شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
مغازلات ولعب وتشمس... الحياة على أسطح منازل المغاربة في زمن الكورونا

مغازلات ولعب وتشمس... الحياة على أسطح منازل المغاربة في زمن الكورونا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 29 مايو 202005:11 م

مرّ أكثر من شهرين على حالة الطوارئ الصحية التي يخضع لها المغاربة، منذ 20 آذار/ مارس الماضي، ومن المفترض أن تستمر إلى العاشر من حزيران/ يونيو المقبل.

الهدوء لازال يخيم على شوارع الدار البيضاء، المدينة الأكبر حجماً في المغرب، والمدينة الموبوءة أيضاً، حيث تتصدّر أعداد الإصابات بفيروس كوفيد-19 مقارنة بباقي المدن.

على غير ما جرت عليه العادة، تحولت المدينة النابضة بالحياة إلى مدينة أشباح، حيث الشوارع فارغة والمحلات مغلقة، والحركة لم تعد دؤوبة كما كانت.

لا نستطيع القول إن سكان الدار البيضاء اعتادوا على نمط العيش الجديد الذي لم يألفوه، ولم يتخيلوه يوماً؛ فالمكوث في المنزل لأكثر من شهرين بمثابة عقوبة حقيقية بالنسبة لأغلبهم.

ليس أمام سكان الدار البيضاء بعد فرض الحجر الصحي سوى الصعود إلى أسطح المنازل، فالأخيرة هي المتنفس الوحيد لتمضية الوقت، بعيداً عن مطاردة الشرطة، وللفتيات بعيداً عن رقابة الأهل

لكن فيروس كورونا أحيا بعض العادات القديمة للمغاربة، وعلى رأسها الصعود إلى أسطح المنازل، فبعد فراغ الشوارع والأزقة من السكان، أمسى سطح المنزل الملجأ الوحيد لأغلبهم.

يلجأ "البيضاويون" إلى أسطح منازلهم لكسر روتين الحجر الصحي، فضلاً عن أنه الفضاء الأكثر أماناً، سواء من الفيروس أو من السلطات التي تفرض حالة الطوارئ الصحية.

وأمام ارتفاع درجة الحرارة، ليس أمام سكان البيضاء سوى الصعود إلى أسطح المنازل، فالأخيرة هي المتنفس الوحيد لتمضية الوقت، وفرصة لتنفس هواء نقي، التمتع بسماء زرقاء وسماع أصوات العصافير.

"رجال ينظفون الزرابي"

فيروس كورنا أفرز لنا مشاهد غير معتادة في المدينة "الغول"، كما يسميها سكانها، على سبيل المثال، أصبحنا نرى رجالاً ينظفون الزرابي (السجّاد) فوق سطح منزله لقتل الملل.

وهذا المشهد بذاته لم يكن مألوفا يوماً بسبب العادات والتقاليد، التي تستنكر صعود رجال إلى أسطح المنازل، بمبرر أن الأخير مكان خاص بالنساء فقط، فما بالك بتنظيف الزرابي.

بالإضافة إلى ذلك، ثمة مشاهد أخرى مميزة فوق أسطح المباني، مثل شباب يمارسون التمارين الرياضية للمحافظة على لياقتهم البدنية، سيدة تستغل نشر غسيل ملابسها بهدف الحديث مع جارتها، وأخرى تبحث عن عمل لسد مصاريفها.

تماماً مثل فاطنة، والتي تحكي أنه، وبعد الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية قبل شهرين، تأزم عملها بشكل ملحوظ.

قبل كورونا، كانت فاطنة تعمل منظفة في بيوت عدد من النساء، لكنها لم تعد تتلقى اتصالات من زبوناتها من أجل العمل مقابل سعر يتم الاتفاق عليه مسبقاً.

"أستغل تجمع جاراتنا في السطوح وأتفق معهن على غسيل الملابس بمقابل مادي".

تضيف فاطنة، السيدة الأربعينية، أنها تحاول أن تجد عملاً في سطح شقتها، كيف ذلك؟ تشرح لرصيف22: "أصعد إلى سطح المنزل في المساء، أجد عدداً من النسوة على أسطح المنازل المجاورة، أكلمهن وأشكي لهن وضعيتي الاجتماعية والاقتصادية الهشة، واتفق معهن على تنظيف ملابسهن مقابل ثمن يساعدني على سد مصاريف المنزل".

كثيرا ما تتوفق فاطنة في إيجاد بعض الطلبات، ومساعدة بعض النسوة، تقول: "في النهاية، الله لا يترك أحداً رغم الظروف الصعبة".

أما بالنسبة لليلى، فعانت كثيراً من أمرين بسبب الحجر الصحي، الرقابة المفرطة من ذكور عائلتها، ووالدتها أيضاً، التي لا تترك لها متنفساً لمحادثة حبيبها عبر تطبيقات الموبايل، ولا يُسمح بالنزول إلى الشارع لملاقاته بسبب الحظر، لذا فسطح المنزل بالنسبة لها هو "الفرصة الوحيدة"، للحديث معه.

تقول الشابة الثلاثينية: "اعتدت الصعود إلى سطح المنزل للحديث مع صديقي، لا أستطيع الحديث معه عبر الهاتف أو عبر تقنية الفيديو".

تشرح ليلى موقفها أكثر لرصيف22: "ليس عندي غرفة لوحدي، حجم المنزل صغير، ووالدتي وأشقائي الذكور لا يتركونني بمفردي، هنا أتحدث لساعات مع حبيبي، حيث لم نعد نلتقي كما كنا في السابق بسبب كورونا".

"كسر الملل في الغروب"

أرخت الشمس ظلالها الحمراء على مباني مدينة الدار البيضاء، إنه "وقت مناسب للصعود إلى سطح المنزل"، تقول رشيدة، سيدة في عقدها الخامس.

اعتادت رشيدة الصعود لسطح منزلها بمجرد انخفاض درجة الحرارة، تصعد برفقة كرسيها المفضل، للجلوس على السطح، لكسر ملل الحجر، بحسب تعبيرها.

تقول رشيدة في حديثها لرصيف22:" تعبت من المكوث داخل المنزل، الوضع صعب جداً على نفسيتي، السطح الملجأ الوحيد".

تضيف رشيدة: "اشتقت للحديث مع صديقاتي، لكن مع أزمة كورونا لم يعد باستطاعتنا اللقاء، يسود صمت مطبق في الحي، هنا أسمع العصافير ونباح الكلاب، واستمتع بنسيم الهواء".

بينما كنا نتحدث مع رشيدة، صعد أطفال يبدو أنهم أشقاء، إلى السطح المجاور لمنزلها، أطفال صغار يلعبون كرة قدم مع الصراخ والشجار، تعلق رشيدة وهي تساعدهم يلعبون: "اشتقنا لأصوات الأطفال، كورونا حرمتنا من ضجيجهم في أزقة الحي".

مشاهد مميزة فوق أسطح المباني، مثل شباب يمارسون التمارين الرياضية للمحافظة على لياقتهم البدنية، سيدة تستغل نشر غسيل ملابسها بهدف الحديث مع جارتها، وأخرى تبحث عن عمل لسد مصاريفها

بعد لحظات، صعدت سيدة حامل برفقة طفلتها الصغيرة بالإضافة إلى زوجها، للقضاء بعض الوقت في سطح المنزل، يتضح أنهم جيران رشيدة. بعد التحية، والاطمئنان على صحة بعضهم البعض، اتجهت السيدة الحامل رفقة أسرتها الصغيرة إلى الركن الآخر من السطح.

تنفست جارتها الحامل الصعداء، وحمدت الخالق على نسيم الهواء، وقالت لرصيف22 إن الفيروس أثر سلباً على نفسيتها، لاسيما وأنها حامل في شهرها السابع، تسترسل بنبرة حزينة: "أُصاب بالضجر والملل، أسابيع طويلة ونحن في المنزل، لا مكان لنا سوى السطح".

تضيف السيدة: "نمضي هنا ساعات برفقة زوجي ندردش، ونتناقش، أشاهد ابنتي وهي تلعب".

"سطحاطون"

تمضية المغاربة أيام الحجر الصحي المرهقة في أسطح منازلهم، دفع عدد من النشطاء إلى إطلاق سباق "سطحاطون / Stahathon"، حيث جرى أيام 22 و23 أيار/ ماي الجاري، على مستوى أسطح المنازل، بحسب ما تداولته وسائل إعلام مغربية، وأوضحت المصادر نفسها، أن "سطحاطون"، أول سباق من نوعه في العالم، هو عبارة عن مبدأ بسيط جداً، يتم من خلاله دعوة جميع المغاربة للمشاركة في تحدٍّ يجري على أسطحهم، دون مغادرة منازلهم.

ويقوم هذا السباق على أن كل عداء ينظم سباقه بنفسه، والهدف هو تغطية مسافات 1 أو 5 كيلومترات، في الظرف والوقت الذي يناسب المشاركين.

وتهدف هذه المبادرة لمنح المغاربة، نساء ورجالاً، فرصة المشاركة، من أجل رفع قيد الحجر الصحي عن أذهانهم واستعادة الثقة بأنفسهم.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard