أثار فرض ارتداء كمامات الوجه على جميع الأشخاص في عدة دول، ضمن التدابير الاحترازية لمواجهة فيروس كورونا، جملة تساؤلات واقتراحات بشأن إمكان مساهمة ذلك في إلغاء الحظر التام أو الجزئي المفروض على ارتداء النقاب في دول عربية وأوروبية.
في تقرير طرح هذا التساؤل، رجّحت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أنه عندما تصبح أغطية الوجه هي القاعدة في الأماكن العامة، قد تتغير المواقف من البرقع أو النقاب.
وأضافت الصحيفة: "بينما أصبحت أغطية الوجه المعيار لإبطاء انتشار الفيروس التاجي الجديد، وباتت منتشرة في الشوارع ووسائل النقل العام وكل مكان، أضحت السياسات العالمية المتعلقة بها أكثر تعقيداً من أي وقت مضى، في انعكاس ليس على هذه الأزمة الحالية فحسب، بل أيضاً على القيم والقوالب النمطية الأوسع نطاقاً".
وتابعت: "ينطبق هذا تحديداً في الاتحاد الأوروبي حيث يُشكّك في القوانين المعروفة بشكل غير رسمي بـ‘حظر البرقع‘ والتي تمنع تغطية الوجه كله في الأماكن العامة بداعي ‘السلامة العامة‘".
ومن مزاعم بعض الدول بشأن حظر البرقع أنه "يمنع حق المواطنين في الاختلاط والتعايش بسهولة" و"يهدد الثقافة المجتمعية والانسجام المجتمعي"، وهذا ما يتنافى مع الوضع الراهن.
"وضع قانوني أكثر صلابة"
وضربت الصحيفة مثالاً للصدام الذي حدث، هذا الأسبوع، في فرنسا التي تحظر النقاب في الأماكن العامة منذ عام 2010، على خلفية قرار بوجوب ارتداء أقنعة الوجه في وسائل النقل العام والمدارس الثانوية. ولفتت إلى أنه بينما يُغرَّم البعض لعدم ارتدائه هذه الأقنعة، يُغرَّم آخرون لتغطية الوجه بالبرقع.
ونبهت إلى أنه في ظل عدم وجود تعريف محدد لقناع الوجه الملزم ارتداؤه، خاصةً مع النقص الشديد في معدات الحماية الشخصية الطبية ولجوء المواطنين إلى مواد منزلية، كالأقمشة لصنع كماماتهم، يبقى الوضع غريباً ومعقداً.
"نشعر بالانتصار"... فرض ارتداء أقنعة الوجه في أوروبا يدعم الموقف القانوني للمنتقبات ضد قرارات "حظر البرقع". نقاش حول إسهام الوضع المستجد في إلغاء هذه القوانين أوروبياً وعربياً
ونقلت الصحيفة عن إحدى المنتقبات المقيمات في أوروبا أن إلزام الجميع بارتداء الكمامة منحها شعوراً بـ"النصر"، إذ بات ارتداء أقنعة الوجه في الأماكن العامة إلزامياً في دول تفرض حظراً على ارتداء النقاب مثل النمسا وبلجيكا وهولندا، بالإضافة إلى فرنسا.
ونقلت الصحيفة الأمريكية عن ساتفيندر غوس المحامي في لندن والخبير في حقوق الإنسان قوله إن مرتدي البرقع الأوروبيين هم من الناحية القانونية على "أرض أكثر صلابة" نتيجة الإرشادات الصحية المعلنة حديثاً بشأن ارتداء أغطية الوجه.
ونبّه غوس إلى أنه إذا واجه ضابط شرطة فرنسي مثلاً امرأة لارتدائها البرقع أو النقاب في مكان عام، فغالباً سيكون محاطاً بآخرين يرتدون أغطية الوجه المصنوعة من مواد منزلية، حينذاك سيُعدّ الضابط "متورطاً في التمييز على أساس الدين والجنس"، وهو ما تحظره الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.
علماً أن الانتقادات الساخرة التي وُجٰهت إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد ظهوره، منتصف الشهر الجاري، مرتدياً كمامة سوداء، فيما تصر حكومته على استمرار تطبيق حظر تغطية الوجه بالبرقع.
وقتذاك تساءل المدير التنفيذي لهيومن رايتس ووتش كينيث روث عما "إذا كان للإسلاموفوبيا أن تكون أكثر وضوحاً بعد؟".
"انتصار النقاب" عربياً
لم يجر هذا النقاش بمعزل عن الدول العربية، التي ظهرت فيها أصوات، منذ بداية تفشي فيروس كورونا في الصين، وقبل وصوله إلى أي بلد عربي أو مسلم، تعتبر الفيروس "عقاباً من الله وانتصاراً للنقاب ضد محاولات حظره وتجريم ارتدائه"، وأبرزها المرجع الشيعي العراقي هادي المدرسي.
والنقاب محظور ارتداؤه لجميع الموظفات العموميات في الجزائر بقرار رسمي صادر في تشرين الأول/أكتوبر عام 2018، بعد قرار صدر عام 2017 وحظر ارتداء النقاب في جميع الهيئات التعليمية للطالبات وعضوات هيئات التدريس.
كذلك حُظر النقاب كلياً في الأماكن العامة بتونس، منذ تموز/يوليو عام 2019، لدواعٍ أمنية. وهو أيضاً ممنوع بحكم قضائي ملزم ونهائي على عضوات هيئات التدريس في عدد من الجامعات والهيئات التعليمية المصرية منذ كانون الثاني/يناير الماضي.
"قماش بقماش ما نلبس النقاب ويبقى حماية وطاعة لربنا"... دعوات في دول عربية إلى اعتبار النقاب بديلاً عن الكمامة المصنوعة منزلياً/ غير الطبية، في وقت عاد النقاش حول أحقية الحظر التام أو الجزئي على النقاب في زمن كورونا
ومع ارتفاع الدعوات إلى التزام أقنعة الوجه حتى القماشية منها في الأماكن العامة، في دول مثل مصر، أثيرت تساؤلات عدة، أهمها "لماذا لا يسمح بارتداء النقاب إذاً؟".
قالت إحداهن: "قماش بقماش بقى، النساء كلها ترتدي النقاب أحسن من الكمامة. ويبقى حماية وطاعة في نفس الوقت"، تعليقاً على طرح الحكومة المصرية كمامات قماشية قابلة للغسل والاستخدام المتكرر طوال شهر.
وسخر معلقون من المسؤولين الذين "حاربوا" لفرض حظر النقاب، واضطروا لاحقاً إلى تغطية وجوههم. جاء في إحدى التغريدات: "هذا جابر نصار الذي منع النقاب في جامعات مصر، يلبس الكمامة الآن. للعلم كانت حجته في طلب المنع التعرف على هوية الشخص وعدم إمكانية التواصل من دون رؤية الفم وملامح الوجه!".
ورأى آخرون أن من أبرز "إيجابيات" الجائحة ظهور "أهمية النقاب" و"زيف مزاعم الداعين إلى حظره". وذهب مغردون عبر تويتر إلى القول إن "النقاب أفضل حل للتي لا تحتمل ارتداء الكمامة وقتاً طويلاً".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...