شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
بعد أن تحول العالم إلى حقل تجارب مفتوح، أين حقوقنا؟

بعد أن تحول العالم إلى حقل تجارب مفتوح، أين حقوقنا؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 14 مايو 202001:26 م

لا يبدو الحديث عن عالم خال من الأمراض والموت يوتوبيا ساذجة بقدر ما يمكن اعتباره وقود لإمداد ماكينة الاستغلال، الاقتصادي على وجه الخصوص، للقلق والمخاوف البشرية من العجز والفناء من قبل أنظمة الحكم السياسية في العالم ككل. ولعل المؤسسة الطبية اليوم، وتحديداً في ظل تفشي وباء كورونا، كشفت عن ارتباطها الوثيق بهذه الأنظمة لدى مغادرتها للقواعد الأخلاقية التي أرساها المعلمون الأوائل وتحولها إلى "بزنس" بحت كمنظومة منتجة وظيفتها الأساسية رفد الاقتصاد بما يتناسب مع استراتيجيات الدول. لنجد أن الفرق تضاءل بين منطق البقالة ومنطق الإبداع في عالم الطب بوجود جيوش من الكوادر دأبت على إنتاج قيمة اقتصادية قائمة على الممارسة الاستهلاكية للمعلومة الطبية دون إضافة تذكر في تاريخ الإنجازات الطبية. وربما تجسد هذا في إعلان كوفيد 19 كجائحة وفرض حجر عام تحت طائلة العقوبة القانونية ليس فقط دون تقديم حل ناجع للمشكلة، بل ترافق مع خلق مشكلة اقتصادية في جميع أنحاء العالم.

ووفقاً لتوقعات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والبنك الدولي،  من المرجح أن ينخفض ​​النمو الاقتصادي العالمي إلى النصف بسبب تداعيات الفايروس، وبالتالي غرق 40-60 مليون شخص إضافي في فقر مدقع في جميع أنحاء العالم. وسيكون أسوأ المتضررين هم الذين يعيشون على الهامش في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، حيث يقيم أكثر من 85 في المائة من اللاجئين في العالم حاليًا.

وهذا الواقع القاسي قائم بالفعل في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي تضم إلى جانب تركيا أكثر من ستة ملايين لاجئ وأكثر من 10 ملايين نازح داخليًا يفرون من العنف في سوريا واليمن وخارجها، إضافة إلى دول أوربا والولايات المتحدة.

هل نرى ولادة جديدة لمفهوم الحقوق الشعبية التي لا تمنحها لنا القوانين السياسية والتحذيرات الطبية بل نستمدها من القانون الطبيعي وغريزة البقاء؟ ربما يشهد العالم تمرداً بين الشعوب لحماية حقوقها بالحصول على كفاف يومها

الأزمة الاقتصادية للاجئين

قبل شهرين من اليوم كانت الحياة أخيراً بدأت تبتسم في وجه مصعب البالغ من العمر 33 عاماً، وهو لاجئ سوري يعيش في ثاني أكبر مدينة في تونس، صفاقس. وفي تونس، البلد الذي سجل ثورة للحريات المدنية والدينية على مستوى العالم العربي، أنفق مصعب مدخراته لفتح مطعم كباب وكان يتطلع إلى كسب ما يكفي للزواج من حبيبته. ثم، في أوائل آذار/ مارس، ضرب الفايروس البلاد، وأعقبه فرض إغلاق جميع المطاعم ترافق مع الإبلاغ عن أقل من 1000 إصابة مؤكدة في جميع أنحاء البلاد. لكن الأثر المالي كان قاسياً على التونسيين واللاجئين مثل مصعب الذي فقد مصدر دخله ومدخراته. وقد سعت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى تخفيف حدة الصدمة من خلال تقديم 500 دينار تونسي (173 دولار أمريكي) كمساعدة طارئة، لكن مصعب يخشى مما سيحدث في حال استمرت الأزمة.

كما أفاد عدد كبير من اللاجئين في العديد من الدول المضيفة للاجئين الرئيسية في المنطقة مثل مصر والعراق والأردن، أنهم فقدوا مصدر دخلهم الرئيسي بفعل الأزمة. ففي الأردن، كان التأثير على اللاجئين عميقًا بعد توقف مصدر دخلهم. فمثلاً، نعيم لاجئ سوري يسكن مع عائلته في العاصمة الأردنية عمان منذ فرارهم من دمشق في عام 2014، يعمل كبلاط في مواقع البناء، ويعتمد على كسب ما يكفي خلال أشهر الدفء عندما تكون الوظائف وفيرة ليقتات مما يدخره بقية العام. والحجر في الأردن يعني أنه لم يعد يمكنه العمل. أوضح نعيم: "لقد أمضينا ستة أعوام في الأردن لم أطلب فيها مساعدة أحد، ولكن في الوقت الذي ينبغي أن أعمل فيه أكثر من غيره، لم يعد يوجد عمل". وقد عبر عن أن أكبر مخاوفه هو ما سيحدث إذا لم يتمكن من دفع 200 دينار أردني (282 دولارًا أمريكيًا) من الإيجار المستحق عليه بحلول نهاية الشهر، وبالتالي إخلاء العقار الذي يسكن فيه. وبالفعل فقد أبلغ اللاجئون في الجزائر ومصر والعراق ولبنان وليبيا وموريتانيا وتونس عن زيادة في عمليات الإخلاء أو التهديد بالإخلاء.

وفي لبنان، الذي كان يعاني بالفعل من أزمة اقتصادية قبل أن يسبب الفيروس المزيد من الاضطرابات، أفاد أكثر من نصف اللاجئين الذين شملهم الاستطلاع في أواخر أبريل أنهم فقدوا سبل عيشهم مثل العمل اليومي، حيث قال 70 في المائة إنهم اضطروا إلى التقليل من استهلاك الطعام بسبب شح موارد الدخل.

أما في الداخل السوري، ومع وجود ما يقارب 6.1 مليون شخص نازح داخليًا و11 مليونًا بحاجة إلى المساعدة الإنسانية، فقد أدى فقدان الدخل وارتفاع تكلفة الغذاء الناجمة عن الأزمة الصحية الحالية يؤديان تفاقم الوضع الاقتصادي البائس أصلاً لهؤلاء.

ربيع، البالغ من العمر 45 سنة والنازح مع عائلته بعد تدمير منزلهم في شرق حلب عام 2012، استأنف العمل في صناعة النسيج في المدينة نفسها أخيراً. ولكن مع إغلاق المصنع منذ أوائل مارس، نفد بسرعة من المال والخيارات.

يقول ربيع: "عندما أذهب إلى السوق، أقف هناك في حالة من الذعر لا أعرف ماذا أشتري". "مع القليل من المال وارتفاع الأسعار بشكل كبير، أشتري نوعاً واحداً من الخضار في كل مرة، والحصول على اللحوم أصبح حلماً".

الولايات المتحدة في المقلب نفسه

أجبرت اللاجئة الصومالية منى التي تبلغ من العمر 33 عامًا وتعيش في العاصمة اليمنية صنعاء، على إغلاق صالون التجميل الصغير الخاص بها الشهر الماضي في الفترة التي تسبق موسم الزفاف المزدحم. ومع اعتماد ابنها وخمسة أقارب آخرين على دخلها اليومي المنتظم من 3000 إلى 6000 ريال يمني (6-12 دولارًا أمريكيًا) لتغطية احتياجاتهم الأساسية، فإن فقدان عملها تركهم جميعاً في حالة من العوز.

ويبدو أن العاملين في القطاعات غير الرسمية هم من بين الأكثر عرضة لانهيار الدخل، فقد قدرت منظمة العمل الدولية أن حوالي 1.6 مليار عامل اليوم يعانون من صعوبات جسيمة لكسب لقمة العيش، وهذا لا يستثني بلداً مثل الولايات المتحدة الأمريكية. ففي قصة مشابهة لقصة منى، تلقت بدورها شيلي لوثر صاحبة صالون تجميل في ولاية دالاس، إنذاراً قضائياً بدفع غرامة نتيجة لمتابعة عملها وتحديها لفرض لحجر الصحي. وعندما رفضت دفع الغرامات، أدانتها المحكمة بتهمة احتقار السلطات – ووصفها القاضي إريك موي بأنها أنانية، فكان ردها: "إطعام أطفالي ليس عملاً أنانياً" يروي قصة شيلي الكاتب والصحفي الأمريكي جيف مينيك الذي يشير إلى أن شيلي تحولت إلى بطلة شعبية لأنها تمثل البسطاء من الأمريكيين بعد أن أصبح للسياسيين والمثقفين النخبويين التأثير الاكبر على اقتصاد العالم والرأي العام العالمي وهؤلاء هم نفس الأشخاص الذين يدافعون عن قضايا إنسانية مثل اللغة المحايدة جنسانياً ومصادرة الأسلحة النارية؛ وحق التحول الجنسي.

وهم، على حد تعبير مينيك، "لا يمثلون الشريحة الأكبر من الأمريكيين الذين لم تتلوث أدمغتهم بالفلسفة المسيسة وكل مل يريدونه هو العمل في وظائفهم وتربية أطفالهم والعيش في كنف عوائلهم بسلام". ويذكر مينيك أن احتجاجات باتت تعم أرجاء الولايات المتحدة اليوم مطالبة بإلغاء الحجر حتى يتمكنوا من كسب لقمة العيش، أو زيارة الأصدقاء، أو قضاء يوم في الشاطئ. فمن غير المنطقي أن تزاول متاجر البقالة أعمالها بينما يبقى متجر الإطارات المجاور مغلقًا؛ أو أن تعتبر متاجر الخمور ضرورية، بينما تغلق الكنائس؛ أو أن تصبح الحدائق والشواطئ مصدراً للوباء بعد أن ن أن كانت مصدراً للفيتامينات الطبيعية.

رفع الحظر في أفريقيا

دفعت الأزمة الاقتصادية عدة دول أفريقية لرفع إجراءات الحظر الجزئي المفروض لوقف انتشار فيروس كورونا، لكن الحظر على التجمعات لا يزال ساريًا. وبينما لا تزال المرافق التعليمية مغلقة في معظم البلدان الأفريقية، فقد سُمح للشركات بالعمل المشروط.

وفي الكاميرون، صرح رئيس الوزراء في بيان له إن الدولة الواقعة في وسط إفريقيا، والتي تعاني من أكثر من 2000 حالة اصابة بالفيروس التاجي، ترزح تحت خطر أشد بسبب الأزمة الاقتصادية منذ شهر مارس. فقد خلقت هذه الإجراءات على حد قوله "تشوهات اقتصادية واجتماعية ظهرت آثارها في العديد من المجالات".

وفي الأسبوع الماضي، أوقفت محكمة مالاوي العليا الحكومة فرض الحظر الذي أعلنه الرئيس بيتر موثاريكا في منتصف أبريل.

ومن جهته فقد انتقد الدكتور لانر أولوسوند، رئيس جمعية الأطباء المقيمين في نيجيريا، قرار الرئيس بتخفيف إجراءات الحظر. ونقلت صحيفة ديلي بوست عنه قوله "أعتقد أنه ليس الخيار الأفضل في هذا الوقت عندما نرى أدلة على الانتشار النشط للفايروس في المجتمع". وأضاف "أصلي بصدق أن لا يحدث لدينا عدد الوفيات المسجلة في ايطاليا أو في الولايات المتحدة."

بعد أن تحول المجتمع العالمي منذ أكثر من شهرين إلى حقل تجارب مفتوح، لتصبح حتى أكثر دول العالم حرية وديمقراطية سجناً كبيراً لقطعان شعبية يتم توجيهها بسهولة من قبل الإعلام والسياسيين، والمؤسسات القانونية، ونجوم التقدمية، والمثقفين التوعويين، تنطق لقمة العيش بالحكم الفصل

"حذار من العواقب"

يعتقد مينيك أن أولئك المؤيدين لاستمرار الحظر يعتقدون أن المحتجين على إجراءات الأزمة الصحية جاهلون وعميان عن الانتشار المحتمل للفيروس. وهم بالطبع لم يخسروا دخلهم ووظائفهم، ولا يواجهون خطر فقدان منازله أو يتساءلون كل صباح ما إذا كانوا سيتمكنون من تأمين خبزهم.

لكن الأمر يتجاوز الأفراد ليشمل منظمات دولية فقد صرح المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمي لأفريقيا د. ماتشيديسو مويتي  في مؤتمر صحفي له الأسبوع الماضي بأنه "عندما تقرر الحكومة عدم إغلاق مدينة، فإنها بحاجة إلى أن تدرك أنه ستكون هناك عواقب من حيث انتشار الفيروس".

وقالت مسؤولة منظمة الصحة العالمية إنها تأمل في أن تتخذ هذه القرارات مع مراعاة التوازن بين المقدرات الاقتصادية ووقف انتشار جائحة يمكن أن يكون لها عواقب وخيمة في هذه البلدان.

ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، هناك أكثر من 42000 حالة مؤكدة من في القارة الأفريقية - مع أكثر من 1700 حالة وفاة مرتبطة بها. وتعد مصر، جنوب أفريقيا، الجزائر، تونس، الكاميرون، غانا، نيجيريا، غينيا، ساحل العاج هي الدول الأكثر تضررا من فيروس كورونا الجديد في أفريقيا.

وهكذا بعد أن تحول المجتمع العالمي منذ أكثر من شهرين إلى حقل تجارب مفتوح نالت وسائل الإعلام حصتها فيه، لتصبح حتى أكثر دول العالم حرية وديمقراطية سجناً كبيراً لقطعان شعبية يتم توجيهها بسهولة من قبل الإعلام والسياسيين، والمؤسسات القانونية، ونجوم التقدمية، والمثقفين التوعويين، تنطق لقمة العيش بالحكم الفصل. فهل نرى ولادة جديدة لمفهوم الحقوق الشعبية التي لا تمنحها لنا القوانين السياسية والتحذيرات الطبية بل نستمدها من القانون الطبيعي وغريزة البقاء؟ ربما يشهد العالم تمرداً بين الشعوب لحماية حقوقها بالحصول على كفاف يومها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image