شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"ابتعدت عن الكتابة وتصالحت مع الكسل"... كاتبات مصريات في زمن الكورونا

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

العالم العربي وكورونا

الجمعة 15 مايو 202004:58 م

عزلة، تخبط، سُدة عن الكتابة، أو ربما فرصة ذهبية للتعلم والعصف الذهني، هذه هي عناوين لحالة الارتباك التي تعيشها الكاتبات المصريات، في هذا الزمن الذي يقضيه العالم مضطرا في تباعد اجتماعي، تخوفاً من عدوى فيروس كوفيد 19.

تحدث رصيف22 إلى ثلاث كاتبات مصريات، تنقلن بين مشاعر متضاربة، بدأت بالمعاناة من "الاكتئاب"، والتخبط نتيجة اللهاث وراء الأخبار، وارتفاع أرقام المصابين بالفيروس الذين تتقاذف البيانات الصحية أعدادهم في وجوهنا يومياً، ثم الانتقال من هذه الحالة إلى التمسك بعالم "الإنترنت" الرحب، كمخلص من الانعزال والوحدة، ولو افتراضياً.

"كسولة ومتصالحة مع الواقع"

البداية كانت مع نورا ناجي من طنطا، تعمل مديرة تحرير موقع "نواعم" النسائي، قادتها الصدفة لكتابة مجموعة مقالات بعنوان "الكاتبات والوحدة"، أظهرت فيها كيف تعاني ممتهنات الكتابة من حالة التخبط والشعور بالانعزال، حتى وهنّ وسط أسرهن، غير أن المقالات التي بدأت كتابتها، عن مي زيادة ورحلة عزلتها، وفيرجينا وولف وأخريات، لاقت نجاحاً وانتشاراً واسعين، كانت كلها قبل فترة الحجر المنزلي، وكأنها تتنبأ بما سيحدث معها هي شخصياً، وستشعر به مستقبلاً.

تقول نورا (33 عاماً): "مع بداية انتشار الفيروس في العالم كله، كنت أطارد الأخبار على الإنترنت والتليفزيون، حتى بدأت أعاني من الشعور بالتوتر الذي طالما أشرت إليه في مقالاتي، وأصبت بفترة اكتئاب وانعدام ثقة في قدرتي على الإبداع مرة أخرى".

اعتبرت نورا استعراض الأشخاص لمهاراتهم المختلفة على الإنترنت مخيبة للآمال، تقول: "هناك من يلحّون علينا بضرورة الاستفادة من فترة العزل المنزلي في تعلم شيء جديد، أو قراءة كتب كثيرة، متجاهلين أن الإنجاز الحقيقي في هذا التوقيت العصيب هو الحفاظ على الصحة النفسية والعقلية، بعيداً عن التوتر".

"تحديات الشباب على السوشيال ميديا تحبطني، فهذا يقوم بصناعة كيكة هائلة الحجم، وأخرى (بتتشقلب ع الحيط)، مهارات خرافية يمكنها نقل مشاعر سلبية للذين يجدون أنفسهم تائهين مع أبسط الأمور اليومية"

تكمل نورا لرصيف22: "تحديات الشباب على السوشيال ميديا في كل المجالات، تشعرني بكم أنا بعيدة عن هذا القدر من التمكن، فهذا يقوم بصناعة كيكة هائلة الحجم، وأخرى (بتتشقلب ع الحيط)، مهارات خرافية يمكنها نقل مشاعر سلبية للمشاهدين، الذين يجدون أنفسهم تائهين مع أبسط الأمور اليومية، غير قادرين حتى على إتمامها".

"شعرت بثقل الأيام وأن جميعها متشابهة، حتى فقدت القدرة على الكتابة، إلى أن وقفت مع نفسي، وأخذت قرارات تتعلق بصحتي النفسية، كان أهمها عدم متابعة الأخبار والتصالح مع القليل من الكسل عن إتمام المهام، فلا داعي للضغط النفسي لإنجاز كل شيء، يكفيني التركيز على أمر محدد مهما كان بسيطاً، مع محاولة إنجاز المزيد دون وضع نفسي في مقارنة مع آخرين".

تضيف نورا: "اكتفيت بالمتابعة دون التأثر أو السعي لملاحقة أرقام الإصابات وحسابها، وتصالحت مع الواقع بقراءة بعض الروايات الخفيفة التي تدخلنا في حيوات أخرى مثل كتاب: (خمسة تقابلهم في الجنة)".

"العزل فرصة ذهبية"

نهلة كرم، شابة ثلاثينية أيضاً، وهي اسم واعد في عالم الروائيين المصريين، صاحبة روايات شهيرة تجمع بين الواقع الصادم، وما يدور داخل النفس البشرية من صراعات، مثل روايتها "على فراش فرويد".

غير أن أزمة كورونا أثرت عليها في البداية بالسلب، وانفصلت تدريجياً عن الواقع الذي كانت تكتب عنه، بل وانعكست عزلتها على كتاباتها، تقول: "في البداية زهدت بالقراءة، وسيطرت عليّ مشاعر حزن حالت دون تدريباتي اليومية في القراءة والكتابة، إلى أن قررت الخروج من هذه الدوامة البائسة، والتعايش مع واقع وجود المرض، لكن دون اللهاث لمعرفة أخباره بشكل هيستري، كما كنت أفعل من قبل".

مع الوقت، وجدت نهلة الحجر المنزلي فرصة ذهبية للتأمل والقراءة، تشرح ذلك: "أدركت أن الخروج من المعاناة بالعزلة يحتاج إلى تنظيم الوقت، بحثت عن الروايات التي تشبه أحوالنا، مثل "الحب في زمن الكوليرا" أو غيرها من الحكايات في عصور الحروب والصراعات العالمية".

"وجدت أني في نعمة كبيرة اسمها الإنترنت".

أما عن تأثير هذا النوع من القراءة عليها تقول لرصيف22: "ساعدتني على الخروج من شرنقتي الخاصة للعيش مع آلام الآخرين، فهذه زوجة فقدت رفيقها، وابنة صغيرة رأت أبيها يصارع للتأقلم مع قدمه المبتورة بفعل الحرب، وغيرها من القصص التي جعلتني أعيش عوالم مختلفة، وأتذكر أن حياتي أفضل حالاً من كثيرين عانوا على مدار تاريخ البشرية الذي لا تنتهي منه الأزمات، كما وجدت أننا في نعمة كبيرة تسمى زمن الإنترنت، الذي شجعني على العودة مرة أخرى لممارسة الرياضة حتى في غرفتي المغلقة".

تجد نهلة أن التحدي الأكبر للعبور من عزلة كورونا، هو إنجاز كل ما تمنت إنجازه، وحال الانشغال دون ذلك، وترفض أن يكون الدافع هو منافسة الآخرين على السوشيال ميديا، أو وضع الإنسان لنفسه في ضغط المقارنات: "من يلتفت لن يصل أبداً"، كما تردد نهلة دائماً.

"تركت الكتابة وتقربت من طفلي"

باتت فترة الحجر الصحي بالنسبة إلى الكاتبة والروائية هند الأشعل، في العقد الثالث من عمرها،  ومؤلفة رواية "رجال من ورق وعروس من حلوى"، تحمل الكثير من التوتر، والقليل من السكون، ليدفعها ذلك إلى الابتعاد عن الكتابة دون أن تشعر، للتعرف أكثر على عالم طفلها البالغ من العمر سنة ونصف.

مع كثرة انشغال الروائية هند بطفلها، بدأت تكتشف متعة أخرى مختلفة عن التي اعتادت عليها، في عالم الكتابة والورش الثقافية، تقول معبرة عن حالها: "الاقتراب من عالم صغيري متعة لا تضاهيها أخرى"

تقول هند: "كنت أنتظر لحظة ذهاب ابني حسن إلى الحضانة، جهّزت حياتي على أساس استغلال فترة حضانته للاهتمام بنفسي، وبمشروعاتي الكتابية المؤجلة، لكن جاءت كورونا لتعصف بكل أحلامي، فبقيت معه طوال اليوم، مسؤولة عنه وعن سلامته".

تتفق هند مع الكاتبتين نورا ونهلة في أن البداية كانت محبطة للغاية وتدعو للحنق، خاصة بعد إعلان تعليق كافة الأنشطة المحلية، كورش تعلم الكتابة، حفلات التوقيع أو لقائها الأصدقاء من وقت لآخر، وهي التي كانت تعينها في الحفاظ على صحتها النفسية والاجتماعية، غير أن فيروس كورونا أوقف كل هذا.

"إقناع طفل صغير بأن يبقى حبيس المنزل أمر مستحيل".

تحكي هند عن هذه التجربة: "بات إقناع طفل صغير بأن يبقى حبيس المنزل، بلا نشاط خارجي أو رؤية الشارع، أمراً يكاد يكون مستحيلاً، وعلى الرغم من صغر سنه إلا أن التوتر العام ينتقل إليه، وكثيراً ما يشعر بالملل الذي يظهر في صورة بكاء، أو رغبة جارفة في اللعب والتحرك، وهذا ما دفعني إلى تعلم أمور على الإنترنت لم تكن على بالى من قبل، مثل صناعة أدوات للعب الأطفال بالمنزل، طرق تحضير خامات بسيطة، كالورق والصلصال، يمكنها تعليم الصغار أموراً هامة".

مع كثرة انشغال الروائية هند بطفلها، بدأت تتغير نظرتها للأمور، أو بالأحرى مشاعرها، وتكتشف متعة أخرى مختلفة عن التي اعتادت عليها، في عالم الكتابة والورش الثقافية، تقول معبرة عن حالها: "الاقتراب من عالم صغيري متعة لا تضاهيها أخرى".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image