إن لم تحبوا أنفسكم، فلن يحبكم الآخرون. عبارة رنانة نسمعها في كل وعظة أو مقالة ترشد الإنسان إلى سعادته. لكننا في الوقت نفسه تبرمجنا من خلال مجتمعنا، على الابتعاد عن الغرور والأنانية لما في ذلك بعد عن الله والمبادئ الاجتماعية.
معادلةٌ ظاهرها سهل وجميل، ولكن العبرة تبقى في التحقيق الذي يبقى صعباً وغير واضح في أحيان كثيرة. هل ندرك ذلك الحدّ الفاصل بين حب الذات والغرور؟ هل صحيح أن محبة الذات والثقة الزائدة بالنفس تصبح غروراً أم أن العكس هو الصحيح؟
ما هي أسس حب الذات الحقيقي وكيف التعبير عنه؟
via GIPHY ما الفرق بين حب الذات والغرور؟
طارق رجل أعمال في العقد الثالث من عمره، قصد العيادة النفسية بعدما أصبح غير قادر على تحمّل قلّة ثقته بنفسه، التي باتت تؤثر عليه سلبياً بشكل واضح، خصوصاً في علاقاته مع الآخرين. يعتبر طارق أن مراعاته الزائدة لمشاعر الآخرين، تعود لتربيته التي أساسها الابتعاد عن الغرور، والتي ترجمت ضعف ثقة وأكثر من ذلك، كما قال يوماً: "لا أحب نفسي. أشعر أنني ناقص مهما نجحت. أشعر بالدونية أمام الآخرين". اختار طارق من دون أن يدري، أي في اللّاوعي، سلوكاً هادماً أصبح من خلاله يزين معظم تصرفاته وخياراته، ليس بمقياس إرضاء وحب الذات بل الآخرين. اعتبر أن ذلك سيبعده عن الغرور ويقرّبه من صفة التواضع، ومنها إلى قلوب الناس. لكن طارق ومثله كثيرون، لم يدركوا أن المعادلة معكوسة، وأن ليس هناك قدر كاف من حب الذات يجب التوقف عنده. كمن يقول مثلاً "نظام الغذاء الصحي الذي اتّبعه صحّي جدّاً". أو "النجاح الذي حققته كبير إلى حدّ غير مقبول". حبّ الذات كالصحة والنجاح. سلوك داخلي يومي، يظهر من خلال تفاعل الشخص مع نفسه ومحيطه. لكن كيف؟ ماذا يعني عمليّاً أن تحبوا ذاتكم، وكيف يترجم ذلك في ظلّ مجتمع يشجعكم على التضحية من أجل الآخرين؟ وما زالت واحدة من أبرز علامات التواضع حتى اليوم، أن تبدأوا حديثكم بـ "أنا... وأعوذ بالله من كلمة أنا"، وكأن الـ"أنا" عبارة مخيفة تلغي الآخر، أو تسبب له ضرراً ما ويجب الاعتذار عنها. أو ببساطة إن تحدّثتم عن أنفسكم بفخر اعتبركم الكثيرون مغرورين وأنانيين. بهدف فهم حب الذات أكثر، بحث علماء نفسيون عن الفرق بين الأشخاص الذين يحبّون أنفسهم فعلاً، وآخرين يظهرون ذلك في حديثهم، لكن الواقع يثبت العكس. فوجدوا أنه ليس كل من أظهر تباهياً بالذات حقيقياً. وهناك نوعان من الفخر: الحقيقي الذي يدلّ على أن الشخص واثق بنفسه فعلاً، منتج، مستقر عاطفياً واجتماعياً. أما الفخر المصطنع فيتّسم به الشخص العدائي، الذي يحاول فرض نفسه على الآخرين بالقوة، والذي هو في الحقيقة، الأكثر استعداداً إلى الشعور بالخجل والرفض عندما يجابه بالصدّ من قبل الآخرين. وأشار البحث إلى أن الأشخاص الذين يبذلون جهداً زائداً في إظهار وتبرير محبّتهم لذاتهم أمام الآخرين، هم الذين يقعون ضحية الغرور، لأن الأمر لا يستدعي النشر والمجاهرة، بل هو شعور داخلي وعملي ذاتي، لكنه في الوقت نفسه ليس موجّهاً ضدّ الآخرين.هل الغرور الزائد أو الـ"ميغالومانيا" تعني ثقة وحباً مفرطاً بالنفس؟
خاطئ من يظن أن الشخص المغرور هو ذلك الذي يعيش في عشق دائم مع الذات، ولا تهمّه مشاعر الآخرين أو رأيهم فيه. فقد بحث علماء النفس في العديد من الأبحاث والدراسات حول شخصيات الذين يتهمون بالغرور، وما وجدوه كان مغايراً تماماً لما يشاع اجتماعياً عنهم. فهم في الحقيقة الأكثر حاجةً إلى الآخرين والأقل ثقة بالذات. في داخلهم خوف من الرفض وعدم قبول الآخر لهم، ورغبة في الاندماج، يضاف إليهم عدم رضا عن الذات مهما فعلوا. لا يعني ذلك أن الشخص إذا تفاخر بصفاته الحسنة أو بنجاحه أصبح مغروراً بالمطلق، لكن الإفراط في التباهي لا يعني ثقة زائدة بالنفس، بل على العكس يعني قلّة ثقة وسعي وراء نظرة الإعجاب من الآخر بما أنجز، ليشعر بنجاحه، لأنه من دون تلك النظرة سوف يشعر دوماً بالفشل والنقص. لا يحتاج التعبير عن حب الذات مذياعاً ولا كلاماً كثيراً. بل هو شعور داخلي له خصائصه المحددة.ما هي خصائص حب الذات إذاً؟
