انقضى أكثر من ثلثي شهر رمضان، ولم يتمكن المواطنون في قطاع غزة من أداء صلاة واحدة في المسجد، ينادي المؤذن للصلاة ثم يختتم نداءه بقول: "صلوا في رحالكم"، في وقت يتزاحم فيه الناس في الأسواق والمتاجر والشوارع رغم التحذيرات من احتمال تفشي فيروس كورونا.
استجابة الناس للصلاة في بيوتهم، تأتي التزاماً بقرار صادر عن وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في قطاع غزة، تُمنع فيه الصلاة في المساجد، فيما تسمح استثناءً بصلاة للإمام والمؤذن فقط، لإبقاء الشعيرة قائمة، مع ضرورة التزام الإجراء الوقائي، إلى جانب إغلاق صالات الأفراح والأسواق الشعبية.
المفارقة، أن المواطنين لم يستجيبوا للإجراءات الاحترازية التي دعت إليها الحكومة (تديرها حركة حماس) في غزة بعد الإعلان عن إصابة اثنين من المواطنين بالفيروس في الثاني والعشرين من مارس/ آذار الماضي، وأهمها الحفاظ على التباعد الاجتماعي، إذ تعجّ المتاجر الكبرى والأسواق الشعبية بالزبائن، دون اتخاذ أي من الاحتياطات الصحية الواجبة.
أمام هذا الواقع، يثار جدل كبير على استمرار السماح للأفراد بالتجمع في الأسواق، خصوصاً مع اقتراب العيد، وكذلك المطاعم والمقاهي، في الوقت الذين تمنع فيه الصلاة في المساجد.
ينتقد المواطن أحمد السيقلي الحكومة على ما سمّاه "التساهل" مع تجمع العامة في الأسواق والمولات التجارية، في الوقت الذي تستمر فيه الحكومة بمنع الصلاة في المساجد، قائلاً لرصيف22: "إذا كانت غزة خالية من مرضى فيروس كورونا والمتسوقون يتزاحمون في الأسواق، فلماذا تصر الحكومة على إغلاق المساجد؟".
قارن أحمد واقع قطاع غزة مع الضفة الغربية التي يعاني فيها 123 مصاباً بفيروس كورونا، من إجمالي عدد الإصابات 548 مصاباً، وقال متعجباً: "ها هي بعض مساجد مدينة جنين بالضفة الغربية فتحت أبوابها أمام المصلين مع اتخاذ التدابير الصحية، ونحن أولى بهذا الإجراء، على اعتبار أن غالبية الإصابات في قطاع غزة قد تعافت وفقاً لتصريحات وزارة الصحة".
"إذا كانت غزة خالية من مرضى فيروس كورونا والمتسوقون يتزاحمون في الأسواق، فلماذا تصر الحكومة على إغلاق المساجد؟"
في المقابل، دافع المواطن خالد الحلبي (40 عاماً) عن توجه وزارة الأوقاف، قائلاً: "نثق بلجنة الأئمة والمشايخ الذين اتخذوا قرار إغلاق المساجد، أما صواب القرار من عدمه فهو في علم الغيب، ربما لو فتحت المساجد لحدثت إصابات، غير أن الأهم أن من يريد الصلاة والتقرب إلى الله يمكنه فعل ذلك أينما كان سواء داخل المسجد أو خارجه".
وتقاطع قول الحلبي، مع ما قالته يسرى إسماعيل، وتعمل في قطاع التعليم: "قرار إغلاق المساجد جريء وصائب، ولكن الخلل في وعي عامة الناس الذين ينتشرون بشكل عشوائي، ومن دون اعتماد أدوات السلامة الصحية".
وتساءلت إسماعيل: "المسألة لا تخضع لأهواء الناس، هناك علماء وأئمة أفتوا بجواز إغلاق المساجد تجنباً لحصول كارثة صحية، وهم أعلمُ منا بذلك، فإذا لم ينصع الناس في الشوارع فهذا ذنب لا يتحمله المفتي أو الجهة صاحبة القرار".
"مواطنون منزعجون"
الجدل الذي أثير مع صدور بيان وزارة الأوقاف حول استئناف إغلاق المساجد، انتقل من مواقع التواصل الاجتماعي، إلى أوساط العامة في كل من سيارات الأجرة والمقاهي.
يقول علي طموس، وهو سائق أجرة، إن إغلاق المساجد أصبح حديث الركاب طيلة الوقت، وأن الناس لا يتقبلون فكرة استمرار إغلاقها في الوقت الذي أحدث فيه تدفق المواطنين إلى السوق ازدحاماً مرورياً شديداً.
يبرّر طموس (31 عاماً) رغبة الناس بإعادة فتح المساجد، نتيجة الحرص على استثمار ما تبقى من أيام شهر رمضان المبارك في أداء العبادة والتقرب إلى الله.
