"لماذا تحولت الدنيا إلى هذه الحالة البشعة؟ كيف تحولت حياتنا إلى سجن، الطرقات مقفرة، الحدائق والمنتزهات مغلقة، الشوارع خالية من المارة الذين استجابوا لإجراءات السلطات بالبقاء في المنازل، منعاً لتفشي فيروس كورونا الآخذ في التمدّد، والويل كل الويل لمن تجرأ وخرج يتمشى على قدميه، إذ سيجد نفسه أمام دوريات للشرطة تقوده إلى المخفر من أجل تحرير محضر في حقه، وحبيبي، أين أنت يا حبيبي؟ حتى في أحلك التوقعات لم أكن لأتوقع أن أفارق عيني حبيبي على مدار أربعين يوما كاملة".
تجول تلك الأسئلة في عقل ثريا، وهي تستلقي في إحدى الليالي الهادئة في منتصف رمضان، حاملة بيدها هاتفها، تحاول أن تقتل الوقت.
"رمضان لا يمنعني من الكلام"
تقول ثريا، اسم مستعار (27 عاماً)، تعيش في مدينة الدار البيضاء، لرصيف22، مستعيدة تفاصيل علاقتها مع حبيبها: "في رمضان الماضي كنا نسترق الوقت خلسة بعد الفطور للجلوس على إحدى المقاهي المطلة على كورنيش عين ذئاب، مستمتعين بأجواء البحر ليلاً، وبسهرات غنائية تقام حوله، اليوم الصورة اختلفت".
تؤكد ثريا أن أجواء التباعد الاجتماعي في رمضان لم تؤثر على مشاعرها الغرامية مع خطيبها، الذي يقطن في مدينة الرباط التي تبعد 95 كيلومتراً عن الدار البيضاء، وأنهما في تواصل يومي ومستمر.
في الوقت الذي وجد فيه شباب وفتيات في مواقع وتطبيقات المواعدة، مكالمات الفيديو والرسائل النصية، وسيلة للتعبير عن مشاعرهم للشريك، ومُتنفَّساً لهم في رمضان، وأجواء الحجر الصحي، يرى آخرون أن مجرد كلام الحب في رمضان "فتنة"
تقول ثريا: "أتحدث مع خطيبي بشكل مستمر، حتى في نهار رمضان خلال هذه الأيام، وما يعيشه العالم من تباعد اجتماعي لم يمنعنا من التعبير عن مشاعرنا، فنحن نتبادل المكالمات الهاتفية والرسائل النصية التي تحمل كلمات عشق وغرام، ومحادثات فيديو كثيرة، قد تصل إلى ست مرات في اليوم".
المكالمات الطويلة بين ثريا وخطيبها خلقت تفاصيل أخرى، تقول: "نقوم بطهي نفس الطعام، نلعب بعض الألعاب عبر الإنترنت، نحاول أن نتشارك فيما بيننا بعض الأنشطة، ونحرص على التعبير عن مشاعرنا، كل هذا في ظل الابتعاد عن بعضنا البعض لفترة غير محددة من الوقت، ورمضان لم يكن عائقاً أمام ذلك، فالتعبير عن المشاعر يمكن أن يكون في كل زمان ومكان ".
"نفتقر إلى حب ولمس"
بعد الإفطار، لا تجد سمية (29سنة)، من مدينة فاس، شيئاً تفعله إلا إجراء مكالمة فيديو عبر تطبيق "فايس تايم" مع حبيبها، وهي المكالمة التي تستمر لساعات طوال، وفي بعض الأحيان حتى آذان الفجر، تقول لرصيف22: "كنت في علاقة عاطفية مع هذا الشخص قبل أن يصبح وباء كوفيد 19 تهديداً عالمياً حقيقياً، كنا نلتقي مع بعضنا مرتين كل أسبوع، لكنا لم نكن نتخيل حدوث شيء من هذا القبيل، مكالمات فيديو وتبادل الصور تجعل تواصلنا دائماً ومستمراً لكن غالباً ما تجعلك ترغب في التواصل مع شخص ما، ولمسه، ما يعطيك إحساساً بالحب".
يشاطر رشيد الزياني (35 عاماً)، من الدار البيضاء، سمية الرأي، يقول لرصيف22: "في الماضي، كنت وصديقتي حتى في رمضان، نحتفل داخل فضاءات الترفيه والرقص والغناء والنغم، لكن اليوم يقتصر الأمر على الاتصالات الهاتفية، إلا أنها لا تشفي الغليل، فنحن فعلا نفتقر إلى الكثير من الحب واللمس".
هل تبادل الرسائل يبطل الصيام؟
في الوقت الذي وجد فيه شباب وفتيات في مواقع وتطبيقات المواعدة، مكالمات الفيديو والرسائل النصية، وسيلة للتعبير عن مشاعرهم للشريك، ومُتنفَّساً لهم في رمضان الذي تزامن هذه السنة مع الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي، يرى آخرون أن مجرد كلام الحب في رمضان "فتنة".
تقول سناء (26 سنة)، تعمل في مركز اتصالات: "توقفنا أنا وخطيبي عن المراسلة والاتصال ببعضنا البعض في رمضان، لكونه يعتقد أن المواعدة حرام خلال رمضان، هذا يجعلني أشعر بالحزن، وحتى بالوحدة في بعض الأحيان. لم يعد يتحدث معي كثيراً، ويستغرق غالباً وقتاً طويلاً للرد على رسائلي، فهو يقول إن الصائم عليه الابتعاد عن جميع المحرمات والمغريات والمثيرات التي تنافي حكمة الصوم وأهدافه".
"أحب خطيبي كثيراً، كنا قد أعلنا خطوبتنا بعد قصة حب لم تكن بالطويلة، كنت سعيدة معه، كنا نلتقي مساء كل سبت بحكم انشغاله طيلة أيام الأسبوع، كنا نتحدث عن مشاريعنا المستقبلية ما بعد الزواج، وكنا نتناقش في الكثير من الأمور المتعلقة بالحياة المشتركة، لكن الآن، وبعدما حل رمضان في ظل هذه الظروف التي يمر فيها العالم، كأني اكتشفت جانباً من شخصية خطيبي لم أنتبه له من قبل، ما قد يكون سبب اختلافنا في المستقبل، فكيف يتهرب من الرد على رسائلي لمجرد أنني قد أفسد صيامه، هل تبادل الرسائل من مبطلات الصيام، ما هذا التعقيد؟"، تقول سناء.
"زوجي لا يقبلني في رمضان"
"في العادة يودعني زوجي بحضن وقبلة، إلا أنه في رمضان يحرمني منهما وأكون بذلك حزينة. اليوم لا قبلات ولا أحضان ولا عناق، كما أنه مؤخراً أصبح يتجنبني ويمتنع تماماً عني في ليالي رمضان، وكل منا ينام في غرفة"، هكذا وصفت هاجر (اسم مستعار)، 34 عاماً، علاقتها بزوجها في ليالي رمضان، على مدار خمس سنوات من الزواج.
"بعدما حل رمضان في ظل هذه الظروف التي يمر فيها العالم، كأني اكتشفت جانباً من شخصية خطيبي لم أنتبه له من قبل، ما قد يكون سبب اختلافنا في المستقبل، فكيف يتهرب من الرد على رسائلي لمجرد أنني قد أفسد صيامه"
تعرفت هاجر، صاحبة محل لبيع الحلي النسائية، على زوجها في السادسة والعشرين من عمرها، كان كل منهما مُستغرقاً تماماً في حياته المهنية، كل ذلك لم يمنحهما الوقت الكافي للتقارب من بعضهما، اليوم، وبعد انتشار فيروس كورونا المُستجد الذي أجبر الجميع على الالتزام بالحجر، تغيرت الحياة التي اعتادت عليها هاجر وزوجها، ليجدا نفسيهما يجلسان في البيت طوال 24 ساعة.
تقول هاجر: "في هذه الظروف، نتشاجر في اليوم ما يزيد عن 10 مرات، لأسباب تافهة، سواء بسبب احتكاره للتلفاز أو بسبب البهارات الزائدة في الأكل".
تعيش هاجر أيام رمضان يفترسها قلق وشك ووساوس، متسائلة عن وجود رفض غير معلن لعلاقتهما، هل حقاً يبتعد عني من أجل الصيام وشهر رمضان، هل كورونا وملازمتنا البعض طوال الوقت هي المشكلة؟ تعود وتجيب على نفسها: "كل ما أعرفه أن العلاقة الحميمية بين الزوجين لا تتأثر في رمضان".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...