شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
من الإسكندرية إلى أثينا… كل موج البحر بيسلّم عليك يا ديميس روسوس

من الإسكندرية إلى أثينا… كل موج البحر بيسلّم عليك يا ديميس روسوس

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الاثنين 15 يونيو 202005:46 م

من الإسكندرية إلى أثينا، ومن أثينا إلى عوالم الشهرة الطاغية التي عاش فيها خلال مشوار نجاحه الصاخب، محطات في ملحمة غرائبية لابن عروس المتوسط، وسفير الموسيقى اليوناني، "أرتيميوس فنتوريوس روسوس" الشهير بـ "ديميس روسوس"، صوت البوق الشهير الذي سجل اسمه بحروف من نور في الذاكرة السمعية والبصرية للعالم، بملامحه التي تشبه وجوه آلهة الإغريق في التماثيل التي تملأ معابد أثينا، وروحه المرحة التي نقلها لنا من خلال أغانيه، وعبرت عن تأثير طفولته في الإسكندرية على شخصيته.

من خلال هذا المقال، أستعيد حكاية الصوت الذي يشبه البوق، تزامناً مع مرور 74 عاماً على ميلاده، بعد أن صنع مجداً خالداً وصلت فيه مبيعات أسطواناته لما يتجاوز الـ60 مليون نسخة حول العالم.

ولد روسوس في الإسكندرية، في 15 حزيران/ يونيو من عام 1946، في ذلك الوقت الذي كانت فيه مدينة الثغر في قمة عنفوانها، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث كانت تحتضن خليطاً كبيراً من الحضارات والثقافات المتعددة قدمت من أماكن مختلفة في العالم.

درس الموسيقى في طفولته، وظل لمدة خمس سنوات في كورال الكنيسة الأرثوذوكسية اليونانية بالإسكندرية، لتلعب المدينة الساحرة دوراً مركزياً في تشكيل الحالة الفنية للفتى الصغير، الذي بدأ باستكشاف العالم من على شاطئ الماريا، الكوزموبوليتانية الساحرة والزاخرة بثقافات مختلفة وألوان متعددة صبغت بها شخصيته، عندما أصبح نجماً كبيراً واستمرت معه طوال حياته.


الهدوء الذي يسبق العاصفة

عاش الفتى اليوناني طفولة هادئة في سنوات حياته الأولى، كان والده وأهله يعملون في مجال صناعة الحلويات، وكان عمه يمتلك مصنعاً شهيراً للحلويات في الإسكندرية يحمل اسم "نادلر"، ما كان يوفر للطفل وأسرته مستوى من الرقي الاجتماعي يحمل أوجهاً متعددة لرفاهية الحياة، ومن معالم تلك الرفاهية في ذلك الزمان، هو الزيارات المتكررة للأوبرا، والتي لعبت دوراً كبيراً في تفتح أذني روسوس للموسيقى في مرحلة مبكرة من حياته.

ولد روسوس في الإسكندرية، في 15 حزيران/ يونيو من عام 1946، في ذلك الوقت الذي كانت فيه مدينة الثغر في قمة عنفوانها، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث كانت تحتضن خليطاً كبيراً من الحضارات والثقافات المتعددة قدمت من أماكن مختلفة في العالم

هذا الهدوء الذي شهدته طفولة الفتى الإغريقي لم يستمر طويلاً، فمع بداية العقد الثاني في حياته، اشتعلت الحرب بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، عقب قرار الرئيس المصري جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس، وهو ما وضع الاقتصاد المصري تحت ضغط شديد، حتى نجحت مصر في عبور تلك الحرب، لكن الأزمة الاقتصادية التي خلفها العدوان الثلاثي كان له العديد من الضحايا الذين لم يستطيعون تحمل كل تلك الضغوط، ومن هؤلاء كان والدا روسوس اللذان خسرا جميع ممتلكاتهما إثر الأزمة، ما اضطرهما إلى مغادرة مصر والعودة إلى اليونان.

في أثينا بدأت مرحلة مختلفة من حياة ديميس روسوس مع الموسيقى، لتبدأ أول خطوات مشواره الفني مع مجموعة "ذي أيدولز"، وكان عمره في ذلك الوقت 17 عاماً، ولم يمر وقت طويل حتى بدأ روسوس في حصد الشهرة عالمياً، عندما التحق بمجموعة الروك "أفرودايت شايلد"، كان طريق روسوس للعالمية مفتوحاً، فقد كان الصوت الجهوري لا مثيل له، ألتحق بفريق "فانجليس" في محطته التالية، قبل أن ينفصل عنهم ويقرر الغناء منفرداً للمرة الأولى.

عام 1968 الذي شهد بداية روسوس، مع فريق "أفروديت تشايلد" كمطرب وعازف قيثارة، كان محطة فاصلة في حياته، وبعد صدر الألبوم الذي يحمل عنوان "666"، كان ديميس روسوس قد أصبح نجماً معروفاً في أنحاء متفرقة من العالم، ورغم تفكك ذلك الفريق إلا أن نجاحات روسوس استمرت، فتعاون مع الموسيقى "فانجيليس باباثانسوي" في إصدار ألبوم "سكس باور" عام 1970م.

الموسيقى لغة عالمية

كانت أغنية "سوف نرقص" أشهر الأغاني التي صنعت بداية روسوس، بعد أن قرر الغناء منفرداً، وبعدها عاش المطرب المصري اليوناني أفضل فترات بزوغه الفني وشهرته الطاغية خلال فترة السبعينيات.


قامت مدرسة روسوس الفنية على فكرة الدمج بين الموسيقى الشرقية والغربية في قالب جذاب يناسب الثقافتين معاً، فقد كان الرجل السكندري يحمل قناعات راسخة بأن الموسيقى لغة عالمية واحدة، يجب توحيدها بعيداً عن الفواصل الثقافية والحدود الجغرافية، وهو ما نجح فيه بالفعل بشكل كبير، بعد أن ذابت الفروق واستقطب الملايين من عشاق الموسيقى الذين يحملون ثقافات متباينة ومتنوعة من مختلف الشعوب، وتتوزع مبيعات ألبوماته التي تجاوزت 60 مليون نسخة بين مائة دولة على الأقل، استمعت كل تلك الأنماط المختلفة والآذان المتعددة لأشهر أغانيه، مثل "عندما أحبك" و"المطر والدموع"، والتي رددها الملايين من كل الجنسيات وبكل اللغات.

كان روسوس ذكياً، وأراد أن يبتعد بشخصيته الفنية منذ البداية عن محاصرته في الصورة النمطية التي ستجعل منه مجرد مغن للمراهقين أو مطرب للشباب فقط، وقد رصدت هيئة الإذاعة البريطانية BBC تفاصيل تلك الخلطة الفنية التي صنعها لنفسه، وذلك من خلال الفيلم الوثائقي "الظاهرة The Phenomenon" من إنتاج عام 1975، والذي خصصته "بي بي سي" ليعرض السيرة الذاتية وملامح صعود الفتى الإغريقي إلى القمة، وكيف أصبح صوت البوق الجهوري عابراً للقارات.

قامت مدرسة روسوس الفنية على فكرة الدمج بين الموسيقى الشرقية والغربية في قالب جذاب يناسب الثقافتين معاً، فقد كان الرجل السكندري يحمل قناعات راسخة بأن الموسيقى لغة عالمية واحدة، يجب توحيدها بعيداً عن الفواصل الثقافية والحدود الجغرافية

العودة لمصر

عاد ديميس روسوس إلى مصر مجدداً مرات عديدة في نهاية السبعينيات، بعد أن أصبح نجماً عالمياً، وقام الرئيس المصري الراحل أنور السادات بدعوته لزيارة البلاد بعد نصر 6 أكتوبر وبداية مفاوضات ما بعد الحرب، فقد كان السادات حريصاً على استغلال النجوم العالميين أصحاب الأصول المصرية والشرقية، مثل "داليدا" و"روسوس" و"خوليو أجلاسيوس"، في الترويج لصورة مصر في الخارج، وذلك عن طريق إقامة الحفلات الموسيقية لهم داخل مصر، ليجعل السادات من روسوس وداليدا أحد أذرع القوى الناعمة المصرية في تلك المرحلة، ولم ينقطع روسوس عن زيارة مصر بعد ذلك حتى نهاية حياته.


يملك روسوس أرشيفاً موسيقياً كبيراً وبلغات متعددة، فقدم خلال مسيرته 293 تسجيلاً على الأقل، بما فيهم 38 ألبوماً موسيقياً، و154 أغنية منفردة single، وقد رحل روسوس عن دنيانا في 25 كانون الثاني/ يناير 2015 في إحدى مستشفيات أثينا، بعد رحلة صاخبة، أقنع فيها الملايين من الناس بأن الموسيقى لغة عالمية لجميع البشر، وقالت شبكة "سى إن إن عربية" في وداعه: "الإسكندرية تبكي ابنها الفنان العالمي الراحل ديميس روسوس".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image