"مفيش واحدة حلوة بتعاني، الست الحلوة دايماً بتكسب، في الشغل، في الجواز، في الحياة، في المواصلات، أي واحدة حلوة دايماً العين عليها، لو اتكلمت الكل بيسمعها، لو سكتت الكل بيتغزل في جمالها".
كان هذا ردّ فتيات على أحد الغروبات النسائية، عندما سألتُ إذا ما كنّ يعرفن سيدات جميلات، يعانين بسبب جمالهن ليشاركوني تجربتهن.
"الجمال مقابل المال"
على عكس الكلام السائد بين معظم الفتيات عن الجمال، ويشاركهن رجال بالطبع، اختبرت سمر الفاتنة، ذات الأربعة والعشرين عاماً، النقيض، واعتبرت جمالها نقمة، وبدونه ما كانت وصلت لهذا الحال.
تبدأ سمر حديثها لرصيف22 قائلة: "الحلوة صعب تلاقي حد صادق، دايماً عاوزين منها حاجة معينة، بس للأسف هي مش عاوزة غير الحب والود وتعيش زي أي حد طبيعي، وده نادراً لما بيحصل".
تزوجت سمر مرتين رغم أنها لم تتعد الثلاثين عاماً، المرة الأولى كانت في السادسة عشر من عمرها، حينما تقدم لها شاب ثري يكبرها بعشرة أعوام، اعتبره والدها وأخوتها مكافأة وتتويجاً "مشروعاً" لجمالها الخلاب، غير مبالين بسنها الصغير أو تعليمها الذي تسعى من خلالها لإثبات ذكائها، ورغم رفضها هذه الزيجة، زُوِّجت سمر مجبرة، لأن والدها اعتبر جمالها فتنة، "من الممكن أن يستغله شاب لا يريده"، فاختار ترويض جمالها بالزواج المبكر.
تقول سمر لرصيف22: "لم يسألني أبي عن رأيي، وجدت نفسي أجلس في الكوشة مع رجل لا أعرفه، بينما كنت أحلم بتعليم أثبت به جدارتي وذكائي وألتحق بكلية الطب، كنت أبكي، بينما معازيم الفرح يتغزلون بجمالي، غير مبالين بحزني الواضح، وتبرر أمي للضيوف بكائي وتوسلي لها: "دي من فرحتها، وانتو عارفين البنات بتخاف يوم فرحها".
"الوضع كان كارثياً بالنسبة لي، زميلاتي في العمل اتهموني أني باهتم بنفسي عشان أجذب زملائي الرجال في الشغل، وبالتالي أترقى بسرعة، وزملائي الرجال اتهموني أني قدمت تنازلات للمدير"
لم تقتصر "لعنة جمالها" كما تسميه، على هذا الحد، فبعد الزواج ملأت أخوات زوجها رأسه بكلام سيء، لأن جمالها وقف في طريق تقدم الرجال لهن، وأقنعوه أنها يمكن أن تخونه لصغر سنها وجمالها، وزوجها كان مغترباً خارج مصر، وعاد من سفرة فجأة، ثم ضربها، وحاول تشويه وجهها، وانتهى الأمر بالطلاق.
بعد ثلاث سنوات، جاءت الزيجة الثانية لسمر، هذه المرة رجل جيد كما تصف لرصيف22: "في البداية شعرت أنه رجل محترم، ويخاف عليّ، وهذا بالفعل ما حدث في بداية زواجنا، ولكن هذا الخوف انقلب فجأة إلى غيرة غير مبررة، فأجبرني على غلق حسابي على فيسبوك، وعدم خروجي من المنزل إلا معه، ليراقب أفعالي ونظرات الرجال لي".
تتذكر سمر موقفاً أثر فيها كثيراً: "كنا في عزومة عائلية، نتسامر جميعاً، احتدم النقاش بيني وبين زوج أخته، وإذ أجد زوجي بدون مقدمات، يشد يدي بعنف، يستأذن منهم لنغادر، وبمجرد وصولنا للمنزل ضربني ضرباً مبرحاً، كُسرت فيه قدمي، كل ذلك بسبب حديثي مع زوج أخته، قائلا لي: مش قولتلك مفيش كلام مع رجالة خالص".
تطلقت سمر الآن منه، وتعيش برفقة والدتها بمنزل العائلة في مدينة المنصورة، وتأسف على حالها، وتتمنى لو كان حظها ليس في جمالها.
بعد طلاقها تعرضت لضغوطات كبيرة من العائلة، فبعد وفاة والدها، قال لها أحد إخوتها: "يعني إيه تتجوزي مرتين وتطلقي، أكيد أنت الغلطانة وعندك مشاكل"، ما دفعها إلى محاولة تشويه وجهها، وقتل نفسها، ولكن تدخلت أمها، وتتابع الآن مع طبيب نفسي لتتخطي الزيجات الفاشلة وتتقبل نفسها.
"لست عارضة أزياء"
تعمل إيلين (28 عاماً)، كمهندسة معمارية في إحدى الشركات الخاصة، ولدت لأب مصري وأم بولندية، تعيش في المعادي منذ ولادتها، تقول إيلين لرصيف22: "الجمال نسبي، وكل شخص لديه ما يميزه، ولكن المجتمع المصري يضع شروطاً للجمال، منها البياض، الشعر المنسدل الطويل، العيون الملونة، وكل ذلك ورثته من أمي، وبالنسبة لي هذه الصفات في العمل تعتبر لعنة".
منذ أربع سنوات وفي بداية تخرجها، عملت إيلين بشركة محلية معروفة، يرأسها مستثمر مصري، ورغم أنها مازالت في بدايتها، لكنها استطاعت أن تترأس قسماً مهماً داخل الشركة بسبب شغفها وشغلها المميز، كما تروي.
"الوضع كان كارثياً بالنسبة لي، زميلاتي بالعمل اتهموني أني باهتم بنفسي عشان أجذب زملائي الرجال في الشغل، وبالتالي أترقى بسرعة، وزملائي الرجال اتهموني أني قدمت تنازلات للمدير عشان كدا أترقيت، وبقيت مانجر/ رئيسة عليهم. حتى بريك الغداء، كانوا بيرفضوا أقعد فيه معاهم، ولو قعدت ببقى طول الوقت معرضة أني اسمع كلام سخيف عني وعن شكلي وملامحي، والمفترض استحمل دا عشان مبقاش لوحدي"، تروي إيلين لرصيف22.
لم تحتمل الفتاة العشرينية الوضع، فتركته، "كيف أجادل الجميع أني أعمل هنا والمنصب الذي وصلت له بسبب مجهودي، لست عارضة أزياء، وشكلي لا دخل لي فيه ولا دخل لأحد فيه أيضاً!".
"كيف أجادل الجميع أن المنصب الذي وصلت له بسبب مجهودي".
بسبب سيرتها الذاتية القوية، عملت إيلين في شركة "مالتي ناشيونال"، كانت تعتقد أن الجميع سيتفهم هنا ذكاءها، ويهتم بقدراتها في العمل أكثر من شكلها، ولكن لا مجال، اتهموها أنها عملت بشركة كبيرة كهذه في سن صغير بسبب جمالها فقط.
لم تستطع إيلين تحمل نظرات العاملين معها في المكان، واسترجعت ما حدث في عملها الأول، وبالتالي أثر سلباً على إنتاجيتها، لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، ساومها المدير على إقامة علاقة معه على أن تبقى في العمل، وعندما رفضت، بدأ تصيّد الأخطاء لها، فاستقالت من عملها، واستقالت أيضاً من العمل الدائم، وبدأت عملاً مستقلاً من المنزل تتجنب فيه رؤية الناس، وبالتالي تخطت الحكم على مظهرها وشكلها.
يرى دانيال هاميرش، مؤلف كتاب "beauty pays"، أنّ الجمال عند معظم الناس في العديد من البلدان والثقافات، مرتبط بالنجاح، أو على الأقل مرتبط بالنجاح المالي.
وفي مقابلة له مع صحيفة "نيويورك تايمز"، أشار إلى أن معظم العملاء والزبائن يفضلون الشراء من سيدات جميلة، أو يستمعون لمحاميين أفضل مظهراً أو سياسيين ذوي مظهر جيد، لذلك فإن الشركات تسعى لتوظيف سيدات جميلات، أو على الأقل مظهرهن جيد.
أما بخصوص المرأة الجميلة التي يقال أنها محظوظة، فيرى أن ليس كل ما يلمع ذهباً، فانخفاض احترام الذات هو صفة شائعة بين السيدات الجميلات، وليس جميعهن بالطبع، ويبرر ذلك بملاحظته أن الانطباع الأول عند البعض عنهن يكون غالباً أنهن بلا عقل ولا موهبة، فقط مظهرهن جميل، مما يؤثر في نظرتهن لأنفسهن.
"هتخطفي خطيبي"
"في الشارع، في المواصلات، في الجامعة، بين أصدقائي، بين أقاربي، أعاني"، هكذا تبدأ تسنيم حكايتها لرصيف22.
تدرس تسنيم التاريخ في جامعة القاهرة، في السنة الأخيرة هذا العام، تعرّفت على صديقات لها منذ بداية دخول الجامعة، ولكن تغير الحال منذ خطوبتهن وزواجهن.
الأولى ابتعدت عنها دون أسباب واضحة، وعندما سألتها عن السبب، قالت لها: "خطيبي سألني عنك، وحقيقي أنا خايفة تخطفيه مني، أصلك حلوة، وهما بيرمموا على الحلوين".
كان ردها كصاعقة على تسنيم، ولكنها اعتادت على ذلك في المرة الثانية، عندما طردتها صديقتها من منزلها وأعلنت قطيعتها، بسبب زوجها الذي أخبرها بأن "تسنيم جميلة جداً".
"الحلوة صعب تلاقي حد صادق، دايماً عاوزين منها حاجة معينة، بس للأسف هي مش عاوزة غير الحب والود وتعيش زي أي حد طبيعي، وده نادراً لما بيحصل"
تقول تسنيم لرصيف22: "رغم أن الجميع يعلم أنني أضع حدوداً في التعامل مع أزواج صديقاتي، وهن أيضاً يعرفن ذلك، ولكن لم يستمعن سوى لأصوات الغيرة عندما ينظر لي أو يسأل عني شركاؤهن، إحداهن قالت لي: ابتعدي عنا، لو سرقتيه لن أستطيع الحصول على زوج جيد آخر، أما أنت فجميلة والكثيرون يجرون خلفك، في البداية طبعاً شعرت بالضيق والوحدة، ولا أنفي أني مازلت حزينة، ولكني اعتدت على هذه الأمور".
لا أحد يتخيل أن تسنيم تعاني من مشاكل، عندما تخبر أي أحد بما يحدث معها في علاقتها، يسرعون بالرد: "انتي عندك مشاكل زينا وانتي كل حاجة عندك سهل توصليلها".
عندما تُخبر تسنيم أقاربها بشغفها بالتاريخ، وأنها كل عام تكون من أوائل الطلاب، يردون عليها: "هتعملي ايه بالتعليم، انتي أي واحد يتمنى يجوزك، ويصحى على وشك".
"حياتي مأساة".
"حياتي مأساة، شخصيتي ملغاة، عندما أصمت يحكم عليّ بالسطحية والغباء، وعندما أتحدث عن شغفي يردون: لازمته ايه دا مع جمالك، وعندما أسعى لتكوين علاقات يبتعدون عني بسبب شركائهم، وعندما أبتعد وأرفض العلاقات يتهموني بالتكبر، كل ذلك لأني ولدت بعيون ملونة وشفاه منتفخة وشعر أسود طويل، معايير يرونها سمات للجمال، وأراها أنا لعنة لحياتي"، تروي تسنيم لرصيف22.
أسماء الفخراني، مدربة الأنوثة واستشارية العلاقات الأسرية، تقول لرصيف22: "غالبا ما تكون السيدة الجميلة محط أنظار الجميع، كلهم يطلقون عليها أحكاماً مطلقة بدون دراسة شخصيتها أو حياتها، وغالباً ما تكون هذه الأحكام منحصرة في سعادتها وجمالها وعملها، والرجال الذين يسعون وراءها".
ولكن الواقع على النقيض، ترى الفخراني أن السيدات الجميلات كثيراً ما يعانين من أمراض نفسية، نظراً لما يتعرضن له من مضايقات من الرجال والسيدات معاً، وإن لم يكن ذلك، فيكفي ما يتعرضن له من تحرشات في الشارع أو المواصلات أو غير ذلك.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...