يبدو أن السيناريوهات البيئية التي لطالما عُدّت خيالية بشأن انتهاء صلاحية كوكب الأرض للحياة نتيجة الاحتباس الحراري ليست بعيدة.
فبعد فيروس كورونا الذي أجبر دول العالم على اتّخاذ إجراءات احترازية غير مسبوقة وسط مخاوف من الفتك بملايين البشر، توقعت دراسة بأنه في غضون 50 عاماً فقط، سيعيش حوالي ثلاثة مليارات شخص في مناطق شديدة الحرارة على نحو لا يستطيع البشر تحملها من دون الاستعانة بتقنيات تبريد مثل مكيفات الهواء.
وبعدما عاش الإنسان آلاف السنين في مناخ بيئي مؤاتٍ لازدهار الحياة البشرية والحيوانية والنباتية، وجدت الدراسة التي نُشرت نتائجها في مجلة وقائع الأكاديمية الأمريكية الوطنية للعلوم في 4 أيار/مايو، وأجراها فريق دولي مكون من علماء آثار ومناخ وبيئة، أن استمرار انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري بمعدلها الحالي، يشي بأن المليارات من البشر سيعيشون عام 2070 في ظروف أشد حرارة من تلك التي سمحت بازدهار الحياة طوال الـ6000 سنة الماضية.
"أسوأ سيناريو"
وخلصت الدراسة إلى أنه مقابل كل درجة مئوية واحدة (1.8 درجة فهرنهايت) من الاحترار، سيتعيّن على مليار شخص الهجرة إلى مناطق أكثر برودة أو التكيف مع ظروف الحرارة الشديدة.
ورأى تيم كوهلر، وهو عالم الآثار في جامعة واشنطن ومشارك في الدراسة، أن هذه النتائج يمكن اعتبارها "أسوأ سيناريو" لـ"التطور الطبيعي لما قد يحدث إذا لم نغير أساليبنا".
وفي ضوء البيانات المتعلقة بدرجات الحرارة العالمية وتدرجاتها التاريخية وتوزيع السكان، استخلص الباحثون أن حياة البشر في أنحاء العالم ستزدهر ضمن "نطاق مناخي" محدود تماماً مثل حياة الحيوانات المختلفة.
فغالبية سكان العالم يعيشون في مناطق يراوح متوسط درجة حرارتها السنوية بين 11 و15 درجة مئوية (51.8 إلى 59 درجة فهرنهايت)، فيما تعيش أقلية في نطاق يراوح بين 20 و 25 درجة مئوية (68 إلى 77 درجة فهرنهايت).
"أسوأ سيناريو"... دراسة حديثة تحذر من ارتفاع لا يحتمل في درجات حرارة الأرض في غضون 50 عاماً فقط، بما يؤثر على أكثر من ثلاثة مليارات شخص. وحديث عن عواقب وخيمة على الغذاء وموارد المياه ومعدلات الهجرة والنزوح
ومما أثار دهشة العلماء أن البشر فضلوا العيش في هذه الظروف المناخية على مدى ستة آلاف عام برغم التطورات التكنولوجية الحديثة التي ساعدت على تعديل الطقس المحيط مثل تكييف الهواء.
وأضاف كوهلر: "بصفتي عالم آثار، أٌخبر طلابي دائماً أن تقنيتنا وعقولنا وعلومنا التراكمية مكنتنا من العيش في أي مكان… لكن اتضح أن أعدادنا في منطقة مناخية متميزة تكون أكبر، ونكون أكثر إنتاجية اقتصادياً".
ما الأضرار المحتملة؟ ومن الأكثر تضرراً؟
ربما يتبدل هذا قريباً ويفرض علينا التغيير، إذ تسير الأرض حالياً بثبات نحو ارتفاع درجة الحرارة بمقدار ثلاث درجات مئوية عام 2100.
ومع ارتفاع درجة حرارة مناطق الأرض بشكل أسرع من ارتفاع درجة حرارة المحيطات، فمن المرجح أن ترتفع درجات الحرارة في مناطق سكن البشر نحو 7.5 درجة مئوية (13.5 درجة فهرنهايت) عام 2070، حسبما تشير الدراسة.
عدا التغيرات المتوقعة لهذا الارتفاع في عدد سكان العالم، سيضع ذلك 30% من سكان العالم في أماكن يبلغ متوسط درجة حرارتها أكثر من 29 درجة مئوية (84.2 درجة فهرنهايت).
ويتخوف العلماء من أن تقع هذه التغيرات في مناطق فقيرة حيث يعجز الأشخاص عن توفير بدائل تبريد الهواء للتكيف مع الحرارة.
ولدى ارتفاع حرارة كوكب الأرض بسرعة نتيجة ارتفاع الانبعاثات، يُتوقع أن تتغير درجة الحرارة التي يتحمّلها الشخص العادي في العقود المقبلة على نحو يفوق تغيرها طوال الـ6000 عام الماضية.
قد يكون لحدوث هذا الارتفاع الكبير في الحرارة عواقب وخيمة على إنتاج الغذاء، والوصول إلى مصادر المياه، والصراع والنزاعات الناجمة عن الهجرة. فضلاً عن تأثر النظم البيئية في العالم، من المحيطات إلى الجبال، وما بينهما.
مقارنةً بـ0.8% حالياً، يتوقع الباحثون أن تتمدد مناطق الحرارة الشديدة إلى 19% من سطح الأرض بحلول عام 2070، إذا لم يتم خفض الانبعاثات. يتخطى هذا بكثير تحذيرات البنك الدولي "المتشائمة"
ومن أكثر المناطق سخونةً على وجه الأرض: الصحراء الإفريقية التي تشهد متوسط درجات حرارة سنوية يزيد على 29 درجة مئوية (84.2 درجة فهرنهايت). وتمثل المناطق التي تعاني هذه الظروف المناخية القاسية 0.8% من مساحة الأرض.
لكن الباحثين يتوقعون أن تتمدد مناطق الحرارة الشديدة إلى 19% من مساحة الأرض، وهذا ما يؤثر في 3.5 مليار شخص عام 2070.
ويوضح المؤلف المشارك في الدراسة تشي شو، من جامعة نانجينغ، أن المساحة المحتمل تأثرها بهذا الارتفاع تشمل أجزاء من إفريقيا جنوب الصحراء، وأمريكا الجنوبية، والهند، وجنوب شرقي آسيا، وشبه الجزيرة العربية، وأستراليا. وهي المناطق ذات التعداد السكاني السريع النمو.
وأضاف: "هذه الدول تقع في جنوب العالم، وفيها أسرع معدل نمو سكاني، مثل الهند ونيجيريا. ومن المتوقع أن يستوعب هذان البلدان أكبر عدد من السكان الذين يعيشون في ظل درجات الحرارة الشديدة".
وتجاوزت توقعات الدراسة بوجود 3.5 مليار مهاجر محتمل نتيجة المناخ تقديرات متشائمة سابقة للبنك الدولي تحدثت عن احتمال تعرض 143 مليون شخص في جنوب آسيا وإفريقيا جنوب الصحراء وأمريكا اللاتينية لخطر التشرد المناخي.
أمل وحيد
وبينما ترسم نتائج الدراسة صورة مستقبلية قاتمة لنحو ثلث سكان العالم، يبقى هناك أمل، يبدو وحيداً بحسب العلماء، وهو خفض انبعاثات الكربون العالمية خفضاً كبيراً وبسرعة فائقة، وهذا ما يُخفّض إلى النصف عدد المعرضين لأحوال بيئية شديدة الحرارة.
وعن ذلك، قال تشو: "أسوأ سيناريو يمكن تجنبه إلى حد كبير إذا خفضت انبعاثات الغازات الدفيئة بشكل فعال. هنالك العديد من التدابير الفعالة للحد من آثار تغير المناخ والتكيف المحلي تساعد في تقليل التأثير السلبي لتغير المناخ على المجتمعات البشرية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...