الشعور والطعام مفهومان منفصلان ظاهرياً لكن ارتباطهما قوي جداً في الواقع. فلطالما حضر الطعام في كل مناسباتنا الاجتماعية. نأكل لنحتفل بالزواج، لنترحّم على فقيد غالٍ، نشعر بالجوع كلّما غضبنا، أو حزنا أو شعرنا بالملل، أو بأي نقص عاطفي. ليغدو تناول الطعام لا إرادياً، منطلقاً من الغريزة فقط. فيتحوّل هدفه من إشباع الجسد وتغذيته، لإسكات أوجاع الروح. ما سرّ تلك الدائرة المفرغة التي تجعل الأم تطعم صغيرها كلّما بكى حتى ولو لم يكن جائعاً؟ وهل يمكن أن نتخلص من التعويض العاطفي بالطعام لنصبح مسيطرين على أجسادنا؟
جوع الجسد أم النفس؟
هل تأكلون بشراهة أكبر عندما تكونون في عملكم أو عندما تشعرون بالحزن أو الملل؟ هل يشعركم الطعام بالأمان والراحة؟ هل تشعرون أنكم قليلو الحيلة في غياب الطعام؟ لكل وزن قصته... قصة شخص يشعر بفقدان السيطرة على جسده جراء ظروف عاطفية ونفسية معيّنة. ربما أشخاص عاشوا وسط أجواء عائلية مضطربة، وشعروا بنقص الاهتمام، فانهالوا على الطعام معتقدين باللا وعي أنهم إذا أصبحوا أكثر امتلاءً، لاحظ الأهل وجودهم، وأحاطوهم بالاهتمام الذي يحتاجون إليه. via GIPHY مهمة جداً هي العلاقة بالطعام التي نتعلّمها من الأهل منذ الصغر، لأنها سترافقنا في حياتنا في ما بعد. فمن منكم لم يكافأ بلوح من الشوكولا لأنه حصل على علامات مميّزة أو ذهب إلى النوم باكراً؟ ألم يستخدم الطعام سابقاً كأداة مواساة أو مكافأة؟ تترسخ تلك المفاهيم لتصبح أسلوب حياة، فيتحوّل الطعام من وسيلة لملء المعدة، إلى بديل عن غياب حبيب أو فشل في مشروع أو موت قريب. في دراسة عن أسباب الزيادة في الوزن، رأى الخبراء أن 75% من الأشخاص الذين يعانون من الشراهة المفرطة، يعانون أيضاً من اضطراب في الشعور، وعدم قدرة على السيطرة على أنفسهم ومحيطهم. هؤلاء الأشخاص يحاولون مراراً التقيّد بحميات غذائية مختلفة لإنقاص الوزن وتثبيته، لكنهم سرعان ما يصطدمون بحائط الذنب عند أوّل فشل، ما يجعلهم أسرى التعويض بالطعام، وغالباً ما تكون تلك الأطعمة من السكريات والأطعمة الكثيرة الدهون، كالمثلجات والبيتزا والمقالي والنشويات، التي تزيد من معدل مادة السيروتونين التي تنقص عند الأشخاص الذين يعانون من الكآبة أو الضغط النفسي. via GIPHY في تقرير عن أسباب الشراهة العاطفية ميّز باحثون من جامعة هارفرد، بين تناول الطعام اليقظ والآخر العاطفي، مشيرين إلى 5 نقاط أساسية تميّز الشراهة العاطفية عن الطعام: 1- تأتي فجأة فتشعرون أن عليكم أن تأكلوا حالاً، ما يزيد من سوء اختياركم للأطعمة لأن لا قدرة لديكم على التفكير. 2- تستهدف الأطعمة غير الصحية لأن فعلها في الجسد والدماغ سريع وحتمي عكس الأطعمة الصحية. 3- ليس لها حدود في الإشباع. لأنكم لا تأكلون بدافع الشبع بل بدافع التعويض. فكلما أكلتم زادت رغبتكم وفرحكم. 4- مكانها ليس المعدة بل الدماغ لأنكم لا تشعرون بألم في المعدة عند الجوع بل بحالة من التهديد وإلزامية تناول الطعام حالاً. 5- تسبب الشعور بالذنب والخجل لأنكم لا تأكلون لسدّ الجوع بل للتعويض عن خسارة ما. المشكلة إذاً ليست في كثرة الجوع الجسدي، لأن الأشخاص المصابين بالشراهة الزائدة لا يلجأون إلى أطعمة صحيّة ولا يكترثون بالضرورة لصورة الجسد لديهم. كل ما يريدونه هو إشباع النفس وتغذيتها بما هو موجود ومتوفّر: الطعام. يدركون الأضرار الصحية التي ستواجههم لكن النقص العاطفي أقوى، ما يدخلهم في حلقة مفرغة من الشعور القوي بالذنب، يليها المزيد من تناول الأطعمة، لإسكات ذلك الشعور السلبي. وهكذا يمضون إلى حد الاستسلام عند كره الجسد والنفس، وهذا سبب آخر لجعل الطعام ملجأهم الوحيد. فقالب الحلوى لا يحاكم ولا يفتعل المشاكل ولا يسبب أضراراً نفسية... هو فقط يملأ الجسد والقلب.الحوار النفسي المستمر دون جدوى!
"قطعة واحدة من قالب الحلوى لن تؤذيني... لا لا... أعرف أنني لن أتوقف... كل مرّة أفشل في السيطرة... مهما كان سأتناولها... كم أنا فاشل... ليتني لم أضعف!". ما الحلّ إذأً؟ كيف نخرج من ذلك المستنقع؟ إليكم 5 طرق تساعدكم على السيطرة على شراهتكم وتعويض نقصكم العاطفي بأساليب صحية ومفيدة:1- جدوا لنفسكم ملجأً آخر
via GIPHY السرّ في محاولة إيجاد طرق لملء الفراغ العاطفي بغير الطعام. فإن لم تتمكنوا من السيطرة على الضغط النفسي، فسرعان ما تشعرون بأحد أعراض الشراهة العاطفية على الطعام، لذلك يجب أن تجدوا لنفسكم طريقة للهو. تحدثوا مع صديق. اذهبوا في نزهة. إلعبوا مع حيوانكم المفضل. إن شعرتم بالقلق، ارقصوا، استمعوا إلى الموسيقى، التقطوا كتاباً، شاهدوا فيلماً كوميدياً أو مارسوا أي نشاط آخر يملأ وقتكم ويمرر اللحظة الصعبة.2- ميّزوا الشعور المسبب للجوع
via GIPHY حين تشعرون بالحاجة الماسة إلى تناول الطعام حاولوا أن تقفوا لحظة وفكروا بشعوركم. إسألوا أنفسكم ماذا حصل الآن؟ لماذا أريد تناول السكريات؟ مجرد التفكير قبل التصرف سيعطيكم فرصة أكبر للسيطرة على قراركم. وإن باءت محاولتكم بالفشل، ففي الحد الأدنى أصبحتم مدركين للمسبب الأول لفعلكم، وهذا ما سيسهّل إيجاد الحل في ما بعد.3- لا تقسوا على أنفسكم
via GIPHY لا لستم فاشلين. ولا مرضى، ولا مدمنين. أنتم أشخاص تحاولون تغذية الروح معتقدين أنكم تطعمون الجسد. كلنا نريد تغذية الروح وكلنا نحاول ونفشل أحياناً كثيرة. أين المشكلة في الفشل؟ لا تفقدوا الأمل ولا تلوموا أنفسكم كل مرّة تناولتم شيئاً مضراً. اعترفوا لأنفسكم أنكم تستطيعون التعويض بطريقة أخرى وامضوا. لا تسمحوا للآخرين باختلاق أساليب لكم، لأن من المهم أن تكونوا أنتم أسياد القرار في حياتكم.4- تخلصوا من ميزان قياس الوزن
via GIPHY أنتم أكثر من مجرد رقم على ميزان. لوزنكم ولمظهركم الخارجي قصة وأسباب. منها الموجعة ومنها المكبوتة ومنها التي لم تستطيعوا تخطيها بعد. تعلموا أن تحبوا ذلك الجسد مهما كان شكله غير مرضٍ بالنسبة لكم أو لمحيطكم وكونوا أنتم قائد الأوركسترا فيه.5- الطعام لن يعوّض عن الحبيب الضائع
via GIPHY كم من قصة غرامية فاشلة لحقت بها مشاكل في الوزن؟ لن يشفق عليكم أحد إن تسببتم بالضرر لأنفسكم ولن يحبكم أحد إن لم تحبوا أنفسكم. لا تتجملوا لأحد. ولا تنقصوا وزنكم لأحد. جسدكم ملككم أنتم والانتباه إليه كالانتباه للنفس. في النهاية لن يعوض الطعام عن الحب أو الحزن أو أي شعور آخر.6- ضعوا بعض القواعد الصارمة
via GIPHY تبدأ الخطوة بالنظر من حولكم: من يساهم في إضعافكم أمام الطعام من خلال إحضار قالب حلوى عملاق إلى المكتب أو المنزل؟ من شريككم أو شركائكم في الأكل العاطفي؟ مع من تعيشون تلك الهواية النفسية؟ حدثوهم وضعوا بعض القوانين الصارمة في شأن ما يتعلق بإحضار الحلويات وغيرها، ومن يدري ربما تقنعونهم أن ذلك الأكل العاطفي ليس إلا دوامة تدورون فيها دون ملل، لأنكم ببساطة لم تحاولوا الخروج منها بعد.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...