تخيّلوا أن في الشارع الذي تسكنون هناك عمود كهرباء منطفئ من سنين، لا بل مهترئ متصدّع، وقد ينهار بأي لحظة على رؤوس المّارة. تخيّلوا أنكم قررتم إصلاح العمود كيلا يقع على رأس أحد أولاً، خاصة أن وقوعه أصبح حتمياً، وثانياً كي ينير الشارع المظلم من سنوات وسنوات.
وتخيّلوا أيضاً أن على قمة العمود وكر من الزلاقط والدبابير، التي إن بقيت قد تحول دون إضاءة مصباح العمود. حسناً، أصبح من الواضح أنه علينا إزالة وكر الدبابير، لكن مهلاً... كي نصل إلى القمة علينا صعود العمود أوّلاً، فكيف بإمكاننا أن نضيء المصباح ونحن ما زلنا نقف على الأرض؟
لكن تخيّلوا أن العمود الذي عليكم صعوده غير مؤهل حتى للصعود عليه، فقضبان الحديد صدئة، لا بل مهترئة، بعضها مفكك وبعضها وقع وبعضها سيقع عند أول نسمة هواء.
هذه هي الحال في وطننا، طبعاً إن كنتم لا تزالون تعتبرونه صالحاً لهذا الاسم: "وطن".
وطن قد ينهار بين لحظة وأخرى، وطن لا يصلح حتى للعيش فيه، وطن الظلام والجوع والقمامة والمرض والفقر، وطن الأحزاب والأزلام والمحسوبيات والواسطة، وطن السرقة والنهب والصفقات والصفعات، وطن الخطابات والمؤتمرات والانجازات الفارغة الوهمية الغبية، وطن قطّعوه على أحجامهم، هجّروا كل من أراد العيش "بدون جميلتن"
وطن أو شبه وطن، مظلم، مهترئ، قد ينهار بين لحظة وأخرى، وطن لا يصلح حتى للعيش فيه، وطن الظلام والجوع والقمامة والمرض والفقر، وطن الأحزاب والأزلام والمحسوبيات والواسطة، وطن السرقة والنهب والصفقات والصفعات، وطن الخطابات والمؤتمرات والانجازات الفارغة الوهمية الغبية، وطن قطّعوه على أحجامهم، هجّروا كل من أراد العيش "بدون جميلتن"، فقّروا أبناءه، هدّدوا أتباعه بالصرف من الوظيفة، بالجوع، بالمرض، بالموت، إن لم ينشدوا: "بالروح بالدم"، إن لم يقرّوا ويبرهنوا، كلما أتيحت الفرصة، بالولاء وبأن "فلان يمثلني".
وطن اللادولة بل الدويلات. دويلات تنهب ثروات الوطن وتمنن أتباعها (وفقط من يداوم على إثبات الولاء) بإعطائهم بعض الحقوق. مثلاً تريد لأبنائك الذين تعبت عليهم كي يكبروا ويتعلّموا، أن يتوظفوا وظيفة تسترهم وتأمن لهم بعض الخبز والأمان… ماذا تفعل؟ توجّه وتوسّل. تحتاج إلى عملية وإلا حياتك ستكون مهددة بالموت، لكن العملية لا تغطيها الوزارة، لماذا؟ لأن الحزب هو من يغطيها بكل بساطة. تريد العمل في وطنك بعد سنوات من الغربة لتحصيل الشهادات والخبرات، لكن مهلاً، أي حزب يغطيك؟ تريد مقعداً في المؤسسة الفلانية بعد سنوات من العمل والجهد؟ أي حزب تمثل؟ لا مكان للذين يمثلون أنفسهم وحسب.
وكر الدبابير قد يمنعنا من إضاءة العمود، وقد يحول دون أن ننعم بسيادة نور العمود على أرجاء الشارع كما يفترض أن يكون، لكن إذا أردنا حقّاً إصلاح العمود كيلا ينهار فوق رؤوسنا، لم لا نقوم بتلحيم قطع الحديد والإتيان بقضبان جديدة وتثبيتها، كي نصعد أولاً، دون خطر الوقوع والموت "بحجة إنارة العمود"
وكر الدبابير قد يمنعنا من إضاءة العمود، وقد يحول دون أن ننعم بسيادة نور العمود على أرجاء الشارع كما يفترض أن يكون، لكن إذا أردنا حقّاً إصلاح العمود كيلا ينهار فوق رؤوسنا، لم لا نقوم بتلحيم قطع الحديد والإتيان بقضبان جديدة وتثبيتها، كي نصعد أولاً، دون خطر الوقوع والموت "بحجة إنارة العمود".
قد تبدو فكرة صعود العمود بسيطة وسهلة، لكنّها تحتاج للكثير من الدقة والصبر والحكمة والأمل، كما قد تبدو فكرة إزالة وكر الدبابير مستحيلة، إلا أنها ممكنة بالكثير من الوحدة والعقل والسلام.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يوممقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ 4 أياممقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ أسبوععزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ اسبوعينلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعيناخيرا مقال مهم يمس هموم حقيقيه للإنسان العربي ، شكرا جزيلا للكاتبه.
mohamed amr -
منذ اسبوعينمقالة جميلة أوي