من بين الأمور المهمة التي تعلمناها من جائحة كورونا هو أن ارتداء ملابس رسمية أثناء العمل من المنزل أمر مبالغ به في بعض الأحيان، إذ يسأل البعض: لماذا نختار ملابس العمل التي تكبّل حركتنا في وقت يمكننا فيه أن نجلس أمام حاسوبنا ونحن نرتدي ملابس النوم المريحة والفضفاضة؟ في حين أن البعض الآخر يشعر أنه من المهم ارتداء ملابس معيّنة لتحقيق أكبر قدر من الإنتاجية.
ما هو تأثير ما نرتديه على أدائنا الوظيفي؟ وماذا يعني البقاء طوال اليوم بالبيجاما من الناحية النفسية؟
تأثير الملابس على طريقة التفكير
إن قضاء أيامنا في العمل من الأريكة، احتساء أكواب لا نهاية لها من الشاي والقهوة والغناء بصوت عال كلما شعرنا بالحاجة لتفريغ طاقاتنا، بالإضافة إلى الرفاهية الأكبر التي تتمثل في ارتداء بيجاما طوال اليوم، كلها أمور تبدو رائعة من الناحية النظرية، ولكن هل هذه حقاً خطة العمل الصحيحة؟
بالتأكيد إن البقاء في ملابس النوم ليوم أو يومين أثناء العمل من المنزل هي فكرة جذابة، ولكن عندما نواجه احتمال العمل من المنزل لمدة شهرين على الأقل، فإن العزوف عن ارتداء الملابس يمكن أن يكون له تأثير سلبي على إنتاجيتنا وأنماط نومنا، وربما الأهم من ذلك، على صحتنا العقلية.
أرادت البروفيسورة كارين باين، معرفة ما إذا كانت الملابس يمكن أن يكون لها تأثير غير واع على عمليات التفكير لدى الأشخاص، فطلبت من طلابها ارتداء قمصان سوبرمان.
وبالفعل، وجدت باين أن هذه القمصان عززت انطباع الطلاب عن أنفسهم وجعلتهم يعتقدون أنهم أقوى جسدياً من غيرهم.
عندما نواجه احتمال العمل من المنزل لمدة شهرين على الأقل، فإن العزوف عن ارتداء الملابس يمكن أن يكون له تأثير سلبي على إنتاجيتنا وأنماط نومنا، وربما الأهم من ذلك، على صحتنا العقلية
وتحدثت كارين باين في كتابها Mind What You Wear: The Psychology of Fashion عن اكتشافات أخرى لكيفية تغيير الملابس لأذهاننا، معتبرة أن أهم قرار نتخذه كل صباح يتعلّق بملابسنا: لماذا نختار هذه الملابس بالتحديد؟ هل تعبّر عن شخصيتنا الحقيقية، وهل يمكنها تحديد المسار الذي سيتخذه يومنا أو حتى حياتنا؟
واليوم، في زمن الحجر المنزلي المفروض علينا جميعاً، يبدو أن ارتداء بعض الملابس، كالفساتين والبدلات الرسمية، بات من الماضي، بحيث تم استبدالها بالملابس الرياضية وملابس النوم، إلا أن هذا لا يعني الاستغناء عنها تماماً، إذ لا تقتصر الأزياء على المظاهر الخارجية فقط، بل يمكن لملابسنا أن تؤثر على صحتنا النفسية وعلى ما نشعر به حيال أنفسنا.
وتعليقاً على هذه النقطة، شرحت عالمة النفس هيلين فيشر، أن هناك روابط بين عواطفنا، أفعالنا ومعتقداتنا: "إذا ارتديتم شيئاً يثيركم، فسيكون لذلك تأثير خفي على شعوركم وتفكيركم وتصرفكم".
وأوضحت فيشر لصحيفة الغارديان البريطانية، أننا نبني علاقة من خلال مطابقة لغة جسد الآخرين، أصواتهم وكلماتهم: "نطابق ملابسنا بنفس الطريقة، فإذا قضيتم شهوراً في بدلة رياضية، ثم اضطررتم لارتداء بدلة رسمية لاجتماع مهم، فقد تشعرون بعدم الارتياح وسيؤثر ذلك على أدائكم".
وبدورها، شرحت عالمة النفس المتخصصة في مجال الموضة، شاكايلا فوربس بيل، تأثير الملابس على الصحة العقلية: "على الرغم من أن البقاء في ملابس النوم طوال اليوم هي فكرة جذابة، إلا أنه من المهم ارتداء ملابسكم في الصباح للحصول على أقصى استفادة من يومكم".
