يأتي هذا المقال ضمن تعاون مع مجلة Arts Asia Pacific التي تعنى بتغطية الفن المعاصر والأحداث الثقافي في سبع وستين بلداً ضمن آسيا والمحيط الهادي والشرق الأوسط. في عددها 118 يونيو/حزيران ـ يوليو/تموز لهذا العام 2020، تنشر مجلة Arts Asia Pacific، ضمن زاوية "المحور" "The Point،" بقلم الكاتبة والباحثة الفنية ناديا كريستيدي Nadia Christidi حول كيفية تورط أنظمتنا الثقافية والاجتماعية السياسية في تغير المناخ، وما هي الإجراءات التي يمكن أن تتخذها صناعة الفنون. في هذا المقال، تناقش الكاتبة ما يمكن أن تسهم به المخيلة الفنية في حلول تغير المناخ. نقدمه لقرائنا هنا، باللغة العربية.
على مدى الأشهر الخمسة الماضية، كنت أدرس تخطيط المياه في دبي. لقد نظرت في الآثار المحتملة لتغير المناخ على المياه ومستقبل الموارد كما يتخيلها ويجهزها صناع السياسات والمهندسون والعلماء، بينما يتصارعون أيضًا مع مقترحات ووجهات نظر قدمها الفن. من خلال هذه الدراسة اتضحت لي عدة نقاط حول آثار تغير المناخ على إنتاج المعرفة، أعرضها في هذا المقال.
دبي تتصدر المشهد العالمي في تحلية المياه
لتغير المناخ إمكانية في تغيير المفاهيم المسبقة عن مصادر المعرفة. فمن المرجح أن تلتجئ المناطق ذات المناخات المتشابهة إلى بعضها البعض لأن الحلول ستكون بالضرورة أضيق تخصصاً بمناخ معين. ومن المتوقع استكشاف زوايا جديدة لتبادل المعرفة والإنتاج في العالم، وبالأخص في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية. وبالفعل أصبح بإمكاننا أن نلمح هذا في النموذج الخليجي في المنطقة العربية من خلال عمليات سحب تجري لكميات هائلة من المياه المالحة وتحليتها ودلالات هذه الإجراءات في مجال تطوير الصناعة.
بإمكاننا أن نلمح استكشاف زوايا جديد لتبادل المعرفة في تطوير الصناعات في نموذج الخليج العربي من خلال عمليات سحب هائلة للمياه المالحة وتحليتها.
واليوم، يمكن تسجيل حوالي 70% من محطات التحلية في العالم في بلدان الشرق الأوسط، حيث تقوم مدن، مثل دبي، بالنهوض بقدراتها البحثية والتطويرية لتحقيق مزيد من النمو في الصناعة. وعلى عكس الموارد التقليدية مثل المياه الجوفية والمياه السطحية، والتي تعتمد على هطول الأمطار وبالتالي تتأثر بشكل كبير بتغير المناخ، فإن تحلية المياه لا ترتبط بشكل حساس بالمناخ مما يمكّننا من الاعتماد عليها بشكل أكبر من مصادر المياه الأخرى. وبالتالي، هذا يتيح المجال لبروز تحلية المياه كمصدر رئيسي لها، كما يسمح لمدن مثل دبي بلعب دور متنامي الأهمية في المستقبل العالمي للمياه.
لم تعد الصحراء قاحلة
ينطوي تغير المناخ على إمكانية تغيير الأطر الزمنية التي نستمد منها المعرفة. ومن الملاحظ أننا نشهد اليوم عودة إلى عصور ما قبل الحداثة للحصول على مصادر للمعلومات. أحد الأمثلة على ذلك هو إنشاء مشروع فني يدعى "تحويل مجالات الطهي إلى الإكسيروفيل" Xerophile وهي كناية عن النباتات التي يمكنها النمو والتكاثر ضمن شروط مائية شحيحة. والفكرة عبارة عن حديقة من تسعة روابي رملية وهضاب صخرية مصدرها أنقاض البناء التي تحفز التكاثف من الرطوبة وامتصاص الماء بطرق مستوحاة من تقنيات الزراعة القديمة. هذه الهضاب هي تجسيد لتقنية "الري بدون ماء"، وتستخدم لزراعة 40 نوعًا من النباتات الصحراوية، وقد كان يستهلك بعضها تاريخياً في الإمارات العربية المتحدة، مما يتحدى الافتراضات الحداثية عن الصحراء القاحلة.
تتحدى دبي مفهوم الصحراء القاحلة عبر تقنية "الري بدون ماء"، وزراعة 40 نوعًا من النباتات الصحراوية
ما هي آالية المشروع؟
يمكن لتغير المناخ أن يعيد تكوين تصورات عن التخصصات التي نستوحي منها المعرفة وعمن ينتج المعرفة. توضح مشاريع مثل "التحول إلى إكسيروفيل" الإمكانات التي يتمتع بها الفن كمصدر للمعلومات العلمية وكإلهام للرؤى البديلة. تجدر الإشارة إلى أن المشروع يعتبر تجريبياً. وفيه يتم أخذ قياسات الهضاب التسعة في الحديقة من زوايا مختلفة، وستتم مراقبة الحديقة حتى عام 2021 لمعرفة الشكل المثالي للهضبة والفصائل النباتية الأجود. على الرغم من أنه يمكن للمرء أن يتخيل مستقبلاً أن هذه الحدائق قد تصبح منتشرة في كل مكان في دبي، إلا أن هذه الأنواع من المشاريع بعيدة كل البعد عن السياسات الحالية في تصميم الحدائق، والتي تفضل المروج العشبية للمناظر الطبيعية والزراعة العمودية والزراعة المائية وزراعة الحلقة المغلقة. وبينما يتم ري العشب بمياه الصرف الصحي المعالجة في دبي، فإن هذا التوجه "نحو الري دون ماء" أو عن طريق التكاثف سيتيح توفير المياه المكررة لاستخدامات أخرى.
هل يمكن أن تبتكر المشاريع الفنية النفعية حلولاً لتغير المناخ؟
إن الاعتراف بالفن كحقل لتوليد المعرفة يقودنا إلى السؤال حول ما يمكن للمقترحات الفنية النفعية، مثل مشروع "الإكسيروفيل"، أن تبتكره من حلول لا يمكن للتقنيات العلمية الحديثة للشركات الاقتصادية أن تبتكرها. وفي حين لا يعتبر أعضاء مشروع "الإكسيروفيل" أن مشروعهم أوجد الحل النهائي، سواء لندرة المياه أو انعدام الأمن الغذائي، ولكنهم يرون فيه مقاربة للحل. وبينما تؤكد مثل هذا المقاربات على التجربة المفتوحة والعملية وتبني النجاح والفشل في أشكالها المختلفة كمصدر للحصول على استنتاجات مفيدة، تميل الحلول الرأسمالية إلى إيجاد توزيعات لرأس المال تستثمر عبرها في البحث والتطوير بهدف توسيع عملها، وذلك ضمن حيز ضيق من الخيارات يحد من فرص الوصل إلى نتائج مفيدة.
وعلى الرغم من أن الفن لا يقبع تماماً خارج دوائر رأس المال، إلا أنه يتمتع بالقدرة على توليد تصورات لحلول أكثر جذرية. وسيكون هذا ضرورة حتمية مستقبلاً نظرًا لاستمرار تغير المناخ ومواجهتنا لظروف مختلفة تمامًا لن تكون حلول العصر الحالية كافية لها.
يكمن الخطر في أن تصبح الأعمال الفنية مجرد "صورة قيّمة" تلتقطها عدسة الابتكار الرأسمالي لتشكل امتدادًا لمشاريع الماركات التجارية
إذن، هل يمكن لمشاريع مثل إكسيروفيل أن تصبح سياسة طاغية؟ وهل هي ضرورة؟
هناك الكثير من الإمكانيات للمقترحات والسياسات الفنية لأن تصبح أكثر انسجامًا مع متطلبات التغير. ومع ذلك، لا زالت تواجه كثيراً من العقبات أمامها، بما في ذلك ميل السياسة الاقتصادية في الابتكار إلى تفضيل المشاريع التي تضمن زيادة الأرباح على المشاريع التجريبية. إضافة إلى أن مشروعاً مثل الإكسيروفيل لا يمتلك الصورة التجارية التي تسوق له في سباق اليوم على احتلال موقع البؤر الحديثة للعلوم والتكنولوجيا والابتكار، والتي تستثمر فيها مدن مثل دبي بشكل كبير.
نعم، من المحتمل أن يكون لمعرفتنا بالماضي واستيعابنا لمعارفه الدور الأكثر أهمية في مستقبلنا، كما نرى في العودة إلى استخدام سجلات من العصر الحجري القديم للتنبؤ بالأنواع النباتية التي يمكن أن تعيش وسط درجات حرارة عالمية أعلى، أو كيفية عودة تخزين المياه في براميل الأمطار والصهاريج. ولكن لا يزال هناك تقييم مبالغ فيه لتقنيات الخيال العلمي التي تطمح أن تحققها أماكن مثل دبي، وهذا يجعلها ترفض الاعتماد كلياً على التقنيات البدائية ويدفعها للتركيز على التكنولوجيا الفائقة في محاولة لأن تصبح مركز الابتكار القادم في العالم.
هذا لا يعني أنه لا يوجد مجال للأعمال الفنية لتصبح أكثر قيمة من خلال فهم موسع لما يعنيه الابتكار وكيف يبدو. لكن الخطر هو أن تصبح الأعمال الفنية "صورة قيّمة" يتم التقاطها بعدسة الابتكار الرأسمالي، كما هي، لتكون امتدادًا لمشاريع الماركات التجارية للمدينة كما حدث للفن في بعض الحالات في مشاريع التجديد المدني- أو مبادرات التحسين. عندها ستكون قد ضاعت الفرصة!
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون