شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
“الزوج هو السبب… عشت الخوف بعد استئصال ثديي حتى استعدتهما”

“الزوج هو السبب… عشت الخوف بعد استئصال ثديي حتى استعدتهما”

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 17 يونيو 202002:52 م

كانت سلمى (25 عاماً)، الساكنة في منطقة فيصل في القاهرة، تجمع الأموال من عملها، وتحافظ عليها جيداً، استعداداً لزواجها، فبعد وفاة والدها صارت مسؤولة بشكل كلي عن أسرتها الصغيرة المكونة من أم وأخ.

ولكن للقدر رأي آخر، فقد أٌصيبت سلمى بسرطان الثدي قبل زفافها بخمسة أشهر، والأموال التي كانت من المفترض أن تشتري بها جهاز زواجها، أنفقته على عملية استئصال ثديها وعلاجها الكيماوي في عام 2010، بعدما تركها خطيبها بسبب إصابتها قائلاً لوالدتها: "عاوز واحدة سليمة كاملة، مش من غير صدر".

الكلام كان قاسياً بالطبع على الأم، ولكن على سلمى كان تأثيره مضاعفاً، تقول لرصيف22: "حسيت إني خلاص مش ست، مبقاش عندي ثقة في نفسي، مين هيبصلي تاني وأنا من غير ثدي".

في الفترة التي قامت بها سلمى بالعملية لم يكن إجراء إعادة ترميم أو بناء الثدي من جديد معروفاً، ولكن بعد خمس سنوات ذهبت لطبيب آخر بسبب وجع مُستمر في ثديها، وأثناء الكشف أخبرها أنه بالإمكان القيام بعملية بناء الثدي من جديد.

لم تُصدق نفسها: "هل من الممكن أن يكون عندي ثدي من جديد"، ولكن التكلفة المادية كانت عائقاً كبيراً للقيام بعملية الترميم، إذ يبدأ سعر عمليات إعادة البناء في مصر من 60 إلى100 ألف جنيه، أي من 3105 إلى 6176 دولار أمريكي.

ولكن إرادتها في إعادة بناء ثديها جعلها تبيع ذهبها وذهب والدتها، من أجل القيام بالعملية.

كيف يتم القيام بالعملية؟

أستاذ جراحة الثدي والجراحة العامة بطب القصر العيني، حازم خليل، يقول لرصيف22: "ترميم الثدي يتم عن طريقين، الأول زرع أكياس من السيلكون أو المحلول الملحي تحت عضلة الصدر مباشرة، وهذه الطريقة هي الأسهل والأفضل والأقل ألماً".

أما الطريقة الثانية، فتكون عن طريق إعادة بناء الثدي باستخدام الترقيع، أي استخدام أنسجة من نفس الجسم من أماكن مختلفة، مثل البطن والأرداف والمؤخرة أو الظهر، ولكنها غير مشهورة عكس الطريقة الأولى.

في أحد الأيام شديدة الحرارة، كانت المهندسة سمر تقف في موقع الإنشاءات، وبينما ترفع يدها لتُنادي عاملاً، سقطت حمالة صدرها، وكذلك القطن المحشو فيها، لينتهز العمال هذه الفرصة للسخرية منها والتقليل من أنوثتها

وفقاً لدراسة نُشرت عن تاريخ عملية ترميم الثدي، فإن المحاولة الأولى لإعادة بناء الثدي عام 1895، عندما نشر أستاذ الجراحة في هايدلبرغ، فينسنت تشيرني، حالة استئصال الثدي لأمراض حميدة ثم إعادة بنائه من ذراع المريضة مرة أخرى.

استمرت المحاولات عبر السنين، في اعادة شكل ثدي المرأة مرة أخرى بعد استئصاله، حتى عام1984 حيث أظهرت تقنية إعادة بناء الثدي باستخدام الأنسجة نتيجة فعالة وجمالية للمرأة، فاعتمد عليها الأطباء طوال العقد التالي.

"يعانين من الوحدة"

ساعدت عملية الترميم سلمى في إعادة الثقة بنفسها: "بقيت واثقة في نفسي، وحسيت إني بقيت أنثى من جديد"، وليس هذا فقط، أيضاً توقفت عن الذهاب للطبيب النفسي الذي تُتابع معه منذ الاستئصال.

أكدت دراسة نُشرت عام 2017، حديث سلمى، فالسيدات اللاتي قمن بإعادة بناء الثدي أصبحوا أفضل بشكل ملحوظ نفسياً، كما أن مستويات التوتر والقلق أصبحت أقل.

وأضافت الدراسة أن السيدات اللاتي لم يقمن بإعادة الترميم، يعانين من الانزعاج بسبب جسدهن، كما أنهن يعانين من الوحدة بشكل كبير جداً.

عن تأثير تلك العمليات على المرأة، يقول أستاذ جراحة الثدي، حازم خليل لرصيف22: "مش بيفرق سن الست، لو عندها 90 سنة وقولنا ليها هنشيل ثديك احساسها زي البنت اللي عندها 20 سنة، وبعد الترميم بيبقي فرق السما من الأرض، بيحسوا بأنوثتهن".

يتذكر الطبيب موقفاً صعباً مر عليه لفتاة لم تتعد الـ25 عاماً: "اكتشفت بالصدفة أنها مصابة بسرطان الثدي، ومضطرين لإزالته سريعاً وبسبب العلاج الكيماوي تساقط شعرها، وللأسف كانت مخطوبة وخائفة أن يتركها حبيبها".

"البنت كانت بتدخل العيادة تعيط، تقولي أنا عايزة صدري، حتى لو هموت، ولكن بعد الاستئصال وبناء ثدي جديد، بالإضافة إلى الدعم النفسي أصبحت أفضل، من رحمة ربنا إن خطيبها طلع كويس وده نادراً اليومين دول"، يقول الطبيب.

"إنتي مش حامل، عندك سرطان"

كانت سارة (29 عاماً) تحتفل بزواجها في حي المنيل في القاهرة، وتستعد للسفر إلى السعودية برفقة زوجها بسبب عمله هناك، منتظرة خبراً جيداً، وتتمنى أن تكون حاملاً بطفلها الأول، فأملها كبير بسبب انقطاع "الدورة الشهرية" لمدة شهرين.

ذهبت لطبيبة نسائية لتخبرها بالأعراض التي تمر بها، فحولتها على الفور لطبيب أورام، والذي بلغها بالخبر الأسوأ في حياتها، كما تروي لرصيف22: "انتى مش حامل، انتي عندك سرطان في الثدي".

أحلام سارة تبدَّدت، وآمالها تغيَّرت، تقول: "حسيت اني تايهة ومهزومة ومش فاهمة حاجة"، وعلى الفور قام زوجها بحجز أول رحلة طيران لتعود بمفردها إلى مصر، ويستقبلها أهلها بالدموع.

"حسيت اني تايهة ومهزومة ومش فاهمة حاجة".

"أخدوني من المطار للدكتور، قالوله عايزين حل بسرعة، دي عروسة جديدة"، تروي سلمى.

رحلة الكيماوي والعلاج ووصولاً للاستئصال استغرق حوالي ثلاثة أعوام من سارة، التي تركها زوجها تواجهها بمفردها في مصر، بسبب عمله في بلد غريب.

كل ستة أشهر كان زوجها يأتي إلى مصر لرؤيتها والاطمئنان على صحتها، وبسبب عيشهم في بيت عائلة، كان مرضها سبباً في مشاكل كثيرة مرت بها مع أخوته، فاعتادت أذناها على سماع جُمل مثل: "انتي ظالمة زوجك، سبيه يتجوز، هو مكمل معاكي عشان انتي قريبته، لو حد غيره كان رماكي، دي فرصة ذهبية عشان يسيبك، انتي بعد كدا تشيليه على رأسك"، تروي سارة لرصيف22.

أول سؤال سألته سارة للطبيب، هل يمكن أن يتم زرع الثدي بعد الاستئصال مُباشرة، فأخبرها على حسب نتيجة الإشعاع.

يقول الطبيب حازم خليل لرصيف22: "كل حالة تختلف عن الأخرى، فالزرع يتم بعد عدد من العمليات المُعقدة والتأكد من الشفاء الكامل للحالة، ثم بعد ذلك نبدأ في الترميم".

ويضيف، "بعض الحالات نقوم بزرع ثدي لها بعد الاستئصال مباشرة، وأخريات ننتظر سنوات حتى نستطيع إعادة بناء ثديها، سارة من هؤلاء اللاتي لم يستطعن القيام بالترميم إلا بعد سنوات من الاستئصال".

"خاف يلمسني"

بعد الانتهاء من عملياتها، سافرت سارة مجدداً لزوجها بالسعودية، هذه المرة بدون ثدي: "كان خايف يلمسني، كل أما أقرب منه يقولي أنا مرعوب، جسمي بيقشعر ومش قادر وأنا محرجة منه ومن نفسي"، تروي سارة.

انتظرت الفتاة العشرينية فترة طويلة كي تتم العلاقة الجنسية بينهما، ولكن بلا جدوى، فقررت إخبار والدتها بنيتها في الطلاق بسبب ما يحدث، فتدخلت الأم، وأخبرت الزوج: "إذ أردت تطليقها فليكن ولكن لا تعاملها هكذا".

بعد فترة عادت سارة إلى مصر لتقوم بعملية الترميم حتى تُنقذ العلاقة بينها وبين زوجها، وبالفعل تحسنت العلاقة الجنسية بينهما، وعادت ثقتها بنفسها، وتنتظر عودة الدورة الشهرية من جديد، ولكن حالتها النفسية مازالت سيئة بسبب ما حدث.

في دراسة صُدرت في ديسمبر لعام 2018، ناقشت كيف تؤثر الحالة الزوجية على الأنماط المعاصرة لإعادة بناء الثدي بعد استئصاله،95% من النساء المتزوجات يخضعن لعملية الترميم بسبب الشريك.

"95% من النساء المتزوجات يخضعن لعملية الترميم بسبب الشريك"

وأضافت الدراسة، أن النساء اللواتي انفصلن والعازبات والأرامل أقل احتمالية في الخضوع لإعادة بناء الثدي من جديد، مقارنة بالمتزوجات.

استشاري العلاقات الأسرية، أسماء الفخراني، تقول لرصيف22: "إن عملية ترميم الثدي هي الحل الأمثل لمُشكلة الاستئصال، وما يتبعها من مشاكل زوجية، فهي لا تعيد ثقة النساء فقط في أنفسهن، ولكن أيضاً تنقذ العلاقة الجنسية والزوجية".

وتُضيف: "الزوج له دور كبير في إعادة المرأة لثقتها، فمن الممكن ألا يُشعرها أن هناك نقصاً في جسدها، لأن بالطبع الثدي له عامل مهم في العملية الجنسية"، وتشير إلى أنه يجب أن يتم تأهيل نفسي للزوجين بعد عملية الاستئصال والترميم.

الترميم والعمل

تعمل سمر (28 عاماً)، كمهندسة مدنية وتعيش في 6 أكتوبر، فتعتاد على النزول للمواقع الإنشائية للعمل بها منذ تخرجها، منذ ثلاثة أعوام اكتشفت إصابتها بسرطان الثدي، وقامت بعملية الاستئصال سريعاً، أما الترميم، فأخبرها الطبيب أن موعده لم يحن بعد.

كانت تضع قطناً في حمالتها الصدرية لتستطيع النزول وسط عمال الإنشاءات، لتباشر عملها وتخفي السواد الذي ظهر تحت أعينها منذ الاصابة ببعض مستحضرات التجميل، كما تظهر ابتسامتها كلما سألها أحد عن حالتها الصحية.

 "بعد عملية استئصال الثدي، كان خايف يلمسني، كل أما أقرب منه يقولي أنا مرعوب، جسمي بيقشعر ومش قادر وأنا محرجة منه ومن نفسي"

تقول سمر لـرصيف22: "مجال الإنشاءات والمواقع صعب جداً، وهو أساساً معظم اللي بيشتغل فيه رجاله، فلو حد حس إني مهزوزة وضعيفة هيتسلوا عليا، سواء العمال أو المهندسين زملائي، وهيستغلوني أسوأ استغلال".

ولكن في أحد الأيام شديدة الحرارة، كانت سمر تقف في الموقع، وبينما ترفع يدها لتُنادي عاملاً، سقطت حمالة صدرها وكذلك القطن المحشو فيها، لينتهز العمال هذه الفرصة للسخرية منها والتقليل من أنوثتها قائلين: "هما المهندسات كلهم رجالة كدا.. دي ست ولا راجل دي؟".

تقول سمر لرصيف22: "بعد هذا الموقف قدمت على إجازة، وأخذت قرار الترميم سريعاً، بالطبع كل ذلك كان صعباً عليّ جداً، ولكن ما باليد حيلة، الحياة تستمر ويجب أن نقاوم".

عادت سمر للعمل مرة أخرى بعد عملية الترميم وتلقي علاج نفسي مكثف، ولكنها طلبت تغيير الموقع التي كانت تعمل فيه مسبقاً.

قصة سمر تؤكدها دراسة أن نسبة 75% إلى 85% من السيدات في سن العمل، واللاتي أصبن بسرطان الثدي، يعدن إلى العمل بعد إعادة التأهيل وبناء الثدي.

سلمى وسارة وسمر، ثلاث محاربات قويات، تشاركهن الألم أكثر من 34% من سيدات مصر المصابات بسرطان الثدي، كل منهن تقاوم وتحارب في مكانها، سلمى مع عائلتها، لم توقفها إصابتها وترك خطيبها لها عن العمل وإعالة أسرتها، وسارة تنتظر العوض الجميل عن محنتها الصعبة، أما سمر فتقف صامدة في ميدان عملها، وتثبت للجميع أنها قادرة على تحمل آلام كثيرة، أسهلها الإصابة بالسرطان.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image