شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!

"عبالي عيد اللي عشته معك بس مش معك"... هل نشتاق للأشخاص أم لأنفسنا معهم؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الثلاثاء 19 مايو 202006:54 م

"نحنا ما منشتاق للناس، نحنا منشتاق للإحساس اللي معن عشنا"، هكذا غنّى الفنان الأردني أدهم نابلسي، في أغنية "مشتاق"، متوجهاً لحبيبته بالقول: "عبالي عيد اللي عشته معك، بس مش معك، وحسّ اللي حسّيته إلك بس مش إلك، مشتاق للطريقة اللي حبيتك فيها بس ماني مشتاقلك".

والواقع أنه إذا تعمقنا في كلمات هذه الأغنية لوجدنا أنها قد تكون لسان حالنا، ففي أغلب الأحيان عندما تنتهي علاقتنا العاطفية مع شخص ما، فإن هناك جزءاً منه يبقى محفوراً في داخلنا لفترة لا بأس فيها، بغض النظر عن محاولاتنا الحثيثة لإخراج هذا الشريك السابق من عقلنا وقلبنا.

وبالرغم من اعترافنا بفشل العلاقة وتأثيرها السلبي علينا، إلا أن البعض منّا يعيش على أمجاد الماضي والذكريات الجميلة، ويتمنى لو كان بوسعه استعادة هذه العلاقة من جديد، أو يوهم نفسه بأنه خسر حب حياته.

فهل نحن كبشر نفتقد الأشخاص أم نفتقد فقط ما يعنيه هذا الشخص بالنسبة لنا وذكرياتنا معه؟

للوهلة الأولى قد يخال لنا أن الأمرين متشابهان، إلا أنها ليسا كذلك على الإطلاق.

معركة وحشية

من رائحة العطر وصولاً إلى أغنية معيّنة أو مشهد رومانسي في أحد الأفلام الكلاسيكية، يمكن لأي تفصيل مهما كان بسيطاً، أن يشعل في داخلنا الحنين إلى الماضي، "تقليب المواجع"، حثنا على وضع الفرضيات والتفكير في شكل حياتنا لو بقي هذا الشخص إلى جانبنا، بخاصة عندما تضيق بنا الدنيا وتنقلب حياتنا رأساً على عقب.

عندما تنتهي علاقتنا العاطفية مع شخص ما، فإن هناك جزءاً منه يبقى محفوراً في داخلنا لفترة لا بأس فيها، بغض النظر عن محاولاتنا الحثيثة لإخراج هذا الشريك السابق من عقلنا وقلبنا

والحقيقة أنه عندما نشعر بأننا نتخبط لوحدنا في هموم الحياة ومشاكلها التي لا تنتهي، تجتاحنا بشكل مفاجىء موجة من العواطف الجياشة، ونشعر بأننا افتقدنا حقاً حياتنا السابقة واللحظات الجميلة التي قضيناها برفقة الحبيب/ة السابق/ة، غير أن هذه الذكريات السعيدة تزيّف الصورة الواقعية، وتشلّ قدرتنا على التفكير بالأوقات العصيبة واللحظات الحزينة، والليالي السوداء التي قضيناها في البكاء بسبب كثرة المشاكل والخلافات.

هذا الصراع الداخلي هو عبارة عن معركة وحشية بين العقل والقلب، حيث يبدو العقل وكأنه يفتقد جزءاً لم يكن مستعداً له، في حين أن القلب يبكي دمعاً على اللحظات الجميلة التي قد لا تتكرر.

محاولة استعادة الإحساس القديم

"في الجوهر، نحن غير قادرين على حب أو افتقاد أحدهم لشخصه فقط، بل نحب ونقدّر الأشخاص والأشياء لإحساسنا معهم"، هذا ما قاله بول هادسون في مقاله الذي ورد على موقع Elite Daily.

من الواضح أن هذا الأمر مثير للاهتمام وقد يسبب القلق، إلا أنه في الوقت ذاته يفسر كيف يمكن لمشاعرنا وللحب الذي نشعر به أن يكون متقلباً بشكل لا يصدق.

وأوضح هادسون أن الأفراد بطبيعتهم يميلون لإطلاق الأحكام، معتبراً أن تلك هي الطريقة التي تم برمجتنا عليها والتي لن تتغير أبداً: "من خلال الأحكام، نخلق مجموعة من المعتقدات حول الآخر، ومع نمو العلاقة نطور معتقداتنا".

وأشار بول إلى أنه في بعض الأحيان، تكون تفسيراتنا لذلك الشخص بعيدة عن المألوف، "وهذا هو أحد أسباب وقوع الناس في الحب"، على حدّ قوله.

وعليه، اعتبر الكاتب أننا قد نقع في حب الشخص الذي ظننا بأننا نعرفه، فننظر إليه بمنظور رومانسي، ونركز على المشاعر التي كوّناها عنه، بمعزل عن حقيقته أو شخصه.

وفي حين أنه بعض الأحيان تكون الطريقة التي نتذكر بها الآخر مشابهة جداً للشخص الذي هو عليه، أو على الأقل ما كان عليه، ولكننا نميل دوماً إلى الرومانسية، بحيث أننا نود أن نركز على الطريقة التي جعلنا الطرف الآخر نشعر بها بدلاً من الطريقة التي عاملنا بها بالفعل.

وأوضح هادسون أنه عند القيام بذلك، نقوم بالتركيز على تلك المشاعر القوية والممتعة، "فنسمح لها بتلطيخ ذاكرتنا الكاملة بشأن الفرد"، بحسب تعبيره.

وشدد بول هادسون من جديد على أنه في بعض الأحيان يكون هذا هو الواقع فعلاً، وتكون الذكرى والافتقاد في محلهما، إذ يكون لدينا كل الحق لافتقاد أحدهم، إلا أنه لسوء الحظ فإن العكس صحيح أيضاً، بحيث أننا في أحيان أخرى لا نفتقد الشخص بل نفتقد فكرتنا عنه.

بين الحب الحقيقي والوهم

في الواقع هناك طريقة سهلة للغاية للتمييز بين الحب الحقيقي وما نتوهم أنه حب، فإذا كنتم تفتقدون شخصاً ما خلال أسعد لحظاتكم، فاعلموا أنه لديكم سبب حقيقي لافتقاده، بمعنى آخر، إذا نظرتم الى حياتكم بعين التفاؤل والسعادة، وتبادر إلى ذهنكم فوراً الشخص الآخر، ورغبتم في أن يتقاسم معكم هذه اللحظات الجميلة التي تعيشونها، فحينها يمكن القول إنكم تحبون هذا الشخص حقاً، أما في حال كنتم تفتقدون شخصاً ما في الأوقات الصعبة فقط، حاولوا عندها ألا تنخدعوا بالاعتقاد أنكم تفتقدونه لشخصه.

واللافت أنه عند الشعور بالوحدة أو الحزن، هناك أفراد يفتقدون أشخاصاً من ماضيهم، بحيث أنهم يقلّبون في دفاتر الماضي بحثاً عن شخص ما يكون بوسعهم الاعتماد عليه، عندما يكونون بحاجة إلى ذلك.

وبحسب بول هادسن، فإن هذا ليس حباً، بل حال هؤلاء كحال "غريق يتعلق بقشة"، شارحاً ذلك بالقول:" عندما تصبح الحياة صعبة، نريد دوماً أن يكون هناك شخص ما في حياتنا، لأن ذلك سيجعل الأمور أسهل، وكبشر، نحن نرغب دوماً في جعل الحياة أسهل".

بمعنى آخر، أن نبحث في الماضي عن شخص ليقف إلى جانبنا ليس بحب، بل هو سلوك نابع من الوحدة التي تداعب خيالنا، وتسمح لنا بالتعمق في الذكريات التي تشكل واقعاً مغايراً للحقيقة.

"كان كل شي بحياتي... بوعا على صوتو وبنام على صوتو، ومعبيلي نهاري كلو"، هذا ما قالته رنا (اسم مستعار) عن حبيبها السابق.

وكشفت الشابة الثلاثينية لموقع رصيف22، أن علاقتها بسامر (اسم مستعار) استمرت حوالي سنة، وشهدت الكثير من "المدّ والجزر" بسبب طباعه الحادة: "عشنا إيام حلوة كتير، بس كنّا كتير نتخانق لانو هوي عنيد وعصبي كتير، وأنا كنت ضلني طنش وأسكت، لأنو كنت فكر إنو يلي بيناتنا أكبر وأعمق من شوية خلافات ما إلها معنى، بس بالآخر جرحني وقت قلّي إنو ما بفكر فيي جدياً للمستقبل... يعني من الآخر فهمت إنو بدو يتسلّى مش أكتر".

وبالرغم من كلماته الجارحة، إلا أن رنا أكدت أنها تفتقده بخاصة في هذه الأوقات الصعبة التي تعيشها، بعد أن خسرت وظيفتها بسبب أزمة كورونا: "بهالفترة كتير عم يجي عراسي، وبصير اتذكر قديه كنّا مبسوطين بوقتها ونضحك ونمزح مع بعض... يا ريت فيي أرجع حط راسي عكتفو تحس بالأمان من أول وجديد".

في الواقع، إن حال هذه الشابة كحال الكثير من الأشخاص الذين يكتوون بنار الحب، ومع ذلك يتمنون العودة إلى حبيبهم السابق.

وعلى الرغم من الطريقة السيئة التي عاملهم بها أحدهم، إلا أنهم لا يتذكرون سوى الأوقات الطيبة، والسبب بذلك يعود الى شعورهم بالوحدة وافتقادهم للعاطفة في حياتهم، وهذا أمر مفهوم تماماً، إذ إن البشر لا يحبون أن يكونوا بمفردهم.

في هذا السياق، أوضحت الأخصائية في علم النفس، وردة بو ضاهر، أنه كلما طال الشعور بالوحدة، كلما تذكر المرء الأشخاص الذين كان على علاقة بهم في السابق.

وأشارت بو ضاهر إلى أن حالة الاشتياق هذه يختبرها الأفراد بشكل خاص حين يجلسون بمفردهم، بعيداً عن ضغط العمل والمهام اليومية: "بالعادة ما بيشتاقولن بنص النهار وبعز العجقة، بس وقت يقعدوا لوحدن ويصيرو يفكروا، من هون بتيجي فكرة إنو أنتي ما عبالك تكوني لوحدك فبتتذكري الشخص التاني، وبالتالي إنت ما بدك هيدا الشخص تحديداً، إنت بكل بساطة ما بدك تكوني لوحدك".

وأوضحت وردة، في حديثها مع موقع رصيف22، أن هناك بعض الأمور التي لا يمكن للمرء القيام بها لوحده، أو أنه يشعر بسعادة حين يشاركها مع أحد، وبالتالي يحاول البحث في مرحلة من حياته عن السعادة "المفقودة" من خلال استرجاع ذكريات الماضي.

من هنا توجهت وردة بو ضاهر إلى الأشخاص الذين يختبرون هذا النوع من الاشتياق، بالقول: "لما تشتاق لإنسان افترقت أنت واياه، ذكر حالك ليه تركتوه، عالبعد منشتاق للقصص الحلوة ومننسى البشعة، لهيك مهم نجيب ورقة وقلم ونكتب ليه تركنا... كرمال يبقى عندنا حافز إنو ما نحصر حالنا بعلاقة نحنا ما بدنا ياها، بس عم نلجألها من وقت للتاني".

مما لا شك فيه أنه لا أحد يختار طوعاً أن يكون وحيداً، فصحيح أننا نحب جميعاً أن نكون بمفردنا من وقت لآخر، إلا أنه في مرحلة ما سنشعر بمرارة الوحدة ونتطلع إلى مشاركة تفاصيل حياتنا مع شخص ما، هذا الشعور طبيعي، ولا يدعو أبداً للخجل، ولكن ما يجب علينا أن نخجل منه حقاً، هو السماح لأنفسنا بافتقاد الأشخاص الذين أساؤوا معاملتنا.

فمن المحتمل أن هؤلاء كانوا لطفاء معنا في مناسبات خاصة، إلا أن الحياة ليست مليئة دائماً بـ"المناسبات الخاصة"، وإلا لما كنا قد أطلقنا عليها هذا المصطلح.

انانية البشر

في الحقيقة إن البشر أنانيون، نعم، هذه هي طبيعتنا ولا يجب أن نخجل منها، بل يجب أن نعتنقها ونتفهمها ونتحكم بها بشكل أفضل.

فنحن لا نتفاعل أبداً مع البشر كأشخاص، إنما نتفاعل مع مشاعرنا وتفسيراتنا عنهم، وهذه المشاعر مرنة للغاية، بحيث أننا نجري تغييرات على الطريقة التي نفهم بها الناس والأشياء وكذلك كيف نشعر تجاههم.

بغض النظر عن هذا كله، تبقى الحقيقة أن الأشياء والأشخاص الذين نوليهم أهمية، هم الذين أثّروا فينا على نحو عميق.

نحن لا نتفاعل أبداً مع البشر كأشخاص، إنما نتفاعل مع مشاعرنا وتفسيراتنا عنهم

واللافت أن الكثير من الناس يشيحون بنظرهم عن الحقيقة التالية: نحن نتذكر الطريقة التي أثر بها الأشخاص علينا، وليس الأشخاص أنفسهم.

بمعنى آخر، عندما نعود إلى ماضينا ونتذكر أحباءنا، التجارب السابقة التي مررنا بها معاً، المشاعر التي شعرنا بها والذكريات التي أنشأناها، نحن لا نفكر كثيراً في الشخص الذي كنّا معه، بل بما كنا نحن في الوقت الذي كنّا فيه معه.

وبالتالي ما نفتقده حقاً ليس الشخص نفسه بقدر ما هو الواقع الذي خلقناه بأنفسنا، نتيجة وجود هذا الشخص في حياتنا، نفتقد الطريقة التي شعرنا بها وما كنا نحن عليه عندما كنّا مع هذا الشخص، أي أننا نفتقد الشخص الذي كنّا عليه لأنه كان نسخة أفضل منا.

ويمكن أن يعود هذا بشكل كامل إلى مسألة النوستالجيا والحنين إلى الماضي، لكن مع ذلك يظل هذا الواقع الذي نعيشه بغض النظر عن قبولنا له من عدمه.

عندما نعود إلى ماضينا ونتذكر أحباءنا، التجارب السابقة التي مررنا بها معاً، المشاعر التي شعرنا بها والذكريات التي أنشأناها، نحن لا نفكر كثيراً في الشخص الذي كنّا معه، بل بما كنا نحن في الوقت الذي كنّا فيه معه

في الختام لا شك أن بعض الناس بوسعهم الوقوع في حب نفس الشخص إلى الأبد والشعور بالاشتياق وبالحب الصادق، إلا أنه في الكثير من الأحيان نرهق أنفسنا عاطفياً على أفراد لا يستحقون اهتمامنا.

وبالتالي إذا كنتم من الأشخاص الذين يفتقدون من عاملكم بشكل سيء، فإنتم بحاجة إلى اتخاذ خطوة إلى الوراء، وأخذ بعض الوقت لإعادة التعرف على واقعكم الجديد، إذ إنه لا يمكنكم أن تسمحوا لأنفسكم بتقبّل هذا الواقع وعيش مشاعر الحب والاشتياق تجاه من جرحكم وألحق الأذى بكم.

وفي حال تعلّمتم التمييز بين الحب الحقيقي وبين التمسك بشخص يلحق بكم الضرر النفسي قبل الجسدي، فعندها ستصبح الحياة بنظركم أكثر اشراقاً.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image