المطاف.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين