لا شك أننا جميعاً نتوق إلى الأحاسيس والمشاعر الجميلة التي تجتاحنا لحظة الانخراط في علاقة عاطفية، فليس هناك أجمل من أن يكون هناك شخص يحبنا من دون حدود، يشاركنا اللحظات الجميلة ويقف إلى جانبنا في المواقف الصعبة في الحياة، إلا أنه بالنسبة للبعض قد لا يكون تقبّل الحب سهلاً، وذلك يعود بشكل أساسي إلى العاطفة "المنقوصة" التي تلقوها في طفولتهم، أو تجارب الحب المريرة التي اختبروها في مرحلة البلوغ.
بالتالي، فإن فهم الأسباب التي تجعل هؤلاء الأفراد يشعرون أنهم غير جديرين بالحب والعاطفة، تمثل الخطوة الأولى في عملية التخلص من نمط الأفكار السلبية.
الحب... مفتاح السعادة
كشفت دراسة أجراها باحثون من جامعة هارفارد، أن الحب هو مفتاح الحياة السعيدة والمَرْضية، وفي حين يبدو أن الحب سمة ذات قيمة عالمية، فإن تعريفه من الناحية السلوكية يمكن أن يمثل تحدياً.
فقد أوضح الباحث الرئيسي في دراسة هارفارد، جورج فايلانت، أن هناك مكونين أساسيين يرتبطان بالوجود السعيد: "أحدهما هو الحب، والآخر هو إيجاد طريقة للتعامل مع الحياة لا تدفع الحب بعيداً".
بعض الأفراد ينظرون إلى أنفسهم نظرة احتقار، فيسيئون تقدير ذاتهم ويشعرون بكراهية تجاه شخصهم، وبالتالي فإنهم يشعرون دوماً بأنهم لا يستحقون الحب ولا حتى المودة
في الواقع، من الطبيعي أن يعطي المرء "قلبه" للآخر، ويختبر الحب بطريقة صحية ومفيدة، ولكن هذا الأمر قد لا يكون بهذه السهولة، بخاصة وأن العلاقات البشرية بحد ذاتها تبقى معقدة بعض الشيء.
"أنا لا أستحقه على الإطلاق، هو أفضل مني في كل شيء، وبصراحة أجهل السبب الذي يجعله يحبني ويتمسك بي لهذا الحدّ، فهناك فرق شاسع بيني وبينه، سواء كان ذلك على صعيد الشكل الخارجي، الوضع الاجتماعي والتحصيل العلمي، صحيح أن الحب أعمى ولكنني أعتقد أنه سرعان ما سيبصر الفرق بيننا، ويقرر إنهاء علاقتنا، هذا حقه في نهاية المطاف، فأنا لا أستحق حبه من الأساس.".
هذا مقتطف مما قالته ريما (اسم مستعار) متحدثة عن علاقتها بمديرها الذي يكبرها بحوالي 10 سنوات، فقد كشفت هذه الشابة البالغة من العمر 32 عاماً لموقع رصيف22، أنها أُغرمت بوسام (اسم مستعار) منذ اللحظة الأولى التي وقعت عينها عليه، فكان هناك أعجاب متبادل حتى اكتشفت أنه ابن صاحب المؤسسة، فحاولت أن تقمع مشاعرها وتصده، إلا أن محاولاتها باءت بالفشل، بخاصة وأنه أكد لها مراراً وتكراراً أنه مستعد للتخلي عن كل شيء في حال رفض أهله "مباركة" حبهما.
واللافت أن ريما اعتادت أن تعيش حالة من التخبط الداخلي في كل مرة تتعرف فيها على شاب جديد: "هيدي مش أول مرة بتصير معي، ما بعرف ليه بس دايماً بحس إني مش خرج حب وإنحب، بخاف من بكرا كتير، وبضل قول بيني وبين حالي: ما تتعلقي فيه أكيد بكرا رح يتركك".
هذا وتعترف ريما أن ثقتها بنفسها مهزوزة، كما أنها تشعر وكأنها تختنق في كل مرة يغمرها الطرف الآخر بالحنان والعاطفة، خاصة وأنها لم تعتد منذ طفولتها على الدلال: "بيي كتير قاسي، بالنسبة لإلو نحنا خلقنا كبار ولازم نكون مدعوكين بالحياة، وإمي بطبعها ما بتعبّر كتير، فما تعوّدت على كترة الغنج، ولهيك بنقز إذا بلاقي حدا كتير بيهتم فيي وبيغنجني".
الشعور بالدونية
على الرغم من أن معظمنا وجد نفسه في موقف ما حيث شعر بأنه لا يستحق الحب أو الثناء أو الإطراء، إلا أن الشعور المستمر بالدونية تجاه الآخرين هو أمر لا يجب تجاهله على الإطلاق، لكونه قد يقلب مفهوم الحب رأساً على عقب.
والواقع أن بعض الأفراد ينظرون إلى أنفسهم نظرة احتقار، فيسيئون تقدير ذاتهم ويشعرون بكراهية تجاه شخصهم، الأمر الذي يجعلهم غير قادرين على رؤية أي جانب جيّد في شخصيتهم، وبالتالي فإنهم يشعرون دوماً بأنهم لا يستحقون الحب ولا حتى المودة، لا بل أنهم يعتبرون أنفسهم "وحوشاً" يجب أن تعيش في عزلة ونبذ عميق.
وفي هذا الصدد، أكد الطبيب في علم النفس جوشوا كلابوو، أن "الشعور بعدم الجدارة في علاقة حب هو أمر أكثر شيوعاً مما قد نعتقد".
وأضاف جوشوا لموقع Elite Daily: "يشعر الكثير من الناس بأنهم لا يستحقون الحب الرومانسي، لكن هذا ليس شعوراً صحياً أو مفيداً"، مشيراً إلى أن هذه المشكلة الشائعة لها تأثير سلبي على جميع العلاقات الرومانسية القادمة.
تضميد الجراح القديمة تمثل الطريقة الوحيدة للتأكد من أن التجارب السلبية التي حدثت في الماضي، لن تؤثر على قدرتكم على إقامة علاقات صحية وسعيدة في الوقت الحاضر
لسوء الحظ، لا يوجد حلّ سريع عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع المشاعر السلبية، بخاصة عندما تكون هذه المشاعر وليدة مشاكل مرتبطة بمرحلة الطفولة، أو بعلاقات سامة حدثت في الماضي.
وتعليقاً على هذه النقطة، قال جوشوا: "غالباً ما يكون السبب مزيجاً من تجاربنا مع العلاقات الرومانسية السابقة، جنباً إلى جنب مع أسلوب التعلّق الخاص بنا (الذي يملي على الشخص كيف يختبر الحب)"، معتبراً أن نهجنا في العلاقات، بخاصة العلاقات العاطفية، يتأثر بشدة بتجارب التعلق التي اختبرناها كأطفال.
وشرح كلابوو أن الأطفال الذين ينشؤون في بيوت مستقرة، لديهم الفرصة لتنمية أسلوب تعلق صحي، يسمح لهم بمنح وتلقي الحب بطريقة عملية ومستدامة: "كأطفال، إذا شكلنا ارتباطات آمنة مع آبائنا من خلال حبهم، وجودهم واهتمامهم، فإننا سننظر إلى العلاقات على أنها مستقرة نسبياً"، مضيفاً بأن هذا الأمر سيجعلنا نشعر عندما نصبح بالغين بأننا نستحق هذه الأنماط من العلاقات.
أما إذا كانت طفولتنا تنطوي على عدم الاستقرار أو النقص في الحب من قبل الأهل، فقد يكون لذلك تأثير كبير على كيفية الاستجابة للعلاقات كأشخاص بالغين، بمعنى آخر، عندما لا يكون بوسعنا الاعتماد على وجود عاطفة مستقرة من قبل الأبوين، فإننا نميل الى تشكيل أنماط تعلق قلق، وبالتالي عندما نكبر ننظر الى العلاقات على أنها غير مستقرة، أو نشعر بالحاجة الى التعلق بها، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى التساؤل حول مدى جدارتنا بالحصول على علاقة آمنة ومحبة.
أما نمط التعلق الثالث فيُعرف بالمتجنب، والذي ينتج عادة بسبب الخلل العائلي والتلاعب العاطفي في مرحلة الطفولة، فعلى سبيل المثال، إذا كان الأهل غير متواجدين عاطفياً، أو كانا يجعلان مشاعر الحب الشديد تتسم بالتلاعب، فإننا نميل الى تطوير أنماط التعلق المتجنب، بحيث أننا نشعر بالخوف من الترابط العاطفي الوثيق، وسنطور أسباباً لعدم رغبتنا فيه، عدم جدارتنا به أو احتياجنا له.
تضميد الجراح
بحسب دراسة نُشرت من قبل المكتبة الوطنية الأميركية للطب في العام 2008، فإن النجاة من العلاقات العاطفية أو الجسدية الضارة، قد تؤدي إلى تدني احترام الذات والشعور بعدم الجدارة.
وعليه يمكن القول إن تضميد الجراح القديمة تمثل الطريقة الوحيدة للتأكد من أن التجارب السلبية التي حدثت في الماضي، لن تؤثر على قدرتكم على إقامة علاقات صحية وسعيدة في الوقت الحاضر.
وفي هذا الصدد، اعتبر الدكتور جوشوا كلابوو، أن البحث عن المساعدة من أخصائي في مجال الصحة النفسية يُعد أمراً أساسياً، لأن تدني تقدير الذات قد يمتد أثره لأبعد من الحياة العاطفية: "إذا كنا نشعر بأننا لا نستحق العلاقات الرومانسية وهذا اعتقاد قوي، فمن المهم الحصول على المساعدة، لأن ذلك يمكن أن يؤثر على نهجنا في الرومانسية والحب إلى الأبد".
يجب أن تذكروا أنفسكم دوماً بأنكم أقوياء وتستحقون الحياة والحب
والواقع أنه بإمكانكم تغيير حياتكم من خلال تغيير أنفسكم، فيما يلي بعض النصائح العملية للتعامل مع شعوركم بعدم الجدارة في الحب:
-في كل مرة تجدون أنفسكم غير جديرين بالحب، ذكروا أنفسكم بأن ما تعتقدونه هو ما تختبرونه.
-تدربوا على هذا التأكيد عدة مرات في اليوم، وقولوا لأنفسكم: "أقبل نفسي بالضبط كما أنا. أحب نفسي بدون قيد أو شرط. الجميع يحبني. أنا شخص رائع يستحق أن يحظى بالحب والاحترام".
-احترموا نفسكم واحتياجاتكم، فخصصوا وقتاً للاهتمام بجسدكم، عقلكم وروحكم.
-مارسوا التأمل بشكل يومي، فهذا يجعلكم "تشحنون بطارية" ذهنكم، ومن خلال هذه الطريقة يمكنكم تعزيز قوتكم الداخلية، واستخدامها لإظهار واقع تريدون حقاً خوضه.
-لا تسمحوا لأي شخص أن يقرر قيمتكم. ابتعدوا عن العلاقات السامة التي تدمركم وتهزّ ثقتكم بأنفسكم.
بغض النظر عن الطريقة التي تختارونها للتعامل مع مشاعر الحب، يجب أن تذكروا أنفسكم دوماً بأنكم أقوياء وتستحقون الحياة والحب. أنتم لست وحدكم أبداً، فهناك شخص ينتظركم على مفترق الطريق، ليقدم لكم كل الحب الذي تستحقونه، ويعوّضكم عن الأسى والحزن والحرمان الذي شعرتم به طيلة السنوات الفائتة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...