وأضافت قائلة: "هل تشعرون بأنكم أكثر نشاطاً وجهوزية لممارسة التمارين الرياضية إذا ارتديتم الأحذية الرياضية أم الأحذية الرسمية؟ نفس المنطق ينطبق على ملابسكم اليومية. من المرجح أن تشعروا بالإنتاجية والاستعداد للتعامل مع يومكم المنتظر إذا كنتم ترتدون زياً نظيفاً وأنيقاً، من مجرد البقاء في ملابس النوم طوال اليوم".
وبالتالي، اعتبرت شاكايلا أن ما نرتديه يعبّر عن أنفسنا وعمّا نقدمه للعالم، ما يعني استغلال الملابس لوضع المرء في عقلية إيجابية وبذهنية مستعدة أكثر للانكباب على العمل: "بنفس الطريقة التي نربط بها الملابس النظيفة والأنيقة بالعمل والإنتاجية، هي نفس الطريقة التي نربط بها البيجاما بالاسترخاء والنوم. إن البقاء في ملابس النوم طوال اليوم يمكن أن يدفعكم إلى حالة من الخمول الدائم، وقد أظهرت الدراسات أن نقص التحفيز يؤثر سلباً على صحتكم العقلية".
وفي حين اعترفت عالمة النفس بأن إحدى فوائد البقاء في المنزل هي منحنا الفرصة لارتداء الملابس المريحة، والتي تؤثر بشكل إيجابي على قدرتنا على التركيز ومعالجة المعلومات، في حين أن الملابس غير المريحة تزيد من احتمال تشتيتنا، إلا أنها استدركت بالقول: "من المهم ان نتذكر أن الراحة لا تبدأ وتنتهي بملابس النوم".
البيجاما وحالة الإستسلام
في حديثها مع موقع رصيف22، تحدثت الأخصائية في علم النفس، نرمين مطر، عن التغيير الذي أحدثه كورونا على حياتنا اليومية: "الناس كانت ماشية في روتين حياتها اليومي وفجأة إجانا فيروس كورونا وعمل خلل في نظامنا اليومي، الذي يشمل الاستيقاظ باكراً والاستعداد للذهاب إلى العمل عن طريق اختيار الملابس المناسبة، والعودة إلى المنزل بعد يوم عمل طويل ومتعب وارتداء البيجاما للشعور بالراحة".
هذا وأشارت نرمين مطر أنه بسبب إجراءات الحجر المنزلي وعدم إمكانية الناس من الخروج من منازلهم، كان البعض يكتفي بارتداء البيجاما نفسها طوال اليوم، في حين أن البعض الآخر كان يبدل ملابس النوم من باب التغيير، مشددة على أن الملابس هي مرآة لداخلنا: "اللبس بعبّر عمّا في داخلنا ولبس البيجاما طول النهار بيعني الاستسلام لحالة معيّنة".
واعتبرت مطر أنه في زمن كورونا، ومع كل المشهد الضبابي الذي يخلّفه هذا الفيروس وعدم الوضوح، أصبح المرء مستسلماً لواقعه الأليم: "ما في أجوبة على كتير من الأسئلة وعدم الوضوح ولّد خوف عند الناس، وهالخوف عم بيشدّن لورا"، مشيرة إلى أن الخوف هو من المشاعر الأولية لدى الإنسان، يعود بشكل خاص إلى العيش في المجهول وعدم اليقين، بالإضافة إلى أوقات الفراغ الكبيرة: "الانشغال بالعمل بيقلل من حدّة المخاوف بس مع كورونا صار في تفرغ أكتر للسوشال ميديا وكل الأشياء حوالينا خلّت وضعنا النفسي صعب".
"على الرغم من أن البقاء في ملابس النوم طوال اليوم هي فكرة جذابة، إلا أنه من المهم ارتداء ملابسكم في الصباح للحصول على أقصى استفادة من يومكم"
في الواقع، إن خلع ملابس النوم وارتداء الملابس، حتى وإن كاجوال وغير رسمية، سيبقيكم في حالة ذهنية إيجابية تسمح لكم بالاستعداد للانخراط في هوايات أو أنشطة تحفّز عقلكم، وفق ما أكدته الأخصائية النفسية جينيفير دراغونيت.
ففي المقال الذي نشر على موقع Pure wow، تحدثت دراغونيت عن مدى تأثير ارتداء ملابس النوم على أدمغتنا وعلى نفسيتنا.
تراجع الإنتاجية: في الآونة الأخيرة قضينا جميعاً فترة لا بأس بها في التسكّع بين أرجاء المنزل بملابس النوم، ولكن هل يمكن أن يمنعكم اختيار هذا النوع من الملابس من القيام بجميع المهام الموكلة لكم في العمل؟
في هذا الصدد، قالت دراغونيت: "ما قد يعتبره الكثيرون غير مهم يمكن أن يؤدي في الواقع إلى تضاؤل الحافز والإنتاجية، بحيث يتم الربط من دون وعي بين البيجاما ووقت النوم أو وقت الاسترخاء".
فمن خلال ارتداء ملابس مريحة، قد يبدأ دماغكم في الشعور بالكسل، كما أنه في حال كنتم تعملون من المنزل، فإن الفصل بين حياتكم المهنية والمنزلية أمر مهم للغاية: "تماماً كما أنه من المثالي أن يكون لديكم مساحة مخصصة للعمل، من المهم أيضاً عدم ترك العمل يتغلغل في صلب حياتكم المنزلية"، وفق ما قالته دراغونيت، مشيرة إلى أن تغيير الملابس يساعد في تحديد مؤشر نفسي بين وقتكم الخاص ووقت العمل.
تدني التقدير الذاتي: ماذا لو ذهبتم إلى دار الأوبرا بالسروال الرياضي، وكل من حولكم يرتدون ملابس رسمية؟ من المحتمل أن تبقوا في مقعدكم دون حراك، وستشعرون بالضيق وبالرغبة في مغادرة المكان.
صحيح أن هذا المثال متطرف إلا أنه يوضح كيف أن ارتداء ملابس مدروسة يمكن أن يساعد في تغيير الطريقة التي تنظرون بها إلى أنفسكم وشعوركم طوال اليوم.
فبحسب البحث الذي أجرته البروفيسورة كارين باين، أكّد المشتركون أنهم إذا كانوا يرتدون ملابس غير رسمية، فإنهم يشعرون بارتياح، ولكن إذا ارتدوا ملابس لحضور اجتماع أو مناسبة خاصة، يمكن أن يغير ذلك الطريقة التي يمشون بها ويضبطون بها أنفسهم.
قد يجعل العمل أقل متعة: كشفت دراسة نشرت في مجلةHuman Resource Development Quarterly أن ارتداء ملابس أنيقة قد يغير مشاعرنا حول وظائفنا.
وتعليقاً على هذه النقطة، قالت جينيفير دراغونيت: "على سبيل المثال، شعر الناس بأنهم أكثر موثوقية وجدارة بالثقة وأكثر كفاءة عند ارتداء الملابس الرسمية للعمل، وأكثر ودية مع الناس عند ارتداء الملابس غير الرسمية أو الملابس العادية".
قد يؤثر على النوم: كشفت دراغونيت أن ارتداء ملابس النوم طوال اليوم وعدم الالتزام بجداولنا المعتادة للعمل، يمكن أن يتسبب بحدوث خلل في ساعتنا البيولوجية الداخلية ويؤدي إلى مشاكل في النوم، إلى جانب انخفاض الطاقة والمزاجية، مشيرة إلى أن كل هذه الأعراض يمكن أن تؤدي إلى مشاكل في الصحة العقلية في المستقبل.
الشعور بالكسل: بعد قراءة هذا المقال، لا تتبرعوا بكل ملابس النوم مقابل شراء بدلات وأزياء رسمية، إذ هناك وقت ومكان مخصصان لارتداء البيجاما، وإذا كنتم تتوقون إلى يوم لا تفعلون فيه شيئاً سوى التمدد على الأريكة ومشاهدة التلفزيون، فافعلوا ذلك.
بالطبع، إن البقاء في ملابس النوم يمكن أن يجعلنا نشعر بالكسل، ولكن كما هو الحال مع جميع الأشياء، فإن الاعتدال هو الحل، وقد يكون يوم لا نفعل فيه شيئاً هو بالضبط ما نحتاجه من وقت لآخر، لذلك لا مانع من قضاء يوم كامل بالبيجاما بين فترة وأخرى.
بهدف تحسين العافية، يتعيّن عليكم أن تهتموا بأنفسكم طوال اليوم، لا يعني هذا مجرد تناول الطعام الصحي وممارسة الرياضة بشكل منتظم، إنما إيجاد طرق بسيطة للشعور بالرضا عن أنفسنا، ومن أبسط الأمور التي يمكن القيام بها هي ارتداء ملابس من اختيارنا تجعلنا نتحرك فيها بشكل مريح، وملابس النوم قد تكون من أكثر القطع التي توفر الشعور بالراحة وبنوع من الحميمية، ولكن كما أشرنا في السابق، يبقى الاعتدال هو المفتاح.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه