شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"حتى البالة غالية"... سوريون يقصدون أسواق الملابس المستعملة قبل العيد

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 21 مايو 202005:32 م

"اللي ما له بالة ماله عيد، وشكله هالمثل صار حقيقة اليوم"، تقول أم أسامة وهي تسير مع زوجها وأولادها الخمسة في سوق الإطفائية للملابس المستعملة وسط دمشق، قبيل حلول عيد الفطر بأيام.

أسألها إن كانت تعرف أصل هذا المثل الشعبي، فتضحك قائلة بأن جدتها كانت على الدوام تستخدمه، لكنها حقيقة لم تفكر بمعناه من قبل، واليوم تستعيده في ذاكرتها وهي تقصد هذا السوق للمرة الأولى في حياتها.

يعمل أبو أسامة موظفاً في أحد معامل الأغذية بريف دمشق، وتسكن العائلة في منزل صغير شرق المدينة. حتى بضعة أشهر خلت، كانوا قادرين على تدبر أمور معيشتهم بشكل معقول، لكن الأشهر الخمسة الأخيرة، وعلى الأخص أسابيع الإغلاق والحجر التي تسبب بها فيروس كورونا، كانت الأصعب على الإطلاق، كما تقول السيدة الأربعينية لرصيف22.

"الأسعار ترتفع كل أسبوع، بل كل يوم، دون وجود حدود لهذه الارتفاعات، أو ضوابط لها، وهي اليوم ضعف ما كانت عليه الشهر الفائت. بذلك، بات تأمين الغذاء الكافي لأولادنا هو الأهم، وكل ما عدا ذلك هو مجرد كماليات"، تشرح أم أسامة سبب قدومهم لهذا السوق الذي يشتهر ببيع جميع أنواع الملابس والأحذية المستعملة، إلى جانب مختلف البضائع، كالألعاب والأغطية والشراشف.

تطيل السيدة البحث، وتفحص ما تراه أمامها على العربات الجوالة وداخل المحال الكبيرة، قسم كبير من الملابس المعروضة يبدو قديماً ولا ترغب بشرائه لأولادها وهم ينتظرون "فرحة العيد"، وفق تعبيرها، والثياب شبه الجديدة والتي تبدو بحال جيدة، ترتفع أسعارها.

تشعر أم أسامة ببعض الإحباط، وتتابع حديثها متذمرة: "الجديد غالي والمستعمل غالي، التاجر يقول: نريد أن نربح وأن نعوض خسارات فترة الإغلاق الماضية التي سببها فيروس كورونا، والمواطن يقول: من حقي أن أشتري بعض الملابس الجديدة لي ولعائلتي قبل العيد، ولا أحد ينصف أياً منهما"، ورغم الإحباط، تنهي جولتها بشراء قمصان وكنزات لجميع الأولاد، مع إقناعهم بارتدائها مع بناطيلهم القديمة.

تصوير: زينة شهلا

ما في حركة ولا عيد

"أي قطعة بخمسمية، تلت قطع بألف وخمسمية، الكنزة بألف، البنطلون بألف، قرّب قرّب".

يزدحم سوق الإطفائية، والذي يعتبر أقدم أسواق البضائع المستعملة في دمشق، بصيحات الباعة الذين يحاولون جذب أكبر عدد ممكن من الزبائن. تمتلئ العربات والطاولات الموضوعة على الأرصفة وداخل المحال بمئات القطع الملونة، في حين تبدو أعداد المتسوقين قليلة، وفق ما يقوله معظم الباعة.

يجلس يزن الراوي داخل محله الذي يقع في قبو أحد أبنية سوق الإطفائية، ويلبي طلبات زبائن قليلين يدخلون بين الحين والآخر، ويبحثون عن أرخص البضائع مهما كانت قديمة.

"للملابس المستعملة التي تأتي من أوروبا وآسيا عن طريق لبنان عدة أنواع ومستويات، تبدأ من (الكريم) ونعني بها الجديد، الذي يكون من مواسم فائتة أو فيه عطب ما، نزولاً إلى النمرة 1 ثم النمرة 2 وبعدها النمرة 3، وهي الأسوأ حالاً، وتبعاً لذلك تتراوح الأسعار بين 500 ليرة سورية وبين 12 ألف ليرة وأكثر"، يشرح يزن أثناء لقاء مع رصيف22.

"اللي ما له بالة ماله عيد، وشكله هالمثل صار حقيقة اليوم"، تقول أم أسامة وهي تسير مع زوجها وأولادها الخمسة في سوق الإطفائية للملابس المستعملة وسط دمشق، قبيل حلول عيد الفطر بأيام

وتراجعت قيمة العملة السورية بشكل كبير مؤخراً، حيث يساوي الدولار الواحد 700 ليرة وفق المصرف المركزي و1500 ليرة في السوق الموازي، ولا يزيد متوسط الأجور بشكل عام عن مئة دولار للشخص الواحد.

ويزداد الطلب على النمرة 2 والنمرة 3 كما يقول البائع الأربعيني، لكنه بكل الأحوال لا يعتبر حركة السوق مقبولة بأي شكل من الأشكال: "أين الزبائن؟ لا أحد يكترث بشراء الملابس في حين أن الطعام والدواء أهم منها بكل تأكيد"، يقول الرجل بقلق واضح على وجهه، ويضيف بأن الأيام القليلة المقبلة، قبل حلول العيد، لن تحمل المزيد من المشترين، حيث سيتوجه كثر من سكان دمشق لقضاء العيد مع عائلاتهم خارجها، وخاصة في الأرياف القريبة، وهم عادة يشكّلون النسبة الأكبر من زبائنه.

تصوير: زينة شهلا

وفي زقاق مجاور مرصوف بالأحجار، هو حي القنوات القديم، تصطف على أحد الجانبين عوارض معدنية كبيرة، عُلقت عليها مختلف قطع الملابس النظيفة والمكوية بكل إتقان، في حين يمتلئ الجانب الآخر ببسطات وُضعت فوقها أكوام من الملابس التي تبدو أقدم وأسوأ حالاً. أيضاً لا يبدو الازدحام كبيراً في هذا السوق، الذي يعتبر حسب وصف العاملين فيه "سوق الدراويش لا بل أدروش الدراويش"، وهم أكثر الناس فقراً وسوء حال.

يشعر محمد سعد الدين الذي يعمل في أحد محال سوق القنوات ببعض الإحباط، فالحركة أقل من المعتاد والعيد على الأبواب، ما يعني بأن الأيام المتبقية لتحقيق أي ربح محتمل قليلة للغاية.

"رغم أننا نبيع أرخص البضائع على الإطلاق، لكن الإقبال قليل للغاية، ولا مقارنة مع العام الفائت، حيث كنا نشهد ازدحاماً كبيرة في الأسابيع السابقة لعيدي الفطر والأضحى"، يقول محمد أثناء لقاء مع رصيف22.

ويعطي الرجل الخمسيني تفاصيل أسعار الملابس المستعملة في سوق القنوات، والتي تتراوح بين 500 و2000 ليرة للقطع الولادية أو الكنزات النسائية والرجالية، وأكثر من ذلك بقليل للبناطيل أو الفساتين، ويشير إلى أن هذه الأسعار تتضاعف في أسواق البالة الأخرى بدمشق، مثل المزة شيخ سعد أو مساكن برزة أو باب توما، حيث تباع بضائع أفضل حالاً وأعلى جودة من سوق القنوات.

ويعزو محمد انخفاض حركة البيع إلى تراجع مستوى المعيشة بشكل غير مسبوق في الأسابيع الأخيرة، تزامناً مع بدء انتشار فيروس كورونا وتعليق عمل عدد من الأنشطة التجارية، إضافة لارتفاع أسعار مختلف البضائع، ويضيف: "من كانت حالته المادية متوسطة باتت اليوم ضعيفة، ومن كانت حالته ضعيفة من الأساس أصبح اليوم دون الضعيف، ولم يعد يمتلك مقومات شراء الملابس حتى لو كانت مستعملة".

في زقاق حي القنوات القديم، تصطف على أحد الجانبين عوارض معدنية كبيرة، عُلقت عليها مختلف قطع الملابس النظيفة والمكوية بكل إتقان، في حين يمتلئ الجانب الآخر ببسطات وُضعت فوقها أكوام من الملابس التي تبدو أقدم وأسوأ حالاً

العيد في المنزل هذه السنة

في السوق نفسه، وبين قطع الملابس المعلقة إلى جانب بعضها البعض، تبحث هدى عن بيجامة لها وأخرى لزوجها، وتحاول أن تكون بأفضل جودة ممكنة، "فهي بيجامات العيد"، تقول لرصيف22، بابتسامة كبيرة على وجهها.

هذه ليست المرة الأولى التي تقصد فيها السيدة الثلاثينية أسواق الملابس المستعملة، فهي ملاذها منذ أكثر من خمس سنوات، "مع عملي أنا وزوجي كموظفين في إحدى الدوائر الحكومية، لا نمتلك ترف التفكير بأن نشتري ملابس جديدة من الأسواق الأخرى، مثل الصالحية والحمراء، حيث يمكن أن ندفع معظم دخلنا الشهري إن أردنا شراء أربع أو خمس قطع"، تشرح هدى.

لكن الأمر المختلف هذا العام هو ما فرضه فيروس كورونا على الجميع، "فلا تجمعات عائلية ولا زيارات ولا أدنى مظهر من مظاهر العيد"، كما تقول هدى، حيث ستقضي الأسبوع القادم بأكمله في المنزل، وقد تقصد منزل أهلها فقط، مع التزامها قدر الإمكان بتعليمات التباعد الاجتماعي خوفاً من انتشار الفيروس الجديد.

بذلك، قررت السيدة أن تقتصر ملابس هذه المناسبة على البيجامات، على أن تختارها جديدة قدر الإمكان وبألوان زاهية، كمحاولة متواضعة للإحساس بالفرح رغم الأجواء العامة في المدينة والتي تراها حزينة وقلقة: "سنذكر هذا العيد على الدوام، حيث يقضيه السوريون بين مرض ألغى أي مظهر احتفالي، وأسعار حرمتهم من أي سعادة مهما كان ضئيلة".

تصوير: زينة شهلا

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image