أن تكونوا في حالة حب مع ذاتكم لا يعني أن تشعروا بالسعادة دوماً. لا يعني أيضاً ألا تتألموا وألا تشعروا إلا بكل ما هو إيجابي. حب النفس هو أشبه بحب العشيق لعشيقه، بعيوبه ونقصه وثغراته. غالباً ما نسمع في العيادة النفسية أشخاصاً يقولون: "أكره نفسي لأنني ضعيف. أكره نفسي لأنني غير قادر على السيطرة. لأنني أبكي كثيراً. لأنني أتعلّق بالأشخاص كثيراً...". كم هو سهل أن نكره ذاتنا، وكم هو صعب أن نحبها. كم هو سهل أيضاً أن نمارس الرحمة والتعاطف مع الآخر، بينما نهب للحكم على أنفسنا بقسوة ومن دون رحمة عندما نخطئ. فكما لعلاقتنا بالآخرين أسس محددة للنجاح، كذلك في علاقتنا مع ذاتنا. فأن نحب ذاتنا ليس كلمة نقولها لكسب إعجاب الآخر، بل هي ممارسة يومية بخصائص محددة أيضاً. إليكم أبرز 7 من هذه الخصائص:1- كونوا صادقين مع نفسكم
أن تختاروا العمل الذي ترغبون القيام به، وأن تتجنبوا الوجود في مكان يزعجكم أو لا يشبهكم، وأن تكونوا محاطين بأشخاص يشبهونكم ويشاركونكم أفكاركم وهواياتكم، فذلك فعل حب لذاتكم. ليس ذلك فقط. فأن تمارسوا الصدق والشفافية مع الذات خطوة أولى تجعلكم محور ثقة الآخرين من دون أي مجهود منكم، لأنها أصبحت جزءاً من شخصيتكم، أي بالفطرة.
2- تجنّبوا النعوت السلبية الذاتية
via GIPHY
أنا فاشل. أنا كسول. أنا كاذب. وغيرها من الأحكام السلبية التي ترجمون أنفسكم بها عند أول خطأ، والتي إذا استمرّرتم في ترديدها اقتنعتم أنها منكم ولن تتغيّر. إن اقتنعتم بأنكم فاشلون، فستفشلون حتماً، والعكس صحيح.
أن تقلّلوا من احترام ذاتكم وتعمموا تجربة فاشلة على كل حياتكم وشخصيتكم ليس دليلاً إيجابياً على حبكم لذاتكم. الصحيح هو أنكم لم تحققوا بعد ما رغبتم بتحقيقه، وإذا سعيتم وراء ما تريدون كما يجب ومن دون هجوم على الذات، فستصلون حتماً.
تذكروا أنكم كما ترون أنفسكم يراكم الآخرون.
3- تجنّبوا السعي نحو المثالية
via GIPHY
السعي الدائم نحو كل ما هو مثالي يولّد خوفاً من الفشل. خوف سيوقعكم بالفشل ويجعلكم غير راضين عن نجاحكم مهما كان وغير راغبين في تحقيق المزيد. الأجدر بكم تثمين ما تحققون والاحتفال بنفسكم بالمجهود الذي قمتم به، من أجل تحفيز الذات على استثمار المزيد. علماً أن المثالية ليست موجودة بالمطلق وهناك دائماً المزيد يمكن أن نحققه.
via GIPHY 4- لا تحكموا على مشاعركم بالسوء
شعرتم بالغضب الزائد؟ قمتم بالصراخ أو البكاء؟ اشتقتم لحبيب هجركم؟ ما العيب في ذلك؟ لم الشعور بالخيبة الذاتية كلما راودكم شعور سلبي؟ أن نشعر، بالإيجابي والسلبي، أمر طبيعي وإنساني. لا داعي لأن تحاكموا أنفسكم أو تكرهوا أنفسكم. بل على العكس الاعتراف بتلك المشاعر هو الخطوة الأولى للسيطرة عليها ومصادقتها.
via GIPHY 5- ركزوا على إيجابياتكم
بدل أن تهدروا الوقت في ندب النفس لأنكم لم تفلحوا في أمر ما، حاولوا البحث في داخلكم على نقاط القوة فيكم، وهي بالطبع عديدة. لكل منّا ميّزاته، التي إن أدركها، حقق كل ما يحلم به. فأن يحب الشخص ذاته يعني أن يرى نفسه بعين الفنان المستمتع بتحفة فنية جميلة.
via GIPHY 6- تعاملوا مع ذاتكم برحمة
لا تطعموا جسدكم السموم ولا تهملوا صحتكم الجسدية والنفسية. كونوا لطفاء مع نفسكم ودللوها كل ما سنحت لكم الفرصة. صحيح أن المجاملات الآتية من الآخر تعطي زخماً كبيراً للـEgo أو الـ"أنا"، لكن الواقع أنها ليست ثابتة ولا دائمة.
جاملوا أنفسكم وقولوا بقناعة أمام المرآة: أنا جميل/ة وأحب نفسي بعيوبي وحسناتي. لا تقسوا على أنفسكم وتعاملوا معها كما تعاملون ابنكم أو الشخص الذي تحبون.
via GIPHY 7- ارفضوا إهانات الآخر
احموا ذاتكم من أحكام الآخر ومحاولته فرض نفسه عليكم. أنتم وحدكم مسؤولون عن تحصين ذاتكم من تجريح الآخر ومحاولته الإساءة لكم، سواء كانت مقصودة أو نابعة من ضعفه هو. تعلموا أن تواجهوا ذلك بالرفض. والرفض يعني عدم السماح له بخرقكم والتأثير عليكم. وحدكم أنتم قادرون على تقييم أنفسكم لا الآخرون.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...