واتخذ قرار إغلاق المساجد في 24 مارس الماضي بشكل مؤقت، وذلك ضمن الإجراءات الوقائية لمواجهة خطر تفشّي فيروس "كورونا" الوبائي في القطاع المحاصر، فيما منعت الشرطة إقامة بيوت العزاء والحفلات، إلى جانب إغلاق جميع المقاهي وصالات المطاعم في كافة محافظات القطاع.
غير أن المطاعم استأنفت عملها مع دخول شهر رمضان بشكل فعلي، ويبرر مصدر مطلع في وزارة الداخلية قرار السماح بفتح المطاعم بأنه جاء نتيجة ضغط مارسته هيئة المطاعم والفنادق والخدمات السياحية بفعل الضرر الذي أحدثه الإغلاق، ونتج عنه تعطل نحو 5 آلاف عامل، في الوقت الذي تعجز فيه الحكومة عن تغطية احتياجات هذه الشريحة وغيرها من الشرائح المتضررة من إجراءات الوقاية من الفيروس.
وقال المصدر لرصيف22: "اتخذ قرار إعادة فتح المطاعم على اعتبار أنها تمثل مصدر رزق 5 آلاف أسرة تقريباً، جميعها تعاني ظروفاً اقتصادية صعبة، وشهر رمضان يعتبر من أكثر المواسم التي ينتعش فيها القطاع السياحي، لهذا استجبنا لرغبة هيئة المطاعم مع اشتراط اعتماد كافة الإجراءات الصحية السليمة، وهناك رقابة ميدانية حثيثة من قبل طواقمنا للتأكد من اتخاذ كافة التدابير والاحتياطات اللازمة داخل هذه المطاعم".
"نتفهّم العاطفة الدينية للمواطنين"
واحتد الجدل حول قرار إغلاق المساجد، مع الدخول في العشر الأواخر من رمضان، وهي أيام يستثمرها مسلمون في التقرب إلى الله من خلال الاعتكاف، وتأدية قيام الليل داخل المساجد.
في الأعوام السابقة كانت مساجد غزة تشهد احتشاداً كبيراً للمصليين والمعتكفين.
في الأعوام السابقة كانت مساجد القطاع تشهد احتشاداً كبيراً للمصليين والمعتكفين، مع اعتماد جداول لاستثمار أوقات الاعتكاف بالأدعية والصلاة وقراءة القرآن والدروس الدينية والوعظ. وبخاصة الجامع العمري الكبير الواقع وسط مدينة غزة، والذي يُعرف بتاريخه العريق وضخامة أعداد رواده خلال رمضان.
إحسان عاشور، مفتي محافظة خانيونس جنوب قطاع غزة، حاول أن يحسم الجدل بإصداره فتوى، قال فيها: "لقد كثر النقاش والخلاف في مسألة إغلاق المساجد عند الضرورة وعليه، فإن اختلاف أهل العلم في مسألة من النوازل هو ظاهرة صحية سليمة مقبولة".
وأكَّد أن وزارة الأوقاف هي صاحبة الولاية الإدارية على المساجد، وقد أخذت وتبنت الرأي القائل بجواز إغلاق المساجد عند الضرورة: "فلا يجوز الافتئات عليها ولا مخالفتها، حفاظاً على وحدة الصف واجتماع الكلمة، ومنعاً للاختلاف والتنازع وقطعاً لدابر الفرقة والخصام"، على حد قوله.
"فتح الأسواق جاء نتيجة ضغط مارسته هيئة المطاعم والفنادق والخدمات السياحية بفعل الضرر الذي أحدثه الإغلاق، ونتج عنه تعطل آلاف العمال، في الوقت الذي لا تستطيع الحكومة تغطية احتياجات هذه الشريحة" مسؤول بوزارة الداخلية لرصيف22
فيما ذهب المتحدث باسم وزارة الأوقاف في قطاع غزة، عادل الهور، إلى الدفاع عن موقف وزارته المتخذ بشأن استمرار إغلاق المساجد، قائلاً: "نحن في حالة انعقاد دائم وتقييم مستمر للقرار الذي أُعلن في مارس/ آذار الماضي، بالتواصل مع كافة الجهات المختصة".
ونفى في حديث لرصيف22، الشائعات التي تثار عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حول نية الوزارة اتخاذ قرار جديد يسمح بإعادة فتح المساجد خلال العشر الأواخر من رمضان، وقال: "لم يطرأ أي جديد على القرار حتى هذه اللحظة، ونحن نقوم بعملية تقييم مستمرة لتقدير الموقف حرصاً على سلامة المصلين".
وأضاف: "نحن نتفهم العاطفة الدينية لدى المواطنين، خصوصاً في العشر الأواخر من الشهر الفضيل، لكننا أيضاً ملتزمون بصون وحماية المصلين، وبخاصة أن قطاع غزة لا يتحمل دخول الوباء، نظراً لضعف الإمكانيات المتاحة للتعامل مع جائحة مثل كورونا".
ومن الواضح أنها المرة الاولى التي لن تحيي فيها مساجد غزة ليلة القدر، التي جرت العادة على تحرّيها ليلة 27 رمضان، غير أن حركة التسوق خلال العشر الأواخر لم يطرأ عليها أي قيود.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع